الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب دليل الناسك للمرجع السيد محسن الحكيم: في مقدمة الكتاب: نسأل اللّه سبحانه و تعالى أن ينفع بها إخواني من أهل العلم، و يجعلها ذخرا لي يوم فاقتي، "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ" (الشعراء 88)، و هو حسبنا و نعم الوكيل. قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" (فصلت 30). يرى للمرجعية مقاما إلهيا، يفرض التزامات استثنائية على أصحابها، كما هو مدلول قوله تعالى "يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً * وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً" (الاحزاب 30-31). قوله تعالى "يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر 15). عند ما تحدثنا عن نشأة الإمام الحكيم، عرفنا بأنه عاش فقيرا، و كان يتحدث الإمام الحكيم عن فقره هذا، و يفتخر به أحيانا، حيث كان يصف حاله و حال أهل بيته، بأنه في بداية حياته، كان أكثر طعامهم الخبز و اللبن، و هما أكثر الأشياء توفرا، و أرخصها ثمنا، و كان التمر أحد المكونات الاساسية للمئونة السنوية، و هو رخيص في العراق. و قد يكون الفقر في ذلك الزمان هو الطابع العام لطلاب العلوم الدينية، و قد يتفاوتون فيما بينهم في هذا الجانب، و لكن الظروف الاقتصادية الصعبة العامة التي عاشها الإمام الحكيم في بداية حياته، كانت أشد ضغطا عليه و على أسرته من غيره. لقد كان (زهدا) دون تكلف، حتى تحس بأن الزهد تحول إلى طبع عادى له، يمارسه بين الناس و كأنه ليس منهم، و دون أن يشعروا بانفصاله عنهم، و يلتزم به دون أن يشعر الآخرون بالحرج من هذا الالتزام، و يربي عليه أهل بيته، لأنه خلق رفيع دون أي ضغط أو عنت. و هذا هو الزهد الإسلامي، حيث يسير على حياة الإنسان في تفاصيل كثيرة، و دائرة شاملة، دون تكلف أو عناء، و ذلك عند ما يتخلّق الإنسان به يصبح ملكة له، فالزهد ليس مجرد مظهر من مظاهر الإنسان، أو مجرد عزلة و عزوف عن الدنيا و الحياة الاجتماعية، و انما هو خلق أنساني رفيع يتعامل به الإنسان إيجابيا مع الحياة الدنيا، يحولها إلى مزرعة مثمرة للآخرة "لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ" (الحديد 23). لقد مر الحديث عن الإمام الحكيم انه كان في مجمل حياته متواضعا في المأكل و المشرب و الملبس و المسكن و السلوك الاجتماعي العام. و لكن مع كل ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن الإمام الحكيم كان يتوخى و يسعى أخلاقيا لأن يعبد اللّه تعالى بالتواضع في سلوكه، حيث يرى التواضع تعبيرا عن العبودية للّه و الذلة امام يديه، كما أنه يرى التواضع صفة مهمة في الإنسان المؤمن، يحبه اللّه تعالى و يميزه على غيره في عملية الاستبدال، كما وصفه اللّه تعالى "يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ" (المائدة 54). وعن رؤية الإمام الحكيم للمرجعية: و الحوزة العلمية كمؤسسة لها وجود و امتداد عميق في التأريخ الإسلامي، سواء على المستوي العام حيث بدأت في الوجود و النشوء زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله عند ما نزل القرآن بذلك في قوله تعالى "ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة 122).
وعن المقصد الرابع في تروك الإحرام يقول الامام السيد محسن الحكيم قدس سره: و هي أمور: صيد الحيوان البري، و ذبحه، و أكله، و إمساكه، و الإعانة عليه بدلالة أو إشارة، أو الإغلاق عليه. قوله تعالى "حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً" (المائدة 97). و من السنة صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: و اجتنب في إحرامك الصيد كله. الحديث. (وسائل الشيعة: ب 1، تروك الإحرام، 5). يشير إلى قوله تعالى "لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ" (المائدة 96). و نحو صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حديث قلت: فإنه أخذ طائرا متعمدا فذبحه و هو محرم؟ قال: عليه الكفارة. (وسائل الشيعة: ب 31، كفارات الصيد، 2). و لو صاده أو ذبحه كان ميتة يحرم على كل أحد أكله، و الصلاة في جلده على الأحوط. و لا بأس بالبحري و هو الذي يبيض و يفرخ في الماء، و لا بالأهلي و إن توحش. و فرخ كل واحد منها، و بيضه تابع لأصله، و الجراد من البرّي. يشير إلى قوله تعالى "أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ" (المائدة 96). و السنة بذلك مستفيضة. انظر: وسائل الشيعة: ب 6، تروك الإحرام. النساء: وطيا، و تقبيلا، و لمسا، و نظرا بشهوة. أما الكتاب فهو قوله تعالى "فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ" (البقرة 197). و أما السنة، فمنها: صحيح علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء. الحديث. (وسائل الشيعة: ب 32، تروك الإحرام، 4). إزالة الشعر: مطلقا و لو بعض الشعرة، إلا لضرورة من قمل أو قروح أو صداع و نحو ذلك فيجوز، و يلزمه الفدية. بل تحرم إزالته عن الغير أيضا و إن كان محلا، لكنه لا فدية فيه. و لا بأس بالحك ما لم يعلم سقوط الشعر به، و لا بما يسقط عند الوضوء أو الغسل، إذا لم يخرج التخليل عما هو المتعارف فيه، و لم يكن مظنة للسقوط، و إلا ففيه إشكال، و الأحوط الفداء. يشير إلى قوله تعالى "وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة 196). ما رواه حريز في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمّل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقال: أ تؤذيك هوامك؟ فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية "فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً" (البقرة 184) الآية فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأسه. الحديث. (وسائل الشيعة: ب 14، بقية كفارات الإحرام، 1). سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان؟ فقال: ليس بشيء، "ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78). (وسائل الشيعة: ب 16، بقية كفارات الإحرام، 6).
يقول الامام الحكيم قدس سره في كتابه دليل الناسك عن مناسك الحج: بقرة الوحش و حماره ، ففي قتلهما بقرة، فإن لم يجد فض ثمنها على البرّ أو غيره، و يطعم ثلاثين مسكينا كما تقدّم، و لا يجب عليه التتميم، و الفاضل له. و إن عجز صام تسعة أيام، و إن كان الأحوط أن يصوم الثلاثين. في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن قوله "أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً" (المائدة 95) قال: عدل الهدي ما بلغ يتصدق به. الحديث. إن كان فداء للصيد، بلا خلاف ظاهر، و يقتضيه مضافا إلى إطلاق جملة من النصوص خصوص بعضها، فيقيّد به إطلاق معارضه كالآية و نحوها. و هي قوله تعالى "فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ" (المائدة 99). كذا لو كان لغير الصيد، كما عن جماعة، و يقتضيه إطلاق جملة من النصوص، و منها ما ورد في كفارة التظليل، و ليس له معارض إلّا مطلق صالح للتقييد، أو غير معمول بظاهره مما دل على جواز ذبحه إذا رجع إلى أهله، فتأمل. و هو مرسل أحمد بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد، فإن اللّه عز و جل يقول "هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ" (المائدة 99). في إزالة شعر الرأس: شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدّان، أو صيام ثلاثة أيام و إن كان لغير ضرورة، و لكن الاحتياط بالشاة حينئذ لا يترك. بلا خلاف فيه في الجملة، و يشهد له صحيح حريز، لكن في صحيح زرارة: عليه دم. و فيه: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم فقال: أ تؤذيك هوامّك؟ فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية "فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة 196) فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان، و النسك شاة. الحديث.
https://telegram.me/buratha