سوريا - لبنان - فلسطين

لماذا تتبنى إيران دبلوماسيّة الصمتْ في ملف الرئاسة في لبنان ؟


السفير الدكتور جواد الهنداوي ||

 

رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /في ٢٠٢٣/١٠/٢ .

       الصمتْ في العرُف الاجتماعي وفي القانون وفي الدبلوماسية هو فعلْ ، وله اثاره ،التي يترتب عليها عتاب وحساب ، وربما ضرر .

           تلجأ احياناً الدولة الى دبلوماسيّة الصمت حين تتيقّن بأن التدخل او المبادرة باقتراح او التصريح ، وتبني موقف سياسي ازاء حالة معينة او حدث او ملف ، دون فائدة مرجّوة ، و لا يصّبُ في مصلحتها . 

و قد يكون عسيراً على الدولة أنْ تلوذ بالصمت ازاء ملف او حدث ،كرّست من أجله جهوداً وسنيناً ،كحال صمتْ المملكة الاردنية الهاشمية ازاء ما يجري ويدور حولها مِنْ اتصالات و اجتماعات و لقاءات بين اسرائيل و امريكا و المملكة العربية السعودية و السلطة الفلسطينيّة بشأن القضية الفلسطينية . يحضرني ، وصفاً  لشاعر العرب الكبير المرحوم  الجواهري ، حين يقول : " وحين تطغى على الحرّان جمرتهُ … فالصمتُ افضل ما يطوى عليه فمُ ." كذلك لاحظنا صمتاً دبلوماسياً للمغرب ازاء ما حدث و يحدث في النيجر ،حيث لم تتبنْ المغرب موقفاً سياسيا او تصدر تصريحاً رسمياً ازاء ما جرى في النيجر ،و ازاء التفاعلات الافريقية و الدولية مع الحدث ،لاسيما تهديد فرنسا في التدخل وكذلك موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا ( اواكس ) ،تصريح المغرب الوحيد جاء على لسان ممثل المغرب الدائم في الاتحاد الافريقي ، والذي قال فيه " ان المملكة تثق في حكمة شعب النيجر والقوى الحية في النيجر للحفاظ على المكتسبات والحفاظ على دورها الاقليمي … " .

الصمت الدبلوماسي لا يعني عدم اكتراث و اهتمام من قبل الدولة المعنيّة ، و لا يعني ايضاً غياب جهود متابعة و دراسة و تحليل للحدث من قبل الدولة المعنيّة .الصمت الدبلوماسي هو حالة ترقّب و انتظار لما تؤول اليه التفاعلات الدولية بشأن الحدث ،من اجل تقييم ضرورة اتخاذ او عدم اتخاذ موقف ، والاثار المترتبة على القرار .

نعود الى صمت ايران ازاء ملف الرئاسة في لبنان ، والذي تتقاذفه الدول ،من وساطة لاخرى ،دون نتائج ملموسة ، وهو الآن تحت رعاية الوساطة القطرية ،بعد فشل الوساطة الفرنسية .لم نقرأ خبراً ولم نسمع تصريحا عن دور او تدخل او وساطة ايرانية ، ولمْ نشهد تظاهرات في لبنان تطالب بالاسراع في تسميّة رئيساً للجمهورية ، او تستغرب عجز الديمقراطية في لبنان عن حسم ملف الرئاسة ،وتستهجن ، مثلاً ، تداول الوساطات الدولية من اجل تسمية رئيس للشعب اللبناني . في لبنان ،نحن امام مشهد ،نواجه فيه " لعنة الديمقراطية " على الشعب وعلى سيادة الدولة .  الملف الرئاسي في لبنان نقَلَ حال الديمقراطية مِنْ ديمقراطية غير مباشرة الى ديمقراطية من خارج الحدود .

كل الوساطات التي تعاقبت على ملف الرئاسة في لبنان هي برعاية امريكية ،وهذا قدْ يُعلّل هدوء الشارع اللبناني او رواق مزاجه ،او تحت تأثير حُقنة يأس او صبر او انتظار .

لستُ متأكداً من بقاء الشارع اللبناني على صبره و هدوءه ،فيما اذا بادرت ايران بجهود وساطة مباشرة في الملف الرئاسي ؟ هذا الشك هو احد اسباب صمت ايران و عزوفها عن التدخل في الملف الرئاسي ،لا من قريب ولا من بعيد .

     تدرك ايران بأنَّ حلفائها او اصدقائها في لبنان ،وهم الثنائي المعروف حزب الله و حركة امل ، وغيرهم يرحبون ويتفاعلون مع كل الوساطات العربية و الاوربية ،والتي هي برعاية امريكية ، ولكن غير حلفائها و اصدقائها ،من القوى و الحركات السياسية في لبنان ، سيرفضون ايّة وساطة ايرانية . هذه الحقيقة تدل على المرونة التي يبديها الثنائي في التعامل مع الوساطات الفرنسية و العربية  ،والتي هي برعاية امريكا ،التي تفرض الحصار  و منع ضخْ الدولار ،مقارنة بالقوى و الحركات السياسية اللبنانية الاخرى ،التي في مقاطعة مع ايّة وساطة مصدرها ايران .

لا ترغب ايران ان تدخل في معترك ملف ،حارَ الفرقاء السياسين والعرب والدوليين بأمره ، ولا تريد ان تكون شمّاعة يحّملها الاخرون فشل مساعيهم ، كما أنَّ ايران واثقة جداً بموقف حلفائها و اصدقائها و قوتهم .

تريد ايران ،في تبنيها الصمت و عدم التدخل في الملف الرئاسي ، ان تبرهّن للعالم بأنها ليست معنيّة بالشؤون الداخلية و السياسيّة في لبنان ، بأعتبارها شؤون داخليّة ،و إنَّ ما يهمّا في لبنان هو دعم مقاومته للاحتلال الاسرائيلي .

ما بين ايران و امريكا ،في الوقت الحاضر ، استراحة مُحارب ،او فراغ وقت ، " كفراغ ايام الجنود العائدين من القتال " على حّدْ قول الشاعر المرحوم بدر شاكر السّياب " .بينهما ،على ما يبدو تفاهم غير مباشر و ضمني ، وكُلِلَّ بنتائج ،من بينها الافراج عن سجناء امريكيين مقابل الافراج عن اموال ايرانية مُحتجزة . كلاهما ( امريكا و ايران ) يتبنون في الوقت الحاضر مبدأ " دعه يعمل دعه يمّر " ، ( مبدأ اقتصادي تبناه رينيه دي فويير ، وزير ماليه فرنسي عام ١٧٥١، و آدم سمث وجون كينز ، من بعد ). اي غياب المشاكسة بينهما ولو ظاهرياً ،  ( اقصد بين ايران و امريكا ) ، ولكن عيونهما في مراقبة وحذر على الطريق .

يبدوا أنَّ ايران مطمئنة على مصير و مآل  التدخلات الامريكية في المنطقة ،او تلك التي تدور برعاية امريكية ، ستصّبُ ، و إنْ طالَ امدها و عُسرها ،في صالح  اصحاب الحق . 

  رغم صمت ايران الدبلوماسي ، و وضوح عدم تدخلها في ملف لبنان الرئاسي ،لكن من غير المُستبعدْ أن تستحضر الادارة الامريكية مناسبة او فرصة لتقول " أنَّ تدخل ايران وراء فشل مساعي انتخاب رئيساً للجمهورية في لبنان " . 

اعتقدُ حظوظ نجاح الوساطة القطرية لاسباب : منها العلاقة الممتازة بين ايران وقطر ،وعدم تردّد قطر بأستشارة ايران او طلب دعمها ،كذلك قدرة قطر مقارنة بفرنسا ، على تعزيز جهودها في الوساطة بايداعات نقدية لتعزيز حال العملة اللبنانية . إنْ كان لايران مقدرة على تقديم خدمة في ملف الرئاسة في لبنان ،فانها ستبادر في ذلك ، خلال الوساطة القطرية وليس غيرها من الوساطات . الوساطة القطرية هي ،قبل كل شيء ، وساطة عربية ،و تحظى بمباركة اقليمية ( ايران و تركيا ) ،مقارنة مع الوساطة الفرنسيّة ، ومن الممُكن جداً ان تكون قطر قد تداولت مع ايران قبل بدء جهودها في الوساطة ،و من الممكن جداً ايضاً كان رّدَ ايران كالاتي " لا نتردد في دعم جهودكم ولكن لا نريد ان نتدخل في هذا الملف ، وهذا الامر يخصُّ حزب الله و حركة أمل " .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك