إسماعيل النجار ||
كما هيَ عادته!
الأمريكي يُفَكِّر بعضلاتِهِ، ويُخَطِّط مُعتَمِداً على أدواتِه، يأخُذ من حسابك ويُساوِمُكَ عليه.
أمريكا لَعِبَت أدواراً كثيرة وكبيرة على مستوى العالم، منذ الحرب العالمية الأولى، أتاحت لها الخروج للمرة الثانية من خلف البحار إلى منطقة المتوسط، بعدالمواجهة البحرية العثمانيةالأولى، خارج المياه الإقليمية الأمريكية، خلال الفترة المُمتَدَّة من 1801 إلى 1804، والتي انتهت بهزيمة الأسطول الأمريكي وإذلال الأمريكيين، في أول حرب لهم خارج حدود بلادهم، وذلك بعد رفضهم دفع الجزية للحاكم العثماني "يوسف قرة مانلي".
الأمريكيون الذين استفردوا في حكم العالم، نتيجة تَفَكُك الِاتّحاد السوفياتي وسيطرة العملة الخضراء على السوق العالمية، لَم يتركوا بلداً مستقلاً من بُلدان العالم يسلَم من دمارهم وشَرُورهِم وفِتَنِهم ونَهْبِهِم لخيراته،
من ١٨٠١ إلى ١٩١٤، بل إلى ١٩٤٥، ولغاية اليوم، تاريخ أمريكيٌّ حافل بالتدخلات في شؤون الدُوَل والِاعتداءات على الشعوب، وإحتلال البلدان وتدميرها والسيطرة على مقدراتها ونهب ثرواتها، حيث لَم يسلَم من شَر أمريكا بشر او حجر أو شَجَر، فكانت تحشُر أنفها بكل صغيرة وكبيرة، وتفرض شريعتها وقانونها بالقوَّة الجبرية، فيكون نصيب مَن يعارضها أو يقف في وجهها الحصار والعقوبات أو القصف والتدمير.
فاليابان لا تزال تعاني من قذف الأمريكيين لها بالسلاح الذري، وفيتنام عانت من النابالم والمواد السامة الأمريكية، وعانى لبنان عام ١٩٨٢ من جحيم نيوجيرسي، وأفغانستان عانت من البطش الأمريكي، ويوغسلافيا من نيران الطائرات وصواريخ الكروز، أما العراق فحَدِّث ولا حَرَج عمّا ارتكبته الأيادي الأمريكية،حيث سجن أبوغريب وصمَةُ عار على جبين الولايات المتحدة الأمريكية حتى آخر الزمان.
وما عانته أيضاً سوريا،واليمن وما ارتكبت الأمريكيون بآلتهم الحربية الفتّاكةعلى أرضِهِ.
واليوم لبنان يعود مجدداً إلى واجهة الأحداث السياسية والأمنية،في منطقة الشرق الأوسط من جديد، إذ بِسبب الإهتمام الأمريكي بأمن وسلامة الكيان الصهيوني المجرم، الذي هزمتهُ المقاومة الإسلامية، وهَدَّدَت أصل وجودهُ بالكامل، اضطُرَّت واشنطن للتدخل بشكلٍ مباشر، دفاعاً عن ابنها بالتّبنّي الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، فكانَت لها عِدَّة محاولات لتركيع لبنان وتدجين مقاومته، كلُّها باءت بالفشل.
فلا الحرب العسكرية استطاعت التَغَلُبَ على القوة القاهرة فيه، ولا الحصار الِاقتصاديُّ والماليُّ استطاعَ النَيل منه، لأن قدرة المقاومةعلى المواجهة والصمود فاقت بكثيرٍ ما توقعه الأمريكيون.
وفي كل مَرَّةتفشَل فيهاالإدارةالأميركية في تسويق مشروعها في الداخل اللبناني،تكون هناك خطة B لِلِانتقال إليها بِلا كَلَل ولا مَلَل،
وها هي اليوم إنتَقَلت، كصاحبة أكبر دَور فتنوي في العالم، إلى لعب دَور خطير جداً على الساحة اللبنانية عبر أدواتها السعوديين والإماراتيين المتمثلين بأذناب الداخل اللبناني،
تَصدَّرَ مشهدهم سمير جعجع، أحد أكبر مجرمي الحرب الأهلية في لبنان، أيضاً هناكَ ضابطٌ سابق في قوَىَ الأمن الداخلي اللبناني، كانَ طيلة فترة خدمته في السِلك العسكري أشبه بالأرملة التي تستجدي الرِضا والثناء فلا يُسمَع لها صوت ولا تفتَح فمها لغير الطعام،وبعدما أصبَح مدنياً أخرجَ ما وفره من كلام، طيلة عقد طويل من الزمن، وقررَ التنسيق مع جعجع للقيام بالدور الريادي، في مقاتلة حزب الله، بعدأن رفضَ، أو عَجَزَالحريري الإبن عن القيام بذلك.
اللعبة الأمريكية الخطِرة ُطالت مؤسسات الجيش اللبناني والقِوى الأمنية الأخرىَ، وأصابتها في مَقَتَل، حيث تدهورت قيمة العملة الوطنية، وانخفضت قيمة رواتب عناصر هذه المؤسسات إلى ما دون الحد الأدنى المطلوب،الأمر الذي أثَّرَ سلباً على حياة العسكريين المعيشية، فأصبح الفرار من المؤسسة الأمنية سبيلاً أنجع للوصول إلى حياة كريمة.
وكُل هذا حَصَل بسبب الحصارالأمريكي المفروض على اللبنانيين، بأيادٍ داخلية عميلة، والهدف هو تجويع اللبنانيين، وتأليبهم على المقاومة، أو إشعال حرب أهلية داخلية، من أجل إشغال هذه المقاومة، وتجريدها من شرعيتها وشطب دورها التحرري الوطني، ووصمها بالميليشيا المسلحة غير الشرعية، لإبعاد خطرها عن الكيان الصهيوني.
قيادة حزب الله تعي جيداً ما يدور حولها، وتعرف حجم المؤامرةوأدواتها ودوافعها، فتزحزحَت إلى الخلف قليلاً، لكي تمنع الفتنة أو الحرب الأهلية، واحتكمَت إلى القضاء بكل الجرائم التي رتُكِبَت بحق بيئتها وأبنائها، ومع ذلك لايزال التحريض الأمريكي السعودي مستمراً، لحشر الحزب في الزاوية الضيقة!.
بكُل الأحوال، حزب الله يعرف وأمريكا تستبعد؟ لكن المؤكد أن ما يعرفه هذا الحزب الفولاذي هوَ ما سيحصل على أرض الواقع، في حال استمر الدفع نحو الحرب،فإنّ المنطقة بكاملهاستشتعل، من طهران حتىَ فلسطين، ولن تكون حرباً محدودة، وإنَّما شاملة، قد لا تعي إسرائيل خلالها من أين ستتلقى الضربات الصاروخية المُدَمِّرَة.
الملف النووي هوَ صَمَّام الأمان.
إذا تم الِاتّفاق والتوقيع، فإن التشنج السياسي في المنطقة سيخف، وقد تختفي بعضٌ من الحروب الإعلامية والحشود العسكرية،وربما تلي الاتفاقَ تفاهماتٌ كُبرَىَ على مستوى المنطقة وسط عُواءٍ صهيونيٍّ لافت، وصمت خليجيٍّ سعوديٍّ بالتحديد.
لكنّ هذا لن يُشكِلَ ضمانةً لطهران، في حال وقعت حرب إيرانية إسرائيلية، لأنّ أمريكا ستحارب مع إسرائيل إلى آخر رَمَق.
فماذا ستكون الضمانة التي ستقبل بها طهران، هذا ما ستجيب عليه المحادثات الجارية في ڤيينّا.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha