كرة القدم لا تقل شأناً عن أي أمر آخر في حياة الناس، فهي الهواء الذي تستنشقه البلدان الغنية والفقيرة... وهي الصورة المضيئة التي تعكس حضارة الشعوب حتى لو كانت تئن مالياً واجتماعياً، فأي إنجاز كروي على المستوى القاري أو العالمي يُغطي على الكثير من المشاكل الداخلية، بل ويمنح البلد شهرة واسعة النطاق، ويَكفي ما تَهكمت به الصحف الإسبانية عقب تتويج ديل بوسكي بكأس أمم أوروبا 2012، عندما دعت الساسة والمستشارين الاقتصاديين إلى التعلم من الطريقة المنظمة التي يعمل بها المدرب صاحب الـ "شَنَب" الأشهر، عسى أن تخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية الطاحنة.
ولا يمكن أن تنتطح عنزتان أو يختصم غبيان بشأن القيمة الكبيرة للكرة، ومهما كانت مكوناتها المالية والتنظيمية لا يُمكن أن تنجح بدون جمهور، مثل القهوة بدون "وش" تفقد طعمها ورائحتها ولونها.. وقطر والإمارات مهما فعلتا من شراء نجوم لدوريهما لا يساوي شيء بدون جمهور حقيقي، وليس الجمهور المصطنع من بنغاليين وهنود وباكستانيين.
وقعت عدة أحداث في الفترة الأخيرة تدلل على أهمية الجماهير، ومدى تأثيرهم البالغ على اللعبة الشعبية الأولى في العالم.
من ذلك، عندما اعترض عشاق الأهلي المصري على إعادة النشاط الكروي من جديد حتى ولو بدون جمهور، حين خرج مشجعو الاهلي للاحتجاج مطالبين بإعادة حقوق ضحايا ملعب المصري البورسعيدي.
وكذا حادثة قيام عشاق نادي "رايو فاييكانو" الإسباني يوم 23 سبتمبر الماضي، قبل مباراة فريقهم أمام ريال مدريد في الجولة الخامسة من الليغا، بتعطيل مولدات كهرباء ملعب "تيريزا ريفيرو" الذي يتسع لـ15.500 ألف مقعد، والسبب؟ رئيس النادي مارتن باريسا، الذي قرر رفع تذاكر حضور المباريات الموسم، فلم يجد الأنصار أفضل من مباراة ريال مدريد لإيصال صوتهم للعالم بأنهم يتعرضون لاستغلال مادي واضح من الرئيس المشغول بحشو جيوبه بأموالهم.
ولاشك أن سمعة نادي رايو فاييكانو تأثرت أمام العالم، ولا شك أن كرة القدم المصرية تأثرت بسبب عدم تأمين المسؤولين عنها للمباريات التي تلت الثورة وحدوث الانفلات الأمني.. أي أن الجماهير شوّهوا المشهد.
الجماهير نفسها يمكنها صنع مشهد مناقض تماماً كالذي رأيناه مؤخرا في شوارع مدينة بوينس آيرس، حين أظهر عشاق نادي "ريفر بليت" الأرجنتيني علماً طوله يزيد عن سبعة آلاف متر ليدخلوا به وباسم ناديهم واسم مدينتهم واسم بلدهم، موسوعة غينيس للأرقام القياسية، الحدث جاء احتفالا بعودة "ريفر بليت" للدوري الممتاز في شهر جوان الماضي، بعد قضائه عاما كاملا في دوري الدرجة الثانية للمرة الأولى في التاريخ، لكن تأجل تطبيق القرار إلى ما بعد الفوز الأول للنادي على ملعبه المونيمنتال منذ الصعود أمام فريق جوردي كروز بخمسة أهداف نظيفة.
كل هذا ولم نتحدث بعد عن دعوة جماهير ليفربول في كل المناسبات بان يقاطع الناس قراءة أو شراء جريدة "ذا صن اليومية" والابتعاد عن تصفحها، كّونها تنشر أكاذيب وأخبار مضللة منذ حادثة "هيلزبره" التي راح ضحيتها 96 مشجعاً من ليفربول بسبب سوء تنظيم الشرطة وليس بسبب شغب أنصار النادي كما ادعت الصحيفة البريطانية.
11/5/1024
https://telegram.me/buratha