دراسات

صحوة ام استفاقة

3888 20:26:00 2011-12-27

بسم الله الرحمن الرحيم

النور والظلمة  قطبا مغناطيسية الحياة ، تنتشر خطوطهما من طرف الى اخر في تعاقب مفرغ تتكاثف عنده الخطوط في جهة معلنة  قطب النور يقابله تكاثف اخر يمثل الظلمة ، تلك هي فلسفة الحياة وسر دوامها  المتمثل في صراع بين القوى الكونية العملاقة والتي تتصاغر امامها قوى الانسان الضعيفة الذي وُضعت بين تلك القوى العملاقة وبذلك استحقت لضعفها المساعدة فجاء المد الالهي باللطف فخالق الكون رحيم بخلقه ما عظم منه وما حقر فلقد مد لهم حبلا  وامرهم بالتمسك به  قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ..) كما وانه وعدهم باخراجهم من الظلمات الى النور قال تعالى ( الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون )  وبالتمعن في محتوى الاية المباركة يظهر ان الله تعالى قد اختار ان تكون نقطتا البداية والنهاية هي النور وبذلك لايمكن ان يظلم عبده وان نشأ ظلم وتبلور فهو من يد الانسان نفسه فالباري هو المنقذ من الظلمات الى النور لمن أمن وواضع الكافر في النور وليقودهم الطاغوت باختيارهم الى الظلمات فما احكمها من معادلة الهية انضوت تحت لوائها  ابهى معاني العدل الالهي .

وبعد تحديد الاقطاب والمسارات لخارطة الحياة صار الزاما ان نحدد النور وما يحتويه وكذا الظلمة بكل معانيها فالنور هو ذلك القبس الموحد والخط المستقيم الواضح المشرق الجلي والمتمثل بكل القيم الانسانية التي تجسدت نظريا وعمليا في هذه الحياة فالتجسيد النظري كان في كتاب الله ومعجزته الخالدة القران الكريم الذي شمل كل ما يحتاجه الانسان من مناهج حياتية ولكل الازمان ! وكل التشريعات الالهية التي يحتاجها ومنهج تاريخي وغيبي فاق الوصف وبذلك صار معجزة لايمكن لكتاب ثاني مجاراتها غير انه احتاج الى التأويل فالقران قد اعطى الخطوط العامة للمناهج والتي تقصر امامها العقول الناقصة لتفسيرها بالشكل الصحيح وهنا ظهرت الحاجة الى التجسيد العملي المتمثل بالعقول الكاملة والتي اختارها الله لتحمل هذه المسؤولية لحفظ القران فكانت هذه  مهمة رسول الله صلى الله علية واله ومن بعده الائمة الاطهار وصولا الى زمننا هذا زمن الامام المغيب سلام الله عليه حتى لا تخلو الارض من حجة لله  تكسر امام وجودها  صلف الجهل وعدم المعرفة  على مدى الازمان فمنذ خلق الارض تلاحقت الحجج الالهية  نظريا وعمليا ولكننا اختارنا ظهور الاسلام قاعدة للبحث ليتلائم مع موضوع البحث  .

من جهة  اخرى فان الظلام او الظلمات كما وصفها الله في الاية الكريمة في اشارة الى انها ذات تشعبات كثيرة مقابل النور الاوحد فهي مجموع كل المناهج التي لا تتقبلها فطرة الانسان والتي تبني اساسها على الجبروت والطغيان والظلم والجهل والكذب وغيرها من المسارات التي تصب في نهر الظلمات  وفي ظل هذا التعاقب ولد الاسلام كما بقية الاديان ليبدأ او بالاحرى يستمر  الصراع بين الحق والباطل او النور والظلام .

ظهر الاسلام غريبا في وسط لم يخلو من عقيدة وان كانت خاطئة فلقد اختارت الامة الحجارة والاوثان واسطة لها مع خالقها وبذلك كفرت برب منّ عليها بمجاورة بيته وهنا جاء دور رسول الله (ص ) النور الالهي الذي مده الله بنور اخر وهو كتابه المقدس وليكون نور على نور  لتبصر الافئدة العمياء لطريق ربها عبر النبي الداعية والذي اتفقوا عليه قبل بعثته على انه أمينها وصادقها غير ان المصالح الدنيوية  جعلتهم الذ الاعداء لامينهم بعد البعثة فما كان لانفسهم المريضة ان تسلم لمن وضع الله بيده مفاتيح الهدى وامره ببناء قاعدة اسلامية كبيرة منطلقة من بيت الله الحرام فواجه نبي الله ما واجه غير ان الله قد من عليه بالتوفيق والسداد قال تعالى ( انا فتحنا لك فتحا مبينا ) فلاحت ملامح الدولة الاسلامية كنوية رسم فيها رسول الله (ص) في المدينة خطوطها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بطريقة ربانية تضمن نجاحها لدولة اكبر فلقد اخذ الرسول الاكرم في نظر الاعتبار ان الدولة ستتمدد وان البشارة ستتسع دائرتها فلقد اعلن وبأمر الله سياسيي الامة بعده فاعلن السياسيين المناسببين وقياديي الامة ليضمن نجاح باقي الخطوط الاجتماعية منها والاقتصادية  .

وفي اوج زهو الامة الاسلامية  جاء الامر الالهي برفع النور من ارض البسيطة الى جواره فغادر النبي (ص )  امة كانت ذات حظ عظيم بوجوده بينهم فكانت وصيته فيهم ان ( اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهم لن تضلوا من بعدي ابدا ) وهنا اقف بالبحث عند هذه النقطة في قفزة الى الامة الاسلامية بعد 14 قرن من هذا القول لنستنتج من خلال قراءة واقع الامة ، كيف قرائت وصية رسول الله ؟ وكيف تعاملت معها ولنا مع وصية رسول الله ( ص) رجعة بعد هذه القفزة .

فبعد ان انعم الله على الامة الاسلامية بذلك القبس المزدوج النور , نور النبي (ص) وعترته ونور القران الكريم , حجب المسلمون عن انفسهم  النور الاول والمتمثل بعترته الشريفة فسلبوا حقوقهم واعلنوا في تمرد مشين (حسبنا كتاب الله ) وفعلا سارت الامة حاملة قبس القران الكريم في ايديها في طريق تركت في اوله نور العترة وصارت تبتعد حتى غاب عنها نور العترة  (ع) وصار كنور النجمة البعيدة  فلقد ساروا مسافة شاسعة عنه وقد بدئوا يستشعرون الظلمة الحالكة فجذوتهم بدأت بالخمود  حيث ان جذوة القران الكريم بحاجة الى وقودها المتمثل بالنور الاول وهنا ضاع المسلمون في منتصف الطريق فلا رجعة فلقد فقدوا اثر النور الاول ولا نور القران يكفي لينير طريقهم فلقران بحاجة لمن يأوله بالشكل الصحيح والا فانه سيعطي نتائج عكسية وهذا الحاصل مع المسلمين بعد 14 قرن من المسير عن نقطة البداية .

فبعد التمكين والاستخلاف والقوة التي انعم الله بها على الامة الاسلامية وفتح بركات السماء والارض لهم  قال تعالى ( ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ) تغير الحال الى الذلة والضعف والاستكانة والهوان والتقتيل والتشريد حين صاروا الى الصورة التي انذرهم بها رسول الله (ص) وحذرهم منها  " يوشك ان تداعى عليكم الامم كما تداعى الاكلة الى قصعتها .قالو : امن قلة يومئذ يا رسول الله ؟ قال : انتم يومئذ كثير ولكنكم كعثاء السيل " .

فما الذي تغير وكيف حدث التغيير ؟

يقص علينا كتاب الله قصص الماضيين الذين نزلت عليهم العقوبة الالهية نتيجة الانحرافات بحيث ان العقوبة تناسب الانحراف فالعقوبات الشديدة تنزل عليهم ولا راد لها بعد عقوبات انذارية على انحرافهم وبهذا يكون الانحراف هو الاساس للعقاب بحسب المنهج الالهي  فبنو اسرائيل مثال واضح على ذلك  فأنحرافات هذه الامة بدأت  صغيرة جراة وصلف ومحاججة لامر الله بحدود التساؤل فأستحقوا الانذارات الاولية وبزيادة الانحرافات تزداد عقوباتهم .

وهذا ما حصل مع الامة الاسلامية والتي سجلت اقوى انحراف قبل دفن رسوال الله ( ص) ! وبهذا انحرفت بزاوية كبيرة ونزلت بها  عقوبات جسام كان اولها تسليط شرارهم عليهم  حتى صارت الامة متارجحة بين سلطة واخرى وصولا لزمننا والذي باع فيه السلاطين اوطانهم وقضاياهم  الى الاستكبار العالمي وكانهم خراف لا يملكون من امرهم شيئا سوى تنفيذ الاوامر حتى يأتي العيد ليُذبحوا !!!

سارت الامة الاسلامية في القرن العشرين بهذا المنحى شعوب ساكتة مظلومة تنهض بين فترة واخرى بثورات يائسة لخصت مصائبهم بنوع الحكم فكثير من الدول الاسلامية ظنت ان الملكية هي المشكلة كما في العراق ومصر فكانت ثوراتهم لتحويل نوع الحكم ثم دخلت في غيبوبة طويلة سلمت فيها زمام الامور لمن جلس في الحكم عقودا وضرب بظلمه ارقام قياسية فاقت  الملوك !! فحاكم القرن العشرين الديمقراطي ما هو الا ذباح لشعبه ومستنزف لثروة الامة  والراكع تحت اقدام الغرب  صاحب الهدف الاوحد  وهو البقاء على كرسي الحكم والامة من سيء الى اسوء .

ان السبات الطويل للامة الاسلامية ولقرون دليل على انحراف خطير لا يمكن ان نوجهه نحو جادة الانحراف السلوكي فالانحراف السلوكي انحراف سطحي يمكن ان يُعالج بفترة لا تتطلب قرونا  غير ان الانحراف وبحسب الواقع المستقرء انحراف عميق متمثل بانحراف المبادىء والمفاهيم الاساسية في حياة المسلم  واذا ما سلمنا بهذا التشخيص نجد انفسنا مطالبين بتحديد مستوى الانحراف بالمفهوم  لوضع حلول طويلة الامد لجني ثمارها وصولا لمجتمع وبالتالي امة مسلمة بحق ! , امة تصيبها صحوة اسلامية فلا يمكن ان نضع الية لتطبيق صحوة اسلامية الا بعد دراسة مستفيضة لاسباب الغفلة الاسلامية لتكون مفتاح لصحوة مرتقبة .

ان رسوال الله ( ص ) قد ارسى مفهوم لا اله الا الله  اساسا لسلسة مفاهيم كانت لا اله الا الله  قاعدة اساسية للاسلام  وربما يشعر الكثير من المسلمين ان هذا الامر متفق عليه غير اننا بالتمعن البسيط نرى ان الامر غير متفق عليه عند المسلمين !  وبهذا فما بني عليه يكون محط شبهة ! فمسلمو القرن العشرين جعلوا من لا اله الا الله  هوية للمسلم فيكفي نطقها لتكون مسلما ثم تفعل ما تشاء ! وهذا هو عين الخطأ فلو كان الامر كذلك لارتضى بها رسول الله (ص) لمن اسلم من قريش غير انه اراد منهم اولا نطقها  ومن ثم العمل بها من خلال الانخراط في سيل التطبيقات لهذا المبدأ في المجتمع الاسلامي لرسم خطوط واضحة ومميزة لهذا الصرح الاسلامي جديد العهد .

ان اصابة  صميم المفاهيم  يجعل دور الصحوة الاسلامية صعبا ويلزمه مرحلة تمهيدية تصحح فيها المفاهيم قبل انطلاق الصحوة  فغزل نسيج الصحوة قبل انطلاقها يجعل اختراقها امرا عسيرا وبهذا تحافظ على وحدها وتماسكها والا فالانطلاق ليس هو المهم بقدر التحضيرالذي يسبقه من قبل شباب الامة  وبالرجوع الى رسول الله ( ص)  باعتباره المؤسس لدولة اسلامية ناجحة  نلحظ وجود مرحلة تمهيدية سبقت امر التصريح بالاسلام وكانت مسؤولية هذه المرحلة واقعة على عاتق شباب الامة  امثال علي ابن ابي طالب  ع وعمار وابو ذر والمقداد  وسلمان وغيرهم فالشباب هم اساس الصحوات حيث انهم نبتة يانعة تتقبل المفاهيم الجديدة ولا تجد صعوبة بتغيير مبدأ خاصة اذا كان هذا المبدأ صحيحا فالشباب كما وانهم اساس للتغير فانهم وفي الوقت ذاته سلاح ذو حديين فهم من يستطيعون حرف الامة اذا ما تبنوا مفاهيم خاطئة وهذا هو واقع شبابنا  في الواقع المعاصر المؤلم بتخاذله وسكونه وذله فلقد قادنا الاستكانه والذلة الى خسارة قبلة المسلمين الاولى وصار الاستكبار هو من يسمح او لا يسمح حتى باداء الصلاة  فيها !!

الصحوة الاسلامية غدت مطلبا اساسيا لامة المفروض انها تتهيأ لقيادة الارض ! وهي في اقصى استكانه وذلة فكيف يتم الامر وكيف نهيأ لمرحلة التمهيد لما قبل الصحوة ؟

وحتى لا تكون الرؤية  نظرية  وبدون تطبيق عملي  وجدنا انه من الضروري طرح تجربة ناجحة في مجال الصحوة الاسلامية  واعتبارها نموذج يتقدى به على امل صحوات مشابهة والاخذ بنقاط القوى التي انطلقت منها  وخير مثال لهذه الصحوة هي الصحوة الاسلامية في الجمهورية الاسلامية في ايران .

في نهاية القرن العشرين فجرت ايران مفاجاة للدول الاسلامية بتأسيس الجمهورية الاسلامية في ايران في وقت كانت الحكم الشاهنشاهي اداة طيعة للاستكبار الخارجي وله مد كبير في الداخل ودعم وسند اقوى من الخارج غير ان الامام الخميني قدس سره الشريف كان بطل الموازنة لمعادلة هي الاصعب  فقد بدأ من مفهوم لا اله الا الله وذابت قلوب الشباب في افكاره وتوجيهاته وعمل الشباب لسنوات طوال ما قبل الثورة  لتهيئة الارضية للانطلاق الاكبر وفعلا استطاع شباب ايران ان ينتصروا نصرا اذهل الاستكبار حتى صاروا كما الحيونات المسعورة تسخر كل القوى الظالمة حتى تبطل  هذا النجاح والم كل الالم ان تكون الدول التي ترفع راية الاسلام هي اول من واجه هذا النصر الكبير للاسلام الحقيقي فكان النظام الظالم في العراق اول من واجه الجمهورية وهي في بداية الطريق مثخنة بجراحات الداخل فتية منهكة فلقد جاءت التوجيهات الاستكبارية لخنق الدولة الفتية بحرب ضروس لمدة ثمانية سنوات كان فيها نظام الحكم في السعودية هو وقود الحقد التي اشتعلت على حدود العراق وايران وليكون شباب البلديين هما ضحية المحرقة  التي اريد بها الفتك بأول نصر اسلامي يسجل منذ قرون ومن قبل المسلمين انفسهم !!

وهنا تتضح الصورة جلية لاسلام واحد بوجهيين !! وجه ظاهره كباطنه المتمثل بالجمهورية الاسلامية فنسيجها متجانس جدا غزل على فكرة واحدة وهدف واحد سرعة انتشارها كما سرعة الضوء جعلت من الغرب في حيرة وخوف من مد اسلامي حقيقي .

الوجه الاخر كان ولا يزال وجه قاسي دامي للانظمة الحاكمة  والباطن شعوب ضعيفة مسلوبة الارادة انحرفت مفاهميها نحو مسار المفاسد والتقليد الاعمى لغرب فاشل في محاولة من العرب للتقدم  نحو ديمقراطية زائفة وهنا خصصنا العرب دون باقي الدول الاسلامية على اساس ان الدول العربية هي في قلب الاسلام فالدول الاسلامية البعيدة مثل ماليزيا والدول الافريقية وصلها اسلام لفظي فقط فلا يمكن تحت اي تقدير ان نعتبرها دول اسلامية بمعنى الكلمة فهي كما وصفها رسول الله (ص) غثاء سيل ! ولولا الفتن التي حصلت في مفاهيم الاسلام الاساسية لما وصلهم الاسلام ضعيفا لهم الى هذا الحد والذي توقف مد الاسلام بعده لشدة ضعفه فلم يعد له بريق يجذب نحوه دولا ومدنا فلقد اقتصر مد الاسلام الان الى افراد وفئات قليلة وصار شغل الاسلام الان التاكيد على مبادىء هي بديهية بعد ما اعلن البعض حربهم على الاساس امتثالا لمن وقف بوجه رسول الله لحظات احتضاره فهذا الصلف قد استشرى ليومنا هذا وقد كان السكوت  على الجراة الاولى  سببا في جعلها امة بكماء لعصور طوال .

ان الايجابيات التي ننهلها من فيض النجاح الذي حققته الجمهورية لاكثر من ربع قرن يتلخص في

1- وحدة الفكرة ووحدة الهدف رغم تشعب التطبيقات .

2- الالتفاف والولاء لمرجعية ودعمها جماهيريا .

3- الاخلاص في العمل والفخر بالانتصارات والمحافظة عليها بقوة العقيدة  .

4- تحديد الاعداء من جبابرة الاستكبار والاشارة لهم بالبنان وبدون مجاملة وطردهم عمليا من مفاصل الحياة الخاصة بالدولة

5 – الاعتماد على ابناء البلد في بناءه وتهيئته للازمات ان حدثت

ومن جانب شخصي ارى ان الايمان والمصادقية التي عاشها الشعب الايراني منذ بداية الثورة الى اليوم  جعلتهم مستحقين للتوفيق الالهي الذي فاضت بركاته عليهم فكثيرا ما نقارنه بالعديد من الدول التي توفرت لديهم ذات المقومات ولم تنجح ولا نجد تفسيرا للامر سوى سلب التوفيق منهم لعدم اخلاص النية والله اعلم .

اليوم ونحن نشهد استفاقة من قبل الدول العربية للخلاص من ظالميها بعد ان  سحقوهم لعقود طويلة عاشتها شعوبهم فيها في صمت مطبق لتفجر وبعد سبات طويل وبدون اي مرحلة تحضيرية ثورات متلاحقة وخلال فترة قياسية !.

وبالرغم من الفرحة التي تملأ القلب ونحن نشهد سقوط اوثان الطغيان و الجبروت تتساقط الواحد تلو الاخر فمن  ملك تونس الى فرعون مصر الى مجنون ليبيا  وصمود اهل البحرين ومحاولات اهل اليمن عشنا احداث متسارعة تسارعت معها التوقعات وطوت في سرعة حركتها التساؤلات غير اننا ما ان نرتب الاحداث في ثنايا عقولنا وبهدوء ينطلق بنا التفكير لتساؤلات  تنغص علينا الفرحة ؟! فهل ان هذه الصحوة هي صحوة اسلامية ؟ وما هي الشواهد على ذلك ؟ وان لم تكن صحوة فما هي شروط الصحوة الحقيقة ؟ وهل لنا ان نتوقع مستقبل افضل للشعوب الاسلامية على فرض نجاح الثورات جديدة العهد ؟.

للاجابة عن هذه الاسئلة لابد ان نسلط الضوء على تفاصيل الثورات ونقاط البداية فنقطة البداية هي من شرائط الثورات والصحوات الحقيقية . فالصحوة هي كمدة الحمل في بطن الامة تنتظر لحظة الطلق لتولد الثورة ويحصل التغيير .

الصحوة العربية بدات من تونس ونقطة انطلاقها  حرق شاب لنفسه احتجاجا ! ومن ثم تسارعت الاحداث وليحصل التونسيون على الحرية من بطش ملكهم ولكن لنقف عند تلك النقطة اساس الصحوة هو كفر فحرق الشاب لنفسه ما هو الا يأس من رحمة الله ولو كان لهذا الشاب ايمان حقيقي وقدوة مؤثرة لما دفعته الغيرة على كرامته الى حجيم النار لمن فرط بحياته بنفسه  ان هذا الشاب التونسي لم تصل له فكرة ومفهوم لا اله الا الله الحقيقي وهذا اثر من اثار عدم فهم القران والرسالة بشكل صحيح . لم يكن انتحار الشاب بالرسالة الجيدة لصحوة شباب بلده وهل وصل شباب البلد الى حد غفلة لا يمكنهم فيها ان ينتبهوا الا بهكذا حل ؟! ان سلمنا للامر ستكون المصيبة اعظم .

وبالمقارنة بين هذا الشاب وعمار بن ياسر والذي قتل الطغاة اهله امام عينه ثأرا من عقيدته الراسخة نجد الفرق جلي في كون الاول بلا عقيدة وان حصل لفعله اثر غير ان هذا الاثر سرعان ما سيمضي للافول بمرور الزمن والايام كفيلة لبيان هذا الرأي .

وبالانتقال الى اهرامات مصر نجد ان مصيبة هذا البلد اكبر فهذا البلد هو من عقدنا عليه الامال الكبيرة فهو الاقرب للصحوة الاسلامية بعد الجمهورية الاسلامية لما له من شعب واعي وحر غير ان مصر غرقت في احضان المساعدات الغربية ودعم الكيان الاسرائيلي علنا وبدون خجل   واتخاذ الفساد والانحلال عنوانا لها فخلال الربع القرن المنصرم نخر مفاصل الشباب الفساد الكبير المتمثل باعلامهم الرديء كذا الخطوط الاسلامية المتطرفة التي اتخذت من الاسلام رداءا  لها وهو برىء من هكذا مجرمين ومعلوم بانها الحركة الوهابية وما جرت من ويلات على ابناء الشعب المصري .

مصر وببساطة اعلامها رب لها بخيره وشره  وهي لا تستغني عنه ودليلنا على هذا ان ثورتهم اساسها ( الفيس بوك ) !! ومعلوم اصول هذا الموقع  . وهنا لا نريد ان يكون مأخذنا للثورات نقاط البداية غير اننا نسلط الضوء عليها حتى نتابع خط الثورات ولا عيب في ان يكون بداية الثورة هو موقع الكتروني غير ان سرعة الاحداث والعمل بهذه الطريقة المكشوفة يجعلنا في خشية من الغرب الذي يمكن ان يراقب بسهولة ما يحدث فمصر ساحة مكشوفة وصار الشباب قادة وهذا ليس بالمؤشر الجيد فالتاريخ ينقل للثورات الناجحة ان  اشارة القدح تكون للشباب ورسم التخطيط الدقيق لمن له خبرة من القادة المأتلفون حول هدف واضح ومتفق عليه .

وفي ما يخص العراق وليبيا فتدخل القوى الاجنبية تفرض عليهم اجندات وان لم يقتنعوا بها وهذا واقع مؤلم لابد من الاعتراف به فالاجنبي يتدخل في ما لايعنيه فما بالنا بدعوات مرسلة اليهم من قبل الطغاة المنافقين امثال المجرم صدام واحمق ليبيا القذافي والذين يظهرون الكره للغرب وهم خير اداة لهم وبذلك سلموا بلدانهم ورسموا مستقبل لما بعد موتهم ! فاي حقد في قلوب هؤلاء المجرمين . فصدام المجرم سحق الشباب المؤمنة سحقا لا تقوم بعده قائمة حتى غدا المجتمع العراقي الجديد غريبا عن ما قبل الثلاثين عاما  ، مجرم بلاد الرافدين سحق انسانية الانسان العراقي ليضمن صعوبة استرداد ما خسره هذا الانسان حتى بعد موت الطاغية الا ما رحم ربي .

بعد هذا العرض لامثلة من الواقع الاسلامي لابد من وضع حلول وخطى للصحوة الاسلامية التي نراها لا تزال بعيدة عن المسلمين وبالاخص العرب فما يحصل الان هو استفاقة سرعان ما سترد الى سباتها لو لم ترسم خطط سريعة للاستفادة من هذه الاستفاقة وان كان حصولها لا يرتكز على اساس قوي فهذا السبب لايجب ان يكون قناعة لترك الواجب المترتب في الوقت الحالي فالفرصة لم تذهب بعد وبالامكان استغلالها كبوادر صحوة  وفي نفس الوقت نسير في طريق الصحوة الاصلاحية .

الصحوة الاسلامية بحاجة الى

1- رجال يأخذون بزمام امورها ، رجال مؤمنون بانهم قادرون لانقاذ بلدانهم .

2- الانسلاخ الكامل  من  سلطة دول الغرب عليهم   .

3- تحويل المجتمعات الاسلامية الاستهلاكية الى مجتمعات انتاجية بتفعيل قطاعي الزراعة والصناعة

4- المراة نصف المجتمع فكيف نتوقع صحوة في امة نصفها نائم !  لابد ان يكون للمراة شأن بعيد عن المفاسد التي زينها الغرب للمسلمات بحجج الحرية فخسرت انسانيتها وخصوصياتها  بأسم التحرر !!

5- بناء قواعد للتربية الاسلامية الصحيحة فالاطفال هم بذرة المستقبل وزرع المفاهيم الصحيحة فيهم اسهل من تغيير المفاهيم للكبار الذي اشتد عودهم على الخطأ .

6- تحديد العدو وترك سياسة العلاقات الودية مع المجرمين .

7- الاعتراف باننا بحاجة الى تغيير المفاهيم عن طريق نشر المفاهيم الصحيحة وبيان مفاسد المفاهيم الخاطئة

8- الاخذ بالتجارب الناجحة وبدون كبرياء .

9- وهي النقطة الاهم ان يتفق المسلمون على قضيتهم وهي القضية الفلسطينية  فان لم يجمعوا عليها فلن يجمعوا على شيء ابدا ، لابد لهم ان يُجمعوا على ان اسرائيل محتلة كافرة يجب طردها من ارض فلسطين والا فلنتوقع سبات الى ما شاء الله

ان هذه الخطوط العامة لايمكن ان تطبق في يوم وليلة لابد لها من مرحلة تمهيدية قوية ومدروسة فالرسول (ص) مع شخصه الاعجازي وقرانه المعجزة احتاج الى سنيين قبل ان يؤسس دولة بكامل مؤسستها وانشغل في تلك السنوات ببناء مجتمع اسلامي اولا في المدينة المنورة وجعل من المدينة دولة مبسطة وصولا لفتح مكة في السنة التاسعة للهجرة .

لقد احتاج الرسول الاكرم (ص) الى سنيين فقط ليصحح سلوك مكتسب من الاولين فدين محمد لم يكن غريبا عليهم فهم يؤمنون بالله غير انهم جعلوا بينهم وبينه واسطة وهذا هو جوهر الاختلاف فالواسطة تلك رفعت بعضهم على اكتاف الجهلة والفقراء وليصبحوا اصحاب نعمة يصعب عليهم التنازل عنها وتسويتهم بعامة الناس وهذا هو سبب عدائهم لمحمد (ص) فالفقراء كانوا اول الناس اتباع لمحمد لان فكرة التوحيد ليست بالبعيدة عنهم بينما اصحاب النعمة المكتسبة من الاوثان هم من استمروا بالعصيان فكان من الصعب عليهم ترك الوجاهة لمحمد (ص) وليس لان الدين امر صعب تقبله . ولامر كهذا  وقفوا امام امر الله مرة بقبول النبي (ص) حتى اضطروا لقبوله على مضض ومرة بقبول امامة اهل بيت النبوة (ص)  وحاربوها قبل ان تمارس حقها في الامة ! .

وهنا نرجع الى النقطة التي قفزنا عندها  14 قرن  عرضنا فيها  ما حصل بعد هذه النقطة بدون شرح لما حصل  والنقطة هي وفاة الرسول (ص) ووصيته . وهل عمل بها المسلمون ؟ والى اي نتيجة وصلوا ؟

لقد وصف  الله الامة الاسلامية بانها خير امة اخرجت للناس ( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) . الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الصفة التي استحقت بها الامة الاسلامية ان تكون خير الامم . غير ان الامة الاسلامية تركت هذه الصفة قبل ان يدفن رسولهم الكريم (ص) والذي اخذ منهم الميثاق رجالا ونساءا بقبول ولي امرهم الامام علي ( ع )  ولكنهم وتحت المسرحية المؤامرة والتي كان ابطالها بعض اصحاب رسول الله (ص)! في السقيفة السوداء والتي رسمت مستقبل مظلم للامة وسلبوا بها ربع قرن من حكم اختاره الله ورضاه رسوله  حتى رجع الحق الى اهله فأستلم الامام علي (ع)  امة  تزلزلت عندها المفاهيم خلال هذه المدة والامام بينهم !! .

بعد كل هذا هل نتوقع  ان تكون الصحوة  اسلامية و ان يكون  القران الكريم عنوانا لها  بعد 14 قرن من المفاسد لم يصلنا فيها الا النزر القليل من ثلة من المؤمنين المتمثلين في المرجعيات الرشيدة في زمن غاب فيه امامنا (ع) وغاب عنه تطبيق القران فلقد صار القران كتاب يُفتح في رمضان ومادة حفظية تسكر السامعين  بجمال ترتيلها !

رسول الله حاربه قوم كل همهم دراهم توفر لهم الراحة  حاربوا رسولا احبوه واحترموه ولكن مع مقاطعته لمصالحهم صار عدوا واليوم الطغاة جالسون على ابار نفط فهل سيسمحون بصحوة !! ومن من ممن غاصوا في المفاسد .

شباب اليوم تسري محتويات القنوات الفضائية الفاسدة في دمهم وسقطت الغيرة عندهم الى حد الانحطاط ليس لهم قضية وحتى قضية فلسطين صارت مصدر للتأوه رغم انها قضية الكرامة الاسلامية لمن لديه غيرة وحميه . واما من اختار ان يكون مسلم فلم يجد من الاسلام الا ان يكون ارهابيا يقتل اي فئة تخالف رأيه فصارت الفرق الاسلامية  تكفر بعضها بعضا وصار بعضها متوحشا ويعكس صورة سيئة عن الاسلام والمسلمين .

واما نصف المجتمع _ المراة _ فلقد خسرت ما خسرت في هذا المد الفاسد والاجواء الملوثة  فالمرأة أما غارقة في جهلها ومظلوميتها مقهورة ومسلوبة الارادة  او مثقفة اول ما تترفع بعلمها وثقافتها على دينها !! وتعتبره مدعاة للتأخر والجهل . التعميم هنا من باب الاكثرية فلا زال بذور خير ونبتات امل هنا وهناك وهذا من فضل الله غير ان بصيص نورهم غطته غيوم الجهل والظلم .

وهنا نشير الى نبتة فتية قوية صلبة وهي تفوح بأريج العقيدة والولاء اوراقها شباب مؤمنون وزهورها نساء مؤمنات نبتت في صحراء العرب القاحلة واثمرت عن  انجازات رائعة  الا وهو حزب الله  هذا الحزب الذي رفع رؤوسنا في مواجهته لاسرائيل المعتدية فكان خير قدوة في الزمن الصعب واسفنا كل الاسف على عرب تحارب عقيدهم وترميهم بسهم التبعية لايران فحقيقة الامر ان الجمهورية الاسلامية وحزب يجمعهما صدق العقيدة والتي نشات من منبع واحد وهو منبع صدق العمل بوصية رسول الله (ص) والعمل بمنهج اهل البيت ( ع) وللوصول الى صحوة اسلامية واصلاحية صحيحة لابد من جمع الامة على هذه الحقيقة وهذا  ما يستحيل حصوله الا بفرج من الله بظهور قائد الامة المنتظر  الحجة ابن الحسن ( ع)  وحتى ذلك الوقت الذي نسأل الله ان يكون قريبا لابد من صحوة ليست مثالية ولكن افضل من الغيبوبة هذه الصحوة  لو انها تتفق على ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله لجنت من الثمار الكثير كما اسلفنا في الشرح .

صحوتنا الاسلامية  بيت اساسه مفاهيم اسلامية مطبقة على ارض الواقع وجدرانها دروع بشرية وجهها الى الخارج تشابك كفوفها بوجه الاستكبار  وظهورها حماية لمن في الداخل سقفها هو المسك بزمام الجانب الاقتصادي للبلدان الاسلامية  وبقوة  بحيث يكونون مجموعة متكاملة لا يحتاجون الى احد يبتزهم  نوافذه  مرجعيات رشيدة تنقل ببعد نظرها ما تراه في المستقبل وبابها هو وحدة الكلمة من حيث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اما مفتاح بيت الصحوة الاسلامية هو التوفيق من الله عز وجل وهذا تحصيل من الباري في حال اخلاص النية من قبل اصحاب البيت .

نسال الله ان تكون استفاقة اليوم هي صحوة الغد  وثورة المستقبل ضد الظلم   والجبروت  وقطب الظلام 

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله  على سيد المرسلين وقادة الغر المحجلين وسلم تسليما كثيرا  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك