د. اسماعيل النجار ||
وختمها سعد بالتي هيَ أحسن بالنسبة إليه،فكسرَالقَدَم الرابعةالتي يقف عليها نظام المحاصصة في لبنان.
اعتزالٌ واعتكافٌ وأسبابٌ واهيَة، ظاهرُها مُزيَّفٌ وباطنُها واضح للجميع،
هكذا بدا زعيم تيار المستقبل سعد الدين رفيق الحريري بالأمس، أثناء إلقاء كلمته الأخيرة في بيت الوسط، أمام جمهورٍ واسع من قيادات تيارِه ونواب كتلته، حيثُ أعلن خلالها اعتزاله السياسة، وعزوفهُ عن تَرْشِيح نفسه للِانتخابات البرلمانية القادمة،لا هوَ ولا أيّ واحدٍ من أفراد تياره ونوابه الحاليين.
مجموعةُ تناقضاتٍ وقعَ فيها الشيخ سعد، لجهة موقفه من متابعة حياته السياسية من عدمها!
فالِاعتزال،بعُرف المتعمِّقين بعلم اللغة العربية، يعني الِابتعاد كلياً عن ممارسة دورٍ ما أو مهنة، ما يعني أنّ بقاء حزبه وبقاءه هو على رأسهِ لا يعني اعتزالاً،
لأنه طالما بقيَ حزب تيار المستقبل على الساحة، فهذا معناهُ أنه سيمارس السياسة، ولو من خارج المناصب الحكومية، وربما من ساحة المعارضة من خارج الحُكم، فالِاعتزال والصمت الذي يتحدث عنه سعد، لا يتوافق مع بقاء الهيكلية التنظيمية للتيار، وعدم اتخاذ قرار بحَلِّهِ رسمياً.
فعلىَ مَن تضحَك ياسعد،وعلى من تقرأ مزاميرَكَ ؟
يا سعد..كَمَ كُنَّا نتمنَّىَ أن تكونَ شُجاعاً، ولو لمرَّةٍ واحدةٍ في حياتك السياسية، ولكن للأسف، فإنّ بعضَ مؤيِّدِيك كانوا الأشجع، وسبقوك إلى قول الحقيقة والتعبير عن رأيهم، حين جاؤوك متضامنين معك في دارتك.
الاِعتزال ياشيخ سعد، يعني الِابتعاد عن الكار السياسي بشكلٍ نهائي، وليسَ نُص نُص!!
هذا أوّلاً.
وثانياً : تبرير عزوف الشيخ سعد عن ممارسة دوره السياسي، بحُجّة أنّه لا يستطيع الِاستمرار، مع وجود إيران في لبنان! هو أمر غاية في السُّخرِيَّة، ضَحِك عليه الكبير والصغير،لأن ليس من عالِمٍ أو جاهلٍ في هذا البَلَد وفي العالم العربي، إلَّا ويعرف تمام المعرفة أنّ الأسباب الحقيقيةَ التي تمنع سعد الحريري من استكمال مسيرة والده، التي انحرَف عنها، تكمن في تبعيَّتِهِ لأمراء بني سعود المجرمين.
فأمراءُ بني سعود، هُم الذين اختطفوه وأهانوه، وصادروا ممتلكاته وأفلسوه، وأوقفوا عنه الدعم والإمداد، وفرضوا عليه الِاستقالة،و هم احتجزوا عائلته، ومنعوه من ممارسة حياتهِ السياسية وأبعدوه، حتى جاءَ اليوم ليبرِّر، أمام جمهورهِ، عجزه عن مواجهة محمد بن سلمان،بقرار عزوفه عن متابعة الحياة السياسية، تحت عنوان الِاحتلال الإيراني!!!
فعلاً مُضحِكٌ سعد....
أما كانَ الأجدَىَ بسعد الحريري أن يواجه تيارهُ وجمهوره بالحقيقة؟ وأن يصارحهم بما يعرفونه، من أسبابٍ حقيقية وجيهةٍ دفعته لِاتِّخاذ هكذا قرار؟
وأهم هذه الأسباب كانت ماديَّةً بَحت، حيث إنّه لم يَعُد قادراً على تلبية متطلبات حيتان التيار الذين يُحيطون بهِ، بأفواهٍ مفتوحة بشراهة لا تشبع!
ولعدم قدرتهِ على تحمُّل أعباء الِانتخابات النيابية المادية، التي تحتاج إلى قُرابة ال٥٠٠ مليون دولار أمريكي، لأنه اعتاد شراء الذِمَم، وكل موسم انتخابات في لبنان هوموسم استِرزاقٍ لِأزلامهِ ومَن حَوله!
