منتهى القول ان تعدد الثمار وتنوعها، والألوان وتنوعها، والأزهار وتنوعها، والكائنات الحية وتنوعها، نجد مصاديقها التشريعية في الكتاب والسنة ونجد مصاديقها التكوينية في أنفسنا وما يحيط بنا، ومما نعلم ومما لا نعلم، مما يبدو للعين المجردة ومما خفي عنها. ( بقلم : نضير الخزرجي )
يعتبر التنوع والاختلاف والتعددية في مظاهر الكون من الموضوعات التي يكاد يلمسها العالم والجاهل، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، فهي من الأمور البادية للعيان والملموسة لمس اليد، بل ان الانسان بحد ذاته واحد من مصاديق التنوع، وبالإمكان إدراك معنى التنوع تكوينيا وتشريعيا، تكوينيا عبر ما أبدعته يد الله العليم في هذا الكون، وتشريعيا من بين ثنايا آيات القران الكريم وسنة الرسول (ص) وهي قوله وفعله وتقريره لفعل او قول او حادث صدر في حياته الشريفة، وتعتبر الشيعة الإمامية قول المعصوم وفعله وتقريره – إشارة الى الأئمة الاثني عشر ابتداءاً بالإمام علي (ع) وانتهاءاً بالإمام الحجة المنتظر، الى جانب سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) – جزءاً من السنة الشريفة، فيما يعتبر أهل السنة قول الصحابي وفعله وتقريره جزءاً من السنة.(1)
اضاءات قرآنية
واذا كان الله الخالق العلام سبحانه وتعالى قد اشار بوحدانيته وتفرده في آيات كثيرة، من قبيل قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأوُلوا العلم قائما بالقسط لا اله إلا هو العزيز الحكيم} سورة آل عمران:18، وقوله تعالى: {إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} سورة طه/98، وحث البشر على إعمال الفكر والعقل والتدبر لمعرفته والاقرار بخالقيته للكون والكائنات، من قبيل قوله تعالى: {أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ ..} سورة الأعراف/185، وقوله تعالى: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيّناها وما لها من فروج. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} سورة ق/6-8، فانه سبحانه وتعالى قد اشار في آيات كثيرة الى التعددية والثنائية والاختلاف القائم في كل ما صنعته يداه من انسان وحيوان وجماد، ومما نعلم ومما لا نعلم، قال تعالى: {خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين. والأنعام خلقها لكم فيها دفٌْ ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} سورة النحل/4-8. بل ان الكون كله حاك عن هذا التنوع والثنائية والتعددية، وقد اشار القران الكريم في آيات كثيرة الى نماذج من هذه الثنائية والتعددية ان كان في خلق الكون او الانسان او التعددية في نفسية الانسان ومزاجه وهي الصورة الواضحة لنا.
وفي الإسلام تبلغ التعددية – المؤسسة على طبع وسجية التنوع والاختلاف – مبلغ الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. قد تُكبت او تُقهر، لكنها سنّة من سنن الله لا تبديل لها ولا تحويل.
ولان هذا هو شأن الاختلاف، ومكان التعددية، ومقام التنوع، في الرؤية الإسلامية، كان القران الكريم – كتاب العقيدة والشريعة ومنظومة القيم وفلسفة التنظيم والتدبر والعمران – هو المصدر الأول لآلتماس موقف الاسلام من التعددية والاختلاف.. فنحن – بازاء هذه القضية – لسنا حيال فكرة حديثة أو طارئة ابتدعناها او استعرناها، وإنما بازاء "مبدأ إسلامي" أخبرنا القران انه "... إلهي" وسنة "أزلية"- أبدية قد فطر الله عليها جميع المخلوقات.. فلم ولن تكون الناس نمطا واحدا أو قالبا فردا وإنما كانوا ولا يزالون مختلفين.(2) يقول تعالى في محكم كتابه: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب ونخيل صنوان وغير صنوان يُسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} سورة الرعد/4.(*) فبالرغم من ان الأرض المزروعة التي ارتوت بماء المطر كما يبدو للعيان هي ارض ذات طبيعة وخصيصة واحدة لكن القران ينبهنا الى حقيقة الاختلاف والتنوع في مخلوقاته من انسان ونبات وحيوان وجماد, والتفاضل القائم بينها، بل ان هذا التفاضل هو جوهر الاختلاف والتنوع في الكون وفي الانسان والنبات، بل وهو الطريق الموصل الى أحد النجدين في الآخرة أما النعيم وأما الجحيم.
تنوع متعدد الأبعاد
ان نظرة بسيطة الى ما حولنا في الكون المادي الطبيعي، وانتباهة الى ما يحيط بعالمنا ومحيطنا الخاص، على مساحة الكرة الأرضية تجعل الانسان كما يقول الشيخ شمس الدين: "يتلقى فورا إحدى اكبر الحقائق الموضوعية التي تطبع عالم الشهادة القريب والبعيد، تطبع الأكوان كلها، وهي التنوع الهائل المدهش الذي تتسم به كل العوالم: عالم المادة الجامدة بشتى تجلياتها، من الذرة وما تستنبطه من عوالم الى المجرات الكبرى، وعالم النبات بكل تنوعاته المدهشة والمعجبة، من الذرة الصغيرة المتناهية في الصغر الى الأشجار العملاقة، أشجار السيكويا الكبيرة.
هذا التنوع ليس تنوعا في الأشكال فقط، بل هو تنوع في المهمات وفي الوظائف، وفي التركيب الداخلي، وفي المظاهر الخارجية، انه تنوع يستوعب كل شيء او يشمل كل شيء".(3) فالآية الكريمة واضحة في دلالاتها ومعانيها ومصاديقها الخارجية، فتفرد نزول المطر على ارض واحدة لا يعني نتاج نباتي واحد، بل متعدد، وهذه عملية تكوينية منسجمة مع الفطرة الكونية القائمة على أصالة التعدد والتنوع، قال تعالى: {والنخل والزرع مختلفا أُكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه} سورة الانعام/141، وقال تعالى: {ألم تر ان الله أنزل من السماء ماءاً فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها، ومن الجبال جُدد بيض وحُمر مختلف ألوانها، وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه...} سورة فاطر/27-28(*).
ان اختلاف الألوان أو اختلاف الأنواع، كما يقول الداعية المصري الشيخ يوسف بن مصطفى القرضاوي: "أمر يقوم عليه الكون كله، اختلاف التنوع هذا لابد ان يوجد"(4)، وقال تعالى: {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذّكّرون} سورة النحل/13، فالقرآن يذكر المؤمنين دائما بأن من الطبيعي اختلاف البشر: "ليس فقط في ألوانهم وحظوظهم فقرا وغنى وأجناسا وألسنة، بل اكثر من ذلك، حيث يصف تعدد المواقف على اختلافها في النظر الى الكون بما فيه ومَن فيه، بأنه خاضع لحكمة الله ومشيئته"(5)، وفي هذا الشأن فقد: "روى اليماني – ذعلب- عن احمد بن قتيبة عن عبد الله بن يزيد عن مالك بن دحية قال: كنا عند أمير المؤمنين عليه السلام وقد ذُكر عنده اختلاف الناس فقال:إنما فرّق بينهم مبادئ طينهم(*) وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ ارض وعذبها، وحزن تُربة وسهلها، فهم على حسب قُرب أرضهم يتقاربون، وعلى قدر اختلافها يتفاوتون. فتام الرُّواء(**) ناقص العقل، ومادُّ القامة قصير الهمّة، وزاكي العمل قبيح المنظر، وقريب القعر بعيد السَّبر، ومعروف الضريبة مُنكر الجليبة، وتائه القلب مُتفرِّق اللب، وطليق اللسان حديد الجنان".(6)
تخاطب لا تفاضل
فسنة الله في كونه ومخلوقاته الأختلاف والتعدد وعدم وجود الواحدية والأحدية الاّ له سبحانه وتعالى، فمن اختلاف الألوان الى اختلاف الألسن واللغات واختلاف الفصول والليل والنهار الى جميع المظاهر الأخرى المحيطة بسمائه وأرضه ومخلوقاته من انسان وحيوان: "ولو أراد الله ان يكون خلقه هذا على نمط واحد وطراز واحد لما عجز عن ذلك حاشا لله.. لكنه أراد هذا الاختلاف سنة ليستطيع الانسان من خلاله عمارة الأرض كي يكون جديرا بمهمة الاستخلاف المنوطة به"(7)، مع ملاحظة أمر غاية في الأهمية، ان بعض مظاهر التنوع ليس مدعاة للتكبر على جنس البشر، وإذا حصل مثل هذا التفاضل السلبي او التكبر فهو من الانسان وليس من الله، من ذلك اختلاف اللغات، يقول المحاضر والكاتب الاسلامي، السعودي، الشيخ حسن موسى رضي الصفار: "ولا يعكس اختلاف الألسنة وتعدد اللغات حالة تفاضل أو تفوق بين الشعوب، فليست هناك لغة تمنح التقدم للناطقين بها، او لغة تفرض التخلف على أبنائها، وإنما اللغة وعاء وأداة، تتسع وتضيق بحسب مستوى ثقافة المتحدثين بها، يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) (83-148هـ) ضمن حديثه المفصل عن توحيد الله تعالى الذي أملاه على تلميذه المفضل بن عمر (ولد في الكوفة نهاية القرن الاول الهجري ومات عن اكثر من ثمانين عاماً): تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الانسان، من هذا النطق، الذي يعبر به عما في ضميره، وما يخطر بقلبه، وينتجه فكره، وبه يفهم عن غيره ما في نفسه...الى ان يقول (ع): وكذلك الكلام إنما هو شيء يصطلح عليه الناس، فيجري بينهم، ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة".(8)
فاذا اعتبرنا اللغة على سبيل المثال وسيلة وآلة لنقل المعلومة الى الآخر والتخاطب معه، وليست قيمة بحد ذاتها حتى تكون عرضة للتفاخر والتفاضل السلبي، فان تعلم الانسان للغة أخرى هو محل التفاضل والتمايز الإيجابي، فتعلم اللغة، وليس اصل اللغة، ما يعطي لمتعلمها التمايز العلمي والمؤهل الاجتماعي، ولذلك اذا تقدم اثنان لوظيفة او عمل فيها اللغة عامل أساسي او حتى ثانوي، فان الذي يجيد اكثر من لغة يتوفر على حظوظ اكبر للفوز بالوظيفة الشاغرة او المعلن عنها، فضلا عن ان اللغة الثانية تميزه حتى في مجال الأجر، والوضع الاجتماعي، لكن لا ان تطغيه، لان التعلم هو بحد ذاته نعمة إلهية، وشكر النعم احترامها والتواضع لها وتعليمها للاخرين، كما قال الامام علي بن ابي طالب (ع): "زكاة العلم نشره"(9) لا اتخاذها مطية للتكبر على الناس فاختلاف الألسن لا يعطي ميزة لأمّة على أخرى لان هذا التمايز من بديع خلق الله الذي خلق الناس سواسية، يقول الإمام علي (ع) في بيان حكمة الاختلاف والتنوع في الكون واللغات، وهو يشرح بديع خلق الله للنملة: "ولو ضربتَ في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على ان فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصل كل شيء، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء والرياح والماء، فانظر الى الشمس والقمر والنبات والشجر، والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال – رؤوس الجبال- وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات. فالويل لمن جحد المقدور وأنكر المدبر".(10)
ويمكن تقريب المعنى، من خلال النظر الى اللغة التي يتبادل بها الأخرس والأصم مع نظرائه، فليس هناك أبجدية متعارف عليها بين اللغات، مثل العربية والانجليزية والفرنسية، حتى يمكن وضعها في خانة التفاضل والتفاخر، ولكنها لغة الإشارات التي يتخاطبون بها، ذلك ان اللغة في حقيقتها محل للتخاطب لا للتفاضل، ولو كانت محلا للتفاضل لكانت بعض لغات العالم افضل من اللغة العربية التي نزل بها القران، والتي هي لغة التخاطب في الجنة كما يروي السيوطي (849-911هـ)(11) فالأبجدية العربية تضم 28 حرفا، في حين ان بعض اللغات تضم 32 حرفا وبعضها اكثر من ذلك، نعم هناك توصيات عدة من المعصوم بتعلم اللغة العربية لأنها لغة الرسالة الخالدة ولغة القران ولغة الفقه: "قال الامام جعفر بن محمد الصادق (ع): تعلموا العربية فانها كلام الله الذي تكلم به خلقه ونطقوا به الماضين".(12)
ولكن في الوقت نفسه، لا ينبغي ان تكون العربية مدعاة للتفاخر، وهذه وصية رسول الاسلام محمد بن عبد الله (ص) فقد ورد في خطبته التي أوردها بعد فتح مكة المكرمة في العام 8 هجرية، قوله: "أيها الناس انكم من آدم وآدم من طين، ألا وان خيركم عند الله أتقاكم وأطوعكم له، ألا وان العربية ليست بأب والد، ولكنها لسان ناطق فمن طعن بينكم وعلم انه يبلغه رضوان الله حسبه، ألا وان كل دم مظلمة او أحنة كانت في الجاهلية فهي تظل تحت قدمي الى يوم القيامة".(13)
التعددية من حقائق الابداع
فالتعددية اذن (بمعنى الاختلاف) في أنواع الخلق، وبين أفراد كل نوع كما يقول العوا: "هي من حقائق الإبداع الرباني المسلمة"(14)، وليقرأ من يشاء قوله تعالى: {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمستقر ومستودع، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون. وهو الذي أنزل من السماء ماءاً فأخرجنا به نبات كل شيء، فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا، ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا الى ثمره اذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} سورة الأنعام/98-99 (*) فالإختلاف والتعدد بين البشر على حسب كلام الداعية المصري، البنا: "مما أراده الله، ومما يفصل فيه يوم القيامة".(15) وهو امر ثابت لا مفر منه. هذا المعنى يؤكده الباحث الإسلامي والصحافي المصري فهمي هويدي، فرغم: "أننا لا ندعو الى الاختلاف ولا نتمناه، إلا ان أحدا لا يستطيع أن ينكر ان الاختلاف من طبائع الأشياء، وانه واقع بمشيئة الله تعالى"(16) بل ان الكون الفسيح ليعد من أبهى جماله وكماله: "التلون والتشكل بأشكال مختلفة، وألوان مختلفة، وألوان متميزة، فهل من الصحيح أن يقول أحد، بأن من الأفضل توحيد أشكال الفواكه وطعومها وألوانها ومزاياها، وذلك بأن لا تكون فاكهة إطلاقا الاّ التفاح، بل والتفاح أيضا- بما فيه من أشكال وألوان وخصوصيات ومزايا مختلفة- يكون من نوع واحد فقط؟... إن من حكمة الله البالغة ورحمته الواسعة أن {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}(سورة طه:50) فكل محتاج الى الله - بلسان التكوين – أعطاه الله حقه: الماء العذب والمالح، والتراب والذهب، والفاكهة المرة والحلوة والحامضة، وغيرها".(17)
وأميل الى ما يذهب اليه وزير الاعلام السعودي الأسبق الدكتور يماني من انه: "لابد من التسليم به ان التنوع ظاهرة كونية في آفاق السماء، وفي جنبات الأرض وفي الحضارات المتعاقبة على مر الزمان وفي كل أنحاء المعمورة في البشر والمخلوقات حيّة وجامدة"(18) وما يذهب اليه الصفار من ان: "البشر الذين هم جزء من هذا الكون المتميز بالتنوع والتعدد والاختلاف، فبالرغم من انهم يتساوون في إنسانيتهم العامة، وفي خصائصهم الأولية المشتركة، فانهم في حقيقة الأمر، يتمايزون داخل المحيط البشري بدرجة او أخرى، وهذا التنوع الذي يتحدث عنه القرآن - في آيات كثيرة - إنما هو جزء من ظاهرة كونية تشمل أصناف المخلوقات والكائنات".(19)
فمن مظاهر التعدد في الكون إبداع الله في النحل وما ينتجه هذا الحيوان الصغير من شراب غني مختلف الألوان، قال تعالى: {وأوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سُبل ربك ذُللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون} سورة النحل:68-69، وإيحاء الباري الى النحل، دلالة على الجانب التكويني والفطري لخلقة النحل والمعمل التكويني الذي أودعه الله في أحشائها، فإذا كان الانسان الماهر يقتطف الورود لصناعة ماء الورد بأنواعه، وهي مهارة لا تتواجد عند كل انسان, فان صناعة العسل مهارة متوفرة عند كل النحل العامل بلا استثناء متوطن عليها فطريا وتكوينيا.
الأديان تقر التعددية
وإذا كنا نبرهن على التعددية من خلال آيات القران الكريم أو أحاديث المعصوم، فان هذين المصدرين الذي يعود إليهما المسلم في شؤون حياته وأخراه، ليسا وحدهما من اشار الى سنة وحتمية التعدد والتنوع والاختلاف في الكون وفي حياة الانسان نفسه، فقد سبقت الأديان الأخرى الاسلام في إقرار التعدد والتنوع، يقول الباحث السوري الدكتور صالح بن عبد الله عضيمة: "ولا يوجد هناك بين الباحثين من لا يقول بأن الأديان التي هبطت من السماء الى الأرض وان الدعوات والمذاهب التي خرجت من الأرض باتجاه السماء لم تعرف التعددية، ولم يكن لها فيها حضور كبير، فهذه الديانة اليهودية ومثلها أختها المسيحية، عندما نقرأ كتابيهما العهد القديم والعهد الجديد، نرى انهما يؤكدان على ان التعددية، هي أوضح سنة من السنن الإلهية، وعندما نقرأ ما جرى في تاريخهما من الوقائع والأحداث، نشاهد أن التعددية هي القانون الذي لعب الدور الأكبر في توجيه مجرى هذا التاريخ وتصويره على هذه الصورة التي هو عليها، وهكذا كان شأن الدين الإسلامي مع قانون الله ومع فطرته. لقد عرف الاسلام قيمة التعددية حق المعرفة، ونزل على أمرها بمعنى وأنزلها على أمره بمعنى آخر".(20) فلا يمكن مضادتها او تجاهلها.
منتهى القول ان تعدد الثمار وتنوعها، والألوان وتنوعها، والأزهار وتنوعها، والكائنات الحية وتنوعها، نجد مصاديقها التشريعية في الكتاب والسنة ونجد مصاديقها التكوينية في أنفسنا وما يحيط بنا، ومما نعلم ومما لا نعلم، مما يبدو للعين المجردة ومما خفي عنها.
نضير الخزرجي
إعلامي وباحث عراقي
الرأي الآخر للدراسات- لندن
https://telegram.me/buratha