ما هي الصورة الحقيقية التي يجهد داعمو الإرهاب و وسائل إعلامهم أنفسهم في محاولة طمسها و ما هو الواقع الذي نتحدث عنه؟
في قادم السطور شرح مفصّل و إضاءة شاملة على كل ما جرى و يجري و سيجري على ساحة الميدان العسكري السوري منذ انطلاقة الحرب العالمية الثالثة و إلى اليوم:
قد يستغرب البعض إذا ما قلت بأن أصعب المراحل التي واجهتها الدولة السورية ممثلة بقواتها المسلحة و أجهزتها الأمنية قد مرّت و باتت خلفنا منذ أكثر من عامين! و أن المعركة بشكلها العسكري قد حسمت لصالح الجيش العربي السوري سلفاً يومها, كيف!؟
لمسات ماو تسي تونغ!
عندما اتخذ أعداء سورية قرارهم بتحويل ما سمّي ( بالأزمة السورية ) إلى صراع مسلّح بعد فشل كل ما دفعوا إليه من مظاهرات تلبس ثياب الحملان لتخفي أنيابها المتطرفة و عمالتها مدفوعة الأجر و من ضغوط سياسية و اقتصادية و إعلامية و نفسية بهدف خلط الأوراق أمام القيادة السورية و إدخالها مرحلة فقدان الوزن و القدرة على رؤية ما يحاك ضد وطنها, كانت الخطة تعتمد على تبني مبادئ ( حرب العصابات ) ! أي الأسلوب الذي لم تستطع أقوى الجيوش و أكثرها تدريباً و تسليحاً مواجهته و الانتصار عليه, بدءاً من الجيش الفرنسي مروراً بالأمريكي وصولاً للسوفييتي ( فما الذي سيكون بمقدور جيش دولة صغيرة فعله؟ ) !!
لتبدأ مرحلة عمليات الاغتيال و الاختطاف (ضباط – جنود – علماء – مسؤولين – موظفين حكوميين – رجال دين ..الخ ) بهدف بث الرعب في نفوس الموالين للدولة و دفعهم لاتخاذ الحياد على أقل تقدير إن لم يكن إظهار تعاطفهم القسري مع ( الثورة )!
و لتنطلق حملة السيارات المفخخة و العبوات الناسفة في قلب المدن السورية مستهدفة كل شيء بما فيه المقرات الأمنية المسؤولة عن مكافحة الإرهاب للإيحاء بأن الدولة لا تستطيع الدفاع عن نفسها فكيف بها تدافع عن المواطنين؟
بالتوازي مع هذا تم تشكيل العديد من الخلايا و المجموعات المدرّبة و المسلحة لتكون مهمتها شن هجمات خاطفة و مفاجئة على المقرات الحكومية و العسكرية و استهداف المواقع الأمنية و العسكرية النائية و ضرب خطوط الإمداد و إقامة الكمائن المتنقلة على الطرقات الدولية و الفرعية …الخ, و كلّه يعتمد مبدأ ( إضرب و اهرب ) و هو روح أسلوب حرب العصابات!
بالطبع لقد نجح هذا الأسلوب إلى حد بعيد في وضع الدولة السورية موضع المدافع فإلى الآن ( أعني في تلك الآونة ) كثير من المواطنين كانوا يرون ما يحدث كـ ( مظاهرات سلمية ) و مطالب محقّة و ..و.. إلى آخر تلك الشعارات التي تبين زيفها اليوم لجميع السوريين , فيما كانت الدولة السورية كمن يواجه أشباحاً لا وجود لهم!
أغرى هذا النجاح المرحلي من يوجه و يقود من الخارج للانتقال إلى مرحلة العمل العسكري الواسع خاصة مع ازدياد أعداد المتمردين في الداخل و تدفق الإرهابيين عبر الحدود الدولية المشتركة لمقاتلة الدولة السورية , فبدأت شحنات السلاح بأنواعه ( بما فيه الثقيل ) و الذخيرة و الدعم المالي و اللوجستي تأتيهم بلا حساب! و وضعت غرف القيادة العسكرية في تركيا و الأردن و أوربا نصب أعينها السيطرة على بلدات و مدن بأكملها كهدف رئيسي لها بناء على حسابات – اتضح لهم أنها خاطئة تماماً فيما بعد – تفيد بأن هذا سيعجل من انهيار مؤسسات الدولة السورية و تفككها و على رأسها المؤسسة العسكرية السورية!
كان هذا التحول من أسلوب حرب العصابات إلى أساليب القتال التقليدية بمثابة المقتل الذي أصابهم فيه غرورهم و غباؤهم ظناً منهم أن بإمكانهم مقارعة الجيش العربي السوري في الميدان الذي يبرع به, و لم ينفعهم لاحقاً تبني أسلوب حرب المدن ( الذي هو مزيج من حرب العصابات و الحرب التقليدية ) إذ كان هذا هو الأسلوب الذي تبناه الجيش العربي السوري و أنشأ وحدات قتالية مدرّبة و مجهزة لخوضه حتى قبل اندلاع المعارك بسنوات مستفيداً من تجربة حرب تموز 2006!
لكن ما هو الواقع الميداني اليوم و كيف يرخي بظلاله على ميادين السياسة و المستقبل؟
حسن , لنضع خارطة الجمهورية العربية السورية على الطاولة و لنبدأ معاً :
فنّ الحرب ينتصر!
في دمشق و ريفها عمليات عسكرية خاطفة و مفاجئة شنّها الجيش السوري أفضت إلى ضرب حصار شامل على مناطق تواجد الإرهابيين في الغوطة الشرقية و عزل مناطق تمركزهم في الريف الغربي و الجنوبي من خلال نهج تقطيع الأوصال الذي اتبعته القيادة العسكرية لتحقيق هدفها المتمثل ليس في قتل الإرهابيين و حسب..بل في قتل آمالهم الخاسئة و أحلامهم المريضة في إمكانية تحقيق النصر يوماً ما! الأمر الذي أراه من وجهة نظر شخصية أهم بكثير من قتل الإرهابيين أنفسهم , فالعدو قادر على استقدام و تجنيد المزيد من الإرهابيين لكنه لن يستطيع إعادة الروح لفكرة الانتصار الحاسم التي قتلها أبطال جيشنا بعزيمتهم و شجاعتهم و تضحياتهم , و هذا ما تحدثت عنه في غير مقالة عندما أشرت لاستخدام القيادة السورية لمبادئ ( فن الحرب ) في مواجهة مبادئ ( حرب العصابات ).
“إحراز مئة انتصار في مئة معركة ليس هو الأفضل بل إن إخضاع العدو من دون قتال هو أفضل ما يكون”
البداية كانت مع إقناع الخصم بأنه غير قادر على دخول دمشق رغم ساعات صفره العديدة و تسمياته الرنانة , ثم أتت مرحلة إقناعه بأنه غير قادر على فك الحصار فما بالكم بالانتصار؟ و أخيراً اقتناعه أنه غير قادر على الدفاع عن مواقعه حالما تقرر القوات المسلحة تحريرها ( لتأتي المصالحات الوطنية كنتيجة طبيعية لهذه القناعة ).
القصير و كرة الثلج!
في هذه الأثناء كانت القوات المسلحة قد أطلقت إشارة بدء عمليات واسعة تهدف لقطع خطوط إمداد الإرهابيين و ضرب نقاط إسنادهم و تجمعاتهم ابتداء من الحدود اللبنانية , حتى من لا يمتلك خلفية عسكرية كان يدرك بأن السيطرة على القصير و ريفها ما هو إلا الحلقة الأولى من مسلسل توالت مشاهده في تلكلخ وقارة و دير عطية و النبك و لن تكون يبرود حلقته الأخيرة , إذاً و خلال فترة ليست بالطويلة قياساً إلى مدة هذه الحرب التي تخوضها سورية ستكون مجارير الإرهابيين التي تغذيهم لوجستيا من لبنان قد أحكم إغلاقها تماماً ! من يستطيع الوقوف في وجه سيل الأسود الجارف القادم من أعالي القلمون؟ لا أحد.
وثبة النمر:
على خط مواز لكن هذه المرة باتجاه الشمال كانت القوات السورية تقوم بشن عملية قثطرة ناجحة بهدف إعادة فتح شريان الحياة لمدينة حلب انطلاقا من حماه وصولاً إلى السفيرة, لكن هل كان هذا هو هدف تلك القوات النهائي؟ لندع الوقائع تجيب! ما حدث في تلك المعارك ستفرد له الأكاديميات و مراكز الدراسات العسكرية بحوثاً طويلة و تحليلات عديدة في محاولة للإجابة على سؤال واحد ( كيف؟ )! فالقضية لم تكن مجرّد اندفاع لقوات مشاة تدعمها الدبابات و تمهد لها الطريق مدفعية الميدان و الطيران الحربي عبر خطوط العدو الدفاعية و تحصيناته , بل كانت أنموذجاً يحتذى في كيفية تحريك قوات ضخمة بسرعة و ديناميكية مذهلة جعلت العدو طوال فترة المعركة في حيرة من أمره عن الهدف القادم لها و من أين ستتقدم باتجاهه لتنهار لاحقاً معنوياته قبل خطوطه الدفاعية مخلفاً وراءه مئات القتلى و الأسرى!
لن نكشف سرّاً إذا ما قلنا بأن هدف ذلك الهجوم لم يكن فتح طريق إمداد لمدينة حلب فقط , بل التوغل شمالاً باتجاه الشيخ نجار , فك الحصار عن سجن حلب المركزي , و من ثم الانعطاف غرباً للالتقاء مع طرف الكماشة الغربي , و النتيجة عزل المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون في مدينة حلب عن ريف حلب الشمالي , ما يعني حصاراً شبيهاً للذي فرضه الجيش العربي السوري على الغوطة الشرقية لكن بنكهة مختلفة! ماذا نعني بذلك؟ و متى سيتم هذا؟فلندعهم في ظلام يعمهون!
ما ينطبق على الغوطة الشرقية و داريا في ريف دمشق ينطبق أيضاً على ما تبقى من إرهابيين في حمص القديمة ( الأمل المقتول ).
لكن ماذا عن بقية المناطق؟ ماذا عن الرقة المحتلّة بالكامل و ريف إدلب و دير الزور ؟ و ماذا عن درعا و ما يقال عن هجوم سيشنه المرتزقة بالآلاف من هناك؟
للمنطقة الشرقية حسابات عسكرية أراها مختلفة بطريقة أو بأخرى , و ما الضربات القاسية التي وجهها حماة الوطن لتجمعات الإرهابيين و لا يزالون في مدينة الشاعر الفراتي معززين إياها بتأمين مطار دير الزور إلا تمهيد لعمل عسكري شامل في الجزيرة السورية سيتوّج بتبادل أدوار المطرقة و السندان ما بين الجيشين السوري و العراقي الشقيق قريباً.
أنطوان لحد يُبعث في الجولان؟
في الجنوب تتشابك الخيوط و تجتمع الأضداد لتنتج مشهداً لا تزيده التسريبات الإعلامية إلا ضبابية و سديمية, لكن بعملية فلترة سريعة للشوائب و المؤثرات المصطنعة من خلال مجموعة من الأسئلة الهامة و الملّحة سنجد أنفسنا أمام رؤية مختلفة:
ما الذي قد يدفع العدو إلى كشف خطته الهجومية أمامنا بل أن يصل به الأمر لحد الإشارة إلى أعداد المهاجمين و نوعية تسليحهم والاتجاهات التي سيسلكونها من الجنوب وصولاً إلى العاصمة؟
و ما هو القاسم المشترك في التوقيت و المضمون بين كشف الثورة السورية اليوم لوجهها القبيح ( الذي رآه ذوو البصيرة مسبقاً ) من خلال دعوة الكيان الصهيوني للتدخل المباشر جهاراً نهاراً و بين ما يشاع عن نية إسرائيل إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي
السورية على غرار تجربة جيش لحد العميل في جنوب لبنان؟
في الحقيقة كما الكثير من الوطنيين لم يفاجئني على الإطلاق تقدم ثوار “الحرية “و “الديمقراطية ” بطلب رسمي و مباشر من الكيان الصهيوني لحماية ثورتهم “الشريفة العفيفة ” مقابل تنازلهم عن الجولان المحتل , فنحن نعلم ماهيتهم من الألف إلى الياء و تحدثنا عنها و كتبنا آلاف الكلمات و الشروحات و التحليلات منذ ثلاث سنوات و إلى اليوم , لكن ما فاجأني فعلاً هو استغراب كثير من “المثقفين ” العرب لهذه الخطوة! كدليل جديد على مدى سذاجتهم و سطحية عقولهم التي لم تستعص على محراث توجهه دول النفط و تجرّه ثيران الثورة السورية المزعومة ففلحتها و سمدتها بالروث الربيعي ( العربي )!
إنه الرد الإسرائيلي الاستباقي في مواجهة خطر تكرار تجربته في جنوب لبنان مع مقاومة شعبية تستخدم ضده نهج حرب العصابات لكن هذه المرّة في الجولان! خاصة و هم يشاهدون انهيار مشروع تقسيم سورية و المنطقة على أساس مذهبي أمام أعينهم تحت ضربات أبطالنا الميامين و الذي كان هدف إسرائيل الرئيسي من وراء كل جرى منذ انطلاقة ما سمي زوراً بالربيع العربي..
أن يكون كثير من العرب سذجاً لهو أمر غير مستغرب طبعاً, لكن أن يصل اليأس بالكيان الصهيوني إلى حد محاولة إحياء سيناريو جيش لبنان الجنوبي الفاشل مرّة أخرى و أين ؟ في سورية! فلا أستطيع أن أرى فيه إلا إحباطاً شديداً و رعباً قاتلاً مما ينتظره في المرحلة القادمة التي ستلي مراسم دفن أحلامه و مخططاته و ثواره في سورية.
و قال الأسد:
أياً كانت خططهم الجديدة القديمة فلقد قالها أسد الصمود و المقاومة ( لا خيار أمامنا سوى الانتصار )..إذاً فالمعركة مستمرة إلى حين لكن نتيجتها الحتمية هي انتصار سورية ..لا لأننا على حق فقط …بل لأننا نملك القوة اللازمة للدفاع عن هذا الحق و إحقاقه , فهل يُهزم من يمتلك جيشاً اسمه الجيش العربي السوري ؟
13/5/1403018 تحرير علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha