محمود الهاشمي ||
مدير مركز الاتحاد للدراسات الاستراتيجية
عضو الهيئة الادارية للرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
هناك أربع معادلات تحكم العلاقة بين الصين واسرائيل الاولى موقف الصين من القضية الفلسطينية والتي غالباً ما تميل الى جهة فلسطين وقضايا الشعب الفلسطيني العادلة، والثانية موقف إسرائيل الداعم الى انفصال "تايوان"، حيث ترى الصين في تايوان ((خطاً أحمر؟)) لا يتقبل الجدل، والموقف الثالث عدم رضا أمريكا من التقارب بين الصين وإسرائيل، بأعتبار ان الأخيرة الحليف الأكبر لها في منطقة الشرق الاوسط ..
أما الرابع فحاجة الصين للأستثمار في هذا البلد (اسرائيل) الذي مازال فيه الكثير من الاستثمار والتجارة، وحاجة الصين ايضا في الزحف على مناطق نفوذ أمريكا.
وفقاً لهذه المعادلات أعلاه وسخونة منطقة الشرق الاوسط، ومافيه من تداعيات في المعركة الدائرة، (الان) بين فلسطين وإسرائيل في غزة وحجم الخسائر والضحايا تبرز حاجة المنطقة الى (( رسول سلام)).
يفض نزاعاً دام أكثر من (۷٥) عاماً.
لم تعد الولايات المتحدة وسيطاً
"نزيهاً "في هذا النزاع وهي التي أكدت (( كامل )) دعمها الى ((اسرائیل)) في جميع مراحل النزاع الفلسطيني الصهيوني والنزاع العربي الصهيوني أيضاً، أما روسيا فتمثل "شبه طرف "في النزاع، وليس هنالك من طرف آخر يمكن له أن يدخل (( وسيطاً)) فالدول العربية، الآن أما "مطبّعة "مع اسرائيل أوانها "ضعيفة" لا تملك مصادر قوة تؤهلها الى هذه المهمة.
القوتان الأخريتان فى منطقة الشرق الأوسط، -من خارج المحيط العربي- هي ايران وتركيا فالأولى ايران (غير مقبولة لدى الطرف الاسرائيلي ولا الطرف الأمريكي) وتعتبر (طرفاً ) في النزاع وبنت تجربتها السياسية منذ انطلاق الثورة الاسلامية عام ١٩٧٩ على مبدأ العداء لاسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، بل ان الامام الخميني قائد الثورة الاسلامية وزعيمها أكد في بواكير خطاباته "لا بد أن تمحى "اسرائيل" ووصف إسرائيل بـ (الغدة السرطانية ) بالمنطقة.
تركيا أيضاً في منطقة "القلق" بالنسبة لاسرائيل ، النقطتين أساسيتين الأولى إن العلاقة بين تركيا واسرائيل لم تشهد استقراراً طيلة المراحل السابقة، وثانياً ان العقيدة الحاكمة في تركيا اسلامية حيث "حزب العدالة والتنمية "الحاكم في تركيا بتوجه وعقيدة اسلامية ، ومافي ذلك من خلاف دینى وتأريخي بين الاثنين.
واذا أخرجنا جميع هذه الدول في معادلات إمكانية الوساطة بين اسرائيل وفلسطين فلا بد أن نبحث عن وسيط آخر.
إن المراجعة السريعة الى حزمة "الوساطات" التي بين اسرائيل وفلسطين، تؤكد ان الوسيط (الأول) كلها هو "الولايات المتحدة"، وبما إنها المنحازة مطلقاً الى (اسرائیل) فدائماً تصمم النتائج وفق مصالحها أولاً ثم مصالح صديقتها اسرائيل، وتضيع حقوق الشعب الفلسطيني الذي ينفجر شعبه بوجه الظلم وتتفجر معه الاوضاع في عموم المنطقة.
إن جميع "اتفاقيات التطبيع "بين الدول العربية وإسرائيل جاءت برعاية أميركية بل بضغوط أميركية، وجاءت خارج ارادات الشعوب العربية والاسلامية وقوى التحرر بالعالم، لذا بقي "التطبيع " في حدوده الرسمية فيما تغلي شعوب "دول التطبيع" لعدم رغبتها بمثل هذه الاتفاقيات وعملت أحياناً الى ( قتل) قادة التطبيع كما حدث بأغتيال أول رئيس عربي مطبع (أنور السادات)، ناهيك أن عقيدة الناس الذين يعيشون في اسرائيل من الصهاينة لايرغبون التعايش مع دول المنطقة ولامع (الآخر) بشكل عام.
من هذا نفهم إن جميع الاتفاقيات التي تمت بين الفلسطينيين والصهاينة باءت بالفشل، وإعادت المعركة الأخيرة التي لين الفلسطينيين والاسرائيليين (معركة طوفان الاقصى) القضية الفلسطينية الى "المربع الأول" والى أحداث عام ١٩٤٨، العام الذي تم فيه احتلال اليهود الصهاينة ارض فلسطين.
حين نذهب إلى خيار الصين لتكون وسيطاً ناجحاً (ونزيهاً) فلأسباب كثيرة أولها أن دولة الصين محط احترام وتقدير لدى جميع العرب والمسلمين ، كونها أولاً لم يعرف عنها انها استعمرت شعوباً أخرى أو نهبت ثرواتهم بل العكس انها تعرضت الى ظلم واستعمار طويل عانت منه كثيراً .
إن ارتباط الصين مع العالم ودول منطقة الشرق الاوسط جاء تأريخياً عبر طريق (الحرير) الذي اهتم بتبادل السلع المدنية وصنع علاقات وأواصر انسانية ، ومازالت الصين رغم التقدم الكبير الذي تحظى به، رسولها الى العالم هي البضاعة المدنية والتي دخلت الى كل منازل الشعوب البعيدة والقريبة.
وثانياً إن الصين تمتلك علاقات جيدة مع الشعب الفلسطيني الذى طالما وقف مع قضاياه العادلة سواء في المحافل الدولية أو بالدعم المباشر.
في الجانب الآخر فإن للصين علاقات جيدة مع اسرائيل وتمتد منذ عام ١٩٩٢ ، لكنها علاقة يمكن وصفها "عين على التكنلوجيا والمال وعين على غضب أمريكا" حيث تشدد أمريكا الرقابة على بيع التكنلوجيا المحلية الاسرائيلية الى الصين خشية لوقوعها في "الايادي الخاطئة" كما يقول السفير الأمريكي لدى اسرائيل، واسرائيل تحاول أن تتعامل مع الصين بالشكل الذي يوازن في العلاقة مع الولايات المتحدة ، فقد تعاملت واشنطن (بقلق شديد) مع بناء الصين الميناء الجديد في (حيفا) بأسرائيل وأشارت الى أن الوجود الدائم للصبن في الميناء يعني أن هناك فرصة ذهبية جمعها المعلومات الاستخبارية .. بأختصار نقول إن العلاقات بين الصين واسرائيل وعلى مدى (25) سنة الأخيرة أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لاسرائيل، اذن فالصين بلد قادر أن يكون وسيطاً مقبولاً لدى جميع الأطراف، حيث جميع الدول الاسلامية والعربية وعموم دول الشرق الأوسط وغرب آسيا لا تمانع في وساطة الصين بين فلسطين وإسرائيل، فالطرفان الأساسيان في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهما ايران وأمريكا، أما أيران فقد اذنت للصين أن يقوم بـ (الوساطة)، حيث ان وزير الخارجية الصيني "وانغ بي" في مكالمة هاتفية مع نظيره الايراني بعد يوم من معركة (طوفانِ الأقصى) أكد دعم بكين لقيام دولة فلسطينية مستقلة كوسيلة للخروج من الصراع في اسرائيل وغزة، مشدداً وقوف بلاده بجانب السلام والعدالة لدعم الشعب الفلسطيني فيما قدم وانغ الصين كوسيط للسلام...
وليست ايران هي الداعم الأول للوساطة الصينية بل أن روسيا بما تملك من مصادر القوة والتاريخ أيضاً داعمة حيث قال المبعوث الصيني الخاص لقضية الشرق الأوسط "تشان جون" الى قناة (CNN) ان الصين وروسيا لهما نفس الموقف بشأن القضية الفلسطينية.
