يشتكي عدد من العراقيين من سوء المعاملة من جانب موظفين حكوميين في معظم المؤسسات الخدمية في الدولة العراقية، فيما يقول معنيون انهم يعانون من ضغط العمل وانهم لا يتقصدون اهانة الناس او الحط من قدرهم.
وقال عدد من البغداديين" ان الموظف العراقي، مدنياً كان ام عسكرياً طبيباً او عامل خدمة، حاد الطباع، وهو دوما الملام والمتهم بالاساءة للمراجعين خصوصا في المؤسسات التي لها صلة مباشرة ويومية بالمواطنين.
ومع ان عددا ممن التقتهم "العالم" اشاروا الى وجود "استثناء" لهذا السلوك، الذي يظهر عاما وشائعا، الا انهم قالوا ان هذا التعامل يتفاقم بنحو خاص عندما يكون الموظف، ايا كان موقعه وتحصيله العلمي، هو المسؤول عن تقديم "خدمة" ضرورية او عاجلة، كالعلاج الطبي مثلا.
تقول الحاجة ام احمد، 55 عاماً ربة بيت، ان "من اكثر ما يؤلمني هو رؤية الاطباء يتعاملون بهذه الطريقة الفضة مع مرضاهم او مع مرافقي المريض."
واوضحت "انهم لا يجيبون عن اسئلة المرافق للمريض في حال اراد الاستفسار عن اي شي، واذا اجابوا فانهم يجيبون بطريقة غير لائقة."
وتروي ام احمد" تجربتها مع احد الاطباء في مستشفى ببغداد قائلة "اصيب زوجي بنوبة قلبية، وكنت قلقة عليه جدا، وبعد ان وصلنا طوارئ المستشفى جاء طبيب شاب لفحصه، واشار الى انه يحتاج للراحة حاليا."
وتواصل ام احمد "قلت له انني قلقة على زوجي، وطلبت ان يعمل له تخطيط قلب، فانفجر الطبيب صارخا بوجهي، وطلب ألا اتدخل بعمله."
وترى ام احمد ان "صراخ الطبيب لم يكن مبررا، فهذه المهنة هي مهنة انسانية، ويجب ان يكون الطبيب من اكثر الناس تفهما للمرضى ومن معهم."
وتؤكد شعور الانسان في حالة كهذه قائلة "في مثل هذه الحالات، يصاب الانسان بخوف رهيب، ويتمسك بكل شيء لانقاذ حياة من يحب."
الطبيب عمر علاوي، 30 عاما، قال لـ"العالم" انه عمل لمدة سنة في ردهة الطوارئ في احدى المستشفيات، واضاف "من المعروف ان ردهة الطوارئ تستقبل مرضى يوميا وباعداد هائلة، خصوصا عندما يكون الوضع الامني سيئا."
ويتابع علاوي ان "عملي، كطبيب، يتطلب مني التركيز على الحالة التي امامي، وبالاخص الحالات الخطرة."
لكنه يقول ان "وجود مرافقين كثيرين للمصاب او المريض، يربك عملي ولا يجعلني اؤديه بشكل صحيح." وقال ان "في بعض الاحيان كنت اتعرض لشتى انواع التهديدات والتجاوزات من اهالي واصدقاء المرضى."
وذكر ان هذا الوضع يجبره على "التصرف بمثل اسلوبهم معي، وأهدد بالامتناع عن معالجة الحالة، متناسيا اخلاقيات المهنة، لكي اجعلهم يتركوني اؤدي عملي." وقال ان لجوءه الى هذا الاسلوب من اجل "الحفاظ على حياة المريض."
بعض من المواطنين رأوا ان الطرفين غير مذنبين: فالموظف عليه واجبات ويتصرف على اساس ضوابط يجب الالتزام بها، والمراجع يريد ان ينجز ما اتى من اجله فتراه مستعجلا من باب (صاحب الحاجة اعمى لا يرى الا حاجته).
يقوم الملازم احمد رعد، 24 عاما يعمل في مديرية الجنسية والجوازات العامة، ان "عملي كضابط جوازات يتطلب مني التدقيق في بيانات المراجعين، للاهمية الكبيرة التي يتمتع بها الجواز العراقي كوثيقة رسمية."
ويؤكد ان "من غير الصحيح التساهل، مع وجود نقص بالمعاملات المقدمة من المراجعين."
ويلاحظ ان "المراجعين يتذمرون من هذه الاجراءات، والجميع يريد انجاز معاملته اولا قبل الاخرين."
وقال ان هذا الامر "يشتت تركيز الموظف المختص ويؤخر المراجع." وقال ان هذا "يسبب انزعاج الموظف، ما ينعكس على تصرفاته مع المراجعين."
لكن بغداديين يقولون ان تفشي المحسوبية والرشوة يفسد عمل المؤسسات الحكومية ويحطم الثقة بالموظف. ثم ان المراجعين يتعرضون دائماً لمعاملة سيئة وجافة و"لا اخلاقية" في بعض الاحيان، وبالمقابل لا يجد المراجع سلطة تحميه عند محاولته رد اعتباره.
فهذا محمد سامي، 34 عاماً استاذ جامعي، يروي كيف انه ذهب الى مديرية الجنسية العامة "لاستخراج صورة قيد" وكيف "اتبع الاجراءات الادارية،" وفي النهاية يقول "انتظرت في الطابور الطويل امام مكتب الموظف المختص."
لكن سامي لم يصل الى الموظف المسؤول بالطريقة التي يفترض ان تكون. ويروي "عندما كنت واقفا، كنت ارى الموظف غير مكترث بالمراجعين الواقفين في الطابور." ويلاحظ سامي ان الموظف كان "اكثر اهتماما باصحاب الواسطات، او المعاملات التي تأتي من قبل المدير بهامش صغير."
وهنا يضطر الاستاذ محمد سامي الى الاتصال باحد الاصدقاء، الذي اتصل بدوره بالمدير، "وذهبت لاخذ الهامش، ومنه مباشرة الى الموظف، الذي قام بدوره بانجاز معاملتي."
ويعترف محمد سامي "شعرت بالخجل من نفسي لهذا التصرف، الذي لولاه لبقيت منتظراً في الطابور البطيء."
شرطي المرور مثلا، على الرغم من ان وظيفته تنظيم السير في شوارع بغداد المكتظة، يعاني من عدم استجابة السائقين والمسؤولين على حد سواء للقانون.
حسان ثابت، 25 عاما شرطي مرور، يقول انه غالبا ما يشعر ان السائقين ينظرون اليه نظرة كره عندما يحاول تطبيق القانون في الشارع.
ويقول "انني محاسب امام الله في اداء واجبي،" لكن بعض المواطنين، كما يقول، "لا يبدي تعاونا باحترام القانون، لذلك يجب محاسبته ليكون عبرة لغيره."
واضاف انه يحاول "قدر الامكان ان لا اظلم احدا، لكن في بعض الاحيان، تجبرني تصرفات المواطنين على التصرف معهم بطريقة غير لائقة بنظرهم، وصحيحة بنظري."
لكنه يقول "سرعان ما اتراجع عن قراري."
غير ان ابو سعد المياحي، 45 عاما سائق سيارة اجرة، يقول ان "شرطي المرور اكثر الناس شدة مع الفقراء واصحاب سيارات الاجرة، واقلهم جرأة مع السيارات الحكومية والمضللة، والتي لا تحمل لوحات مرورية."
ويرى ابو سعد ان شرطي المرور "من الممكن ان يتعرض لعقوبة اذا حاول محاسبة" اصحاب السيارات المظللة هؤلاء، "اما الفقير (فله الله)!"
ويتابع ابو سعد ان عندما يعمل بسيارته "الاسبيرو التعبانة التي اصبحت الاكثر شهرة عند محال التصليح،" غالبا ما يوقفه شرطي "المرور ليجد له حجة عليّ مثل ارتداء الحزام، والزوجي والفردي، واذا لم يجد مخالفة من هذا يتحجج بعدم وجود مثلث او مطفأة حريق."
وتساءل ابو سعد متذمرا "شنو فائدة الطفاية اذا احترقت سيارتي وآني بداخلها؟
https://telegram.me/buratha