لا تزال المحاولات الروسية لإنعاش الملف السوري مستمرة، بالرغم من الرفض الدولي لوجود الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، وبالتزامن مع تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده مواصلة الدعم لسوريا من أجل مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، ومحاولة فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة، بشأن ايجاد مخرج للأزمة، في الوقت الذى تتمسك فيه فرنسا باستبعاد الأسد من أي محاولات إقليمية ودولية لحل الأزمة السورية.
من جانبه أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده ستواصل تقديم المساعدات العسكرية التقنية لسوريا من أجل مواجهة الأخيرة لإرهابيي تنظيم "داعش"، مضيف بقوله " ندعم الحكومة السورية في مواجهة العدوان الإرهابي، ونحن قدمنا لها وسنقدم في المستقبل جميع المساعدات الضرورية في المجال العسكري التقني، وندعو الدول الأخرى إلى الانضمام إلى جهودنا، وضرورة توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب وبدونه حل القضايا الملحة الأخرى التي تتفاقم، ومنها قضية اللاجئين".
شدد بوتين على أنه لو لا الدعم الروسي لسوريا، لكان الوضع في هذا البلد أسوأ مما في
ليبيا، ولكان تدفق اللاجئين أكبر بكثير.
من جانبه كشف ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن الحوار بين موسكو وواشنطن بشأن حل الأزمة السورية أمر لا غنى عنه.
من ناحية اخري أكد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إن بلاده ترى أن من المستحيل التوصل إلى أي حل وسط أو ترتيب مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل حل سياسي.
شدد بقوله " على العكس من ذلك الأمر الملح هو التوصل إلى اتفاق يطوي بشكل نهائي صفحات جرائم الأسد، لا يمكن التوصل إلى حل وسط أو اتفاق مع رجل مسؤول عن سقوط كل هؤلاء القتلى وكل تلك الجرائم ضد الإنسانية."
وفى كلمته أمام البرلمان لتوضيح قرار فرنسا بدء رحلات استطلاع فوق سوريا قال فالس "لن نفعل شيئا يقوي النظام"، واستبعد فالس بقوله" من المستبعد إرسال قوات برية فرنسية إلى سوريا لكنه، ولكن إذا تم إنشاء تحالف إقليمي للتدخل ضد تنظيم "داعش" سوف تدعمه باريس.
على الجانب تباين المواقف الاوروبية في تزايد بسبب الأزمة السورية ، ويظهر موقف كل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة الذين يصرون على خروج الأسد من المعادلة، بينما ترغب دول اخري مثل روسيا النمسا وإسبانيا في تفعيل الحل السياسي بما يحافظ على وحدة أراضي سوريا.
وكان وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أكد على أن "قصف تنظيم داعش فى سوريا سيبقى شوارع بريطانيا آمنة، وسيعزز من حملة التحالف الدولي فى
العراق.
نوه فالون أن داعش ينظم ويوجه من سوريا، مقدمة مهمة لإسناد مسؤولية قصف الأراضي السورية إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا
وتركيا وأستراليا وقطر، وذلك وفق الآلية التي تناقش حاليا خلف الأبواب المغلقة.
وعلى صعيد المحاولات الأممية لحل الأزمة، أكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، إن خطته للحل في سوريا "تتضمن بندين رئيسيين، هما مكافحة الإرهاب والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية"، وأهمية التوصل لحل سياسي في سوريا بمشاركة قوى إقليمية ودولية بات ضروريا للحيلولة دون تكرار ما حدث في
ليبيا من انهيار للمؤسسات.
وتعتمد خطة دي ميستورا على عرضين، الأول يتمثل في مجموعة عمل تهدف إلى إيجاد مستقبل للشعب السوري، يكون موضوعها الأساسي مكافحة الإرهاب" في تبنٍ صريح لموقفي دمشق وموسكو، والتأكيد على أن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تنجح دون التوصل إلى حل سياسي، في تبنٍ واضح أيضا لرؤية الائتلاف وداعميه الإقليميين والدوليين، بينما يتلخص العرض الثاني فى الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية لتجنب ما حدث من انهيار لها في
ليبيا والعراق والصومال، وهو موقف تجمع عليه كل الأطراف السورية والإقليمية والدولية على السواء.
ويسعى دي ميستورا لتطبيق أسلوب تفاوض متدرجا، يبدأ بالملفات السهلة غير المختلف عليها، ويحدث تراكما من شأنه أن يوصل في النهاية إلى صيغة يتفق عليها الجميع، إلا أن خطة المبعوث الأممي التي تبناها مجلس الأمن لم تحصل بعد على تأييد كامل من الائتلاف المعارض والحكومة السورية على الرغم من تعاطيها الإيجابي مع الخطة.
ويرى محللون أن دمشق ما تزال تتمسك بجوهر رؤيتها للحل الذي يستند أولا على ضرورة وقف الدعم الإقليمي للمسلحين، ثم الانتقال إلى توافق سياسي مع الفاعلين الإقليميين، قبيل الدخول في دهاليز التسوية السياسية، وهو ما أعلنه مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري مطلع الشهر الماضي من أن "محاربة الإرهاب تعتبر ضرورة وأولوية بالنسبة الى سوريا، وإذا لم يـتم التعامل مع الإرهــاب كما يجب فلن تصبح العمليات والمسارات الأخرى مهمة".
وتطالب الحكومة السورية بمعرفة كيفية عمل اللجان الأربع وكيفية اختيار أعضائها، لا سيما اللجان المعنية بمكافحة الإرهاب، وكيفية مراقبة هذا العمل والتأثير عليه من قبل موظفي البعثة الدولية، كما تتحفظ دمشق على المرحلة الانتقالية التي تتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة بما فيها الجيش والأمن وتشكيل مجلس عسكري مشترك من الحكومة والمعارضة.
من ناحية أخرى يستعد الائتلاف المعارض، لعقد مؤتمر يضم الفصائل العسكرية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، للخروج بموقف موحد بعدم المشاركة في مجموعات العمل الأربع التي اقترحها دي ميستورا، بعد أن قدم بعض الاعتراضات حول هذه الخطة، تتلخص فى استغراق الخطة لوقت طويل لا يمكن الموافقة على تمريره في ظل وضع ميداني متأزم، كما أن البيان الرئاسي يُضيع في طيات مسودة الخطة المقترحة، الهدف المنشود من بيان "جنيف 1" وقرار مجلس الأمن 2118 وهو الاتفاق على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات، وكذلك محاولة تشويه إرادة الشعب السوري من خلال الانتقائية في اختيار ممثليه، كما حدث في مشاورات جنيف الأخيرة.
ويخشى دي ميستورا عدم مشاركة الائتلاف في الخطة، ومع أنه هدد في وقت سابق بتشكيل اللجان الأربع من دون الائتلاف إذا أصر على موقفه، لكن من المستبعد أن يقوم بتنفيذ تهديده، وأمام هذه التحفظات تبدو خطة دي ميستورا غير ناضجة بما يكفي لإيجاد حلول للأزمة السورية.