محمد باقر الصدر الانغماس في المعرفة
حيدر الطائي
كان الواقع العلمي في النجف أبان تلك الحقبة لايتجاوز الحدود المتعارف عليه في الحوزة العلمية من دراسة فقهية وإصولية وماقبلها من توسع ميادين اللغة والمنطق وأحكام الشرائع. وامتازت النجف باتساع أرضية الأدب من شعرٍ سليط. ونثرٍ فني إبداعي وقد انتشر فيها الإعلام الأدبي والتأريخي بشكلٍ يتسابق مع المدرسة المصرية. رغم انفتاح الأخيرة على الحضارة الأوربية.
ألا أن النجف حافظت على اصالتها في فنها. لقد كانت الأرضية في تداول المعرفة في أجواء الحوزة العلمية النجفية بحاجة إلى ترطيب وتطوير وتجديدٍ للوعي. وهذا ما سعى إليه الشهيد الصدر حينها لاسيما بعد أن استكمل المراحل الدراسية واختزلها بشكلٍ عجيب. وليس عجبًا عند علماء الإمامية أن يختزلوا هذه المراحل ولكن عناصر العبقرية والإبداع والوعي المتجدد والإطلاع على أفكار الآخرين تجتمع في شخصية السيد الصدر. فيكون صاحب المبادرة الأولى من المراجع في تأسيس الوعي الجديد للعالم الإسلامي (الشيعي) وهو ما فعله في أثناء دراسته الحوزوية.
فطوى المراحل الدراسية (طي السجل) بفضل عبقريته وذكائه الاستثنائيين. وهذا من جهة ومن جهةٍ أخرى كان يبحث عن ألوانٍ من المعرفة لاتوفرها حلقات النجف بل أحيانًا.
ولقد تشكلت ثقافة محمد باقر الصدر فضلاً عن دراسته الحوزوية التقليدية من محاور متعددة. فبعد أن كان يقرأ كتب الأدب والتأريخ والروايات العالمية في بداية حياته الدراسية. وعكف على دراسة الفلسفة بعمق وإنعام. إن الفكر الأساسي الذي استوعب عقلية الصدر فكرًا إسلاميًا خالصًا مصدره القرآن الكريم والسنة الشريفة والرواية الصحيحة لأهل البيت. ع.
وانطلق من هذه المصادر ليؤسس تطويرًا عقليًا جديدًا أصيلاً في ذاته لنوعية الفكر الإسلامي الذي يناهض المدارس الفكرية التي غزت المحيط الإسلامي فهو لم يلتقط أفكارًا من الغرب ليحاور بها الغرب.
وإنما انطلق من قواعد فكرية استنباطية اولاً واستقرائية ليدحض بها الفكر الوافد كما حدث في كتبه العظيمة الغنية عن التعريف.
إن عبقرية محمد باقر الصدر تتجلى من خلال مواصفاتٍ متعددة منها:
اولا: اطلاعه الواسع على معارف كانت غريبة عن النجف ومفاصلها التعليمية ثم تصديه بكل منطقية وموضوعية لهذه الأفكار.
ثانيا: القابلية على توليد الأفكار وسحبه قابلية الاستنباط الفقهي على الابتكار الفكري.
ثالثا: التصدي المبكر للإنجاز الفكري والإبداع
رابعا: إمكانية تطبيق أفكاره إلى برامج عملية واقعية.
إن السيد الشهيد الصدر أحدث نقلة نوعية وطفرة (وراثية) حوزوية. فهو ابن الخامسة عشرة يقدم تعليقة فقهية رائعة
(بلغة الراغبين) وابن السادس عشرة ليؤلف الكتاب العظيم
(فدك في التأريخ) الذي طبع عام ١٩٥٥م..
يُتبع..
https://telegram.me/buratha