دراسات

القرآن وأَسماؤه

6888 23:47:00 2010-11-03

الشيخ حيدر الربيعاوي

القرآن وأَسماؤه============القرآن الكريم هو الكلام المعجز المنزل وحياً على النبي (ص) المكتوب في المصاحف المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته. وقد اختار اللّه تعالى لهذا الكلام المعجز الذي اوحاه الى نبيه أسماء مخالفة لما سمى العرب به كلامهم جملة وتفصيلاً. فسماه الكتاب قال تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين). وسماه القرآن (وما كان هذا القرآن أن يُفترى من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين). والاهتمام بوضع أسماء محددة ومصطلحات جديدة للقرآن الكريم، يتمشى مع خط عريض سار عليه الاسلام، وهو تحديد طريقة جديدة للتعبير عما جاء به من مفاهيم وأشياء. وتفضيل ايجاد مصطلحات تتفق مع روحه العامة على استعمال الكلمات الشائعة في الأعراف الجاهلية وذلك لسببين : أحدهما : أن الكلمات الشائعة في الاعراف الجاهلية من الصعب أن تؤدي المعنى الإسلامي بأمانة، لانها كانت وليدة التفكير الجاهلي وحاجاته، فلا تصلح للتعبير عما جاء به الاسلام، من مفاهيم وأشياء لا تمت الى ذلك التفكير بصلة, والآخر : أن تكوين مصطلحات واسماء محددة يتميز بها الاسلام، ويساعد على ايجاد طابع خاص به، وعلامات فارقة بين الثقافة الاسلامية وغيرها من الثقافات,وفي تسمية الكلام الالهي ب(الكتاب) اشارة الى الترابط بين مضامينه ووحدتها في الهدف والاتجاه، بالنحو الذي يجعل منها كتاباً واحداً. ومن ناحية أخرى يشير هذا الاسم الى جمع الكلام الكريم في السطور، لان الكتابة جمع للحروف ورسم للالفاظ. وأما تسميته ب(القرآن) فهي تشير الى حفظه في الصدور نتيجة لكثرة قراءته، وترداده على الالسن. لان القرآن مصدر القراءة، وفي القراءة استكثار واستظهار للنص. فالكلام الالهي الكريم له ميزة الكتابة والحفظ معاً، ولم يكتف في صيانته وضمانه بالكتابة فقط، ولا الحفظ والقراءة فقط لهذا كان كتاباً وقرآناً. ومن أسماء القرآن أيضاً (الفرقان) قال تعالى : (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً). ومادة هذا اللفظ تفيد معنى التفرقة، فكأن التسمية تشير الى أن القرآن هو الذي يفرق بين الحق والباطل، باعتباره المقياس الالهي للحقيقة في كل ما يتعرض له من موضوعات. ومن أسمائه أيضاً (الذكر). (وهذا ذكر مبارك انزلناه)، ومعناه الشرف، ومنه قوله تعالى : (بعد انزلنا اليكم كتاباً فيه ذكركم). وهناك الفاظ عديدة اطلقت على القرآن الكريم على سبيل الوصف لا التسمية كالمجيد، والعزيز، والعلي، في قوله تعالى (بل هو قرآن مجيد)، (وانه لكتاب عزيز)، (وانه في اُم الكتاب لدينا لعلي حكيم). علوم القرآن =========وعلوم القرآن هي : جميع المعلومات، والبحوث التي تتعلق بالقرآن الكريم، وتختلف هذه العلوم في الناحية التي تتناولها من الكتاب الكريم. فالقرآن له اعتبارات متعددة. وهو بكل واحدة من تلك الاعتبارات موضوع لبحث خاص, وأهم تلك الاعتبارات، القرآن بوصفه كلاماً دالاً على معنى، والقرآن بهذا الوصف، موضوع لعلم التفسير. فعلم التفسير يشتمل على دراسة القرآن باعتباره كلاماً ذا معنى، فيشرح معانيه، ويفصل القول في مدلولاته، ومقاصده. ولاجل ذلك كان علم التفسير من أهم علوم القرآن وأساسها جميعاً. وقد يعتبر القرآن بوصفه مصدراً من مصادر التشريع، وبهذا الاعتبار يكون موضوعاً لعلم آيات الاحكام. وهو علم يختص بآيات الاحكام من القرآن، ويدرس نوع الاحكام التي يمكن استخراجها بعد المقارنة لجميع الادلة الشرعية الاخرى من سنة، واجماع، وعقل. وقد يؤخذ القرآن بوصفه دليلاً لنبوة النبي محمد (ص) فيكون موضوعاً لعلم اعجاز القرآن. وهو علم يشرح : أن الكتاب الكريم وحي الهي ويستدل على ذلك بالصفات والخصائص التي تميزه عن الكلام البشري. وقد يؤخذ القرآن باعتباره نصاً عربياً جارياً وفق اللغة العربية فيكون موضوعاً لعلم اعراب القرآن، وعلم البلاغة القرآنية. وهما علمان يشرحان مجيء النص القرآني وفق قواعد اللغة العربية في النحو والبلاغة. وقد يؤخذ القرآن بوصفه مرتبطاً بوقائع معينة في عهد النبي (ص) فيكون موضوعاً لعلم أسباب النزول .وقد يؤخذ القرآن باعتبار لفظه المكتوب، فيكون موضوعاً لعلم رسم القرآن، وهو علم يبحث في رسم القرآن، وطريقة كتابته. وقد يعتبر بما هو كلام مقروء، فيكون موضوعاً لعلم القراءة، وهو علم يبحث في ضبط حروف الكلمات القرآنية وحركاتها، وطريقة قراءتها الى غير ذلك من البحوث التي تتعلق بالقرآن. فانها جميعاً تلتقي وتشترك في اتخاذها القرآن موضوعاً لدراستها، وتختلف في الناحية الملحوظة فيها من القرآن الكريم. الحث على التدبر في القرآن================وقد ورد الحث الشديد في الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة على تدارس القرآن والتدبر في معانيه، والتفكر في مقاصده وأهدافه. قال تعالى : (أَفلا يتدبَّرُون القُرآن أم على قُلوبٍ أقفالها). وفي هذه الآية الكريمة توبيخ عظيم على عدم اعطاء القرآن حقه من العناية والتدبر. وفي الحديث عن ابن عباس عن النبي (ص) انه قال : (اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه) وعن ابي عبد الرحمن السلمي قال : حدثنا من كان يقرئنا من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من رسول اللّه (ص) عشر آيات فلا يأخذون العشر الاخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل. وعن عثمان وابن مسعود واُبيّ : أن رسول اللّه (ص) كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها الى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمهم القرآن والعمل جميعاً. وعن علي بن ابي طالب (ع) انه ذكر جابر بن عبد اللّه ووصفه بالعلم، فقال له رجل : جعلت فداك، تصف جابراً بالعلم وأنت أنت. فقال : انه كان يعرف تفسير قوله تعالى (ان الذي فرض عليك القرآن لرادُّك الى معاد). والاحاديث في فضل التدبر في القرآن، ودفع المسلمين نحو ذلك كثيرة، وقد ذكر شيخنا المجلسي في البحار (الجزء التاسع) منه، طائفة كبيرة من هذه الاحاديث. ومن الطبيعي أن يتخذ الاسلام هذا الموقف، ويدفع المسلمين بكل ما يملك من وسائل الترغيب الى دراسة القرآن والتدبر فيه. لان القرآن هو الدليل الخالد على النبوة، والدستور الثابت من السماء للأُمّة الاسلامية في مختلف شؤون حياتها، وكتاب الهداية البشرية الذي أخرج العالم من الظلمات الى النور، وأنشأ أمّةً، وأعطاها العقيدة، وامدها بالقوة، وأنشأها على مكارم الاخلاق، وبنى لها أعظم حضارة عرفها الانسان الى يومنا هذا. تاريخ علوم القرآن ===========كان الناس على عهد النبي (ص) يسمعون الى القرآن، ويفهمونه بذوقهم العربي الخالص، ويرجعون الى الرسول (ص) في توضيح ما يشكل عليهم فهمه، أو ما يحتاجون فيه الى شيء من التفصيل والتوسع, فكانت علوم القرآن تؤخذ وتروى عادة بالتلقين والمشافهة، حتى مضت سنون على وفاة النبي (ص)، وتوسعت الفتوحات الاسلامية، وبدرت بوادر تدعو الى الخوف على علوم القرآن، والشعور بعدم كفاية التلقي عن طريق التلقين والمشافهة، نظراً الى بعد العهد بالنبي نسبياً واختلاط العرب بشعوب أخرى، لها لغاتها وطريقتها في التكلم والتفكير، فبدأت لاجل ذلك حركة، في صفوف المسلمين الواعين لضبط علوم القرآن ووضع الضمانات اللازمة لوقايته وصيانته من التحريف. وقد سبق الامام علي (ع) غيره في الإحساس بضرورة اتخاذ هذه الضمانات، فانصرف عقيب وفاة النبي (ص) مباشرة الى جمع القرآن. ففي الفهرست لابن النديم، أن علياً (ع) حين رأى من الناس عند وفاة النبي ما رأى أقسم أنه لا يضع عن عاتقه رداءه حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام، حتى جمع القرآن. وسيأتي البحث عن ذلك في البحث عن جمع القرآن. وما نقصده الآن من ذلك، أن الخوف على سلامة القرآن والتفكير في وضع الضمانات اللازمة، بدأ في ذهن الواعين من المسلمين، عقيب وفاة النبي (ص)، وأدى الى القيام بمختلف النشاطات. وكان من نتيجة ذلك (علوم القرآن)، وما استلزمته من بحوث وأعمال,وهكذا كانت بدايات علوم القرآن، وأسسها الاولى على يد الصحابة والطليعة من المسلمين في الصدر الاول الذين أدركوا النتائج المترتبة للبعد الزمني عن عهد النبي (ص) والاختلاط مع مختلف الشعوب. فأساس علم إعراب القرآن وضع تحت اشراف الامام علي (ع)، اذ أمر أبا الاسود الدؤلي وتلميذه يحيى بن يعمر العدواني رائدي هذا العلم والواضعين لاساسه، فان أبا الاسود هو : أول من وضع نقط المصحف، وتروى قصة في هذا الموضوع، تشير الى شدة غيرته على لغة القرآن، فقد سمع قارئاً يقرأ قوله تعالى (ان اللّه بريء من المشركين ورسوله) فقرأها بجر اللام من كلمة (رسوله) فأفزع هذا اللحن أبا الاسود الدؤلي وقال : عز وجه اللّه أن يبرأ من رسوله، فعزم على وضع علامات معينة تصون الناس في قراءتهم من الخطأ، وانتهى به اجتهاده الى أن جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وجعل علامة الكسرة نقطة أسفله، وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين.

ثبوت النّص القرآني=========== من البحوث القرآنية الهامة هذا البحث الذي نحن بصدده. لان نتيجة هذا البحث سوف تؤكد لنا سلامة المضمون في النص القرآني وسلامة الأسس والمفاهيم والأحكام المذكورة فيه, والنقطة موضوعة البحث هي مدى مطابقة هذا النص القرآني مع الوحي الذي نزل على الرسول الاعظم (ص) ومدى سلامة الطريقة التي وصلنا بها هذا النص، الامر الذي يجعله في منجاة عن التحريف والتشويه, وحين نريد ان نرجع الى تاريخ هذا البحث نجده من البحوث القرآنية التي تناولها الباحثون منذ العصور الاولى للبحث القرآني خصوصاً اذا نظرنا اليه من خلال النصوص والاحاديث التي تناولته. ولكن الآراء العلمية تكاد ان تتفق على نتيجة واحدة وهي قطعية التطابق بين النص القرآني المتداول والوحي الذي نزل على الرسول الاعظم(ص). ومع كل هذا نجد ان خلافاً نسب الى علماء الامامية وغيرهم في هذا الموضوع حيث قيل عنهم انهم يقولون بتحريف القرآن الكريم. كما ان شبهة التحريف اصبحت فيما بعد مجال الاستغلال المتنوع للطعن في القرآن الكريم من قبل مختلف التيارات الكافرة التي واجهها المسلمون في عصورهم القديمة والحديثة، وكانت آخرها محاولات التبشير التي قادها المستشرقون وغيرهم للتشكيك في سلامة النص القرآني, وعلى اساس كل من الخلافين نجد البحث حول هذه النقطة يواجه مسؤوليتين : الاولى - مسؤولية مناقشة هذه الشبهة وتحقيق فسادها وبطلانها على اساس الفرضية الاسلامية ومستلزماتها التي تعترف بالنصوص الدينية، القرآنية او الصادرة من النبي واهل بيته الكرام. الثانية : مسؤولية مناقشة هذه الشبهة على اساس البحث الموضوعي وما تفرضه طبيعة الاشياء من نتائج دون الالتزام بالنصوص الدينية ومستلزمات الايمان ببعضها. والمواجهة الاولى قد تبدو انها اسهل منالاً ولكنها لا تحقق الغرض تجاه الفرد المسلم الذي يؤمن بالاسلام ونصوصه الدينية ورجاله الطيبين.. الامر الذي يفرض علينا ان نعطي المواجهة الثانية حقها من الاهمية لانها تحقق الغرض بشكل شامل وتقطع الطريق على الشبهة عند كل واحد من الناس حتى لو كان غير مؤمن بشيء من الفرضية الاسلامية. ونكتفي هنا ان نشير - بصدد المواجهة الاولى - الى ان الرأي السائد لدى علماء الامامية هو التزام بسلامة القرآن الكريم من التحريف كما أن السيد الخوئي قد تحدث بشكل تفصيلي وجيد عن الشبهة. حين تناولها في الاطار الاسلامي وانتهى الى الحق الذي لا شبهة فيه وهو سلامة النص القرآني من التحريف. لذا فسوف نخص بالبحث المواجهة الثانية وندرس الشبهة على اساس موضوعي وبمقتضى ما تفرضه طبيعة الاشياء من نتائج. جمع القرآن في زمن النبي نقصد بطبيعة الاشياء مجموع الظروف والخصائص الموضوعية والذاتية التي عاشها النبي والمسلمون والقرآن او اختصوا بها مما يجعلنا نقتنع بضرورة قيام النبي (ص) بجمع القرآن في عهده. وهذه الظروف والخصائص هي ما يلي : - أ - يعتبر القرآن الكريم الدستور الاساسي للامة الاسلامية وهو يشكل الزاوية الرئيسية التي يقوم عليها كيان الامة العقيدي والتشريعي والثقافي الى جانب المناهج الاسلامية الاخرى عن المجتمع والاخلاق. كما انه يعتبر أتقن المصادر التاريخية لديها وأروع النصوص الادبية. ولم يكن المسلمون في صدر حياتهم الاجتماعية يملكون شيئاً من القدرات الفكرية والثقافية في مختلف الميادين التي يخوضها الفكر الانساني، فالقرآن بالنسبة لهم كامة حديثه يمثل المحتوى الروحي والفكري والاجتماعي لهم, فمثلاً لم تكن الامة الاسلامية حينذاك تملك من الثقافة العقيدية ما تبني عليها ايمانها الراسخ بوحدانية الله سبحانه وانحراف اصحاب الديانات الأخرى في نظرتهم الى المبدأ والمعاد... غير الادلة والبراهين القرآنية. والكلام ذاته يمكن ان يقال بالنسبة الى المجالات الاخرى فكرية كانت ام روحية ام ثقافية. كل هذا يعطينا صورة بارزة عن الاهمية الذاتية التي يتمتع بها القرآن الكريم بالنسبة الى حياة المسلمين ويحدد النظرة التي يحملها المسلمون كأمة تتمتع بقيادة النبي (ص) الحكيمة - الى القرآن الكريم. ب - لقد عكف المسلمون منذ البدء على حفظ القرآن واستظهاره انطلاقاً من نظرتهم الى القرآن الكريم وشعوراً بالاهمية التي يحتلها في حياتهم الاجتماعية ومركزه من الدور الذي ينتظرهم في الحياة الانسانية. وقد تكونت نتيجة هذا الاقبال المتزايد منهم على حفظه واستظهاره جماعة كبيرة عرفت بحفظها القرآن الكريم واستظهارها لنصه بشكل مضبوط. ولكن السؤال عن كفاية هذه الوسيلة في جعل القرآن بمأمن عن التحريف والتزوير نتيجة للخطأ والاشتباه. او تعرضهم لظروف وعوامل اخرى تمنعهم عن القيام بدورهم في حفظ النص القرآني من هذه الاخطار ؟؟. ان الصحابة الذين عرفوا بحفظ القرآن.. مهما بلغوا من الورع والتقوى والامانة والاخلاص فهم لا يخرجون عن كونهم اشخاصاً عاديين يعتورهم الخطأ والنسيان. كما ان ظرفهم التاريخي وطبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقهم كانت تعرضهم للاستشهاد فالقتل والانتشار في الاقطار الاسلامية بغية الدعوة لله سبحانه. وكل هذه الامور التي كانت متوقعة تصبح خطراً على النص القرآني اذا ترك مرتبطاً في حفظه بهذه الوسيلة ومرتهناً بهذا الاسلوب. ويكفينا في تحقيق الخطر على النص القرآني ان يقع بعض الصحابة البعيدين عن المدينة المنورة في اشتباه معين في النص القرآني ليقع الاختلاف بعد ذلك حينما يفقد المسلمون المرجع الاصيل لضبط النص. ونحن هنا لا نريد ان نقول ان هذا الشيء قد تحقق فعلاً وان المسلمين قد وقعوا في هذا الاختلاف والخطأ ولكن نريد ان نؤكد ان هذا الامر كان خطراً ماثلاً يمكن ان يقع فيه المسلمون في بعض الظروف. ج - وقد كان الرسول (ص) يعيش مع الأمة في آمالها وآلامها مدركاً لحاجاتها وواعياً للمسؤولية العظيمة التي تفرضها طبيعة الظروف المحيطة بتكوينها والاخطار التي تتهددها. وهذا الادراك والوعي نتيجة الدور العظيم الذي قام به منذ البعثة حتى وفاته عليه الصلاة والسلام. فقد عاش حياة الاضطهاد والضغط اللذين كانا وليدي قيامه بالدعوة الى الله سبحانه وعمله على تغيير الامة وقلب واقعها الفكري والاجتماعي. ومثل هذا الدور يحتاج الى مهارة عظيمة وادراك دقيق لواقع المجتمع وتقدير للآثار والنتائج مع فهم للنفس البشرية وما تنطوي عليه من خير وشر, ثم عاش حياة القيادة وسياسة الامة وادارة شؤونها في أصعب الظروف التاريخية حيث انشاء الدولة وتوطيد التشريع والنظام في مجتمع كان لا يعرف الا لوناً باهتاً عن كل ما يمت الى المجتمعات البشرية المنظمة، ويؤمن بمفاهيم وافكار بعيدة عن المفاهيم والافكار الجديدة فمارس الحرب والجهاد وبلى المكر والخداع والنفاق والارتداد الى غير ذلك من الاساليب والظروف المختلفة في أبعادها وآثارها, وكان على معرفة بتاريخ الرسالات الالهية ونهايتها على يد المزورين والمحرفين وتجار الدين. فالانسان الذي يكون قد خبر الحياة الانسانية بهذا الشكل وحمل اعباء الرسالة والدعوة وقاد الانسان في مجاهل الظلام حتى اورده مناهل النور والحق... لا يمكن ان نشك في ادراكه لمدى ما يمكن ان يتعرض له النص القرآني من خطر حينما يربط مصيره بالحفظ والاستظهار في صدور الرجال. د - وامكانات التدوين والتسجيل كانت متوفرة لدى الرسول (ص) حيث لا تعني هذه الامكانات حينئذ الا وجود اشخاص قادرين على الكتابة يتوفر فيهم الاخلاص في العمل الى جانب توفر أدوات الكتابة. وليس هناك من يشك تاريخياً في تمكن المسلمين من كل ذلك. ه - والاخلاص للقرآن الكريم وأهدافه لا يمكن ان نجد من يشك في توفره لدى النبي (ص) مهما بلغ ذلك الشخص من التطرف في الشك والتفكير. لأن النبي (ص) - حتى على اسوأ التقادير والفروض التي يفرضها الكافرون برسالته والمنكرون لنبوته - لا يمكن إِلا ان يكون مخلصاً للقرآن الكريم لانه يؤمن بأن القرآن معجزته وبرهان دعوته الذي به تحدى المشركين وهو على هذا الايمان بالقرآن لابد وان يحرص على حفاظه ويكون مخلصاً في ذلك أبعد الاخلاص. و - تحدي القرآن لمن يأتي بمثله يجعل من الضروري جمعه لكي لا تختلط على الناس المحاولات التي أبداها البشر لتقليد القرآن و محاكاته ببعض الكلام وهذه العناصر الخمسة هي التي تكون اليقين بانّ القرآن الكريم قد تم جمعه وتدوينه في زمن الرسول (ص) لان اهمية القرآن الذاتية مع وجود الخطر عليه والشعور بهذا الخطر وتوفر ادوات التدوين والكتابة ثم الاخلاص للقرآن حين تجتمع لا يبقى مجال للشك بتدوين القرآن في عهد رسول اللّه وكتابته في زمانه.

كيف يقع التحريف=========== ولابد لنا من اجل ايضاح سلامة النص القرآني من التحريف ان نذكر الحالات التي يمكن ان نتصور وقوع التحريف فيها مع مناقشة كل واحدة منها. 1 - ان يقع التحريف في عهد الشيخين بصورة عفوية دون ان يقصدا حذف شيء من القرآن وذلك بسبب الغفلة عن بعض الآيات او عدم وصولها الى أيديهم. 2 - ان يقع التحريف في عهد الشيخين مع فرض الاصرار منهما عليه بشكل مسبق ومدروس. 3 - ان يقع التحريف في فترة عهد الخليفة عثمان. 4 - ان يقع التحريف في غير عهد الخلفاء كما نسب ذلك الى الحجاج بن يوسف الثقفي. وهناك حالة خامسة لا مجال ان نتصور وقوع التحريف فيها وهي ان نفرض وقوعه من قبل بعض أفراد الرعية من الناس لان هؤلاء لا قدرة لهم على مثل هذا العمل مع وجود السلطة الدينية التي تعرف القرآن الكريم وتحميه من التلاعب والتي هي المرجع الرسمي لتعيين آياته وكلماته لدى الناس. اما الحالة الاولى فيمكن ان تناقش من ناحيتين : أ - النتيجة السابقة التي توصلنا اليها في دراستنا لتاريخ جمع القرآن حيث ان القرآن الذي تم جمعه في عهد الرسول الاعظم لا يمكن ان يكون إِلا دقيقاً ومتقناً لرعاية الرسول لجمعه ومع وجود هذا القرآن لا مجال لان نتصور وقوع الغفلة او الاشتباه من الشيخين او من غيرهما كما لا يمكن ان نحتمل عدم وصول بعض الآيات اليهم. ب - ان هناك عوامل عديدة لوجود القرآن الكريم بأكمله لدى جماعة كبيرة من المسلمين وهذا يشكل ضمانة حقيقية لوصول القرآن الكريم بكامله الى الدولة في عهد الشيخين دون نقيصة. وهذه العوامل يمكن ان نلخصها بالاسباب التالية 1 - ان القرآن الكريم يعتبر من أروع النصوص الادبية وابلغها تعبيراً ومضموناً وقد كان العرب ذوي اهتمام بالغ بهذه لانها تكون ثقافتهم الخاصة سواء في الناحية التعبيرية او في الناحية الفكرية والاجتماعية. ونجد آثار هذا الاهتمام ينعكس على حياتهم الخاصة والعامة فيحفظون الشعر العربي والنصوص الادبية الاخرى ويستظهرونها، ويعقدون الندوات والاسواق للمباراة والتنافس في هذه المجالات. وقد يصل بهم الاهتمام الى درجة الاحتفاظ ببعض النصوص في أماكن مقدسة تعبيراً عن التقدير والاعجاب بهذا النص كما يذكر ذلك بالنسبة الى المعلقات في الكعبة الشريفة ,وقد دفعت هذه العادة الشائعة بين المسلمين حينذاك كثيراً منهم الى حفظ القرآن الكريم واستظهاره. 2 - ان القرآن الكريم كان يشكل بالنسبة الى المسلمين حجر الزاوية الرئيسية في ثقافتهم وافكارهم وعقيدتهم، وقد تعرفنا على ذلك في النقطة الاولى من طبيعة الاشياء التي سقناها لابراز مدى اهتمام المسلمين بالقرآن. وكما ان هذا الامر دفع النبي (ص) لتدوين القرآن الكريم لحفظه من الضياع كذلك دفع المسلمين الى استظهار القرآن الكريم وحفظه بدافع الاحتفاظ بأفكاره وثقافته ومفاهيمه والتعرف على التشريعات الاسلامية التي تضمنها. 3 - ان القرآن الكريم على اساس ما يحتويه من ثقافة كان يعطي الجامع له امتيازاً اجتماعياً بين الناس يشبه الامتياز الذي يحصل عليه العلماء من الناس في عصرنا الحاضر, وتعتبر هذه الميزة الاجتماعية احدى العوامل المهمة لتدارس العلوم وتحصيلها في جميع العصور الانسانية. فمن الطبيعي ان تكون احدى العناصر المؤثرة في استظهار القرآن الكريم وحفظه. وقد حدثنا التاريخ عن الدور الذي كان يتمتع به القراء في المجتمع الاسلامي بشكل عام وعين القداسة التي كان ينظر اليهم بها المسلمون. لقد كان النبي (ص) كرائد للامة الاسلامية وموجه لها يحرض المسلمين ويحثهم على حفظ القرآن واستظهاره, ونحن نعرف ما كان يتمتع به النبي (ص) من حب عظيم في نفوس كثير من المسلمين وما كان يملكه من قدرة على التأثير في حياتهم وسلوكهم الامر الذي كان يدفع المسلمين الى الاستجابة له في كثير من التوجيهات، دون الالتفات الى مدى لزومها الشرعي. 4 - الثواب الجزيل الذي وضعه الله سبحانه لقراء القرآن وحفظته ورغبة الكثيرين من المسلمين حينذاك من الاستزادة من هذا الثواب خصوصاً انهم كانوا جديدي عهد بالاسلام فهم يحاولون ان ينعكس الاسلام على جميع تصرفاتهم. وقد كان لبعض هذه العوامل او جميعها تأثير بالغ الاهمية في حياة المسلمين حيث حدثنا التاريخ الاسلامي عن وجود جماعات كثيرة من المسلمين عرفوا بالقراء من ذوي العقيدة الصلدة كان لهم دورهم في الحياة الاجتماعية وميزتهم في ترجيح جانب على آخر عند الخلافات السياسية التي عاشها المسلمون. 5 - وبالاضافة الى ذلك تفرض طبيعة الاشياء ان يكون قد دون القرآن الكريم وكتبه كل مسلم عنده القدرة على التدوين والكتابة لان أي جماعة او أمة تهتم بشيء وترى فيه معبراً عن جانب كبير من جوانب حياتها.. فهي تعمل على حفظه بشتى الوسائل ولا شك ان الكتابة - عند من يتقنها - من أيسر هذه الوسائل وأسهلها,ولذلك نجد بعض النصوص تشير الى وجود عدد من المصاحف او قطعات مختلفة منه عند كثير من الصحابة. ولا بد لنا ان ننتهي الى ان القرآن الكريم بسبب هذه العوامل كان موجوداً في متناول الصحابة ولم يكن من المعقول فرض التحريف نتيجة الغفلة او الاشتباه او عدم وصول بعض الآيات القرآنية. وأما الحالة الثانية : فهي فرضية غير صادقة اطلاقاً، لان دراسة عهد الشيخين والظروف المحيطة بهما تجعلنا ننتهي الى هذا الحكم وتكذيب هذه الفرضية. ذلك لأن التحريف المعتمد يمكن ان يكون لاحد السببين التاليين : أولاً - ان يكون بسبب رغبة شخصية في التحريف. ثانياً - ان يكون بدافع تحقيق أهداف سياسية. كأن يفرض وجود آيات قرآنية تنص على موضوعات ومفاهيم خاصة تتنافى مع وجودهما السياسي. اما بالنسبة الى السبب الاول فنلاحظ عدة أمور : 1 - ان قيام الشيخين بذلك يعني في الحقيقة نسف القاعدة التي يقوم عليها الحكم حينذاك حيث انه يقوم على أساس الخلافة لرسول الله والقيمومة على الامة الاسلامية. وليس من المعقول ان يقدما على تحريف القرآن ويعملا على معاداة الاسلام دون تحقيق أي مكسب ديني او دنيوي. وهل يعني ذلك الا فتح الطريق امام المعارضة لتشن هجوماً مركزاً يملك اقوى الاسلحة التي يمكن استخدامها حينذاك. 2 - ان الامة الاسلامية كانت تشكل حينذاك ضمانة اجتماعية عن قيام أحد من الناس مهما كان يملك من قدرة وقوة بمثل هذا العمل المضاد للاسلام دون ان يكون له رد فعل هائل في صفوفها. لان المسلمين كانوا ينظرون الى القرآن الكريم على انه شيء مقدس غاية التقديس وانه كلام الله سبحانه الذي لا يقبل أي تغيير او تبديل. كما انهم ناضلوا وجاهدوا في سبيل مفاهيم القرآن واحكامه وضحوا بأنفسهم من أجل هذا الدين الجديد الذي كان يشكل التصرف في القرآن - في نظرهم - خروجاً عنه وارتداداً عن الالتزام به. 3 - ان الحكم في عهد الشيخين لم يسلم من وجود المعارضة التي كانت ترتفع أصواتها احياناً من اجل خطأ يقع فيه الخليفة في تطبيق بعض الاحكام.. ومع هذا لا نجد في التاريخ أي اشارة الى الاحتجاج او ما يشبه الاحتجاج مما يشير الى وقوع هذه الفرضية فكيف يمكن ان تسكت المعارضة في كلامها وأقوالها زمن الشيخين او بعدهم عن كل ذلك. ومن هنا يتضح موقف شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم من السبب الثاني أولاً - ان وعي الامة ونظرتها المقدسة للكتاب وصلته بالله بشكل لا يقبل التغيير والتبديل لا يسمح بوقوع مثل هذا العمل مطلقاً. ثانياً - ان المعارضة لا يمكن ان تترك هذه الفرصة تمر دون ان تستغلها في صراعها مع العهد والخليفة مع اننا لا نجد اشارة الى ذلك في كلامهم. ثالثاً - ان المناقشة السياسية التي شنتها الزهراء سلام الله عليها ومن بعدها أمير المؤمنين وجماعته المؤمنون بامامته لم تتناول أي نص قرآني غير مدون في القرآن الكريم الموجود بين ايدينا ولو كان مثل هذا النص موجوداً في القرآن لكان من الطبيعي ان يستعملوه اداة لكسب المعركة الى جانبهم واظهار الحق الذي ناضلوا من أجله. وأما الحالة الثالثة : فهي تبدو اكثر استحالة وبعداً عن الحقيقة التاريخية من سابقتيها وذلك للأسباب التالية : - أولاً - ان الاسلام - والى جنبه القرآن الكريم - قد اصبح منتشراً بشكل كبير بين الناس وفي آفاق مختلفة. وقد مر على المسلمين زمن كبير يتداولونه او يتدارسونه فلم يكن في ميسور عثمان - لو اراد ان يفعل ذلك - ان ينقص منه شيئاً بل ولم يكن ذلك في ميسور من هو اعظم شأناً من عثمان. ثانياً - ان النقص اما ان يكون في آيات لا مساس فيها بخلافة عثمان، وحينئذ فلا يوجد أي داع لعثمان ان يفتح ثغرة كبيرة في كيانه السياسي. وأما ان يكون في آيات تمس خلافة عثمان وامامته السياسية، فقد كان من المفروض أن تؤثر مثل هذه الآيات في خلافة عثمان نفسه فتقطع الطريق عليه في الوصول الى الخلافة. ثالثاً - ان الخليفة عثمان لو كان قد حرف القرآن الكريم لاتخذ المسلمون ذلك أفضل وسيلة للثورة عليه واقصائه عن الحكم او قتله. ولما كانوا في حاجة للتذرع في سبيل ذلك الى وسائل وحجج أخرى ليست من الوضوح بهذا القدر. رابعاً - ان الخليفة عثمان لو كان قد ارتكب مثل هذا العمل لكان موقف الامام علي عليه السلام تجاهه واضحاً ولأصر على ارجاع الحق الى نصابه في هذا الشأن. فنحن حين نجد الامام علياً (ع) يأبى الا ان يرجع الاموال التي اعطاها عثمان الى بعض اقربائه وخاصته ويقول بشأن ذلك (والله لوجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء لرددته فان في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق), لابد ان نجزم باستحالة سكوته عن مثل هذا الامر العظيم على فرض وقوعه, ومن هذه المناقشة التفصيلية للحالات الثلاثة السابقة يتضح موقفنا من الحالة الرابعة. فان الحجاج بن يوسف الثقفي او غيره من الولاة لا يمكن ان نتصور فيهم القدرة على تحريف القرآن الكريم بعد أن عم شرق الارض وغربها. كما لا نجد المبرر الذي يدعو الحجاج الى مثل هذا العمل الذي يحصل في طياته الخطر العظيم على مصالحهم ويقضي على آمالهم. جمع القرآن وتاريخه جمع القرآن على عهد النبي (ص) =================================جمع القرآن له معنيان احدهما حفظه على سبيل الاستيعاب ومنها قولنا جمّاع القرآن أي حفاظه والمعنى الآخر لجمعه كتابته وتسجيله. فاما جمع القرآن بمعنى حفظه واستظهاره في لوح القلب فقد اوتيه رسول اللّه قبل الجمع فكان (ص) سيد الحفاظ وأول الجمّاع كما كان يرغب المسلمين باستمرار في حفظ القرآن وتدارسه واستظهاره ويدفع كل مهاجر جديد الى أحد الحفاظ من الصحابة ليعلمه القرآن ويستعمل مختلف اساليب التشجيع لتعميم حفظ القرآن واشاعة تلاوته حتى اصبح مسجد الرسول نادياً عامراً بتلاوة القرآن يضج بأصوات القراء فأمرهم النبي ان يخفضوا اصواتهم لئلا يتغالطوا وشاعت قراءة القرآن في كل مكان في المجتمع الاسلامي وافتتن المسلمون بتلاوته وشغفوا بقراءته والاستماع اليه وكان همهم الذي ملك عليهم قلوبهم حتى روي عن رسول الله (ص) انه قال (اني لاعرف اصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون واعرف منازلهم من اصواتهم بالليل وان كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار) وكان تدارس القرآن واستظهاره رائجاً بين الرجال والنساء, اما جمعه بمعنى كتابته وتسجيله فقد عرفنا في بحث ثبوت النص القرآني ان القرآن الكريم قد تم جمعه زمن الرسول الاعظم (ص) ولكن الرأي السائد في ابحاث علوم القرآن ان جمعه قد تم في عهد الشيخين النص القرآني =========من دون فرق بين الفرضية الاولى والثانية واشرنا الى بعض الشبهات التي اُثيرت حول الجمع بناء على الفرضية الثانية وناقشناها. وهناك بعض الشبهات الاخرى تثار حول فرضية الجمع في عهد الشيخين أيضاً نذكر منهما الشبهتين التاليتين. ولعل من الجدير بالذكر ان هاتين الشبهتين قد اثيرتا في الابحاث الاسلامية فضلاً عن ابحاث المستشرقين ومقلديهم من الباحثين. الشبهة الاولى : ان بعض النصوص التاريخية المروية عن أهل البيت (ع) وغيرهم تذكر وجود مصحف خاص لعلي بن أبي طالب (ع) يختلف عن المصحف الموجود المتداول بين المسلمين في الوقت الحاضر. ويشتمل هذا المصحف على زيادات وموضوعات ليست موجودة في المصحف المعروف. وتتحدث هذه النصوص عن مجيء علي بن أبي طالب (ع) بهذا المصحف الى الخليفة الاول ابى بكر بقصد أن يأخذ المصحف المذكور مكانه من التنفيذ بين المسلمين. ولكن ابا بكر لم يقبل بذلك ورفض هذا المصحف. ولما كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة علماً وديناً والتزاماً بالاسلام وحفاظاً عليه.. فمن الواضح حينئذ ان يكون المصحف الموجود فعلاً قد دخل عليه التحريف والنقصان نتيجة للطريقة الخاطئة التي اتبعت في جمعه والتي عرفنا بعض تفاصيلها. ومن اجل ايضاح هذه الشبهة يورد انصارها بعض هذه النصوص التاريخية وهي : 1 - النص الذي جاء في احتجاج علي على جماعة من المهاجرين والانصار : فقال له علي (ع) يا طلحة ان كل آية انزلها اللّه جل وعلا على محمد عندي باملاء رسول اللّه وخط يدي. وتأويل كل آية انزلها اللّه على محمد وكل حرام وحلال أو حد أو حكم أو شيء تحتاج اليه الامة الى يوم القيامة مكتوب باملاء رسول اللّه (ص) وخط يدي حتى ارش الخدش. 2 - النص الذي يتحدث عن احتجاج علي (ع) على الزنديق والذي جاء فيه : انه اتى بالكتاب على الملأ مشتملاً على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف الف ولا لام فلم يقبلوا منه. 3 - النص الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني في الكافي عن ابي جعفر الباقر (ع) انه قال: ما يستطيع احد ان يدعي ان عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء. 4 - النص الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني أيضاً في الكافي عن الباقر (ع) ما ادعى احد من الناس انه جمع القرآن كله كما انزل الا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزله اللّه تعالى الا علي بن أبي طالب (ع) والائمة من بعده (ع). وتناقش هذه الشبهة : انه قد لا نشك في وجود مصحف لعلي (ع) يختلف مع المصحف الموجود فعلاً من حيث الترتيب بل قد يختلف عنه أيضاً لوجود اضافات أخرى فيه. ولكن الشك في حقيقة هذه الزيادة. اذ لا دليل على انها زيادات قرآنية وانما تفسير هذه الزيادات على انها تأويلات للنص القرآني بمعنى ما يؤول اليه الشيء أو انها تنزيلات من الوحي الالهي نزلت على صدر رسول اللّه (ص) في تفسير وشرح القرآن وعلمها اخاه علي بن أبي طالب. وليست كلمتا التأويل والتنزيل تعنيان في ذلك الوقت ما يراد منهما في اصطلاح علماء القرآن، حيث يقصد من التأويل حمل اللفظ على غير ظاهره والتنزيل خصوص النص القرآني وانما يراد منهما المعنى اللغوي الذي هو في الكلمة الاولى ما يؤول اليه الشيء ومصداقه الخارجي. وفي الثانية ما انزله اللّه وحياً على نبيه سواء كان قرآناً أو شيئاً آخر. وعلى أساس هذا التفسير العام للموقف تتضح كثير من الجوانب الاخرى حيث يمكن ان تحمل الروايات التي اشارت لها الشبهة على معنى ينسجم مع هذا الموقف أيضاً كما فعل العلامة الطباطبائي ذلك في بعض هذه الروايات(5). وبالاضافة الى ذلك نجد بعض هذه الروايات ضعيفة السند لا يصح الاحتجاج أو الاعتماد عليها في قبال ثبوت النص القرآني. الشبهة الثانية : ان مجموعة كبيرة من الروايات الواردة من طريق أهل البيت (ع) دلت على وقوع التحريف في القرآن الكريم الامر الذي يجعلنا نعتقد ان ذلك كان نتيجة للطريقة التي تم بها جمع القرآن الكريم أو لاسباب طارئة أخرى أدت الى هذا التحريف. وتناقش هذه الشبهة : بان الموقف تجاه هذه الروايات المتعددة يتخذ اسلوبين رئيسيين : الاول : مناقشة اسانيد وطرق هذه الروايات فان الكثير منها قد تم أخذه من كتاب أحمد بن محمد الباري الذي تم الاتفاق بين علماء الرجال على فساد مذهبه وانحرافه , وكتاب علي بن أحمد الكوفي الذي رماه علماء الرجال بالكذب, وبعض هذه الروايات وان كان صحيح السند الا انه لا يشكل قيمة كبيرة وان كان مجموع هذه الروايات قد يوجب حصول الاطمئنان - كما يقول السيد الخوئي - بصدور بعضها عن الامام (ع). الثاني : مناقشة دلالتها على وقوع التحريف في القرآن بمعنى وقوع الزيادة أو النقيصة فيه, ومن أجل ان يتضح الاسلوب الثاني من المناقشة يجدر بنا ان نقسم هذه النصوص الى أقسام أربعة تبعاً لاختلافها في المضمون وما تطرحه من دعاوى واحكام. القسم الأول : النصوص التي جاء التصريح فيها بوقوع التحريف في القرآن الكريم عن طريق استعمال كلمة التحريف فيها ووصف القرآن بها. ومن هذه النصوص الروايات التالية : 1 - عن ابي ذر قال : لما نزلت هذه الآية (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال رسول اللّه (ص) : ترد امتي على يوم القيامة على خمس رايات... ثم ذكر ان رسول اللّه (ص) يسأل الرايات عما فعلوا بالثقلين فتقول الراية الاولى : اما الاكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا. واما الاصغر فعاديناه وابغضناه وظلمناه. وتقول الراية الثانية اما الاكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه واما الاصغر فعاديناه وقاتلناه.. 2 - عن جابر الجعفي عن ابي جعفر (ع) قال : دعا رسول اللّه (ص) بمنى فقال : ايها الناس اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب اللّه وعترتي والكعبة والبيت الحرام ثم قال أبو جعفر (ع) اما كتاب اللّه فحرفوا، واما الكعبة فهدموا واما العترة فقتلوا، وكل ودائع اللّه قد نبذوا ومنها قد تبرؤا. 3 - عن علي بن سويد قال كتبت الى ابي الحسن موسى (ع) وهو في الحبس كتاباً... الى ان ذكر جوابه (ع) بتمامه وفيه قوله (ع) : اؤتمنوا على كتاب اللّه فحرفوه وبدلوه. 4 - عن عبد الاعلى قال : قال أبو عبد اللّه (ع) : أصحاب العربية يحرفون كلام اللّه عز وجل عن مواضعه,ولا دلالة في هذه الروايات جميعها على وقوع التحريف في القرآن بمعنى الزيادة والنقيصة وانما تدل على وقوع التحريف فيه بمعنى حمل بعض الفاظه على غير معانيها المقصودة للّه سبحانه, ونحن في الوقت الذي لا نشك بوقوع مثل هذا التحريف في القرآن الكريم نظراً لاختلاف التفاسير وتباينها.. لا نرى فيه ما يضر عظمة القرآن ويفيد في تأييد هذه الشبهة, وقد يدل بعضها على تحريف بعض الكلمات القرآنية بمعنى قراءتها بشكل يختلف عن القراءة التي انزلت على صدر رسول اللّه. وهذا ينسجم مع الرأي الذي ينكر تواتر القراءات السبعة ويرى انها نتيجة لاختلاف الرواية أو الاجتهاد. القسم الثاني : الروايات التي تدل على ان القرآن الكريم قد صرح بذكر بعض أسماء أئمة أهل البيت (ع) أو تحدث عن خلافتهم بشكل واضح ومنها النصوص التالية : 1 - عن محمد بن الفضيل عن الحسن (ع) قال : ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة في جميع صحف الانبياء ولن يبعث رسولاً الا بنبوة محمد وولاية وصيه صلى اللّه عليهما وآلهما. 2 - رواية العياشي عن الصادق (ع) لو قرأ القرآن كما انزل لألفينا مسلمين. 3 - رواية الكافي والعياشي عن الاصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين (ع) القرآن نزل على أربعة أرباع : ربع فينا وربع في عدونا، وربع سنن وامثال، وربع فرائض واحكام ولنا كرائم القرآن. والموقف اتجاه هذا القسم من النصوص يتخذ أشكالاً ثلاثة : الاول : اننا قد ذكرنا سابقاً ان بعض التنزيل ليس من القرآن الكريم وانما هو مما اوحى إلى النبي (ص) ولعل هذا هو المقصود من هذه الروايات حيث جاء ذكرهم في التنزيل تفسيراً لبعض الآيات القرآنية لا جزءاً من القرآن الكريم نفسه. الثاني : اننا نكون مضطرين لرفض هذه الروايات ان لم نوفق لتفسيرها بطريقة تنسجم مع القول بصيانة القرآن الكريم من التحريف للسببين التاليين : أ - مخالفة هذه الروايات للكتاب الكريم. وقد وردت نصوص عديدة من طريق أهل البيت تدل على ضرورة عرض أخبار أهل البيت على القرآن الكريم قبل الاخذ بمضمونها. ب - مخالفة هذه الروايات للأدلة المتعددة التي تحدثنا عنها في بحث ثبوت النص القرآني. الثالث : ان هناك نصوص وقرائن تاريخية تدل على عدم ورود أسماء الائمة في القرآن الكريم بشكل صريح. ====================ومن هذه القرائن حديث الغدير حيث نعرف منه ان الظروف التي أحاطت بقضية الغدير تنفي ان يكون هناك تصريح من القرآن باسم علي (ع) والا فلماذا يحتاج النبي الى التأكيد على بيعة علي، وحشد هذا الجمع الكبير من المسلمين من أجل ذلك بل لماذا يخشى الرسول الناس في اظهار هذه البيعة بعد ان صرح القرآن بتسميته ومدحه الامر الذي أدى الى ان يؤكد القرآن الكريم عصمة اللّه له من الناس , ومن هذه القرائن أيضاً : ان التاريخ لم يحدثنا ان علياً أو احداً من أصحابه احتج لامامته بذكر القرآن لاسمه.. مع انهم احتجوا على ذلك بأدلة مختلفة. ولا يمكن ان نتصور اهمال هذا الدليل لو كان موجوداً. (عن ابي بصير قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قول اللّه عز وجل (اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم) فقال : نزلت في علي بن ابي طالب والحسن والحسين (ع) فقلت له : ان الناس يقولون : فما له لم يسم علياً واهل بيته (ع) في كتاب اللّه عز وجل ؟ قال : فقال : قولوا لهم : ان رسول اللّه (ص) نزلت عليه الصلاة ولم يسم اللّه لهم ثلاثاً واربعاً حتى كان رسول اللّه (ص) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهم.. الحديث), وهذا الحديث يكون موضحاً للمعنى المراد من الاحاديث التي ساقتها الشبهة لانه يقف منها موقف المفسر وينظر الى موضوعها ويوضح عدم ذكر القرآن لاسماء الائمة صريحاً. القسم الثالث : الروايات التي تدل على وقوع الزيادة والنقصان معاً في القرآن الكريم وان طريقة جمع القرآن أدت الى وضع بعض الكلمات الغريبة من القرآن مكان بعض الكلمات القرآنية الاخرى بالنصين التاليين : 1- - عن حريز عن ابي عبد اللّه (ع) (صراط من انعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين). 2 - عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قوله تعالى : (ان اللّه اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران). قال : هو آل ابراهيم وآل محمد على العالمين فوضعوا اسماً مكان اسم. ويناقش هذا القسم من الروايات بالمناقشتين التاليتين : الاول : ان الامة الاسلامية بمذاهبها المختلفة اجمعت على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم بالزيادة. بالاضافة الى وجود النصوص الكثيرة الدالة على عدم وجود مثل هذا التحريف. الثانية : ان هذا القسم يتنافى مع الكتاب نفسه. وقد أمر الأئمة من أهل البيت (ع) بلزوم عرض أحاديثهم على الكتاب الكريم وان ما خالف الكتاب فيضرب عرض الجدار. القسم الرابع : الروايات التي دلت على ان القرآن الكريم قد تعرض للنقصان فقط. مثل ما رواه الكليني في الكافي عن أحمد بن محمد ابي نصر : (قال دفع الى ابي الحسن (ع) مصحفاً وقال لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه لم يكن الذين كفروا...) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم. قال فبعث الي : ابعث الي بالمصحف). ويناقش هذا القسم بان الزيادة الموجودة في مصحف ابي الحسن(ع) أو غيره تحمل على ما سبقت الاشارة اليه من انها في مقام تفسير بعض الآيات. وفي المورد الذي لا يمكن ان يتم فيه مثل هذا الحمل والتفسير لا بد من طرح الرواية تمسكاً بالكتاب الكريم الذي أمرنا أهل البيت بعرض أحاديثهم عليه قبل الاخذ بمضمونها. نزول القرآن الكريم نزول القرآن عن طريق الوحي : ================================تلقى النبي (ص) القرآن الكريم عن طريق الوحي ونظراً الى انه (ص) كان يتلقى الوحي الالهي من جهة عليا وهي اللّه سبحانه يقال عادة ان القرآن نزل عليه للاشارة باستعمال لفظ النزول الى علو الجهة التي اتصل بها النبي عن طريق الوحي وتلقى عنها القرآن الكريم. والوحي لغة هو الاعلام في خفاء أي الطريقة الخفية في الاعلام وقد اطلق هذا اللفظ على الطريقة الخاصة التي يتصل بها اللّه تعالى برسوله نظراً الى حقائقها ودقتها وعدم تمكن الآخرين من الاحساس بها, ولم يكن الوحي هو الطريقة التي تلقى بها خاتم الانبياء وحده كلمات اللّه بل هو الطريقة العامة لاتصال الانبياء باللّه وتلقيهم للكتب السماوية منه تعالى كما حدث اللّه بذلك رسوله في قوله عز وجل «انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وايوب ويونس وهارون وسليمان»الى آخر الآية. ويبدو من القرآن الكريم ان الوحي هذا الاتصال الغيبي الخفي بين اللّه واصفيائه له صور ثلاث احداها القاء المعنى في قلب النبي او نفثه في روعه بصورة يحس بانه تلقاه من اللّه تعالى والثانية تكليم النبي من وراء حجاب كما نادى اللّه موسى من وراء الشجرة(*) وسمع نداءه والثالثة هي التي متى اطلقت انصرفت الى ما يفهمه المتدين عادة من لفظة الايحاء حين يلقي ملك الوحي المرسل من اللّه الى نبي من الانبياء ما كلف القاؤه اليه سواء انزل عليه في صورة رجل ام في صورته الملكية وقد اشير الى هذه الصور الثلاث في قوله تعالى «وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحياً او من وراء حجاب او يرسل رسولاً فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم». وتدل الروايات على ان الوحي الذي تلقى عن طريقة الرسالة الخاتمة وآيات القرآن المجيد كان بتوسيط الملك في كثير من الاحيان وبمخاطبة اللّه لعبده ورسوله من دون واسطة في بعض الاحيان وكان لهذه الصورة من الوحي التي يستمع فيها النبي الى خطاب اللّه من دون واسطة أثرها الكبير عليه ففي الحديث ان الامام الصادق سئل عن الغشية التي كانت تأخذ النبي أكانت عند هبوط جبرئيل فقال لا وانما ذلك عند مخاطبة اللّه عز وجل اياه بغير ترجمان وواسطة.

نزول القرآن على النبي مرتين =========================في رأي عدد من العلماء ان القرآن الكريم نزل على النبي مرتين احداهما نزل فيها مرة واحدة على سبيل الاجمال والمرة الاخرى نزل فيها تدريجاً على سبيل التفصيل خلال المدة التي قضاها النبي في امته منذ بعثته الى وفاته ومعنى نزوله على سبيل الاجمال هو نزول المعارف الالهية التي يشتمل عليها القرآن واسراره الكبرى على قلب النبي لكي تمتلئ روح النبي بنور المعرفة القرآنية ومعنى نزوله على سبيل التفصيل هو نزوله بالفاظه المحددة وآياته المتعاقبة وكان انزاله على سبيل الاجمال مرة واحدة لان الهدف منه تنوير النبي وتثقيف اللّه له بالرسالة التي اعده لحملها وكان انزاله على سبيل التفصيل تدريجياً لانه يستهدف تربية الامة وتنويرها وترويضها على الرسالة الجديدة وهذا يحتاج الى التدرج, وعلى ضوء هذه النظرية في تعدد نزول القرآن يمكننا ان نفهم الآيات الكريمة الدالة على نزول القرآن في شهر رمضان او انزاله في ليلة القدر بصورة خاصة نحو قوله تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) وقوله (انا انزلناه في ليلة القدر) وقوله (انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين) فان الانزال الذي تتحدث عنه هذه الآيات ليس هو التنزيل التدريجي الذي طال اكثر من عقدين وانما هو الانزال مرة واحدة على سبيل الاجمال. كما ان فكرة تعدد الانزال بالصورة التي شرحناها تفسر لنا ايضاً المرحلتين اللتين اشار اليهما القرآن الكريم في قوله (كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) فان هذا القول يشير الى مرحلتين في وجود القرآن اولاهما احكام الآيات والمرحلة الثانية تفصيلها وهو ينسجم مع فكرة تعدد الانزال فيكون الانزال مرة واحدة على سبيل الاجمال هي مرحلة الاحكام والانزال على سبيل التفصيل تدريجاً هي المرحلة الثانية أي مرحلة التفصيل.

