طيب العراقي
أقرأ للباحث الكبير الأستاذ في جامعة واسط محمد تقي جون ، أن" في أرض مفتوحة من (پشتكو) إلى حدود نهر دجلة: خانقين وشهربان ومندلي شمالاً، حتى حدود البصرة جنوباً، مروراً ببلدروز، بدرة، جصان، زرباطية، النعمانية، العزيزية، الحي، واسط، علي الشرقي، علي الغربي، باكساية، العمارة، وهي المناطق المسماة سورانياً (گرميان) وفيلياً (گهرمسير)، عاش شعب عظيم عرف بـ(الفيليين)؛ شعب امتلك التاريخ الثائر والحاكم، والحضارة والثقافة الإنسانية الضخمة، والإحساس بالعراق وطناً واحداً أوحد."
ثمة حقيقة مهمة ودامغة، هي أن الفيليين يشكلون أساس حضارة شرق دجلة، إبتداءا من دولة الميديين، التي ورثوها ليشكلوا لاحقا إمارة بشتكوه، التي لم تكن تابعة لحكومات ايران أو العراق قبل عام (1929) حيث اسقط الشاه رضا بهلوي آخر ولاة الفيليين، بل كانت تتمتع بحكم ذاتي، وكانت هذه ألإمارة تكبر وتصغر، حسب قوة الحكام الفيليين قرابة (797) سنة. وهذا يصحح الفكرة الخاطئة؛ التي غذاها البعثيون بأن الفيليين إيرانيين.
نظام الحكم الفيلي هذا دام مستقرا طيلة ثمانية قرون، وقبلها كان الفيلييون، يشكلون غالبية سكان المدائن (طيسفون)، وحتى منطقة "بغداد" التي يشي اسمها غير العربي، بعمق التاريخ المرتبط بالحضارات التي كان الفيلييون جزئها النشط، بل كانوا بناتها وعمودها الفقري.
الفيليون ولأنهم قوة بشرية نشطة، مؤثرة ومتأثرة أجتماعيا وأقتصاديا وعسكريا، ومع الزمن ولأسباب وأحداث مختلفة، أنتشروا في كافة أنحاء العراق، وتكاد لاتخلو مدينة عراقية، في الشمال والوسط والجنوب، وحتى مناطق غرب الفرات والبوادي، من وجود مهم للفيليين، نظرا لفاعليتهم وعدم إنغلاقهم، و"لما تميزوا به من عدم التقوقع، وحب الألفة والوئام التام مع أي مجموعة سكانية ساكنوها، ولاسيما العرب الذين تأثروا بعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم بشكل أوسع، ومرت عليهم الدهور وهم يحتضنون الأرض والناس".
هذا التاريخ العريق المجيد، والذي حاول نظام الطغيان الصدامي حذفه من ذاكرة العالم، بقي محفوضا في كم هائل من الوثائق، سواء لدى الباحثين والمتخصصين بالشأن التأريخي، في جامعات أقليمية وعالمية كثيرة، أو لدى حكومات المنطقة على شكل سجلات الأراضي والطابو وقيود السكان وعقود الزواج، وسجلات الري والأراضي الزراعية، وسجلات وقيود المراكز التعليمية، والكمارك والشرطة والجندرمة وقومسيري الحدود، وسجلات العشائر ومحفوظات رجال الدين، وغيرها من الوثائق.
من المعلوم أن الوثائق التأريخية، وسجلات التأريخ، إضافة الى المحفوظ الشفاهي للأمة الفيلية، تشكل ثروة قومية للفيليين، أضافة ألى كونها وسيلة عادلة وفعالة لإثبات الحقوق.
بقاء الوثائق الفيلية مبعثرة بهذا الوضع الراهن، أمر مقصود، ويخدم هدف إجتثاث ألمة الفيلية، فالوثيقة كلما كانت بعيدة عن متناول يد الباحثين، يلفها النسيان ويطويها الإهمال، ويغدر بها الزمان الى أن تختفي من الوجود، وهذا ما هو حاصل فعلا.
ليس مثل الوثائق مهما كانت تكتنف على جزئية بسيطة، من وسيلة لتدعيم الحقوق، ووثيقة مثل سجل الدرجات الأمتحانية لطلاب مدرسة ريفية في قرية فيلية نائية، تعد وثيقة ذات شأن عظيم، وصورة فوتوغرافية لشخصية أو رئيس عشيرة، هي أيضا وثيقة يشار اليها بالبنان.
لذلك فإن الحاجة ملحة جد،ا لإنشاء مركز وثائقي فيلي، يجمع الوثائق الأصلية المبعثرة ويحفظها ويتحقق من صحتها، ويحافظ عليها ويرممها، ويسعى للحصول على نسخ من الوثائق التي ترفض تسليمها الجهات المالكة لها.
https://telegram.me/buratha