والسبب الآخر، هو أنّ سعد اتّفق مع أركان السُلطَة، على أن يعزُفَ عن ترشيح نفسه، و أن يمنع نوابه وقياداته من الترشُح إلى الِانتخابات، لتصبحَ بنظرالقِوَىَ اللبنانيةغير ميثاقية،بسبب غياب القوّة السُنِّيَّةِ الأكبر، فيَتِمُّ تطييرُها وتأجيلُها، والتمديدُ للمجلس النيابي سنةً أُخرىَ، بانتظار أن يموت الملك أو يموت الحمار أو يموت جحا؟
وهناك أيضاً سبب ثالث لِامتناع سعد عن ممارسةحياته السياسية، سببٌ يخدم بني سعودومنظومتهم،إذ يقضي بإفساح المجال أمام المتطرِّفين السُنَّة، لِاحتلال الواجهة السياسية في مواجهةالقِوَى الأخرىَ،وإشعال الشارع اللبناني؛ولكي ينأى بنفسهِ عن مواجهةِ حزب الله، في ظرفٍ صعبٍ ومعقّدٍيغلي فيه صفيحُ التوتُّربين المملكةوالحزب، في عِزِّ أزمةِ تبَادُلِ التهديدات والِاتهامات بين حارة حريك والرياض.
ويعتبِرُسعد أنَّ تركَ هذا الأمر لغيره، لكي يقوم به بوجه المقاومة، يحفظ له رأسه، ويدفع لكي يجرِّب حزب الله التطرف السُّنّي، بعدما فشِل بالتفاهم مع الِاعتدال المزعوم، وبعدما عجَزَ عن احتلال منصة التوافق بين الطرفين، حسَب كَيل اتِّهاماته!في وقت كانت فيه التسويات والمحاصصة هي الطاغية على ممارسة الحكم والسلطة، وكانَ حزب الله بعيداً عنها.
لقد خاب سعد في توجيه اتهاماته دون تركيز.
ونستطيع أيضاالقول: إنَّ سعد الحريري وتيارَهُ فشلوا فشلاً ذريعاً، في مواجهة حضور حزب الله وقوته التي سحقتهم في ٧ أيار، خلال ساعة ونصف، من دون أن يتمكنوا من تحقيق أدنى أهداف المؤامرة التي حاكتها المملكة، وأوكلت إليهم تنفيذها.
واليوم تريد السعودية إعادة السيناريو نفسه بوجه حزب الله، لكنّه هذه المرّة مدعومٌ بحصار خانق، على ما يبدو أنّه بقرارٍ عربي جامع، لتجريدالمقاومة من سلاحها، وربما تُقْدِم الجامعة العربية أيضاعلى مغامرةغير محسوبةومجنونة، لقلب الموازين وإشعال المنطقة.
لذلك، يرى سعد نفسه عاجزاًعن القيام بهذا الدور ضد حزب الله، وعاجزاً عن الوقوف على الحياد، خوفاً من ابنِ سلمان، فاختار التعبير بكلمة اعتزال، وكأنه يضع نفسه في ثلاجة،لحين تنفيذ ماتريدالمملكةتنفيذه في لبنان وتنتهي الأمور، فإن فشلَت الخطة السعودية، يكون قد جنّبَ نفسه وتياره غضب الحزب، إذ هو في موقع المعتزل للسياسة، وإذا نجحت يكون بريئ الذِّمة مع المملكة، ويستمرّ بالِاعتزال الحقيقي، لحين تُقرِّرُ فيه الرياض ماذا ستفعل بهِ وبتياره.
أيها الإخوة، إن لبنان على مفترق طُرُق خطيرٍ جداً، وهناك إعصارٌ مُدَمِّر ٌقادمٌ عليه، والطريقةُ التي يعمل بها بنوسعود والجامعة العربية والأميركيون خاطئَة، فحزب الله ليسَ شوكَةً، لِيَتِمَّ اقتلاعُها بسهولة وينتهي الأمر، وعلى العاقلين من حكام العرب،إن كان بقي بينهم عاقلون، أن لا يسيروا برَكْبِ جنون ابن سلمان ونفتالي بينيت، لأنَّ تقديراتهم تعاكس الواقع على الأرض،فإنَّ ماينتظر المتآمرين على المقاومة أكبرُ من أن يتوقعه أحدٌ، أو يتخيلَهُ عقلُ عاقل،لأنّ حزب الله أكبر ُمن أن يُبتلَع، وأقوىَ مِن أن يتغلّب عليه أحد،خاصّةًوأنّ صُندوق التسامح لديه فَرَغَ، وأُقفِل قبل هذا الزَّمَن، وأنَّ اللّعِبَ معه بالنار، أمرٌ خطيرٌ قد يُشعِل المنطقة كُلَّها، بل والعالمَ برُمته، ويغيِّر ُالخارطة السياسية، خصوصاً في المنطقة، و يغيّرُ أنواع وأسماء حُكامها.
وإن غداً لناظره قريب.
بيروت في.....
26/1/2022