التدرج في التنزيل ===========استمر التنزيل التدريجي للقرآن الكريم طيلة ثلاث وعشرين سنة وهي المدة التي قضاها النبي (ص) في امته منذ بعثته الى وفاته فقد بعث (ص) لاربعين سنة ومكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى اليه ثم هاجر الى المدينة وظل فيها عشر سنين والقرآن يتعاقب ويتواتر عليه حتى مات وهو في الثالثة والستين من عمره الشريف, وقد امتاز القرآن عن الكتب السماوية السابقة عليه بانزاله تدريجاً وكان لهذا التدرج في انزاله اثر كبير في تحقيق اهدافه وانجاح الدعوة وبناء الامة كما انه كان آية من آيات الاعجاز في القرآن الكريم ويتضح كل ذلك في النقاط التالية : 1 - مرت على النبي والدعوة حالات مختلفة جداً خلال ثلاث وعشرين سنة تبعاً لما مرت به الدعوة من محن وقاسته من شدائد وما أحرزته من انتصار وسجلته من تقدم وهي حالات يتفاعل معها الانسان الاعتيادي وتنعكس على روحه واقواله وافعاله ويتأثر باسبابها وظروفها والعوامل المؤثرة فيها ولكن القرآن الذي واكب تلك السنين بمختلف حالاتها في الضعف والقوة في العسر واليسر في لحظات الهزيمة ولحظات الانتصار والتنزيل تدريجاً خلال تلك الاعوام كان يسير دائماً على خطه الرفيع لم ينعكس عليه أي لون من الوان الانفعال البشري الذي تثيره تلك الحالات وهذا من مظاهر الاعجاز في القرآن التي تبرهن على تنزيله من لدن علي حكيم ولم يكن القرآن ليحصل على هذا البرهان لولا انزاله تدريجاً في ظروف مختلفة واحوال متعددة. 2 - ان القرآن بتنزيله تدريجاً كان امداداً معنوياً مستمراً للنبي (ص) كما قال اللّه تعالى (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً) فان الوحي اذا كان يتجدد في كل حادثة كان اقوى للقلب واشد عناية بالمرسل اليه ويستلزم ذلك نزول الملك اليه وتجدد العهد به وتقوية امله في النصر واستهانته بما يستجد ويتعاقب من محن ومشاكل ولهذا نجد ان القرآن ينزل مسلياً للنبي مرة بعد مرة مهوناً عليه الشدائد كلما وقع في محنة يأمره تارة بالصبر امراً صريحاً فيقول (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً) وينهاه تارة اخرى عن الحزن كما في قوله (ولا يحزنك قولهم، ان العزة للّه جميعاً) ويذكره بسيرة الانبياء الذين تقدموه من اولي العزم فيقول (فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل) ويخفف عنه احياناً ويعلمه ان الكافرين لا يجرحون شخصه ولا يتهمونه بالكذب لذاته وانما يعاندون الحق بغياً كما هو شأن الجاحدين في كل عصر كما في قوله (قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون).. 3 - ان القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلف للتعليم والبحث العلمي وانما هو عملية تغيير الانسان تغييراً شاملاً كاملاً في عقله وروحه وارادته وصنع امة وبناء حضارة وهذا العمل لا يمكن ان يوجد مرة واحدة وانما هو عمل تدريجي بطبيعته ولهذا كان من الضروري ان ينزل القرآن الكريم تدريجاً ليحكم عليه البناء وينشئ اساساً بعد أساس ويجتذ جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة. وعلى اساس هذه الاناة والحكمة في عملية التغيير والبناء نجد ان الاسلام تدرج في علاج القضايا العميقة بجذورها في نفس الفرد او نفس المجتمع وقاوم بعضها على مراحل حتى استطاع ان يستأصلها ويجتذ جذورها وقصة تحريم الخمر وتدرج القرآن في الاعلان عنها من امثلة ذلك فلو ان القرآن نزل جملة واحدة بكل احكامه ومعطياته الجديدة لنفر الناس منه ولما استطاع ان يحقق الانقلاب العظيم الذي انجزه في التاريخ.

أسباب النزول معنى سبب النزول =================نزل القرآن الكريم لهداية الناس وتنوير افكارهم وتربية ارواحهم وعقولهم وكان في نفس الوقت يحدد الحلول الصحيحة للمشاكل التي تتعاقب على الدعوة في مختلف مراحلها ويجيب على ما هو جدير بالجواب من الاسئلة التي يتلقاها النبي من المؤمنين او غيرهم ويعلق على جملة من الاحداث والوقائع التي كانت تقع في حياة الناس تعليقاً يوضح فيه موقف الرسالة من تلك الاحداث والوقائع, وعلى هذا الاساس كانت آيات القرآن الكريم تنقسم الى قسمين احدهما الآيات التي نزلت لاجل الهداية والتربية والتنوير دون وقوع سبب معين في عصر الوحي أثار نزولها كالآيات التي تصور قيام الساعة ومشاهد القيامة واحوال النعيم والعذاب فان اللّه تعالى انزل هذه الآيات لهداية الناس من غير أن تكون اجابة عن سؤال او حلاً لمشكلة طارئة او تعليقاً على حادثة معاصرة. والقسم الآخر الآيات التي نزلت بسبب مثير وقع في عصر الوحي واقتضى نزول القرآن فيه كمشكلة تعرض لها النبي والدعوة وتطلبت حلاً أو سؤالاً استدعى الجواب عنه أو واقعة كان لا بد من التعليق عليها وتسمى هذه الاسباب التي استدعت نزول القرآن باسباب النزول فاسباب النزول هي امور وقعت في عصر الوحي واقتضت نزول الوحي بشأنها. وذلك من قبيل ما وقع من بناء المنافقين لمسجد ضرار بقصد الفتنة فقد كانت هذه المحاولة من المنافقين مشكلة تعرضت لها الدعوة واثارت نزول الوحي بشأنها اذ جاء قوله تعالى (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين) الى آخر الآية, وكذلك سؤال بعض اهل الكتاب مثلاً عن الروح من النّبي فقد اقتضت الحكمة الالهية ان يجاب عنه في القرآن فنزل قوله تعالى (قل الروح من أمر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلاً) وبهذا أصبح ذلك السؤال من اسباب النزول, وكذلك ايضاً ما وقع من بعض علماء اليهود اذ سألهم مشركو مكة من اهدى سبيلاً محمد واصحابه ام نحن ؟ فتملقوا عواطفهم وقالوا لهم انتم اهدى سبيلاً من محمد واصحابه مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي المنطبق عليه واخذ المواثيق عليهم ان لا يكتموه فكانت هذه واقعة مثيرة ادت على ما جاء في بعض الروايات الى نزول قوله تعالى (ألم تر الى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلاً), فهذه قضايا وقعت في عصر الوحي وكانت داعية الى نزول الوحي بشأنها فكانت لاجل ذلك من اسباب النزول, ويلاحظ في ضوء ما قدمناه من تعريف لاسباب النزول ان احداث الامم الماضية التي يستعرضها القرآن الكريم ليست من اسباب النزول لانَّها قضايا تأريخية سابقة على عصر الوحي وليست اموراً وقعت في عصر الوحي واقتضت نزول القرآن بشأنها فلا يمكن ان نعتبر حياة يوسف وتآمر اخوته عليه ونجاته وتمكنه منهم سبباً لنزول سورة يوسف وهكذا سائر المقاطع القرآنية التي تتحدث عن الانبياء الماضين واممهم فانها في الغالب تندرج في القسم الاول من القرآن الذي نزل بصورة ابتدائية ولم يرتبط باسباب نزول معينة. المكي والمدني ========ينقسم البحث حول المكي والمدني من القرآن الى ثلاثة بحوث : اولاً : معنى المكي والمدني يقسم القرآن في عرف علماء التفسير الى مكي ومدني فبعض آياته مكية وبعض آياته مدنية وتوجد في التفسير اتجاهات عديدة لتفسير هذا المصطلح احدهما الاتجاه السائد وهو تفسيره على اساس الترتيب الزماني للآيات واعتبار الهجرة حداً زمنياً فاصلاً بين مرحلتين فكل آية نزلت قبل الهجرة تعتبر مكية وكل آية نزلت بعد الهجرة فهي مدنية وان كان مكان نزولها مكية كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكة وقت الفتح فالمقياس هو الناحية الزمنية لا المكانية. والاتجاه الآخر هو الاخذ بالناحية المكانية مقياساً للتميز بين المكي والمدني فكل آية يلاحظ مكان نزولها فان كان النبي (ص) حين نزولها في مكة سميت مكية وان كان حينذاك في المدينة سميت مدنية. والاتجاه الثالث يقوم على اساس مراعاة اشخاص المخاطبين فهو يعتبر ان المكي ما وقع خطاباً لاهل مكة والمدني ما وقع خطاباً لاهل المدينة. ويمتاز الاتجاه الاول عن الاتجاهين الاخيرين بشمول المكي والمدني على اساس الاتجاه الاول لجميع آيات القرآن لاننا اذا اخذنا بالناحية الزمنية كانت كل آية في القرآن اما مكية واما مدنية لانها اذا كانت نازلة قبل هجرة النبي الى المدينة ودخوله اليها فهي مكية وان نزلت على النبي في طريقه من مكة الى المدينة واذا كانت نازلة بعد دخول النبي مهاجراً الى المدينة فهي مدنية مهما كان مكان نزولها واما على الاتجاهين الاخيرين في تفسير المصطلح فقد نجد آية ليست مكية ولا مدنية كما اذا كان موضع نزولها مكاناً ثالثاً لا مكة ولا المدينة ولم يكن خطابها لاهل مكة او اهل المدينة نظير الآيات التي نزلت على النبي (ص) في معراجه او اسرائه. الترجيح بين الاتجاهات الثلاثة واذا اردنا ان نقارن بين هذه الاتجاهات الثلاثة لنختار واحداً منها فيجب ان نطرح منذ البدء الاتجاه الثالث لانه يقوم على اساس خاطئ وهو الاعتقاد بان من الآيات ما يكون خطاباً لاهل مكة خاصة ومنها ما يكون خطاباً لاهل المدينة وليس هذا بصحيح فان الخطابات القرآنية عامة وانطباقها حين نزولها على اهل مكة او على اهل المدينة لا يعني كونها خطاباً لهم خاصة او اختصاص ما تشتمل عليه من توجيه او نصح او حكم شرعي بهم بل هي عامة ما دام اللفظ فيها عاماً. والواقع ان لفظ المكي والمدني ليس لفظاً شرعياً حدد النبي مفهومه لكي نحاول اكتشاف ذلك المفهوم وانما هو مجرد اصطلاح تواضع عليه علماء التفسير وما من ريب في ان كل احد له الحق في ان يصطلح كما يشاء ولا نريد هنا ان نخطئ الاتجاه الاول او الاتجاه الثاني مادام لا يعبر كل منهما الا عن اصطلاح من حق اصحاب ذلك الاتجاه ان يضعوه ولكنا نرى ان وضع مصطلح المكي والمدني على اساس الترتيب الزمني كما يقرره الاتجاه الاول انفع وافيد للدراسات القرآنية لان التمييز من ناحية زمنية بين ما انزل من القرآن قبل الهجرة وما انزل بعدها اكثر اهمية للبحوث القرآنية من التمييز على اساس المكان بين ما انزل على النبي في مكة وما انزل عليه في المدينة فكان جعل الزمن اساساً للتمييز بين المكي والمدني واستخدام هذا المصطلح لتحديد الناحية الزمنية أوفق بالهدف. وتتجلى اهمية التمييز الزمني من التمييز المكاني في نقطتين احداهما فقهية أي انها ترتبط بعلم الفقه ومعرفة الاحكام الشرعية وهي ان تقسيم الآيات على اساس الزمن الى مكية ومدنية وتحديد ما نزل قبل الهجرة وما نزل بعد الهجرة يساعدنا على معرفة الناسخ والمنسوخ لان الناسخ متأخر بطبيعيته على المنسوخ زماناً فاذا وجدنا حكمين ينسخ احدهما الآخر استطعنا أن نعرف الناسخ عن طريق التوقيت الزمني فيكون المدني منهما ناسخاً للمكي لاجل تأخره عنه زماناً. والاخرى هي ان التقسيم الزمني للآيات الى مكية ومدنية يجعلنا نتعرف على مراحل الدعوة التي مر بها الاسلام على يد النبي فان الهجرة المباركة ليست مجرد حادث عابر في حياة الدعوة وانما هي حد فاصل بين مرحلتين من عمر الدعوة وهما مرحلة العمل الفردي ومرحلة العمل ضمن دولة ولئن كان بالامكان تقسيم كل من هاتين المرحلتين بدورها ايضاً فمن الواضح على أي حال ان التقسيم الرئيسي هو التقسيم على اساس الهجرة فاذا ميزنا بين الآيات النازلة قبل الهجرة وما نزل منها بعد الهجرة استطعنا ان نواكب تطورات الدعوة والخصائص العامة التي تجلت فيها خلال كل من المرحلتين. واما مجرد اخذ مكان النزول بعين الاعتبار واهمال عامل الزمن فهو لا يمدنا بفكرة مفصلة عن هاتين المرحلتين ويجعلنا نخلط بينهما كما يحرمنا من تمييز الناسخ عن المنسوخ من الناحية الفقهية. فلهذا كله نؤثر الاتجاه الاول في تفسير المكي والمدني وعلى هذا الاساس سوف نستعمل هذين المصطلحين. ثانياً - طريقة معرفة المكي والمدني بدأ المفسرون عند محاولة التمييز بين المكي والمدني بالاعتماد على الروايات والنصوص التاريخية التي تؤرخ السورة او الآية وتشير الى نزولها قبل الهجرة او بعدها وعن طريق تلك الروايات والنصوص التي تتبعها المفسرون واستوعبوها استطاعوا ان يعرفوا عدداً كبيراً من السور والآيات المكية والمدنية ويميزوا بينها. وبعد أن توفرت لهم المعرفة بذلك اتجه كثير من المفسرين الذين عنوا بمعرفة المكي والمدني الى دراسة مقارنة لتلك الآيات والسور المكية والمدنية التي اكتشفوا تأريخها عن طريق النصوص وخرجوا من دراستهم المقارنة باكتشاف خصائص عامة في السور والآيات المكية وخصائص عامة اخرى في المدني من الآيات والسور فجعلوا من تلك الخصائص العامة مقاييس يقيسون بها سائر الآيات والسور التي لم يؤثر توقيتها الزمني في الروايات والنصوص فما كان منها يتفق مع الخصائص العامة للآيات والسور المكية حكموا بانه مكي وما كان اقرب الى الخصائص العامة للمدني واكثر انسجاماً معها ادرجوه ضمن المدني من الآيات بالسور. وهذه الخصائص العامة التي حددت المكي والمدني بعضها يرتبط باسلوب الآية والسورة كقولهم ان قصر الآيات والسور وتجانسها الصوتي من خصائص القسم المكي وبعضها يرتبط بموضوع النص القرآني كقولهم مثلاً ان مجادلة المشركين وتسفيه احلامهم من خصائص السور المكية. ويمكن تلخيص ما ذكروه من الخصائص الاسلوبية والموضوعية للقسم المكي فيما يأتي : - 1 - قصر الآيات والسور وايجازها وتجانسها الصوتي. 2 - الدعوة الى اصول الايمان بالله واليوم الآخر وتصوير الجنة والنار. 3 - الدعوة للتمسك بالاخلاق الكريمة والاستقامة على الخير. 4 - مجادلة المشركين وتسفيه احلامهم. 5 - استعمال السورة لكلمة يا ايها الناس وعدم استعمالها لكلمة يا ايها الذين آمنوا. وقد لوحظ ان سورة الحج تستثنى من ذلك لانها استعملت الكلمة الثانية بالرغم من انها مكية فهذه الخصائص الخمس يغلب وجودها في السور المكيّة. وأما ما يشيع في القسم المدني من خصائص عامة فهي : - 1 - طول السورة والآية واطنابها. 2 - تفصيل البراهين والادلة على الحقائق الدينية. 3 - مجادلة اهل الكتاب ودعوتهم الى عدم الغلو في دينهم. 4 - التحدث عن المنافقين ومشاكلهم. 5 - التفصيل لاحكام الحدود والفرائض والحقوق والقوانين السياسية والاجتماعية والدولية.

الشبهة حول المكي والمدني===============للشبهة حول المكي والمدني جانبان : جانب يرتبط بالاسلوب القرآني فيها وجانب آخر يرتبط بالمادة والموضوعات التي عرض القرآن لها في هذين القسمين وفي كل من القسمين تصاغ الشبهة على عدة اشكال نذكر مها صياغتين لكل واحد من القسمين. أ - اسلوب المكي يمتاز بالشدة والعنف والسباب فقد قالوا : إن اسلوب القسم المكي من القرآن يمتاز عن القسم المدني بطابع الشدة والعنف بل السباب أيضاً. وهذا يدل على تأثر محمد بالبيئة التي كان يعيش فيها لأنها مطبوعة بالغلظة والجهل. ولذا يزول هذا الطابع عن القرآن الكريم عند ما ينتقل محمد الى مجتمع المدينة الذي تأثر فيه - بشكل أو بآخر - بحضارة اهل الكتاب واساليبهم وتستشهد الشبهة بعد ذلك لهذه الملاحظة بالسور والآيات المكية المطبوعة بطابع الوعيد والتهديد والتعنيف أمثال : سورة (المسد) وسورة (العصر) وسورة (التكاثر) وسورة (الفجر) وغير ذلك. ويمكن أن نناقش هذه الشبهة. اولاً : بعدم اختصاص القسم المكي من القرآن الكريم بطابع الوعيد والانذار دون القسم المدني بل يشترك المكي والمدني بذلك. كما إن القسم المدني لا يختص ايضاً كما قد يفهم من الشبهة بالاسلوب اللين الهادئ الذي يفيض سماحة وعفواً بل نجد ذلك في المكي والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة. فمن القسم المدني الذي اتسم بالشدة والعنف قوله تعالى (فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين). وقوله تعالى : (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين. فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) الفروق الحقيقية بين المكي والمدني ===================ولم نجد في الشبهات التي تناولناها ولا نجد في غيرها ما يمكنه ان يصمد امام النقد العلمي او الدرس الموضوعي ومن كل ذلك يجدر بنا ان نقدم تفسيراً منطقياً لظاهرة الفرق بين القسم المكي والقسم المدني وان كنا قد المحنا الى جانب من هذا التفسير عندما تناولنا الشبهات بالنقد والمناقشة. ويحسن بنا أن نذكر الفروق الحقيقية التي امتاز بها المكي عن المدني سواء ما يتعلق بالاسلوب او بالموضوع الذي تناوله القرآن. ثم نفسر هذه الفروق على اساس الفكرة التي اشرنا اليها في صدر البحث والتي تقول أن هذه الفروق كانت نتيجة لمراعاة ظروف الدعوة والاهداف التي تسعى الى تحقيقها. لان الهدف والغاية يلقيان - في كثير من الاحيان - بظلهما على طريق العرض والمادة المعروضة, وتلخص هذه الفروق والخصائص التي يمتاز بها المكي عن المدني غالباً بالامور التالية: 1- ان المكي عالج بشكل اساسي مبادئ الشرك والوثنية واسسها النفسية والفكرية ومؤداها الاخلاقي والاجتماعي. 2 - وقد اكد على ما في الكون من بدائع الخلقة وعجائب التكوين الامر الذي يشهد بوجود الخالق المدبر لها. كما اكد على عالم الغيب والبعث والجزاء والوحي والنبوات وشرح ما يرتبط بذلك من ادلة وبراهين كما خاطب الوجدان الانساني وما اودعه اللّه فيه من عقل وحكمة وشعور. 3 - والى جانب ذلك تحدث عن الأخلاق بمفاهيمها العامة مع ملاحظة الجانب التطبيقي منها وحذر من الانحراف فيها كالكفر والعصيان والجهل والعدوان وسفك الدماء ووأد البنات واستباحة الاعراض واكل اموال اليتامى.. الى غير ذلك وعرض الى جانب ذلك الوجه الصحيح للاخلاق كالايمان باللّه والطاعة له والعلم والمحبة والرحمة والعفو والصبر والاخلاص واحترام الآخرين وبر الوالدين واكرام الجار ونظافة اللسان والصدق في المعاملة والتوكل على اللّه وغير ذلك. 4 - وقد تحدث عن قصص الانبياء والرسل والمواقف المختلفة التي كانوا يواجهونها من قبل اقوامهم واممهم وما يستنبط من ذلك من العبر والمواعظ. 5 - انه سلك طريق الايقاع الصوتي والايجاز في الخطاب سواء في الآيات او السور ويكاد ان يكون المدني بخلاف ذلك على الغالب وان كان قد امتاز بالامرين التاليين: 1 - دعوة اهل الكتاب الى الاسلام مع مناقشتهم وبيان انحرافهم عن العقيدة والمناهج الحقة التي انزلت على انبيائهم. 2 - بيان التفصيلات في التشريع والنظام ومعالجة مشاكل العلاقات المختلفة في المجتمع الانساني.

