حسين الذكر ||
الفارق الحضاري والمركزي في وعي فلسفة الحكم تنطلق من نقطتين أساسية :-
الأولى : - تتمثل في ان تكون الدولة وعلو شانها هو الهدف من تنظيم كل النشاطات والملفات الحياتية وان بدت واستترت تحت عناوين ناعمة .. رياضية او ثقافية او فنية او سياحية وتجمعات جماهيرية .. وغير ذلك الكثير .. كلها يجب ان تمر وتصب بعملية احياء الوطن والمساهمة في بناء حضارته والا ستصبح كل المخرجات فاسدة ومظللة مهما حققت من نتائج واوسمة .
الثانية : تكون الحكومة هي الأساس في رسم السياسات وتحديد الأهداف ضمن مديات ( قصيرة ومتوسطة وبعيدة ) . كل جزء فيها يسير جنب الى جنب الاستراتيج الوطني .. فلا أموال زائدة ولا وقت مهدور .. كل (دينار) .. ينبغي ان يكون محاسب ومسؤول .. والا فان الحكومة بقواها المتعددة ستكون هي المفسد الأول والمسؤول الأخطر في ذلك .
فحينما اعلن الرئيس الصيني شيء جين بينغ الانتصار النهائي على جائحة ( كوورنا ) المعبر عنه بافتتاح دورة الألعاب الاسيوية 19 – 2023 في مدينة هانجو لم يكن ذلك في عرف القيادة الصينية يمثل ترف ومجرد لهو او تهاوش صبيان على بساط الميدان وبحضور خمسة واربعون دولة وأربعين فعالية و12 الف رياضي وبحضور اعلامي متميز ومكثف وهادف يسير جنب الى جنب الأهداف المرسومة .. كل شيء يمضي بتدبير وعقل ( كونفوشيوسي ) راسخ ينطلق بحكمة ويبلغ مبتغاه بحكمة ويخطط لقادم افضل .. فان دولار واحد من الخزينة الصينية ذو ( مليارات النفوس ) هم احوج اليه مما يعتقده البعض مجرد تفاهة موارد صرف .
لقد تم اختيار المدينة المنظمة (هانغتشو 12 مليون نسمة ) بعناية فائقة .. ولرسالة لا تتوقف عند حدود تسجيل الأهداف ولبس الاوسمة ورفع الاعلام – فتلك نظرة غدت بائسة وتفكير تم عبور مطباته وادراك فلسفاته – فقد عرفت المدينة بمعابدها القديمة وحدائقها وبحيرتها فضلا عن كونها تعد الموطن غير الرسمي لصناعة التكنولوجيا في الصين.
الصين منذ مطلع ثمانينات القرن المنصرم تتقدم في مجالات الحياة العالمية كافة وتقف على راس الترتيب مع الدول العظمى اذ تكاد تكون الأعظم في ظل قواها ومواردها وانجازاتها .. كذلك كمؤشر ودليل هي منذ أربعين عام تتصدر الألعاب الاسيوية وتنافس بقوة على الاولمبياد العالمي وتشير التوقعات انها ستبقى كذلك بهيمنة واضحة خلال عقود قادمة .
القضية اكبر من تكون مجرد تنافس عضلي ومهاري واحراز وسام برونزي هنا وذهبي هناك .. كما ان ( الدولارات) المعدة والمصروفة لهذه الأغراض مهما بلغ حجمها خاضعة لمسؤولية كبرى لا تقف عند حدود وصولات حساب الصرف ومواردها بل تتعداها الى اسرار معاهد البحث واهم مدلولاتها تذهب مباشرة الى اجتماعات القيادة السرية وليس العلنية فحسب .. فصناعة الحدث وتبوء مراكز الصدارة وقيادة العالم ليس ( لعب عيال ) .
ان الفعاليات والأنشطة الثقافية والرياضية بمجالاتها وتفرعاتها وارتباطاتها .. ان لم تخرج من سيطرت الصبيان والامزجة الذاتية والمصالح الفردية والشهوات الجسدية ... ستبقى الى الابد عناوين لهدر المال وسياحة الافراد وتكريم جوقة المنتفعين وضياع سمعة البلدان الى الابد .. ان الرياضة والثقافة تعد احد اهم وسائل الحرب الناعمة الغازية للعالم الجديد .. ومردوداتها تعدت فرحة ورقصة الجماهير ... الى ما هو ابعد واهم واخطر واجدى ..
فان لم تعي القيادة ذلك .. ستبقى المقاود بيد من لا يفقهون ..
سلام على امير المؤمنين ويعسوب الدين علي بن ابي طالب البريء من كل المدعين .. اذ قال : ( عليكم بتقوى الله .. وتدبير شؤون دنياكم ) ..
فشتاين ما بين رؤية المتسكعين والخائضين بالمال العام في لجج الثمالة وسخافات التفاهة .. وبين أولئك الذين يشمرون عن سواعد عرق الجبين ودم الشهادة في سبيل بناء الأوطان وسيادة الانسان .
https://telegram.me/buratha