الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: عموم الآيات القرآنية: اعلم يا صديقي ويا أخي في الله: أنّ الآيات الإلهيّة والأجزاء القرآنيّة، وإن كانت واردةً في بعض المسائل، ولبعض جهاتٍ تختص بطائفةٍ من المنحرفين والضّالين، ومخصوصةً بثلّةٍ من الفاسقين والسّاقطين، ولكنّها في النّظرة الرّقيقة والفكرة الدّقيقة، تشمل كافّة النّاس، عاليهم وسافلهم، وعموم الطّوائف، فاضلهم ومفضولهم، وذلك الإنسان في جميع الأحيان والمواقف متوجّهٌ إلى الكمال من النّقص، ومتحرّك نحو السّعادة من الشّقاوة، ويخرج من الظّلمات إلى النّور. ويؤيّد هذه المقالة السّارية في كافة أبناء البشر، فإنّ من اتّبع رضوانه وبلغ إلى حدّ الرّضا، وهو من أعلى مراتب الكمال، وأشمخ منازل العرفان، يكون بعد في ظلماتٍ ويتعقّبه النّور وينتظره الهداية والصّراط المستقيم، فمن هذه الآية الّتي هي من أعاجيب آيات الذّكر الحكيم يتبيّن صدق مقالتنا، ويستظهر ابتلاء السّالك في جميع آنات السّلوك بالآفات والموانع. قد يكون العلم حجاباً. فيا أخي وشقيقي: لا تظنّ اختصاص هذه الآيات وتلك الأمثال بفئة المنافقين وجماعة الكافرين، فإنّك من زمرتهم وعدّتهم، فربّ إنسانٍ بلغ في سيره العلميّ إلى قصواه، وأدرك في طريقه التّعليميّ مناه وحظّه الأوفر ونصيبه الأكثر، ولكن قلوبهم خاليةٌ عن نصيبها وحظّها، وما ذاق منها ما ينتفع بها ويتوجّه إليها، بل هو بعد خامدٌ ونارٌ طافئةٌ، فإنّ تلك المفاهيم بمنزلة النّار المستوقدة التي يستضيء بها الّذي استوقدها في مرحلة الابتداء وفي المنزل الأوّل، وأضاءت ما حوله من السّطوح النّفسانيّة والأقشار البدويّة، "ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ" (البقرة 17) ولم تؤثّر تلك النّار فيما كان ينبغي أن تؤثّر فيه، ولم ينتفع المستضيء، إلا بحسب الميول الوهميّة، واللّذات الخياليّة، والكمالات الأوّليّة. وبالجملة: جميع المتعلّمين من أهل الظّاهر والباطن، وكافّة المشتغلين بعلومٍ حقيقيّة وغير حقيقيّةٍ ليسوا مأمونين عن الانسلاك في هذه الآيات، وعن الاندراج تحت هذه التّحذيرات والإيقاظات، ولا يخصّ بذلك بعضهم دون بعض، كما توهّمه صاحب (الحكمة المتعالية) قدس سره1، فإنّ مجرّد الاشتغال بالعلوم العقليّة غير كافٍ للهداية إلى تلك السّبل والمنازل، بل ربّما تكون العلوم العقليّة أغلظ حجاباً من غيرها، لمكان كونها أسرع مركباً وأحسن سبيلاً وأعلى درجةً، فعلى كلّ الطّالبين، وعلى زمرة المحصّلين المتوجّهين نحو الدّار الآخرة والجنّة العالية، التوجّه إلى هذه العواصف والأرياح الّتي تذهب بالنيران وضوئها، وتمنع عن اتّصال القلب بربّه، وعن اشتعال نار الحقيقة للوصول إلى أصله. الّلهم يا إلهي نوّر قلوبنا بنور الإيمان والمعرفة، ولا تذهب نيراننا فتهلكنا بما فعل المبطلون، ولا تتركنا في ظلمات لا يبصرون. آمين يا ربّ العالمين.
