محمد محمود مرتضى
بعيد اجتياح داعش لمناطق عراقية ارسلت الولايات المتحدة الاميركية بضع مئات من الجنود في مهمة استشارية للحكومة العراقية. ورغم وعود الرئيس الاميركي بحماية العراق، الا انه لم يحرك ساكنا رغم وجود الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.
فقط الليالي الماضية بدأت الولايات المتحدة جولة من الضربات الجوية ضد ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" بالقرب من مدينة أربيل في شمال العراق. بعد ان اقتربت الاخيرة من عاصمة اقليم كردستان.
ومع ان القدرات الاميركية الجوية فاعلة في هذا النوع من المعارك، اي عندما يكون العدو في حالة هجومية بحيث تكون خطوطه وقطعاته العسكرية مفتوحة، الا ان حجم الضربات لم يكن قويا وهو اقتصر على استهداف بعض مرابض المدفعية وغيرها.
هي ضربة اشبه برسالة الى اطراف متعددة اكثر منها ضربة يراد منها الايذاء او تغيير وقائع ميدانية. ومهما يكن من أمر فان فهم طبيعة هذه الرسائل يعتمد على فهم المهمة وتاليا ما اعقبها من تصريحات.
رغم الاجتياح الكبير والخطير الذي قامت به داعش، الا ان الولايات المتحدة اكتفت بالتصريحات محذرة من سقوط العراق ما لم تقم فيه حكومة جديدة موحدة.
وبعد الاجتياح، قامت داعش بالعبث طولا وعرضا في المناطق التي سيطرت عليها، دمرت مساجد ومزارات ومراقد اضافة الى الكنائس. استباحت الموصل، ذبحت ابناءها وسبت نساءها ، ثم انعطفت لتقتل وتشرد اقلياتها من مسيحيين وايزيديين وتركمان وغيرهم.
لكن ذلك لم يدفع بالولايات المتحدة لتقدم يد المساعدة، بل اكتفت بالتفرج على مشاهد العنف بدم بارد وعقل سياسي اكثر برودة، وينسحب هذا الموقف الاميركي على المواقف الغربية الاخرى.
أما أقليم كردستان، فإن قيادته واطماعها السياسية والاقتصادية، وأحلامها الانفصالية اعمتها عن قراءة خطورة ما يجري على مقربة من حدود اقليمها، وبدلا من المسارعة لمد يد العون للحكومة المركزية في بغداد، انقضت على مدينة كركوك ومناطق اخرى ( متنازع عليها) لتفرض امرا واقعا ما اثار الريبة والشكوك عن امكانية تورط حكومة الاقليم في مؤامرة داعش وهجومها المفاجئ.
ويبدو ان هذه اللامبالاة الغربية، والاستغلال الكردي، دفعا داعش إلى زيادة أطماعه في التوسع شرقا وشمالا لكسب المزيد من الارض والثروات الطبيعية، فتوجه باتجاه سنجار غير المحمية اصلا كما توجه باتجاه سد الموصل للتحكم بعنصر المياه والطاقة منه لكن الاخطر من ذلك كله هو وصول داعش الى مقربة من عاصمة الاقليم اربيل.
v متى تتدخل واشنطن؟
ومنذ البدايات يبدو ان واشنطن قد وضعت خطوطا حمراء معينة اعتبرت ان تجاوزها سوف يستدعي تدخلا عسكريا موازيا لحجم هذا الاختراق.
ويمكن إختصار هذه الخطوط بالتالي:
• الضغط على الحكومة العراقية لدفعها للاستقالة ومن ثم تشكيل حكومة جديدة لا يرأسها المالكي.
• عدم السماح بسقوط العراق، لا سيما العاصمة بغداد لان سقوطها خط احمر ويستتبع تدخلاً عسكرياً.
• اقليم كردستان يمثل مصلحة عليا للادارة الاميركية فوحدته خط احمر آخر لا ينبغي تجاوزه.
• الحؤول دون انهيار العلاقة بين واشنطن وبغداد ، وتاليا لا لتقديم معونات للمالكي تساعده في حربه على داعش ، ولا لاظهار عدم الاكتراث الكلي بما يجري ، فكانت خطوة ارسال بضع مئات من العسكريين كمستشارين لا تساعد في حسم معركة، لكنها ايضا تبعد احتمال انهيار العلاقة مع بغداد.
تخطت داعش احد هذه الخطوط الحمراء المتعلقة باقليم كردستان ، اقتربت اكثر من المسموح به فكان لا بد من تحرك عسكري اميركي يدافع فيه عن حليفه الكردي.
فجاءت الضربات الجوية التي قد لا تكون كافية لتغيير جوهري في سير المعارك لكنها بلا شك ستكون كافية كرسالة موجهة الى داعش لتحديد الخطوط التي لينبغي لها عدم تخطيها.
ولم تكد واشنطن تعلن عن هذه الغارات حتى اعقبتها بدعوة الى العراقيين لتشكيل حكومة موحدة وفق ما اعلنته منذ اليوم الاول . ان اقتران هذه الدعوة وتجديدها مع الاعلان عن الغارات يظهر ان هذه الاخيرة رسالة الى الحكومة العراقية تسعى ان تقول من خلالها ان هذه العمليات العسكرية يمكن ان تتوسع وتتكثف لتستهدف مناطق اخرى تساعد الحكومة العراقية ولا تكتفي بمساعدة اقليم كردستان.
إرتباك أميركيوالحقيقة ان الادارة الاميركية تضع نفسها في مآزق اخلاقية كبرى. فالرئيس الاميركي الذي وقف خطيبا منذ اشهر، وقبيل الهجوم الداعشي على الموصل، في قاعدة وست بوينت العسكرية ليعلن عن انتصاراته على "الارهاب" وان الجيش الاميركي لا يمكن له ان يقف مكتوف الايدي عندما يتعلق الامر بحفظ " الديمقراطية" وترسيخ " القيم الاميركية" ومساعدة بعض الدول على الانتقال الديمقراطي، في وقت كان لا بد للرئيس الاميركي من اعلان عدم النية لارسال اي جندي اميركي الى العراق لتهدئة الرأي العام الداخلي، ما اعتبر انه رسالة تطمين ايضا لداعش بان تورط الولايات المتحدة في العراق سيظل محدودا.
ورغم وجود خيارات التدخل الجوي الفاعل دون التورط البري، فان هذا لم يمنع واشنطن عن ممارسة التقاعس للحؤول دون قيام داعش بإبادات جماعية وتطهير عرقي شهده العراق بحق الاقليات.
فلا عجب ان تتراجع شعبية الرئيس اوباما الى ادنى مستوياتها امام هذا الارتباك الاخلاقي والاستراتيجي. وهذا الارتباك هو ما دفع ببعض الكتاب الاميركيين للقول ان الرئيس أوباما يسلك حاليا طريقا فيه انفصال بين "الطرق" و"الغايات".
بينما يرفع آخرون الصوت بالقول انه إذا كانت الولايات المتحدة ليست على استعداد لوضع استراتيجية متماسكة تهدف إلى هزيمة داعش، فان أي عدد من المستشارين أو الغارات الجوية لن تحدث فرقا في المدى الطويل، بينما سوف تقف داعش موقف المتفرج على هذا الارتباك.
22/5/140812
https://telegram.me/buratha