بغداد ـ عادل الجبوري
في كل المحافل السياسية، ووسائل الاعلام، والشارع العراقي، ليس هناك في المرحلة الراهنة موضوع يطغى على موضوع رئاسة الوزراء ومن سيشغل هذا الموقع، وبين داعم ومساند ومؤيد بقوة لرئيس الوزراء الحالي وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وبين معارض بشدة لاستمراره بالمنصب اربعة اعوام اخرى، وبين صامت لا يتكلم الا قليلا بانتظار انجلاء "غبرة المعركة"، يكاد يغيب موضوع رئاسة الجمهورية بشكل تام، علما انه لا يقل اهمية وحساسية عن موضوع رئاسة الوزراء، فضلا عن ان الثاني لا يمكن حسمه من دون حسم الاول.
ولا شك ان الجميع معنيون برئاسة الجمهورية، مثلما هم معنيون برئاسة الوزراء، بيد ان كرة رئاسة الجمهورية تبدو في ملعب الاكراد، هذا اذا افترضنا ان العرف الذي سارت عليه الامور خلال الاعوام الثمانية الماضية، بإعطاء رئاسة الوزراء للمكون الشيعي، ورئاسة الجمهورية للمكون الكردي، ورئاسة مجلس النواب للمكون السني، سيبقى قائما ومعمولا به. واغلب الظن انه سيبقى كذلك، لاكثر من سبب، من بينها، ان الاكراد ـ على ما يبدو ـ مصرون على الاحتفاظ بالمنصب، وان السنة لم يظهروا رغبة واضحة في الحصول عليه، ولا سيما انهم يدركون صعوبة التوافق فيما بينهم على شخصية مناسبة لتولي المنصب وتحظى بالقبول في الفضاء الوطني العام الى جانب التأييد الاقليمي والدولي.
وفي الدستور العراقي توضح فقرات من المواد 67 و 73 اليات اختيار رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب، وما ينبغي ان يقوم به بعد انتخابه. اذ تنص الفقرة اولا من المادة 67 على ان "ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد اعضائه. بينما تنص الفقرة اولا من المادة 73 على ان "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية".
وهذه النصوص الدستورية تشير بوضوح الى ان الخطوة الاولى بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، ودعوة رئيس الجمهورية اعضاء مجلس النواب الجديد الى عقد الجلسة الاولى التي يفترض ان تشهد بحسب المادة 53 من الدستور، اختيار رئيس للبرلمان ونائبين له بالاغلبية المطلقة، قيام مجلس النواب بانتخاب رئيس الجمهورية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاد الجلسة الاولى.
هذه الخطوات المتتابعة، تشير الى حقيقة ان حسم مسألة تسمية الاشخاص لتولي المناصب العليا متداخلة ومترابطة، ومن غير الممكن فصل أي منها عن الاخرى، وعملية الحسم اما ان تتم عبر خيار الاغلبية بعيدا عن التوافقات والتفاهمات المسبقة، والتي تبدأ بانتخاب رئيس البرلمان، مرورا برئيس الجمهورية، وانتهاءً بتكليف الاخير لمرشح الكتلة النيابية الاكبر التي من المفترض ان تكون قد تشكلت ومررت المرشحين لرئاستي البرلمان والجمهورية. واما تتم عملية الحسم بالتوافق وفق مبدأ "الصفقة الواحدة" لا للرئاسات الثلاث فحسب وانما لمختلف المواقع العليا السيادية، وعموم الكابينة الحكومية.
واستنادا الى معطيات الواقع السياسي العراقي، فإن فرص الذهاب بخيار الاغلبية تبدو ضعيفة، والتوافق والتفاهم حتى وان كانت تعتريه نقاط خلل واشكاليات، الا انه يبقى امرا واقعا لا بد منه بالنسبة للجميع.
التوافقات افضل الخيارات السيئة
وهنا فإن التوافق والتفاهم في الفضاء الوطني يتطلب توافقات وتفاهمات في اطار كل مكون من المكونات، تنتج مرشحين مقبولين داخليا ووطنيا لشغل مناصب الرئاسات الثلاث، والى الان لم تلح في الافق أي بوادر لتوافقات وتفاهمات من هذا القبيل داخل أي مكون، في وقت نرى الانظار شاخصة الى المكون الشيعي وحراك قواه الرئيسية، وترقب مدى قدرتها على اعادة بناء التحالف الوطني لينتج مرشحا مقبولا لرئاسة الوزراء، بينما ينبغي ان تشخص الانظار الى المكون الكردي الذي تقع على عاتقه مهمة طرح مرشح لرئاسة الجمهورية يساهم القبول به في حلحلة الملفين الاخرين.
ولا يختلف اثنان في ان الاكراد يواجهون ازمة حقيقية بشأن اختيار شخصية كردية مناسبة ومقبولة لمنصب رئاسة الجمهورية، فجلال الطالباني، حتى اذا كان يحق له تولي المنصب مرة اخرى من الناحية الدستورية، فإنه على الصعيد الشخصي غير ممكن بسبب وضعه الصحي، الذي جعله غائبا عن المشهد بالكامل.
وغياب الطالباني وانعدام فرص بقائه، يحتم البحث عن بديل، واذا كان الامر يتحدد في اطار التوافقات الكردية الداخلية المعمول بها منذ ثمانية اعوام، فهذا يعني ان البديل ينبغي ان يكون من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي بدأت مسيرة تفككه وتشظيه قبل ازمة الطالباني الصحية بحوالي عامين. ومجمل القراءات الواقعية تذهب الى انه وسط حالة التناحر والتقاطع بين قيادات الاتحاد الوطني يبدو من الصعب جدا ترشيح شخص مقبول ليحل محل الطالباني في منصب الرئاسة، لانه في جانب منه مرتبط بالتوافق على بديل له في زعامة الاتحاد، ولعل جهات في الاتحاد اطلقت بالونات اعلامية خلال الشهور القلائل الماضية عن ترشيح اسماء عديدة لمنصب رئيس الجمهورية مثل برهم صالح وعادل ومراد ونجم الدين كريم، الا ان كل واحد منهم يواجه اكثر من عقبة.
حركة التغيير بدورها لن تتنازل عن منصب مهم وعلى فرض فشل الاتحاد في التوصل الى مرشح منه، فحينذاك ينبغي ان يتصدى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني للمهمة، ويطرح مرشحا من فضائه الحزبي، او قريبا منه. وهذا الخيار هو الاخر يواجه عقبات واشكاليات وتحفظات، الاول، انه في حال طرح الديمقراطي الكردستاني مرشحا منه، فهذا ربما يحتم عليه التخلي عن رئاسة الاقليم، وهو امر من المستبعد ان يقبل به الحزب، وتحديد زعيمه البارزاني، والاشكالية الاخرى، تتمثل في ان حزب الاتحاد في حال اذعن وصرف النظر عن المنصب، فمن غير المعقول ان يحصل ذلك، مضافا اليه فقدانه منصب رئاسة برلمان الاقليم لمصلحة حركة التغيير (كوران)، ويبقى مكتوف اليدين مستسلما للواقع. وحركة التغيير بدورها لن تتنازل عن منصب مهم حصلت عليه بفضل ثقلها البرلماني من دون ان تحصل على ما هو افضل منه، وقد لا يغريها كثيرا منصب رئاسة الجمهورية حتى وان عرض عليها.
ازمة المرشح الكردي لرئاسة الجمهورية لم تطفُ على السطح حتى الان، وهي ما زالت تتحرك وتتفاعل في داخل البيت الكردي، الا ان الاسابيع القلائل المقبلة ستدفع بها الى واجهة الاحداث بقوة، الا في حال فاجأ الاكراد شركاءهم السنة والشيعة واحتووا خلافاتهم وجاؤوا الى بغداد بمرشح قوي ومناسب ومقبول على نطاق واسع.
ولان الاحتمال الاخير مستبعد فإن المتوقع هو ان اوراق رئاسة الجمهورية ومعها رئاسة البرلمان ستختلط مع اوراق رئاسة الوزراء، لتأخذ المساومات والمفاوضات ابعادا اخرى.
والاكراد الذين لديهم ادوات للضغط والمساومة والتعطيل بخصوص رئاسة الوزراء سيجدون خصومهم يلجأون لنفس الادوات حول رئاسة الجمهورية.
كل ذلك يعكس القدر الكبير من تعقيدات المشهد السياسي العراقي، وعجز أي طرف عن فرض املاءاته على الاخرين، ليعود الجميع الى خيار التفاهم والتوافق على اساس التنازلات المتبادلة، وهو خيار صعب، قد يجعل البلد يعيش بنفس دوامة المشاكل والازمات، ولكنه ربما كان اقل الخيارات سوءا على المدى البعيد.
18/5/140606
https://telegram.me/buratha