بات المسلحون المتطرفون المنشقون عن تنظيم القاعدة، يستخدمون تكتيكا عسكريا على مراحل لمحاصرة العاصمة بغداد، عبر “القضم البطيء” لمناطق عدة، مستغلين ثغرات هشة في الحزام الامني المفروض حول العاصمة، او المدن الكبرى القريبة منها كبابل وديالى وصلاح الدين، عوضاً عن الجبهة المفتوحة في الخاصرة الغربية بالانبار.
تنظيم “دولة الاسلام في العراق والشام” (داعش) استخدم على فترات طويلة تكتيك الهجمات المفاجئة بالسيارات المفخخة، وضرب الثكنات، واستهداف القوات الامنية بالعبوات الناسفة، وخلال الاشهر الاخيرة لجأ التنظيم الى تكتيك الاقتحامات العنيفة في عدة مدن، ولاسيما صلاح الدين وكركوك وبغداد، وما ان فتحت جبهة الانبار، تحوّل جهد التنظيم الى مدنها الكبرى الفلوجة والرمادي، وحاول فتح تكتيك مرحلي بـ”غزوات نقاط التفتيش” التي دشنها بهجمة سيطرة الاثار، ومن ثم سيطرة الغابات في الموصل، غير أن مستجدات متسارعة في الحدث الامني العراق، دعت التنظيم الى التحوّل النوعي نحو “قضم الارض”.
تكتيك “قضم الارض” لم تعرفه التنظيمات المسلحة على الارض العراقية، رغم أنها سيطرت في فترات العنف الطائفي على عدة بلدات واحياء، لكن ما يجعل تحركها الان تحوّلاً جديداً هو تفكيرها الجدي بـ”مسك الارض” على حساب تحقيق “تفوق دعائي” او “مرحلي”، اضافة الى ان التكتيك هو انعكاس لخبرة القتال المكتسبة من الحرب السورية، فهي ذات الخطة التي اعتمدها (داعش) في الشمال السوري، لضمان السيطرة على محافظة الرقة ودير الزور واجزاء من حمص وحماه وادلب.
مصادر نيابية مطلعة، بينت ان ثمة معلومات متوافرة عن “مخطط ارهابي كبير على مراحل بفتح ثغرات، وصولاً الى العاصمة بغداد، والسيطرة على مناطق في حدودها الداخلية لتكون مراكز تواجد مفتوحة على خطوط امداد وحواضن دعم”.
وكشفت عدة مصادر نيابية بأن “مجاميع مسلحة نقلت طيلة الفترة الماضية من مناطق مختلفة ببطء دون اي اثارة اعلامية او عمليات غير معتادة، الى مناطق داخلية، فضلاً عن تجنيد مقاتلين جدد من ابناء تلك البلدات نتيجة النقمة الحاصلة على الحكومة، واستغلال المشاعر العدائية ضدها”.
وبحسب المصادر التي فضلت عدم الاشارة الى صفتها، بأن “الخطة تقضي بالوصول الى احزمة بغداد والسيطرة عليها، وعزلها عن العاصمة، ومن ثم فتح ثغرات نحو مناطق الداخل، وصولاً الى تقطيع اوصال بغداد، والسيطرة على جسور استراتيجية، وشن هجمات نوعية ضد اهداف حكومية متعددة”.
وبيّنت المصادر ان “هناك عملية انتشار مشبوهة قرب محيط بغداد الغربي والشمالي، ومحاولات لمجاميع مشبوهة بالتوغل عبر قرى زراعية قرب نهري دجلة والفرات باتجاه العاصمة مستغلة حالة ضعف التواجد الأمني والإهمال الأجهزة الأمنية لهذه المناطق الساخنة”.
وأشارت المصادر إلى أن “هذه المجاميع الإرهابية تسعى لتنفيذ مخطط لشن عمليات نوعية في مناطق محيط بغداد من خلال عملية تقطيع أوصال إطراف المدينة عبر تفجير بعض الجسور كما حصل مع جسر المثنى سابقا”ً.
ما يعزز فرضية التكتيك الجديد، ان التنظيم لم يستخدم كامل قوته في معركة الانبار، رغم ضخامة الحشد العسكري العراقي، وتسخير امكانات مفتوحة لحسم “الجبهة” غير ان (داعش) اعتمدت على تكتيك “التمترس” داخل المدن والاحياء، والقتال على الجيوب وممرات الامداد، فضلا عن وجود جماعات مسلحة مناوئة للحكومة ممثلة بـ”ثوار العشائر” او “المجالس العسكرية” تخفف الضغط عن تنظيم البغدادي، ما جعله لا يُستنزف كما يحصل مع القوات الحكومية.
التفوق المحسوب لـ”داعش” هو تفوق التكتيكات والتوقيت واستغلال الثغرات. وهذا ما دعمه سحب قطعات كبيرة من الجيش العراقي والتشكيلات الامنية من العاصمة وما حولها والمدن المحاذية وتحشيدها في نقطة تمركز واحدة هي الانبار، ما تسبب بـ”انكشاف أمني” في مناطق عدة، ولاسيما “الحواضن” وممرات العبور الامنة نحو المناطق المأهولة والتي تمثل نقاط استراتيجية، وهو ما بان في بهرز والمقدادية وسليمان بيك وهيت وبيجي والتاجي والمشاهدة والطارمية واليوسيفية واللطيفية وجرف الصخر، وجبلة، في حزام يطوق العاصمة بغداد شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً.
في تطور امني مفاجئ، دخل مسلحو (داعش) الى بلدة النباعي، والسيطرة التي لم ترجح كفتها لـ”داعش” بشكل كامل في المنطقة، جاءت بعد يومين من الهجوم على بلدة بهرز في ديالى بذات التكتيك، بدخول مجموعات مسلحة بمركبات رباعية الدفع مع أسلحة متوسطة وثقيلة، وسط قلة التواجد العسكري الحكومي في المنطقة.
ووفقاً للمصادر فأن “أكثر من 250 مسلحاً مزودين بأسلحة متوسطة وثقيلة وسيارات (بيك أب) دفع رباعي مجهزة بأحاديات ومقاومات للطائرات انتشروا، صباح الاربعاء، في منطقة النباعي شمال بغداد”، مشيرا إلى أن “المسلحين فرضوا سيطرتهم على الطرق العامة في المنطقة”.
واللافت في المعلومات المتوافرة، ان “المسلحين قاموا بفتح طرق فرعية عبر اليات (شفلات) لتأمين مرورهم وتسهيل تنقلهم”، ما يعني ان المسلحين لديهم خطة واضحة للسيطرة على مواقع مختلفة لفتح جبهات عدة، وبالتالي تحقيق استراتيجية الاحتفاظ بالارض بعد الامساك بها.
https://telegram.me/buratha