بعض التلخيص من كتاب مراجعتنا====================== الادلة الشرعية تفرض مذهب أهل البيت 2 ـ لا دليل على وجوب الاخذ بمذاهب الجمهور 3 ـ اهل القرون الثلاثة لا يعرفونها 4 ـ الاجتهاد ممكن 5 ـ يلم الشعث باحترام مذهب أهل البيت 1 ـ إن تعبدنا في الاصول بغير المذهب الاشعري وفي الفروع بغير المذاهب الاربعة لم يكن لتحزب أو تعصب ، ولا للريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب ، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علما وعملا .لكن الادلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الاخذ بمذهب الائمة من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل ، فانقطعنا اليهم في فروع الدين وعقائده ، وأصول الفقه وقواعده ، ومعارف السنة والكتاب ، وعلوم الاخلاق والسلوك والآداب ، نزولا على حكم الادلة والبراهين ، وتعبدا بسنة سيد النبيين والمرسلين ، صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين .ولو سمحت لنا الادلة بمخالفة الائمة من آل محمد ، أو تمكنا من تحصيل نية القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لقصصنا أثر الجمهور ، وقفونا إثرهم ، تأكيدا لعقد الولاء ، وتوثيقا لعرى الاخاء ، لكنها الادلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته ، وتحول بينه وبين ما يروم .2 ـ على أنه لا دليل للجمهور على رجحان شيء من مذاهبهم ، فضلا عن وجوبها ، وقد نظرنا في أدلة المسلمين نظر الباحث المحقق بكل دقة واستقصاء ، فلم نجد فيها ما يمكن القول بدلالته على ذلك ، إلا ما ذكرتموه من اجتهاد أربابها وأمانتهم وعدالتهم وجلالتهم .لكنكم تعلمون أن الاجتهاد والامانة والعدالة والجلالة غير محصورة بهم ، فكيف يمكن ـ والحال هذه ـ ان تكون مذاهبهم واجبة على سبيل التعيين ؟ وما أظن أحدا يجرؤ على القول بتفضيلهم ـ في علم أو عمل ـ على أئمتنا ، وهم أئمة العترة الطاهرة وسفن نجاة الامة ، وباب حطتها ، وامانها من الاختلاف في الدين ، وأعلام هدايتها ، وثقل رسول الله ، وبقيته في أمته ، وقد قال صلى الله عليه وآله : فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم لكنها السياسة ، وما أدراك ما اقتضت في صدر الاسلام .والعجب من قولكم أن السلف الصالح دانوا بتلك المذاهب ، ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها ، واتفقوا على التعبد بها في كل عصر ومصر ، كأنكم لا تعلمون بأن الخلف والسلف الصالحين من شيعة آل محمد ـ وهم نصف المسلمين في المعنى ـ إنما دانوا بمذهب الائمة من ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يجدوا عنه حولا ، وأنهم على ذلك من عهد علي وفاطمة إلى الآن، حيث لم يكن الاشعري ولا واحد من أئمة المذاهب الاربعة ولا آباؤهم ، كما لا يخفى .3 ـ على أن أهل القرون الثلاثة مطلقا لم يدينوا بشيء من تلك المذاهب أصلا ، وأين كانت تلك المذاهب عن القرون الثلاثة ؟ ـ وهي خير القرون ـ وقد ولد الاشعري سنة سبعين ومئتين ، ومات سنة نيف وثلاثين وثلاث مئة وابن حنبل ولد سنة أربع وستين ومئة ، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومئتين والشافعي ولد سنة خمسين ومئة ، وتوفي سنة مئتين ( وأربع وولد مالك سنة خمس وتسعين ومات سنة تسع وسبعين ومئة (وولد أبوحنيفة سنة ثمانين ، وتوفي سنة خمسين ومئة. والشيعة يدينون بمذهب الائمة من أهل البيت ـ وأهل البيت أدرى بالذي فيه ـ وغير . الامام مالك يبقى في بطن أمة ثلاث سنين ! ! الشيعة يعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعين ، فما الذي أوجب على المسلمين كافة بعد القرون الثلاثة ـ تلك المذاهب دون غيرها من المذاهب التي كان معمولا بها من ذي قبل ؟ وما الذي عدل بهم عن اعدال كتاب الله وسفرته وثقل رسول الله وعيبته ، وسفينة نجاة الامة وقادتها وأمانها وباب حطتها ؟ !5 ـ وما الذي ارتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في القرون الثلاثة مفتوحا على مصراعيه ؟ لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان إلى الكسل والرضا بالحرمان ، والقناعة بالجهل ، ومن ذا الذي يرضى لنفسه أن يكون ـ من حيث يشعر أو لا يشعر ـ قائلا بأن الله عزوجل لم يبعث أفضل أنبيائه ورسله بأفضل أديانه وشرائعه ؟ ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه ، فأفضل حكمه ونواميسه ، ولم يكمل له الدين ، ولم يتم عليه النعمة ، ولم يعلمه علم ما كان وعلم ما بقي ، إلا لينتهي الامر في ذلك كله إلى أئمة تلك المذاهب فيحتكروه لانفسهم ، ويمنعوا من الوصول إلى شيء منه عن طريق غيرهم ، حتى كأن الدين الاسلامي بكتابه وسنته ، وسائر بيناته وأدلته من املاكهم الخاصة ، وأنهم لم يبيحوا التصرف به على غير رأيهم ، فهل كانوا ورثة الانبياء ، أم ختم الله بهم الاوصياء والائمة ، وعلمهم علم ما كان وعلم ما بقي ، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ؟ كلا بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته ، وسدنته ودعاته ، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا بابه ، أو يصدوا عن سبيله ، وما كانوا ليعتقلوا العقول والافهام ولا ليسملوا انظار الانام ، ولا ليجعلوا على القلوب اكنة ، وعلى الاسماع وقرا ، وعلى الابصار غشاوة ، وعلى الافواه كمامات ، وفي الايدي والاعناق اغلالا وفي الارجل قيودا ، لا ينسب ذلك اليهم إلا من افترى عليهم ، وتلك أقوالهم تشهد بما نقول . 5 ـ هلم بنا إلى المهمة التي نبهتنا اليها من لم شعث المسلمين ، والذي أراه أن ذلك ليس موقوفا على عدول الشيعة عن مذهبهم ، ولا على عدول السنة عن مذهبهم وتكليف الشيعة بذلك دون غيرهم ترجيح بلا مرجح ، بل ترجيح للمرجوح ، بل تكليف بغير المقدور ، كما يعلم مما قدمناه .نعم يلم الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل البيت ، واعتباركم إياه كأحد مذاهبكم، حتى يكون نظر كل من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر بعضهم إلى بعض ، وبهذا يجتمع شمل المسلمين وينتظم عقد اجتماعهم. والاختلاف بين مذاهب أهل السنة لا يقل عن الاختلاف بينها وبين مذهب الشيعة (تشهد بذلك الالوف المؤلفة في فروع الطائفتين واصولهما ، فلماذا ندد المنددون منكم بالشيعة في مخالفتهم لاهل السنة ، ولم ينددوا بأهل السنة في مخالفتهم للشيعة ؟ بل في مخالفة بعضهم لبعض ، فاذا جاز أن تكون المذاهب أربعة ، فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة ؟ وكيف يمكن أن تكون الاربعة موافقة لاجتماع المسلمين ، فإذا زادت مذهبا

الالماع إلى الادلة على وجود اتباع العترة 2 ـ أمير المؤمنين يدعو إلى مذهب أهل البيت 3 ـ كلمة للامام زين العابدين في ذلك انكم ( بحمد الله ) ممن تغنيه الكتابة عن التصريح ، ولا يحتاج مع الاشارة إلى توضيح ، وحاشا لله أن تخالطكم ـ في أئمة العترة الطاهرة ـ شبهة ، أو تلابسكم ـ في تقديمهم على من سواهم ـ غمة ، وقد آذن أمرهم بالجلاء ، فأربوا على الاكفاء وتميزوا عن النظراء ، حملوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علوم النبيين ، وعقلوا عنه أحكام الدنيا والدين .1 ـ و لذا قرنهم بمحكم الكتاب وجعلهم قدوة لاولي الالباب ، وسفنا للنجاة إذا طغت لجج النفاق ، وأمانا للامة من الاختلاف إذا عصفت عواصف الشقاق ، وباب حطة يغفر لمن دخلها ، والعروة الوثقى لا انفصام لها.2 ـ وقد قال أمير المؤمنين « فأين تذهبون وأنى تؤفكون ؟ والاعلام قائمة والآيات واضح‍ة ، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم ، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش . أيها الناس خذوها (2) من خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم : إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلي منا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الاكبر وأترك فيكم الثقل الاصغر ، وركزت فيكم راية الايمان ... الخ » وقال عليه السلام : « انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتظلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا وذكرهم عليه السلام مرة فقال: « هم عيش العلم وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الاسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل ». وقال عليه السلام من خطبة أخرى « عترته خير العتر وأسرته خير الاسر وشجرته خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم لها فروع طوال وثمرة لا تنال ».وقال عليه السلام : » نحن الشعار والاصحاب والخزنة والابواب ، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ـ إلى أن قال في وصف العترة الطاهرة ـ : فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن ، إن نطقوا صدقوا ، وإن صمتوا لم يسبقوا ، فليصدق رائد أهله ، وليحضر عقله « ؛ الخطبة . وقال عليه السلام من خطبة له » واعلموا انكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه ، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه ، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه ، فالتمسوا ذلك من عند أهله ، فإنهم عيش العلم ، وموت الجهل ، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرههم عن باطنهم ، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق وصامت ناطق. إلى كثير من النصوص المأثورة عنه في هذا الموضوع نحو قوله عليه السلام : « بنا اهتديتم في الظلماء ، وتسنمتم العلياء ، وبنا انفجرتم عن السرار وقر سمع لم يفقه الواعية « ؛ الخطبة (1) . وقوله . : « أيها الناس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متعظ ، وامتاحوا من صفو عين قد روقت من الكدر » الخطبة . وقوله : « نحن شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ؛ ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم ـ ناظرنا ومحبنا ينتظر الرحمة ، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة ». وقوله : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم . بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى . أن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ـ إلى أن قال عمن خالفهم ـ : « آثروا عاجلا وأخروا آجلا ، وتركوا صافيا ، وشربوا آجنا » إلى آخر كلامه . وقوله : « فانه من مات منكم على فراشه ، وهو على معرفة حق ربه ، وحق رسوله ، وأهل بيته ، مات شهيدا ووقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه ». وقوله عليه السلام : « نحن النجباء ، وافراطنا افراط الانبياء ، وحزبنا حزب الله عزوجل ، والفئة الباغية حزب الشيطان ، ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس منا » . وخطب الامام المجتبى أبومحمد الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة فقال : « اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم » الخطبة . 3 ـ وكان الامام أبومحمد علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين ، إذا تلا قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) يدعو الله عزوجل دعاء طويلا ، يشتمل على طلب اللحوق بدرجة الصادقين والدرجات العلية ، ويتضمن وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقة لائمة الدين ، والشجرة النبوية ثم يقول : « وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجوا بمتشابه القرآن ، فتأولوا بآرائهم ، واتهموا مأثور الخبر فينا ـ إلى أن قال : فإلى من يفزع خلف هذه الامة ، وقد درست أعلام هذه الملة ، ودانت الامة بالفرقة والاختلاف ، يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاء‌هم البينات ) فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة ، وتأويل الحكم ؟ إلا اعدال الكتاب وابناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم ؟ إلا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيرا ، وبرأهم من الآفات ، وافترض مودتهم في الكتاب » ?. هذا كلامه عليه السلام بعين لفظه . فأمعن النظر فيه ، وفيما تلوناه عليك من كلام أمير المؤمنين ، تجدهما يمثلان مذهب الشيعة في هذا الموضوع بأجلى مظاهره . واعتبر هذه الجملة من كلامهما ، نموذجا لاقوال سائر الائمة من أهل البيت ، فانهم مجمعون على ذلك ، وصحاحنا عنهم في هذا متواترة . والسلام .

الشيخ حيدر الربيعاوي / الميمونة / ميسان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
hhaidy 8318
2011-03-05
جزاك الله خيرا
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك