التقارير

حرب البعثين في العراق والشام

1826 11:59:35 2014-06-20

ربيع بركات .

«... وبهذا الصدد، ندعو أبناء شعبنا العراقي بكل أطيافه ومكوناته إلى التكاتف والتلاحم والثورة على ظلم وديكتاتورية الحكومة الطائفية الصفوية العميلة، ونقول لأهلنا وإخواننا من أبناء العشائر والفصائل المجاهدة في الأنبار، لستم وحدكم في ميدان المنازلة» (بيان عن الموقع الرسمي لـ«رجال جيش الطريقة النقشبندية» ـ 1/1/2014).

بعد بضعة أشهر من البيان المذكور أعلاه، في نيسان 2014 تحديداً، طلب «جيش الطريقة النقشبندية» من مقاتليه الاستعداد لدخول العاصمة العراقية بغداد. والجماعة التي يقودها عزت الدوري، نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كانت قد تأسست العام 2007، وخاضت، شأنها شأن فصائل إسلامية عدة، بعضها سني وبعضها الآخر شيعي، مواجهات مع قوات الاحتلال. وقد اعتبر البعض هذه الجماعة أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطة العراقية بعد الانسحاب الأميركي، نظراً لإفادتها من بقايا البنى التحتية لحزب «البعث» الذي حكم البلاد طوال خمسة وثلاثين عاماً. ففي أيار 2010 مثلاً، أي قبيل خروج القوات الأميركية من العراق، نقلت خدمة «نيويورك تايمز» لصحيفة «الشرق الأوسط» عن مصادر في الاستخبارات العسكرية الأميركية قولها إن «رجال الطريقة النقشبندية» يطرحون تهديداً لاستقرار البلاد على المدى الطويل يفوق تهديد تنظيم «القاعدة».

على أن الهجمة الأخيرة على مدن الشمال العراقي ووسطه جاءت بتدبير مجموعة فصائل، بحيث لا يمكن اختزال الصورة بفعل تنظيم من دون آخر، علماً أن متصدر الهجمة الذي يُنتظر أن يباشر عملية تصفية القوى الأخرى في حال طول أمد الأزمة، هو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، «داعش».

وقد أثبت التنظيم فعاليته في السيطرة على الأرض، حيث شكلت مجموعاته قوات الصدم، أي طلائع المسلحين الذين أطلقوا عملية الاجتياح الواسع والمنسق مع عدد من ضباط الجيش، الذين أخلوا مراكزهم وأعطوا الأوامر بإلقاء السلاح. كما حصدت الجماعة جراء غزوة الموصل وحدها غنائم تقدر بنحو خمسمئة مليار دينار عراقي (أربعمئة وثلاثين مليون دولار) نقداً، فضلاً عن كميات ضخمة من الذخائر والأعتدة والآليات العسكرية.

وبالرغم من لعب «داعش» دوراً رئيسياً في مناطق سيطرة المسلحين، فإن ذلك لا يلغي حقيقة مفادها أن بعض أبرز ضباط هذا التنظيم هم من بقايا الجيش العراقي السابق، أي بعثيون سابقون، سلفيون حاليون.

وضباط الجيش السابق يمثلون العمود الفقري لمعظم التنظيمات المقاتلة في العراق. بعضهم حافظ على «بعثيته» (الولاء التنظيمي أكثر من أي شيء آخر)، فيما انفض بعضهم الآخر عنها تماماً وآثر الانضواء تحت مظلة أخرى. غير أن الصنفين على السواء، وجدا ملاذاً في جماعات ما دون الدولة بعد خروجهما منها. وقد اكتسب هذان النمطان زخماً مع سلوك حكومات ما بعد الاحتلال نهحاً إقصائياً، دفع جل ضحايا «اجتثاث البعث» إلى الارتماء في أحضان الجماعات الأهلية بتعريفها البدائي، فكان أن حمل بعضهم راية «السلفية الجهادية» (مثل «داعش» و«أنصار السنة» و«الجيش الإسلامي») وبعضهم الآخر عنوان «الإسلام الوسطي» (مثل «كتائب ثورة العشرين» و«جيش المجاهدين») فيما آثر ثالثهم البقاء تحت قيادة «البعث» بصيغة يصفها أنصاره بالـ«صوفية» («جيش الطريقة النقشبندية»).

والانتماء إلى الجماعات الأهلية بمعناها البدائي (الطائفي)، له صلة بسيرورة حزب «البعث» بشقيه العراقي والسوري، بمثل ما يتصل بقضية انهيار الدولة ومؤسساتها.

فقد كان «البعث» في العراق، نظرياً، جلباباً يتسع للأقلية العربية السنية في البلاد، ولقوى غير إسلامية في الوسط الشيعي الغالب ديموغرافياً، خصوصاً مع نمو الإسلام الحركي الشيعي بعد الثورة في إيران. وكان الأمر مشابهاً إلى حد بعيد في سوريا، حيث شكلت خيمة البعث ملاذاً لخصوم الإسلام الحركي السني، من «العلمانيين» السنة والأقليات على السواء، تحديداً بعد تمدد ظاهرة «الإخوان المسلمين» أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي.

بمعنى آخر، فقد شكل «البعث» في القـُطرين حلاً نظرياً (مع التشديد على الكلمة) لهواجس أقلوية، فيما هو اليوم يعكس هذه الهواجس بشكل فج، سواء عن طريق انخراطه في «الحراك السني» في العراق، أو تسويقه لحماية «الأقليات» في سوريا.

وقد بدأ الصراع بين البعثين، السوري والعراقي، تنظيمياً أكثر منه أي شيء آخر. فكان مطلعه بانفجار الخلاف بين القيادتين القطرية (العسكر) والقومية (المدنيين) لحزب «البعث» في سوريا، وبانقلاب العسكر على «القيادة القومية» المنتخبة العام 1966، واختفاء عدد من قياديي الحزب البارزين وهرب مؤسسه ميشال عفلق إلى لبنان فالبرازيل... قبل عودته راعياً رمزياً لحكم «البعث» في العراق.

ثم ما لبث أن انخرط الجناحان في معارك قاسية، ظهرت فيها الهواجس الطائفية التي يعبر عنها كل منهما بشكل أكثر وضوحاً. وتمثل أبرزها بدعم النظام العراقي جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا في صراعها على السلطة في الثمانينيات، بينما احتضن النظام السوري جماعات الإسلام الشيعي («الدعوة» و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»...) التي خاضت حربها مع «بعث» العراق كامتداد لحرب إيران مع بغداد.

بيد أن اجتثاث الدولة ومؤسساتها في العراق، حشر بقايا «البعث» في زوايا الانتماء الطائفي، بشكل يفوق ما يحصل في سوريا راهناً، حيث حافظ شعار «الدولة» (في مقابل الفوضى أو «الإمارات الإسلامية») على قدر من الجاذبية التي تفسر، مثلاً، قتال قسم معتبر من السنة في مدينة حلب إلى جانب النظام في تشكيلات «لواء القدس» وكتائب البعث».

أما في العراق، فقد أخذ الاستقطاب الطائفي شكلاً أكثر رادكالية، والسبب هو انهيار الدولة بالذات. إذ إن تفكيك أجهزتها لم يسفر عن إعادة صياغة علاقات القوة في البلاد تلقائياً. وما زال عصياً على الفهم كيف ظن بعض «المثقفين» العرب أن الأمر وارد بمجرد حصول الفراغ، وأن شكلاً من أشكال الهندسة الاجتماعية ممكن بمجرد إسقاط قوالب نظرية حول الديموقراطية المفروضة قسراً، على ظروف مادية غريبة عنها.

لقد ظل إرث عقود حكم «البعث» الثلاثة مسيطراً على مناطق واسعة في العراق، خصوصاً في الوسط والشمال، أو في أوساط «العرب السنة». وكان نتاج تفكيك الدولة لجوء هذا «البعث» إلى ما دونها. وفي حالة «البعثين» المعنيين، يعني ذلك العودة إلى الهواجس الأصلية التي عبر عنها الجناحان، كل في بلده، بكثير من المواربة سابقاً.

...أما اليوم، فاتساع رقعة الحرب في عموم المشرق يوحي بأن حرب «البعثين» لم تنته قط. وحرب «البعثين» ما هي إلا شكل من أشكال «الحروب الأهلية القومية»، مع ذوبان الحدود الفاصلة بين القطرين، ومع انهيار الدولة الحاضنة لإحدى التجربتين، ووقوف التجرية الثانية بدولتها على حافة الانهيار.

 

23/5/140620

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك