السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز لقدرات / بروكسل /
في ٢٠٢٣/٩/٢٦ .
منذ عام ٢٠١١، بدء حرب الارهاب على سوريّة ،دولةً وشعباً و جغرافية ، ونحن نتابع وبعناية ما تعرّضت له سورّية ، وما تبنّته القيادة السوريّة من سياسة و أتخذته من قرارات و اجراءات لاحتواء الارهاب و الاحتلال والحصار . حربٌ اوقدتها الصهيونية و الامبريالية و الرجعيّة ، و واجهتها سوريّة بالالتزام بالمبادئ و الصمود ، و عدم التنازل لا لامريكا و لا لاسرائيل و لا للأنفصاليين او الفدراليين من كُرد سوريّة . صحيح أنَّ الثمن الذي يدفعه الشعب السوري باهض ،ولكنه يهون من اجل العزّة و الكرامة و وجود دولة .
اعتمدت سوريّة على قدراتها العسكرية والسياسيّة وعلى مركزيّة القرار ، وكذلك على روسيا و ايران وحزب الله ، في مواجهتها لحرب الارهاب الضروس ،والتي خلفها امريكا و اسرائيل و الحلفاء و الرجعيّة ، و انتصرت ارادة الشعب السوري ، واليوم امام سوريّة استحقاقات بناء و اعمار و تعزيز لقدرات سوريّة العسكرية و الاقتصادية و السياسية ، فرسمت سوريّة المسار نحو الصين ،نحو قوّة عظمى ، تقود العالم تجاه تعدّد القطبيّة وكسر احتكار الهيمنة الامريكية .
يبدو أنَّ الرئيس بشار الاسد أدرك بأنَّ الحضن العربي ادى ، في هذه المرحلة ،ما عليه من عودة عربية سورية هادئة ،و أنّّ يد الاشقاء امتدت على قدر المصافحة وجبر الخواطر والوعود و الامال . وهذا بطبيعة الحال ،نراه أفضل من ما كانَ عليه الحال و اقّلُ من المطلوب ،و نأملُ في ما هو قادم.
يبدو ايضاً بأنَّ القيادة السورية ادركت بأنَّ العودة العربية السوريّة ،ارادها الامريكان أنْ تكون بمثابة استراحة محارب ، يعاودون ،خلالها ،الكّرة مرّة ثانيّة ، للمساومة مع القيادة السوريّة ، لتقديم تنازلات في المواقف ازاء اسرائيل ،ازاء دعم المقاومة الفلسطينية ،ازاء اقليم كُردي في سوريّة ،ازاء الجولان ،ازاء التواجد الايراني ،ازاء تواجد مقاتلي حزب الله ، والقائمة تطول … ولفشلهم ، و ظّفوا ورقة احتجاجات السويداء ،لعلهم يحقّقون شيئاً .
ليس امام سوريّة ترف ضياع الوقت و الانتظار ،لذلك جاءت زيارة ألرئيس بشار الاسد في الوقت المناسب و الى المكان المناسب ، في وقت تتنافس فيه الدول العظمى و الاقليمية على ممّرات التجارة الدولية بين آسيا و اوربا مروراً بدولنا ، و في وقت حاجة الدول العظمى الى تعاون اقليمي و عربي لمرور الطريق الامريكي او لمرور الطريق الصيني .الطريق الامريكي ،والذي يمّرُ في المملكة العربية السعودية و الامارات و الاردن والكيان الاسرائيلي ، و بمحاذاة محافظة السويداء السوريّة ،ذات الاغلبية الدرزّية . و المشروع الصيني ، مشروع الطريق والحزام ، و ممراته المختلفة والمرتكزة على دول وسط وغرب آسيا ،ومن بينها ايران والعراق وسوريا وتركيا .
في هذا المقال ،لسنا بصدد المقارنة بين المشروع الامريكي و المشروع الصيني ،ولكن من المفيد الاشارة الى اي مدى حرص وسعي امريكا الى مصلحة اسرائيل، حيث ترى امريكا بأنَّ انجاز هذا المشروع سيساهم في سعي اسرائيل الى الهيمنة اقتصادياً وسياسياً ، وأنَّ البدء في المشروع ،او حتى الحديث عنه سيساهم في تسريع التطبيع مع المملكة العربية السعودية ،وهذا ما اشار اليه نتنياهو في خطابه السنوي امام الامم المتحدة. و لا نعلم ايّة دولة ستتحمل كلفة المشروع او الاستثمار في المشروع ، مع عدم القدرة النقدية او المالية للولايات المتحدة الامريكية.
لن تتردّدْ الصين في تعاون استراتيجي مع سوريّة ، و الاستثمار في البنى التحتية في سوريّة ،رغم قلة مواردها مقارنة بالعراق او بدول نفطيّة اخرى ، لماذا ؟
للصين ثقة في دولة سوريّة ، ثقة سياسية وثقة اقتصادية :
ثقة سياسيّة ،لأنَّ قرارها يحظى بسيادة داخلية تامة وبسيادة خارجية تامة ،ليس لامريكا رأي او فيتو او تهديد ،امريكا تتعامل مع سوريا من خلال سفارة افتراضيّة ، وليس من خلال سفير جوّال ، وليس لقسد ( قوات سوريّة الديمقراطية ) او فصائل مسلحّة اخرى رأي او تأثير على القرار السوري ،هولاء جميعهم خارج اطار الدولة . هولاء اعداء الدولة و مكشوفين ، و مواجهتهم اسهّل بكثير من اعداء او خصوم منخرطين كشركاء في الدولة . وقد وصفَ الرئيس الاسد ، اكثر من مرّة ،حين شهدت سوريّة انشقاق بعض ضباطها او رئيس وزراءها الاسبق رياض حجاب و انضمامه الى صفوف المعارضة ، "بظاهرة صحيّة ،حيث تتخلّص و مبكراً سوريّة الدولة من عملاء ، استمرارهم ضرر وخطر ".
تجدر الاشارة ايضاً الى أنّ الرئيس الاسد التزمَ بموعد زيارته الى الصين ،رغم الاضطرابات التي شهدتها محافظة السويداء ، ولم يرجئ موعدها . مؤشرٌ دال على ثقة الحكومة بولاء السوريين من الدروز ، ولثقتها على ادارة الازمة ، رغم محاولات الاستقطاب الامريكي و الاسرائيلي .
تمّتْ الزيارة ،و فحواها اقتصادي وسياسي ، رغّم التهديدات و الحشود والمناورات الامريكية الاسرائلية ، و رغم التقارير و التحليلات الصحفية القارعة لطبول الحرب في المنطقة ،مؤشرٌ دالٌ على ثقة الدولة السورية بقدراتها و بشعبها و بالتزام حلفائها ، و دالٌ ايضاً على ضعف امريكا و ضعف اسرائيل على اقدامهما بشّن حربٍ في المنطقة .
https://telegram.me/buratha