صحيح أن أميركا لا ترغب أن تمنح الصين شرق التدخل وحل أزمة الصراع بين فلسطين واسرائيل لكنها تجد نفسها في موقف الحرج وانها ذهبت بعيداً في دعم اسرائيل في كل حروبها مع العرب، مما أفقدها دور (( الحياد )) في هذه الازمة التي امتدت على مدى (75) عاماً دون حل ، وهدا ما أكده أمين عام المؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطنية الايراني مجتبى ابطحي ( أن عملية "طوفان الأقصى" القت 50 عاماً من الجهود الدبلوماسية الأميركية في "سلة المهملات"، من جهتها فإن الصين لم تلقي أمريكا خلف ظهرها بل دعت الصين الولايات المتحدة ان تلعب دوراً "بناءً ومسؤولاً" فيما يخص الحرب الدموية التي اندلعت في السابع من تشرين ٢٠٢٣ ، أي أن لا تكون طرفاً في أشعال الحروب..
أميركا "عاجزة "، الآن في أي إجراء في القضية الفلسطينية، حيث لا ترغب أن تنجر الى حرب في الشرق الاوسط الذي سعت الى مغادرته فجرجرتها اسرائيل اليه ثانية، ولا تريد للازمة أن تتفاقم ، فتؤثر على تصدير الطاقة الى أوروبا، كما لا تريد أن تنشغل في اكثر من محور، فيما شهدت ان المعركة بين غزة واسرائيل قد أثرت على النسيج الاجتماعي في أميركا وأوروبا وقد تتحول الى حروب أهلية داخلية
قد لا تعجب الحلول الصينية أمريكا ولا حتى اسرائيل ولكن على الطرفين تقبل واقع الحال أفضل من أن تشتعل المنطقة وتحرق المصالح الأميركية فيها وقد يؤدي الأمر الى زوال اسرائيل الذي بات سكانها يعيشون واقعاً صعباً ومستقبلاً مجهولاً ، وقد تفقد الكثير من أصدقائها بالمنطقة ومصادر نفوذها أيضاً.
الصين نزلت الآن الى ميدان الوساطة بقوة حيث أكد مبعوث الصين الخاص الى الشرق الأوسط "تشاي جيون" أن الصين ترى أن "الوضع في غزة خطير" و إن الصين مستعدة لفعل كل ما يفضي الى تعزيز الحوار وتحقيق وقف اطلاق النار واستعادة السلام والتشجيع الى "حل الدولتين".
فالحل المعلن للصين للصراع بين اسرائيل وفلسطين يتمثل في "ضرورة تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" كما تؤيد الصين رسمياً اقامة دولة فلسطينية وذات سيادة على أساس حدود عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وبالقدر الذي تملك الصين علاقة جيدة مع حكومة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس تملك علاقة جيدة مع قادة المقاومة الاسلامية مثل حماس والجهاد الاسلامي.
شبكة تلفزيون الصين الدولية "الرسمية" أكدت ان مبعوث الصين الخاص الى الشرق الأوسط يجري سلسلة مفاوضات مع جميع الاطراف لفرض وقف اطلاق النار وحماية المدينين، ثم تشجيع محادثات السلام ، وكما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية (ماو نينغ) ان بكين تقف دائماً مع العدالة والانصاف.
وفي اتصال هاتفي دعا وزير خارجية الصين "وانغ بي "إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات فعالة لحماية سلامة المواطنين والمؤسسات الصينية هناك، مضيفا أن "جميع الدول لها الحق في الدفاع عن النفس، لكن يتعين عليها الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية سلامة المدنيين".
وفي محادثة هاتفية منفصلة مع وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قال وانغ إنه "يتعاطف بشدة" مع شعب غزة وأن أكثر ما يحتاجونه هو الأمن والجهود لوقف الحرب وتعزيز السلام، وليس الأسلحة أو الحسابات الجيوسياسية.
وقال وانغ إن الصين تدعو إلى عقد "مؤتمر سلام دولي أكثر حسما وفاعلية وأوسع نطاقا" في أقرب وقت لتعزيز استئناف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين
من جهته فقد اكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في كلمة له يوم الثلاثاء الموافق (24-10-2023 بمجلس الأمن الدولي انه سيعمل مع كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي لمنع اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط عندما يجتمعان في وقت لاحق من الأسبوع حيث المقرر أن يصل وانغ إلى واشنطن يوم الخميس.
ونقول مثلما كانت الصين ناجحة في حل الخلاف بين ايران والسعودية وعودة العلاقات بين البلدين هل تنجح في حل أزمة مضى عليها (٧٥) عاماً دون حل -- دعنا ننتظر...
https://telegram.me/buratha