عن کتاب الخلل لصلاة للسيد مصطفى الخميني: الاستدلال برواية محمد بن الحصين لصحة صلاة غير المجتهد أيضا في التهذيب بإسناده عن الاهوازي، عن محمد بن الحصين، قال: كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام: الرجل يصلي في يوم غيم، في فلاة الارض، ولا يعرف القبلة إلى أن قال عليه السلام: أو لم يعلم أن الله تعالى يقول وقوله الحق: "فأينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة 115). ومقتضى ذلك التعليل صحة الصلاة مطلقا ولو كانت مستدبرة، إلا أن في نفسها أنه يعيدها ما لم يفته الوقت ولكنه محمول على الاستحباب، وإيلزم المناقضة، فعندئذ تصح صلاة غير المجتهد أيضا، قضاء لحق العلة. اللهم إلا أن يشكل متنا، لعدم ظهوره في التعليل، كما هو الظاهر، مع أن الحصين غير معتبر، مع أن خبر الساباطي السابق يقيده لاخصيته منه. عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحصين قال: كتبت إلى عبد صالح: الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الارض ولا يعرف القبلة، فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس، فإذا هو قد صلى لغير القبلة، أيعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب: يعيدها ما لم يفته الوقت، أو لم يعلم أن الله يقول وقوله الحق: "فأينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة 115)؟
وعن کتاب البيع للسيد مصطفى الخميني: ربما يخطر بالبال دعوى: أن قوله تعالى: "أحل الله البيع" (البقرة 275) يكون ناظرا إلى البيع الخارجي، لتعرضه لتحريم الربا، وهي الزيادة الخارجة عن طبيعة البيع، واللاحقة بالفرد منه، وتكون من تبعاته في الخارج، فلا وجه لتوهم الاطلاق له. وإن شئت قلت: ليس مطلق الزيادة محرمة في الاية، ولا يلتزم به، فالاية تختص بزيادة مخصوصة، وهي الزيادة في البيع على ما قد يستظهر منها في مقامه، وإذن يكون المراد حلية البيع الخارجي، وتكون وضعية محضا، ولا إطلاق حينئذ لها، لا نها تكون حينئذ ناظرة إلى تحليل البيع الخالص من الربا وتحريم الربا. اللهم إلا أن يقال: بثبوت الاطلاق تعبدا، لما ورد في الفقيه بسنده عن عمر بن يزيد قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، إن الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام، وهو من الربا. قال عليه السلام: وهل رأيت أحدا يشتري غنيا، أو فقيرا إلا من ضرورة؟ يا عمر، قد أحل الله البيع وحرم الربا، فاربح ولا تربه. قلت: وما الربا؟ ال عليه السلام: دراهم بدراهم، مثلان بمثل. بناء على كونها ناظرة إلى الاية الشريفة.
جاء في كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: الخوف والرّجاء: اعلم: أنّ من المحرّر في الرّوايات القطعيّة والأخبار المتواترة، ومن المقرّر في العلوم العقليّة والأخلاقيّة: أنّ الإنسان معجونٌ مركّبٌ من جهاتٍ شتّى، ومن تلك التراكيب المرعيّة في هذه الطّبيعة العجيبة، ومن النّعوت المخمورة في فطرته الأوّلية، هو الخوف والرّجاء. ولأجل هذه الوديعة يجب عليه أن يخاف ويرجو، فلو خاف بالمرّة، أو رجا بالكلّيّة، لما وصل إلى الحدود اللّازمة، وإلى المراتب الرّاقية، ولم يتمكّن من الجمع بين الخيرات الحسّيّة والمعيشة الدّنيويّة والسّعادة الظّاهرة، وبين الخيرات العقليّة والحياة الأخرويّة والسّعادة الأبديّة. وعلى هذه الرّحى تدور إطارات المجتمعات البشريّة، وسياسة المنزل والبلد والقطر والمملكة الواسعة الكبيرة، ولأجل هذه الخصيصة يجب على المرشدين وأرباب الوعظ والهداية، أن يفتحوا في سيرهم أبواب الجانبين وسبل الطريقتين، فلا يقولون بما يحصل منه الرّجاء المطلق، ولا بما يخاف منه النّاس كلًّا، بل لا بدّ من المحافظة على الفطرة بذكر الخوف والرجاء. وتفصيل هذه المسألة يطلب من مقامٍ آخر. فعلى هذا الأصل الأصيل تتوجَّه هنا مشكلة: وهي الحكم بأنّهم لا يرجعون من القساوة والبطلان إلى السّعادة والحقّ، ومن الضّلالة إلى الهداية، فإنّ من يجد نفسه في هذه المرحلة من الانحطاط، ويدرك نصيبه من الشّقاوة بهذه المنزلة من الدّناءة والانحراف، فيخرجه عن حدّ الرّجاء والآمال، فيسقط للأبد في النّار خالداً فيها ما دامت السّماوات والأرض، وهذه الطّريقة غير مرضيّة من الكتاب الإلهي على ما يظهر منه، فإنّ كتابكم هذا جامعٌ شتات المنحرفين وشاملٌ شمل المنحطّين، وفيه من آيات الرّجاء ما لا يُعدّ ولا يُحصى، وقد سلك أحسن المسالك في الجمع بين الخطّين، وفي مراعاة الوجهين والنّاحيتين. وبالجملة: هو كتاب الهداية والوعظ الأبديّ، وكتاب اللّطف والعشق السّرمديّ بكافّة النّاس والأنام، على أرقى الوجوه وأحسن الكلام في كلّ حالٍ ومقامٍ، كيلا تزلّ لديه الأقدام، حتّى الرّسل والأنبياء، فضلاً عن الأعلام. ثمّ إنّ مراعاة الحالين الخوف والرّجاء في الوعظ والإرشاد، لازمٌ بالقياس إلى من في وجوده من النّور شيء، وأمّا إذا "ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ" (البقرة 17) وهم الصمّ البكم العمي، فكيف يمكن أن يرجعوا إلى دار السّعادة وحسن العافية والعاقبة
https://telegram.me/buratha