أ. د علي حكمت شعيب *||
لعل الاستراتيجية التي يسلكها اليوم الأمريكي وحلفاؤه تجاه محور المقاومة هي الحرب الذكية التي هي مزيج من الحرب الاقتصادية والنفسية والثقافية.
أما الحرب الاقتصادية فعمادها الحصار الاقتصادي المتمثل بعدة أساليب أبرزها:
أ- تجفيف الدولار من البلد عبر طريقين تهريبه الى الخارج ومنع الخارج رفد البلد به.
ب- فرض عقوبات مالية على سياسييه المعارضين لأمريكا وشركاته ومؤسساته الحيوية لضرب ربحيتها وإعاقة حركتها الإنتاجية من أجل إفقار البلد.
ويُرفد ذلك بتخفيض درجة ائتمان البلد ووضع عراقيل أمامه مع المصارف المراسلة التي من خلالها يؤمّن الموارد المادية والمالية لشراء السلع التي يحتاجها، والتحكم به عبر وعده ببعض القروض الشحيحة من البنك الدولي المشروطة بتغيير السلوك تجاه ملفات حساسة يريدها الأمريكي المحاصِر من البلد وساسته.
ويُستَتْبع ذلك بتحريك جماعات المنظمات غير الحكومية والإعلام الفتنوي لإثارة الناس تجاه المسؤولين، في عملية استغلال وقحة لحالة الفقر التي يعاني منها البلد جراء هذا الحصار، من أجل اتهام الطبقة السياسية الحاكمة بالفشل والفساد وصولاً للتأثير على الناخبين وترغيبهم بالنموذج الأمريكي والسعي الجدي، إذا ما تم الفوز بالانتخابات، لتغيير الحكومة والإتيان بأشخاص مطواعين للسياسات الأمريكية لوضعهم في مواقع المسؤولية في السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
وفي حال عدم الفوز بالانتخابات إثارة القلاقل في البلد ورفع شعار تزوير النتائج والتهويل على المسؤولين مع اتباع إجراءات متدرجة للوصول الى العصيان المدني من أجل إعادة الانتخابات ليفوز بها أتباع أمريكا .
وفي هذا حرب نفسية وثقافية.
هذا نموذج شاهدناه ونشاهده في دول عديدة منها: العراق وسوريا ولبنان وإيران وفنزويلا وكوبا و...
هذه المصاديق تنبئ عن الاستراتيجية الأمريكية في تطويع الدول عبر شن الحرب الذكية عليها والتي أصبحت تعرف بالثورات الملونة.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف السبيل لمواجهة الحصار الاقتصادي والحرب الذكية التي تمسك بعصاها أمريكا وترفعها بوجه الدول المعارضة لها وتشكل مدخلاً مهماً لها لتحريك الثورات الملونة.
هناك سياسات عديدة لمواجهة هذا التهديد الكبير المتمثل بالحرب الذكية أبرزها:
١-اعتبار دول المحور نظام شبه مغلق pseudo closed system يكتفي ذاتياً من مكوناته ولا يحتاج إلى الخارج إلا بالشيء القليل.
وهكذا تكون مؤسسات هذا النظام وصناعاته لا تتأثر كثيراً بالخارج بل تستثمر داخل النظام ومع دوله ضمن اتفاقيات تعاونية طويلة المدى تظلّلها أطر اقتصادية كالاتحاد الجمركي والسوق المشتركة وصولاً الى الاتحاد الاقتصادي.
وهكذا فإن كان لدى دول المحور وحلفائها شركات ومؤسسات يتركز أغلب ميادين عملها وبالتالي حركتها داخل هذا النظام شبه المغلق فإنها لن تخشى العقوبات الأمريكية وستقدم خدماتها ومنتجاتها لمن يحتاحها من دول المحور وشعوبه.
٢-اعتماد مبدأ المقايضة أو إنتاج عملة الكترونية خاصة ضمن هذا النظام بحيث لا يكون هناك حاجة الى الدولار في التبادلات التجارية.
٣-تطبيق سياسة الاكتفاء الذاتي المرتكزة على اللامركزية الإدارية الضيقة الى أبعد الحدود لتصل الى حدود النطاق البلدي فالأسري.
فلنفرض أن الأسرة اكتفت من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، أو أن البلدية استطاعت تأمين الكهرباء لمدارسها ومؤسساتها التربوية والصحية والصناعية والزراعية و... عبر هذا المصدر أي الطاقة الشمسية أو غيره.
حينئذ لا تضطر الدولة الى دفع تكاليف باهظة على الكهرباء لصيانتها وإصلاح أعطالها.
طالما أن السلطات اللامركزية توفرها للناس كل سلطة في نطاقها.
كما وأن العدو الأمريكي في حربه الذكية لا يستطيع تعطيلها بالكامل عن البلد لأنها غير متمركزة في وحدات قليلة محددة، بل منتشرة في مئات وآلاف بل وملايين وعشرات ملايين ... الوحدات اللامركزية.
وهذا الأمر ينسحب على شبكات المياه ومحطات التكرير والهاتف و... وكل السلع والخدمات التي يمكن أن توفر بطريقة لا مركزية.
٤-وهذا أمر ثقافي تربوي نتائجه لا تظهر في المدى القصير ويقضي بتربية الجيل على الاعتماد على النفس والثقة بها والاعتزاز بالانتماء الوطني ورفض الهيمنة الغربية ليصبح لدينا بعد مدة قادة مؤمنون بوطنهم وقدراته الذاتية، ولديهم ثقة عالية بالنفس وبمواطنيهم.
أحرار في تفكيرهم يرفضون كل اشكال الذل والتبعية للغرب لأنهم لا يرون في النموذج الغربي المثال والأسوة التي يُقتدى بها نظراً لكل هذه المآسي التي أنتجها على العالم بعد إمساكه بزمام قيادة النظام العالمي.
لقد أتاح لنا عصرنا الحالي المسمى بعصر المعلومات والتكنولوجيا فرصة ثمينة وهي سهولة الحصول على المعلومة لصناعة التكنولوجيا والتقدم العلمي في المجالات كافة فلم يعد هناك احتكار للمعرفة التي اعتاد الغرب على تحويلها إلى أسلحة صلبة أو ناعمة لفرض هيمنته وتسلطه وممارسة استكباره على دول وشعوب منطقتنا.
كل هذا يتطلب تضافر الجهود المخلصة والتعاون البنّاء بين شعوب دول محور المقاومة وحلفائها من أجل بناء نظام عالمي لا مكان فيه للهيمنة الأمريكية والغربية.
*أستاذ جامعي/ الجامعة اللبنانية ـ بيروت