التقارير

بين «شارب» القرم و«لحية» سوريا: هل تفتح تركيا جبهة «جهادية» جديدة؟

2458 2014-03-19

محمد نور الدين

لم تستفق تركيا بعد من سياساتها الخاطئة في سوريا وتدخلها السافر في شأن داخلي لدولة أخرى ذات سيادة كاملة حتى وقعت في خطأ ثان عندما أعلنت أنها لن تعترف بالاستفتاء على ضم القرم الى روسيا. المفارقة في الموقف التركي انه يتعلق بدولة على حدوده الجنوبية هي سوريا وأخرى على مرمى موجات مائية من حدودها الشمالية. وهو ما دفع المعلق التركي غونيري جيفا أوغلو، الى القول إن تركيا عالقة بين الشارب القرمي واللحية السورية.

الخطأ التركي هو أنه يأتي من مقارنة بسيطة وبديهية بين وضع القرم ووضع كوسوفا. فقد كانت تركيا بقضها وقضيضها، بعلمانييها وإسلامييها رأس الحربة في دعم تطلعات شعب كوسوفا الى الاستقلال عن صربيا، ومن أكبر المحرّضين على استخدام القوة المسلحة الأطلسية لضرب مواقع صربيا تمهيداً لحماية سكان كوسوفا؛ علما ان كوسوفا كانت مجرد منطقة ذات حكم ذاتي داخل جمهورية صربيا ولم تكن جمهورية مستقلة ضمن الاتحاد اليوغسلافي مثل البوسنة وكرواتيا ومقدونيا وصربيا. مع ذلك وقفت تركيا الى جانب كوسوفا مطالبة باستقلالها.

أما القرم فهي جمهورية مستقلة ضمن الاتحاد الأوكراني ووضعها القانوني أقوى بكثير من كوسوفا؛ رغم ذلك فقد أعلن وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، أنه لن يعترف باستقلال القرم.

وتركيا بذلك إنما كانت تغلّب عوامل عدة مزمنة على سياسات تظاهرت أنها جديدة وتتبعها وعنوانها الانفتاح وصفر مشكلات، وإذا بها تنقلب عليها حيث كانت ترى انها لا تخدمها بالكامل.

رغم العلاقات الاقتصادية الجيدة بين تركيا وروسيا واتفاق البلدين على تحييد الخلافات السياسية عنها غير أن «الغريزة» التاريخية تتغلب في لحظة تقدم الدور الروسي واقترابه أكثر من الحدود التركية عبر شبه جزيرة القرم، التي يعني انضمامها الى روسيا تغييراً جذرياً في التوازنات الاستراتيجية في البحر الأسود.

وهنا غلّبت الدولة التركية الحديثة العامل العثماني في التحالف مع الغرب ضد روسيا العدو التاريخي لتركيا وقبلها الدولة العثمانية.

وفي هذا الموقف انما كانت تركيا أيضاً تستشعر الخطر الروسي الجديد الذي لا يمكن مقاومته إلا بتأكيد الانتماء لحلف شمال الأطلسي، تماماً كما فعلت عندما علا صوتها رهبة من بضع قذائف مدفعية سورية سقطت على أراضيها؛ فأعلنت النفير وأطلقت النذير وقدّمت صفتها الأطلسية على أي صفة أخرى إسلامية أو تركية أو مشرقية، وأعلن مسؤولوها جميعاً عبارتهم الشهيرة ان»حدود تركيا هي حدود الأطلسي»، وهو ما تكرره اليوم مع الأزمة في القرم.

لقد دعت تركيا الحالية الى الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية، وبالتالي عدم انسلاخ القرم عنها. ولكنها لم تبد الحرص نفسه على وحدة الأراضي الصربية تماماً مثلما لم تحترم من قبل وحدة أراضي العراق وسيادته بزيارة داود أوغلو الشهيرة الى كركوك من دون إذن بغداد، وبتوقيع اتفاقيات مع إقليم كردستان الفيدرالي بمعزل عن حكومة بغداد، كما بالتدخل السافر في الشأنين الداخلي لكل من سوريا ومصر.

وكان داود أوغلو اول من قال بنظرية الدومينو عقب ثورة 30 حزيران وتغيير النظام في مصر.

وفي الموقف التركي من استفتاء القرم تتجلى نزعة الخوف من تعميم نظرية الدومينو السلبية، وتكرار الاستفتاءات في مناطق مُتنازع عليها؛ ومن ذلك مصير مقاطعة ناغورنو قره باخ الأرمنية وتحذير الوزير التركي من أي استفتاء على وحدة الأراضي الأذرية.

ولا شك ان الخوف التركي يرصد أيضاً ما يمكن أن يطالب به أكراد تركيا من تقرير المصير والمطالبة بالحد الأدنى بالحكم الذاتي.

ولعل ما أثار غضب أنقرة أكثر من غيره أن الاستفتاء على استقلال القرم قد تم بنتيجة 96.7 في المئة، أي أن قسماً من تتار القرم الذين يقاربون العشرة في المئة قد صوتوا لمصلحة الانضمام الى روسيا، إلا في حال لم يذهب أحد منهم الى الاقتراع وهذا شبه مستحيل.

مثل هذه النتيجة يُسقط من يد تركيا اللعب بورقة أقلية التتار في القرم التي لمّحت اليها منذ البداية، علماً أن الثلاثمئة ألف قرمي قد اعتُرِف بلغتهم في «الجمهورية الجديدة» كلغة رسمية الى جانب الروسية والأوكرانية، بينما 12 – 15 مليون كردي في تركيا لا يُعتَرف بهم لا كشعب ولا بلغتهم لا في التعليم ولا كلغة رسمية.

في قرارها عدم الاعتراف باستفتاء القرم، تدخل تركيا نفسها أيضاً في معمعة العقوبات التي فرضتها أميركا وأوروبا على روسيا لا سيما حركة الأشخاص. فهل ستلتزم بها كونها من دول المحور الغربي؟ أم تكتفي بتسجيل موقف فقط؟.

لكن ما هو أخطر من كل هذا، هو أن تركيا بهذا الموقف تشجع التتار أكثر على التمرد على الواقع الجديد، ومن خلفهم كل من تنفتح شهيته على «الجهاد» من جنسيات العالم أجمع، من خلال تكرار خطئها في سوريا.

ولكن هذا المرة سيكون في القرم عبر تشجيع المجموعات «الجهادية» على مقاومة الهيمنة الروسية الجديد فتنفتح جبهة «جهاد» جديدة ضد روسيا وبدعم تركي؛ وهو ما لمّح اليه زعيم التتار في القرم مصطفى جميل أوغلو، في لقاء مع صحيفة «فايننشيل تايمز» في التاسع من آذار الجاري. فهل تفتح تركيا على نفسها جبهة مخاطر جديدة كما فعلت في سوريا وتحصد النتيجة نفسها: الفشل؟.

3/5/1403019 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك