دراسات

دراسة تحليلية تاريخية سياسية اجتماعية لقبسات من رسالات بلاد الرافدين وفريد حضارتها السمحاء( الجزء الاول )

4771 07:22:00 2006-12-17

( بقلم : هلال آل فخر الدين )

 

بسم الله الرحمن الرحيم

1:دراسة تحليلية تاريخية سياسية اجتماعية لقبسات من رسالات بلاد الرافدين وفريد حضارتها السمحاء

يتحتم على في البداية ان اشيرا معترفا باجلال كبير ومن غير مبالغة او مصانعة والتاريخ والواقع شاهد على ذلك بان العراقيين هم الشعب الوحيد لا في المنطقة فحسب بل والعالم اجمع لم يحدث فيه قط بين اي من طوائفه وعراقه واديانه -على الرغم من تنوعها وتباينها -لا حرب ولا ادنى احتقان الا ماشذ من ممارسات للسلفيين في زمن خلافة المتوكل العباسي وبدعم منه لما عرف عنه من الجهل والتشدد والعنف وكذلك ما شابهها في العصر السلجوقي زمن (طغرل بك والب ارسلان .

مما هو واضح ان بلاد الرافدين مهد الحضارات ومهبط الرسالات ومنبع الاديان وينبوع الثورات وبؤرالمعتقدات والمذاهب والفلسفات وملتقاها وتلاقحها وتعايشها وانتشارها ..

ففي فجر ايامه كان مهبطا لأولى رسالات التوحيد لأوائل الانبياء ابناء النبي ادم كشيت وادريس نوح وهود وصالح ويونس وابراهيم وذو الكفل والعزير وهجرس (ع) في المدن والحواضر الى جنب الكهنة ومعابد الالهة (مردوخ و سين )و(الزقزرة) والسحرة (هاروت وماروت) والدراويش اصحاب الاساطير والخرافات وملحمة كلكامش بجنب علماء الزرادشتية واحبار اليهود التلمودية وكهنة الصابئة واساقفة النساطرة وحكماء عباد الشمس والقمر والنجوم وما تلاها من صحابة وتابعين وأئمة وعلماء وصلحاءومفكرين وارباب مقالات وغلاة و وزعماء ثائرين في مواكب من نماذج شتى وكل هؤلاء ورعاياهم واتباعهم وانصارهم كلا في ديدن مساره ووفق مضمار اعتقاده ومذهب افكاره واهوائه ولكن ضمن رحيب اسرار الكون واغوار مفاهيم الانسان وطرق الحياة وسبل الهوى ..!!! 

ولم يحدثنا التاريخ قط ان نجم بينهم احتكاك او صدام على الرغم من تباينهم في الافكار والمفاهيم والاليات .. وقد بزغت في بلاد الرافدين اعرق الحضارات واقدمها على الاطلاق حيث نشاة كل واحدة منها وازدهرت وسادت ثم بادت من سومرية واكدية واشورية وبابلية وحضرية وفارسية ويونانية حيث كانت كل واحدة منها تضيف لبنة في سلم الرقي الحضاري والتطورالانساني والتلاقح الفكري والتعاون البناء المشترك في ارقى صوره واسمى معانيه.

حتى اطلة الرسالة الخاتمة على ربوع ارض السواد وانتشر الاسلام كان انتشاره في الرقعة التي جمعت كل هذه الفرق والمذهب وشهدت بينها مجالس المناظرة ومصارع النزاع وكانت الفلسفة الاغريقية قد بلغت اوجها وترددت أقاويلها ومناقضاتها في العراق وأطراف فارس حيث يتصدى للتعليم أطباء النساطرة ومعهم كتب الاغريق في الحكمة والمنطق والجدل واشباه هذه الموضوعات فلم يبقى سبب من الاسباب التي تنشيء الفرق والمذاهب الاوقد تهيأ للظهور من جميع نواحيه عند قيام الاسلام

بعد الفتح الاسلامي لبلاد السواد وكون السبب الذي طوى كل الاسباب جميعا هو قيام الدولة مع قيام الدين الاسلامي في وقت واحد وهو مالم يحدث في بني اسرائيل ولافي عالم المسيحية وعليه تدور الخلافات بين الفرق جميعا من قريب او بعيد

ظهرت المدارس العلمية لحواضر كلا من الكوفة والبصرة وبعدها بغداد ولكل منهما عبقها واريجها وعطرها.. وفي تلك الاجواء انتشر مذهب اهل البيت ونبع مذهب ابي حنيفة وابن حنبل والشافعي وانقرضة مذاهب كثيرة نذكر المشهور منها كمذهب الحسن البصري والشعبي ومحمد بن جرير الطبري وابن المسيب والثوري وابي ثور والاعمش .

وكان هناك الكثير من المعممين والمحدثين والفقهاءالعلماء من سار في ركاب السلطان وحظى بالجاه والمال ونشر البدع والاهواء والى جنبهم فريق من العلماء الاتقياء واهل والورع والزهاد في الدنيا ابتعدوا عن بهارج الاطماع ومصاحبة السلطان خوفا من الوقوع في مصائد الشيطان

وقد برزت مدرسة الحديث والاثر والسلفية والى جنبها مدرسة الرأي والنظر والقياس وانبثق تيار اصحاب العقل من الشيعة والمعتزلة علما بان الشيعة هم الطائفة الوحيدة التي لم تغلق باب الاجتهاد لكونه رحمة الهية وسنة كونية تواكب تطورالحياة والتجديد وتعمل العقل الى جوار ارباب التقليد والجمود على النصوص وفتاوى السلف والاشاعرة والمرجئة والقدرية وكثير من الفرق والطرق الضالة واهل البدع والاهواء والغلاة..

ونستطيع رد الخلاف هنا الى محور واحد وهو الخلاف بين أنصار الواقع وانصارالتغير او بين أنصار المحافظة وانصار التجديد حيث كان يؤمن بان (الواقع) هو قدر الله وقضاؤه الذي يدان به العبد في تبرير لكل مايرتكبه الحاكم من موبقات..!

ومن خالفه في ذلك يعتصم بالراي والتفسير ليفهم القدر الالهي على الوجه الذي ينهض به دليله ويسقط دليل خصمه ثم ينفرج الطريق بين طلاب الواقع وطلاب التغير في كل مجال

فطلاب الواقع يقولون بطاعة السلطان القائم وطلاب التغيير يقولون بطاعة الامام المستتر ويقولون بعلم الظاهر وعلم الباطن او بعلم الحقيقة وعلم الشريعة

ويدور على هذا المحور من جانب اخر خلاف القائلين باسلام بني امية والقائلين بتكفيرهم والقائلين بارجاء الحكم عليهم الى يوم الدين (المرجئة)

ويغلوا من هنا فريق كالخوارج فيكفرون عليا ومن والاه ومن هنا فريق من الغلاة يؤلهون عليا وينكرون القول بموته وقد تبراء منهم الامام والائمة من ذريته او في اقوال البيانية والسمعانية في ان روح الله حلت في علي ثم في ابنه محمد بن الحنفية

ويكثر الكلام بين هذه الفروض والظنون على ماهية الروح وماهية الحقيقة الالهية وما ينبغي لله جل وعلا من تنزيه ومايمتنع في حقه من التجسيم والتشبيه وتمتزج النوازع الذهنية بنوازع المصلحة والسياسة والعواطف المكبوتة فيستمد كل منها عونا من الاخر على الاقناع واستجلاب الانصار والاشياع

ومن البداية ان دعاة التغيير يتقون جهدهم سلطان الواقع حيث هو قائم عزيز الجانب مبثوث اعيون شديد السطوة في قمع الانفس فأبتعدوا من دمشق الشام واتخذوا لهم ملاذا مأمونا في كهوف ومغارات العراق او عند اطراف الدولة الشرقية ..!!

هنالك لم يكن أحد من المتعلمين يشتغل بالامور العامة دون ان يعرض له البحث في الشريعة والحقيقة والظاهر والباطن واقوال المختلفين على القضاء والقدر وعلى صفات الله وحرية الانسان (الجبر ) او (الاختيار) اوخلاف واصل بن عطاء الغزال في القدر وفي (المنزلة بين المنزلتين ) وطرد الحسن البصري له فاعتزلا إلى سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لاتباعه (معتزلة) لاعتزالهم قول الامة في دعواها ان الفاسق من أمة الاسلام لامؤمن ولاكافر ..وماهية النفوس والارواح وما يصح ان يفرض عليها من العقاب او تجزى به من الثواب وكل أولئك هو موضوع الفلسفة الاصيل والحكمة القديم وقد تسرب الى مركز الدولة الاسلامية من تراث الامم الخالية

ولما ذهبت الدولة الاموية وقامت الدولة العباسية لم تبدل الحال لان العلويين والعباسين على السواء خبراء بالمذاهب والتفسيرات وكلهم من أنصار النظر والاستدلال

وقد قامت الدعوة في العراق باسم اهل البيت قبل أن تقوم صريحة باسم بني العباس ..

ثم ظهرت دعوة الفاطميين وعرفت سبيلهافي اقصى المغرب حيث كان الناس يؤثرون العلويين على العباسين لمنزلتهم من النبي وسموا قدرهم وعلوا فضلهم وسعة علمهم ولما لحقهم من تشريد واضطهاد وحرمان طوال حكم الامويين والعباسيين

وإذا عددت مايذكر ه عبد القاهر لبغدادي في الفرق بين الفرق ص25 على ظاهره كان هناك من الفرق التي يجمعهم اسم ملة الاسلام في الجملة اثنتين وتسعين فرقة ... ويذكر في نفس المصدر ص120 في تسرب البدع وظهورها في الملة الى ابناء الاعاجم عند ذكره الفرقة (العمروية) اتباع عمرو ابن عبيد مولى بني تميم وكان جده من سبي كابل وما ظهرت البدع والضلالات في الاديان الامن ابناء السبايا ..

ويذكر احمد بن يحيى اليماني صاحب كتاب المنية والامل في شرح الملل والنحل ص53 وفي كل اهل مذهب ثقة يستندون اليه وعالم يعتمدون عليه وكلهم يحتج بقول الله ويروي عن رسول الله وقد كثر التدليس في الكتب والزيادة في الاخبار والتأويل لكتاب الله عزوجل على قدر الاهواء والمذاهب والاراء فيجب على العاقل التيقظ والتحرز والتحفظ من التقليد الذي هلك به الاولون والخرون وجار عن قصد السبيل الجائرون اعاذنا الله من اتباع الهوى في الدين والانقياد لاتباع المقلدين ..!

فقد سرى التزوير للنصوص المقدسة والكذب في الحديث حدا لايوصف بما يتفق وسياسة الحكام فبرزت ظاهرت

تكفير المعارضة التي نصَّ القرآن الكريم على حريتها في التفكير من خلال آيات عدة منها قال سبحانه : ( لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي )البقرة: 56 وقال سبحانه :(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)الكهف:9 ووقال تعالى :(كل نفس بما كسبت رهينةالمدثر: 37 وغيرها.

وجاء تكفير المعارضة هذه المرة من خلال الأحاديث المدسوسة التي وضعها مرتزقة المعممين وسعت السلطة الاموية في نشرها لأغراض سياسية معينة لقمع من رفع عقيرة التنديد بخروجهم عن النصوص الشرعية واستعباد الامة ونهب الاموال على الفسق والفجور وابادة العباد. فمعظم هذه الأحاديث مكذوبة واسلوب الصنعة والوضع واضحة وصريحة فيها لصالح السلطة القائمة وطعنا بالمعارضةالتي كانت تحمل لوائها الكوفة خاصة وولاية العراق عامة ومنها :

"من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوا عنقه كائناً من كان".

"اسمع لحاكمك وأطعه، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك".

"أسمع واطع لمن تامر عليك ولو كان عبدا رأسه كزبيبه"

وهذا الحديث الذي رواه الحسن البصري:

" لا تعصوا أولي الأمر منكم فان عدلوا فلهم الأجر وعليكم الشكر وإن بغوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر فهو امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده، فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالصبر والأناة لا بالثورة والغيظ".

ومجانبة حتى ماقر في مدرسة الخلافة من ضوابط وشروط للخلافة كمفهوم الشورى واهل الحل والعقد واجتماع الامة وكون الخليفة صالحا وغيرها فطمسة كل هذه المباديء لاجل موافقة ونيل رضى من نزى على الخلافة بالقهر والغلبة وان كان فاسقا ظلوما غشوم ..!!فاقروا خلافة

"من غلب على المسلمين بالسيف حتى صار خليفة وسُمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً باراً كان، أو فاجراً".

والحديث المكذوب "القدرية مجوس هذه الأمة". وهذا الحديث موجه ضد المعتزلة، علماً بأن القدرية أو المعتزلة لم تكن موجودة في عهد الرسول حتى يقال عنها هذا الحديث. وقد انتشرت هذه الأحاديث، وتم التركيز عليها وترديدها باستمرار، من قبل المؤسسة الدينية في العهد العثماني خاصة لصالح الاستبداد والارهاب التركي .

وهذه الطامات من المرويات وغيرها من الاساطير والاسرائيليات ما كانت لتنطلي على جمهور الشعب العراقي الذي لم يعرف السكون وكان دائم الحركة كثير الثورات التي اطاحت بالعروش ..!

ويمكن من خلال هذا ان نتبين نباهة وذكاءوتفتق العقلية العراقية وتحررها من القيود وسعة افقها وتلقفها لكل ماهو عقلي وسبرها للاغوار وتنقيبها في الاصول وتصريفها لخباي الامور ونقد الزائف واخذها بالاصيل وعدم خلودها الى الترهات والتقوقع على الراي الفطير والتحجر على التقليد والخرافات والاساطير وكأنها قدس الاقداس الذي لاتخرج عن نطاقه ولاتفلت من فلكه مما هو سائد في أئمم واقوام حضارات اخرى..

هلال آل فخرالدين

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك