جورج سوروس ملياردير أميركي من أصول هنغارية، و"فاعل خير" معروف في بقاع مختلفة من العالم. رجل أعمال ومستثمر ومهتم بالعمل الخيري. عرف بدعمه للسياسات الليبرالية وبدوره الفعال في مرحلة التحول من الشيوعية إلى النظام الرأس مالي في المجر.
حياته ونشأته
ولد جورج سوروس في العاصمة الهنغارية عام 1930 لعائلة يهودية فقيرة. عند الولادة، حصل على اسم ديورد شفارتس، ولكن في عام 1936 قرر رب العائلة تغيير لقبه، ليصبح شوروش هربا من اضطهادات النازيين ضدّ اليهود آنذاك. في وقت لاحق، بعد أن وصل جورج سوروس إلى أمريكا، تخلص من حرف الشين في لقبه القصير.
في عام 1947، هاجرت العائلة بأكملها إلى بريطانيا، حيث التحق جورج بمدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. في البداية، أجبرت قلة المال، هذا الفتى على قبول أي عمل: عمل كعامل في مصنع، وكحارس ومنقذ في مسبح، وكبواب في محطة قطار.
بدأت الحياة الجديدة لملياردير المستقبل عندما انتقل إلى نيويورك عام 1956. كان لديه 500 دولار في جيبه. وفي وول ستريت، تمكن سوروس من زيادة رأس ماله إلى 100 مليون دولار خلال 30 عاما. وتم ذلك بفضل طريقة تداول الأوراق المالية التي ابتدعها.
بريطانيا، التي آوت سوروس في سنوات ما بعد الحرب، لعنته في 16 سبتمبر 1992. هذا اليوم بات يعرف في تاريخ إنجلترا الحديثة، باسم "الأربعاء الأسود". في ذلك اليوم قرر سوروس اللعب على هبوط الجنيه الإسترليني، مما أدى إلى انخفاض العملة البريطانية إلى أدنى مستوياتها التاريخية. بفضل هذا، ربح سوروس حوالي مليار دولار خلال يوم واحد.
في 1997-1998، نفذ سوروس خطة مشابهة في جنوب شرق آسيا: ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة والفلبين. في كل مرة أدى انهيار العملة الوطنية إلى أزمة اقتصادية خطيرة في إحدى هذه الدول.
العمل الخيري
بحلول نهاية التسعينيات، قرر سوروس ترك المجال المالي وأعلن نفسه بشكل غير متوقع، كفاعل خير. منذ تلك اللحظة، شارك الملياردير بنشاط في تمويل التعليم والعلوم والثقافة. ويقال إنه خلال كل هذا الوقت أنفق حوالي 32 مليار دولار على هذه النشاطات.
أسس سوروس أول صندوق خيري تحت اسم "المجتمع المفتوح"، في نيويورك عام 1979. ظهر أول فرع أوروبي بعد 5 سنوات في هنغاريا. هناك، شارك الممول في دعم المعارضين المحليين من خلال تزويدهم بآلات الطباعة.
تنتشر اليوم فروع مؤسسة سوروس في جميع أنحاء العالم. وتنفق المنظمة سنويا حوالي 400 مليون دولار، كما تقول، لدعم مشاريع في مجالات التعليم والصحة والعلوم وتنمية المجتمع المدني والديمقراطية، فضلا عن حماية حقوق الإنسان.
سوروس والثورات
كان لسوروس الدور الأكبر في الثورات الملوّنة المختلفة التي أطاحت بكثير من الأنظمة من جورجيا إلى أوكرانيا، ومن أوروبا الشرقية إلى العالم العربي.
الثورة الأولى بمشاركة غير مباشرة من سوروس، حدثت في عام 2000 في يوغوسلافيا. وبفضل أموال مؤسسته، تم إنشاء حزب المعارضة أوتبور، الذي شن حملة ضد الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش.
"الإنجاز" التالي لسوروس، كان التحضير لـ "ثورة الورود" وإدارتها في جورجيا، ثم تسجيل نشاط صندوق الملياردير في قرغيزستان خلال "ثورة التوليب"، ثم خلال "الثورة البرتقالية" و "الميدان الأوروبي" في أوكرانيا.
ملف أو وثائق باندورا
كشف تسريب لعدد ضخم من الوثائق الأسرار المالية لمئات من قادة العالم والسياسيين والمليارديرات والمشاهير. يعرف هذا الكشف باسم وثائق باندورا، وهو عبارة عن تسريب لما يقرب من 12 مليون مستند يكشف عن ثروات سرية، وتهرب ضريبي، وفي بعض الحالات، غسيل أموال من قبل بعض زعماء العالم وأثريائه.
عمل أكثر من 600 صحفي في 117 دولة على البحث في ملفات من 14 مصدرا لشهور. تم الحصول على البيانات من قبل الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) في واشنطن العاصمة، والذي كان يعمل مع أكثر من 140 مؤسسة إعلامية في أكبر تحقيق عالمي من نوعه على الإطلاق.
وكان الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، المموّل من أحد صناديق جورج سوروس، نشر الأحد مقتطفات مما يسمى بـ"ملف باندورا" الذي يشمل نحو 11.9 مليون وثيقة حول حسابات في ملاذات ضريبية تعود لساسة دوليين ورجال أعمال بارزين.
وقال بيان صحفي لهذا الاتحاد الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، إن الوثائق تضم معلومات عن أكثر من 130 مليارديرا من 45 دولة، بينهم 46 مواطنا روسيا.
وذكر البيان أن "ملف باندورا" يسلط الضوء على حسابات في الملاذات الضريبية تعود إلى أكثر من 330 سياسيا ومسؤولا رفيع المستوى في أكثر 90 دولة، بينهم زعماء لـ35 دولة.
لماذا سميت بوثائق باندورا؟
في الميثولوجيا الإغريقية، أهدى زيوس كبير الآلهة صندوقاً لسيدة تدعى "باندورا" وأمرها ألا تفتحه، وضع فيه كل صور الشرور البشرية، لكن باندورا عصت الأمر وفتحت الصندوق فانتشر الشر في أنحاء الكون.
تتصل تسمية تلك الأوراق (وثائق باندورا) التي تلقاها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين بوقائع مذهلة كشف عنها تحقيق استند إلى نحو 11 مليون وثيقة تتحدث عن قيام زعماء وسياسيين عرب وأجانب وأثرياء ذوي نفوذ بإخفاء مليارات الدولارات عبر عشرات من شركات الخدمات المالية العابرة للحدود (اوفشور Off-shores) في ملاذات ضريبية (منها الإمارات وقبرص وسنغافورة وسويسرا وجزر فيرجين البريطانية) والتي يصعب الوصول إليها، ما يجعل مهمة التحقق من مصادر تلك الأموال ومتابعة حركتها أمراً شبه مستحيل، وذلك في إطار ادعاءات تتراوح بين الفساد وغسيل أموال والتهرب الضريبي.
ما الذي كشفت عنه الوثائق؟
تتضمن وثائق باندورا تسريب 6.4 مليون مستند، وحوالي ثلاثة ملايين صورة، وأكثر من مليون رسالة بريد إلكتروني، وما يقرب من نصف مليون جدول بيانات.
تشمل القصص التي تم الكشف عنها حتى الآن ما يلي:
• تورط مانح بارز لحزب المحافظين في بريطانيا في واحدة من أكبر فضائح الفساد في أوروبا
• التورط الخفي للعائلة الأذربيجانية الحاكمة في صفقات عقارية في المملكة المتحدة تبلغ قيمتها أكثر من 400 مليون جنيه إسترليني
• إخفاء رئيس الوزراء التشيكي لاستخدامه شركة استثمار خارجية لشراء فيلاتين في فرنسا مقابل 12 مليون جنيه إسترليني
• كيف امتلكت عائلة الرئيس الكيني أوهورو كينياتا سرا شبكة من الشركات الخارجية لعدة عقود
• ادعاءات عن منازل فاخرة أو عقارات يملكها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير
• ادعاءات عن امرأة روسية حصلت على ثروة كبيرة ومنزل على الواجهة البحرية في موناكو بعدما ارتبطت مزعومة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين
• ملايين الدولارات من العقارات والأصول والأموال المملوكة سراً لزعماء دول مثل الجمهورية التشيكية وكينيا والإكوادور وغيرها
وتتنوع أسماء الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في المجموعة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ونجمة البوب الكولومبية شاكيرا، وعارضة الأزياء الألمانية كلوديا شيفر، ونجم الكريكت الهندي ساشين تندولكار، وأعضاء النخبة الصينية وشخصيات من بلدان مختلفة. وهناك ملفات تتعلق بتورط الرئيس السابق دونالد ترمب في مشروع فندق في بنما.
وحسب تحقيق الاتحاد الدولي حصلت سفيتلانا كريفونوجيخ، عشيقة سابقة للرئيس فلاديمير بوتين، في 2003 على شقة مقابل أربعة ملايين دولار في موناكو عبر حسابات "أوفشور".
زعماء عرب
حفلت الوثائق بأسماء زعماء وسياسيين عرب، وشخصيات نافذة كانت على علاقة وطيدة برؤساء، لكن أبرز تلك الشخصيات كان الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن. وجاء في هذه الوثائق أن الملك أسس سلسلة من الشركات في الخارج، 30 منها على الأقل في بلدان أو مناطق تعتمد نظاماً ضريبياً متساهلاً، وأنه من خلال هذه الشركات اشترى 14 عقاراً فخماً في الولايات المتحدة وبريطانيا بقيمة تزيد عن 106 ملايين دولار.
من ضمن ما تناولته الوثائق قصة تأسيس شركة Larkmont Holdings Limited في "جزر العذراء البريطانيّة" في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2016 والتي تشير الأوراق إلى أن مديرها هو السعودي محمد بن عبد الكريم الحسن.
كما كشفت الوثائق السرية أيضاً أن الأميرة المغربية "للا حسناء" - باعتبارها صاحبة إحدى تلك الشركات العابرة للحدود - اشترت منزلًا بقيمة 11 مليون دولار في لندن وبالتحديد في المنطقة الراقية بالقرب من قصر كنسينغتون.
وتشير الوثائق أيضاً إلى أسماء لشخصيات عربية شهيرة مثل محمد بن راشد آل مكتوم ، رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، وأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، حيث تقول الوثائق إن الأول يظهر اسمه كمساهم في 3 شركات تقع مقراتها في ملاذات ضريبية وأن الثاني استخدم إحدى شركات (اوف شور) للقيام باستثمارات وإدارة ثروته وحمايتها لصالح عائلته، وأن يخته الخاص والذي يبلغ ثمنه 300 مليون دولار قد تم شراؤه عبر إحدى تلك الشركات.
ونسبت مجلة «دير شبيغل» الألمانية إلى الوثائق أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وسلفه حسان دياب تعاملا أيضاً مع شركات «الأوفشور» مرات عديدة.
الجدير ذكره ان في معظم البلدان، لا يعاقب القانون على هذه الأفعال. لكنها محرجة بالنسبة لبعض القادة، إذ يقارن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، الممول من سوروس، بين خطاب مكافحة الفساد لدى البعض واستثماراتهم في الملاذات الضريبية.
فضائح الفساد ليست بأمر جديد ومستحدث وهي تتيح بزعماء عرب وأجانب على حد سواء، لكنها تستثني بعض قادة الدول الاخرى، بحسب ما أفاد بعض المراقبين والمحللين. فبعد وثائق "بنما" التي انتشرت منذ سنوات، ظهرت اليوم وثائق "باندورا"، التي دفعت قادة وزعماء وسياسيين من مختلف انحاء العالم لنفي حقيقة ما تداولته تلك البيانات والوثائق ونفي أو تبرير تورطهم في التهرب الضريبي. فما الهدف الذي يسعى اليه سوروس من خلال تمويل الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين؟ وهل ثمة مؤسسات حقوقية ستكمل ما توصلت اليه التحقيقات الصحفية بالطرق القانونية اللازمة؟
https://telegram.me/buratha