باسم حسين الزيدي
حالما باشرت حكومة العبادي مهامها الوزارية، خلفا لحكومة المالكي، (الذي تعرض لانتقادات واسعة النطاق من كتل سياسية كبيرة في الداخل، اضافة الى العديد من الدول العربية والغربية حول طريقة ادارة العملية السياسية)، حاولت تصحيح المسارات السابقة، عبر توحيد الاطراف الداخلية، والانطلاق نحو علاقات افضل مع دول الخليج (وبالأخص السعودية وقطر) والدول المجاورة (تركيا والاردن)، بعد ان اصابها الكثير من الفتور السياسي، وتبادل الاتهامات بين دعم الارهاب وسياسية التهميش، وقد حققت هذه الخطوة نجاحا واضحا على المستوى النظري، بانتظار تجسيدها على ارض الواقع، سيما وان عدد من هذه الدول قطعت عهودا سياسية بدعم العملية السياسية الجارية، اضافة الى مساهمتها في مكافحة الارهاب وانجاح الحرب التي يشنها العراق على المجاميع المسلحة التي احتلت مساحات واسعة من البلاد، وبالأخص تنظيم ما يسمى بـ (الدولة الاسلامية/ داعش).
وقد اكد خبراء ومراقبون للشأن العراقي، ان جملة من المشاكل التي تعترض عمل حكومة العبادي، وهي تحديات فرضتها عوامل داخلية وخارجية جعلت من تفكيكها امر مستصعب في الفترات السابقة، مع وجود البيئة المناسبة التي ساعدت على تجذير هذه المشاكل والمعوقات، وهي ارث غير محبب، يرى محللون، ان على حكومة العبادي الانتباه لها جيدا، فهي قنابل مؤقتة يمكن ان تحدث اضرارا كبيرة في بنية الدولة العراقية لو اهملت من دون علاج او الية مناسبة لحلها، اذ ان عامل الزمن والتراخي في وضع الحلول لها، يساهم في تفاقمها ونموها بشكل كبير، سيما وان معالجتها ليس بالأمر المستحيل فيما لو وضعت في سلم اولويات الحكومة الحالية، التي لها نصيب جيد من فرص النجاح باتفاق الجميع.
ويمكن حصر هذه المشاكل بأربع نقاط رئيسية:
1. الاقتصاد: فالعراق (كما هو معلوم)، يعتمد على مصدر واحد للدخل القومي، فالنفط يشكل ما يقارب 95% من صادرات العراق، بعد ان انهارت اغلب القطاعات الاخرى، التي كان من المؤمل ان تساعد على تعدد جوانب الموارد الاقتصادية (الزراعة، الصناعة، الاستثمار، السياحة...الخ)، بسبب الحروب والعقوبات الدولية (سابقا)، والارهاب.
ومع انهيار اسواق النفط بصورة مفاجأة (بعد ان وصل الى 115 دولار للبرميل الواحد انحسر الى دون 80 دولار)، كان العراق في مقدمة الدول التي تضررت ميزانياتها (اضافة الى دول الخليج وايران وروسيا وفنزويلا واغلب الدول التي يشكل النفط عماد اقتصادها القومي)، بعد ان واكدت وزارة النفط في بيان رسمي أن "الاقتصاد العراقي والموازنة الاتحادية قد تأثرا كثيرا بسبب تراجع الايرادات المتوقعة، وفقدت اكثر من 27 % من ايراداتها المتوقعة لهذا العام"، فيما أبلغ وزير النفط (عادل عبد المهدي) البرلمان، أن العراق يتوقع أن تستند ميزانيته لعام 2015 على سعر للخام 80 دولارا للبرميل، في الوقت الذي اشار فيه (عاصم جهاد) المتحدث الرسمي باسم الوزارة، إن "العراق وأعضاء دول منظمة اوبك ترى ان سعر 100 دولار للبرميل الواحد يعتبر سعراً مناسباً لها"، مشيراً الى أن "انخفاض السعر عن 100 دولار يعتبر عاملاً مؤثراً على اقتصاد العراق واقتصاديات الدول المصدرة للنفط في اوبك".
ولهذا فان ترك الاقتصاد العراقي امام مغامرة الاسواق العالمية للطاقة، والتي تعتمد على عدة عوامل سياسية واقتصادية، من شأنه ان يعرض العراق للمزيد من الاخفاقات، خصوصا وانه امام تحديات اخرى لا تقل صعوبة عن مشاكل الاقتصاد.
2. الارهاب: شكل سقوط نظام صدام على يد القوات الامريكية، عام 2003، نقطة تحول كبير في العراق، بعد ان تحولت انظار الجهاديين والمنظمات المتطرفة (وعلى رائسها تنظيم القاعدة) الى العراق، كمخطط استراتيجي اتبعت فيه هذه المنظمات البوصلة الامريكية في البلدان التي غزتها (افغانستان والعراق) بعد احداث 11/ سبتمبر عام 2001، وما زالت جهود مكافحة المتطرفين والجماعات الجهادية في العراق حتى اللحظة، سيما وان احداث الربيع العربي عام 2011، قد ولدت نوعا جديدا من التطرف، اضاف الى تنظيم القاعدة، منظمات اخرى، تبتت لها موطئ قدم في العديد من الدول العربية والاسلامية (سوريا، العراق، مصر، لبنان، ليبيا، المغرب العربي، افغانستان...الخ).
وبعد ان تمكن العراق من مكافحة وتحجيم خطر القاعدة بعد عام 2008، يواجه اليوم خطر تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش)، الذي انسلخ عن تنظيم القاعدة، ويحتل داعش مساحات واسعة من العراق وسوريا، ويسعى لإقامة دولة الخلافة الاسلامية على الاراضي التي يستولي عليها، وقد ايد المجتمع الدولي، في سابقة مهمة، الجهود الامنية للعراق في مكافحة هذا التنظيم المتطرف، فيما دعت الولايات المتحدة الامريكية الى تحالف دولي، انظمت اليه عشرات الدول الغربية، اضافة الى العربية، لمساعدة العراق عبر شن الضربات الجوية، وتدريب وتسليح القوات العسكرية العراقية، وهو عامل ينبغي الاستفادة منه، من دون العدة الى الوراء، خصوصا وان العراق استطاع القضاء على تنظيم القاعدة، (وكان يعتبر التهديد الابرز للعراق في السابق)، من دون ان يستطيع القضاء على الارهاب الذي عاد على شكل تنظيم داعش.
3. النازحين: وقد ولدت الخروقات الامنية الكبيرة مؤخرا، العديد من المشاكل الجانبية الخطيرة، والتي من الممكن ان تتحول بمرور الزمن الى مشكلة معقدة لا يسهل حلها، ويمكن اعتبار مشكلة نزوح مئات الالاف من مختلف طوائف الشعب العراقي (المسيح، التركمان، الشبك، الايزيديين...الخ)، ويعاني هؤلاء النازحين من مشاكل انسانية صعبة، لكن المشاكل التي ستعاني منها الحكومة العراقية، في حال عدم ايجاد الحلول المناسبة لها، ستكون اصعب بكثير، خصوصا وان تغيير ديموغرافيا التركيبة السكانية في غرب وشمال العراق، ستكون لها عواقب وخيمة على مسألة السلم المجتمعي، وان التعايش التاريخي بين هذه المكونات والتي شهدها العراق لألاف السنين ستكون عرضة للزوال في ظرف سنوات قليلة.
4. الفساد: وقد تحول الى افة تهدد وجود الدولة العراقية بالكامل، بعد ان اصبحت من الظواهر المتجذرة في اغلب مفاصل الدولة العراقية، ويمارسها اغلب السياسيين والقادة الامنيين واصحاب المناصب المهمة، اضافة الى صغار الموظفين وغيرهم، وقد سعى رئيس الوزراء، العبادي، مؤخرا الى اجراء جملة من الاصلاحات الامنية، طالت عشرات القادة الامنيين، احيل اغلبهم الى التقاعد او الى مهام تشريفية، الا ان هذا الاجراء وحدة لا يكفي امام حجم المشكلة المتفاقم، سيما وان التقارير الدولية السنوية والتي تصدر حول قضايا مكافحة الفساد والشفافية، دائما ما تضع العراق في مقدمة الدول التي يستشري فيها الفساد الى حد كبير.
ويبدو ان الحكومة الحالية تدرك حجم الاخطار التي تحيط بها، وربما تكون لديها النية للقضاء على هذه الآفات الاربعة، الا ان افتقارها الى التخطيط الاستراتيجي الواقعي، والخطوات العملية لتنفيذها، من اجل الشروع بمكافحة هذه الاخطار، هو ما ينقصها، لكن هذا لا يعطي مبررا كافيا للوقوف عند هذا الحد، كما يمكن الاعتماد على خبرات وخطوات الدول المتقدمة، والتي عانت، في السابق، من مشاكل فاقت المشاكل التي يعاني منها العراق حاليا، لكنها تجاوزتها الى بر الامان، بعد دراستها والتعاون معها، كما يتم التعاون معها حاليا في مكافحة الارهاب، لتقديم افضل الحلول لإيقاف الانهيارات التي ستؤثر لاحقا على العراق وشعبة.
11/5/141128
https://telegram.me/buratha