يشكل البترول منذ عقود نقطة ارتكاز فى سياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى تجاه الشرق الأوسط. لكن التطورات الأخيرة أكدت تراجع هذا البند خطوة إلى الوراء على أجندة الغرب إزاء الأزمات التى تمر بها المنطقة، أو بالأحرى إعادة رسم خريطتها، ليواكب ذلك وضع صياغة جديدة لمعادلة الطاقة العالمية.
الصراعات التى انكبت فيها دول عربية ومن بينها دول بترولية كبرى، لا تبدو لها نهاية وشيكة، وقد بدأت شركات التنقيب العالمية تسحب موظفيها وتوقف الإنتاج، وسط صمت غربي غامض.
فعلى غير المعتاد، لم نلحظ أى تحركات أو تصريحات حول ضرورة "استقرار الوضع" لتأمين تدفق مواد الطاقة. انما على العكس، فإن التصريحات الصادرة من الاتحاد الأوروبى، على سبيل المثال، تدعو الى ضرورة "تنويع مصادر امداد الطاقة".
ومما يثير الدهشة أن الشركات الايطالية العاملة فى ليبيا تستغيث منذ شهور بسبب تعثر الجانب الليبى -وسط الوضع الأمنى المتدهور- عن سداد مستحقات تبلغ إجمالى مليار يورو لهذه الشركات.
ويؤكد جيان فرانكو داميانو رئيس الغرفة التجارية الايطالية الليبية أن ماركو مينيتتى وزير الدولة لشئون المعلومات والأمن حذر فى مايو الماضى من أنه لايزال هناك 6 أشهر لإنقاذ الوضع فى ليبيا الا أن أحدًا لم يتحرك!.
تطورات تؤكد تراجع البند الاقتصادى لدى الأوروبيين فى أجندتهم تجاه المنطقة، التى يبدو أنهم استبدلوا الأجندة الأمريكية بها.
واذا كانت الخيارات المتاحة أمام الأوروبيين فى تنويع مصادر امداد الطاقة تبدو تقليدية، فإن الثورة الحقيقية فى المعادلة – كما وصفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية- تأتى من الولايات المتحدة، حيث أسفرت تكنولوجيا استخراج البترول والغاز من بين الصخور "شال اويل" عن تضاعف كبير فى حجم الاحتياطى الأمريكى من البترول والغاز، ناهيك عن الاحتياطى البترولى الاستراتيجى الذى تمتلكه الولايات المتحدة البالغ حجمه 727 مليون برميل.
ويشير مكتب ادارة موارد التربة التابع لوزارة الشئون الداخلية الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر احتياطى من الزيت الصخرى فى العالم يقدر بأكثر من تريليونى برميل، وبذلك فإن الخبراء يؤكدون أن أمريكا بإمكانها تخطى المملكة السعودية كأكبر منتج للبترول فى العالم.
وبحسب دراسة أعدها معهد "بروكينجز" البحثى الأمريكى، توطد هذه التغييرات من قبضة الولايات المتحدة عالميا.
ويضيف المعهد أن واشنطن تتجه لفك اعتمادها على الشرق الأوسط، لتترك الساحة من خلفها للقوى الآسيوية، التى ظهرت مؤشرات على أنها ستكون وجهة البترول العربى مستقبلًا.
لكن الدراسة تلتفت إلى محور مخاطر تتعرض له القوى الآسيوية الصاعدة بـ "لجوئها إلى بترول الشرق الأوسط بسبب اضطراب المنطقة وبزوغ ظاهرة الدول الهشة التى تعجز عن تأمين خطوط امدادها.
ويرى "بروكينجز" أيضًا أن الوضع الجديد قد يتطلب عقدا من الزمن حتى تفصح أبعاده السوقية والسياسية والجيوسياسية والمناخية عن نفسها بالكامل.
وإذا كان البعض سيتساءل عن مصالح شركات البترول العالمية فى الدفاع عما تجنيه من أرباح فى الشرق الأوسط، فإن البيانات تشير إلى تراجع سيطرة “الشركات العملاقة” وهى: ست شركات نصفها أمريكي ، والآخر فرنسى وبريطانى وهولندى، على الاحتياطى العالمى من البترول والغاز، إلى 6٪ فقط، بينما يخضع 88٪ من هذه الثروات العالمية لسيطرة دول منظمة”أوبك”، والشركات القومية المملوكة للحكومات والموجودة فى الشرق الأوسط بشكل أساسى.
المأزق الحقيقى يقع فيه الأوروبيون بعد أن تبنوا الأجندة السياسية للولايات المتحدة. فدول الاتحاد الأوروبى تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها من مواد الطاقة.
وقد ضاق الخناق حول القادة الأوروبيين بسبب الأزمات المتفجرة والمتزامنة على حدودهم جنوبا فى المتوسط و شرقا مع روسيا (بسبب الأزمة الأوكرانية)، بعد أن كانت هذه المناطق تشكل فى السابق بدائل لبعضها البعض فى مصادر الطاقة.
حتى إن الاتحاد عمم المطالبة بعدة إجراءات احترازية داخل دولة لمواجهة أى اضطراب محتمل فى الامداد و بخاصة مع اقتراب فصل الشتاء، حيث يتزايد الطلب على غاز التدفئة. وتشمل مد خطوط البنية التحتية اللازمة وتنويع مصادر الامداد بالبحث عن شركاء جدد؛ فى حوض بحر قزوين على سبيل المثال، وزيادة المخزون.
لكن هذه الإجراءات تقف عاجزة أمام المستقبل، مما دفع الأوروبيين على استحياء الى الطلب من واشنطن بادراج بند خاص فى مفاوضات اتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد و أمريكا، يتعلق بامداد الطاقة والمواد الأولية.
وفى اختبار تواجهه العلاقات بين ضفتى الأطلنطى، يطالب الأوروبيون حليفهم الأمريكى بلعب دور فى “تنويع مصادر الطاقة” فى أوروبا ومساندتهم ، خاصة بعد تعليق الإمدادات الروسية للاتحاد من الغاز والبالغة 39% من واردات أوروبا منه.
ويصطدم هذا الطلب بحساسية فى أروقة صنع القرار الأمريكية سواء بين الجمهوريين أو الديمقراطيين إزاء تقاسم ثروات البلاد وارتباطه بالأمن القومى، فضلا عن حسابات الجدوى الاقتصادية والوقت بالنظر إلى طول المسافة جغرافيا بين ضفتى الأطلنطى، وما يرتبط بذلك من ارتفاع فى التكلفة.
وسيتعين على الأوروبيين تدبر الأمر جيدًا، بينما تحاول الولايات المتحدة جر حلفائها من خلفها فى مغامراتها بالشرق الأوسط الذى أصبح بمثابة ساحة حرب مفتوحة، وأيضا فى المواجهة مع روسيا.
......................
الأهرام ـ هند السيد هانى
......................
16/5/140830
https://telegram.me/buratha