دراسات

أُمّةٌ تجهلُ أنها أُمّة

2977 00:38:00 2014-02-06

بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي

توطئةفي التعريف اللغوي الامة: من الام وهي الرأس، وفي الكشاف للزمخشري فان كنانة أمة، لانها من أمهات القبائل. راجع ترتيب مفهوم القبيلة عند الزمخشري.وفي المعنى الاصطلاحي القانوني: الامة هي جماعة بشرية تستوطن بقعة محددة من الارض ترتبط بروابط وعلاقات معينة منها التاريخ المشترك، العرق والجنس، اللغة، والمصالح والغايات المشتركة، ولفظ الامة قانونياً يشمل الاجيال السابقة والاجيال اللاحقة لهذه المجموعة البشرية.غير ان هذه التعريفات تبقى لقاصرة عن تحقيق المفهوم الاسلامي للامة فبعد ترسخ المسلمين في المدينة المنورة خاطبهم الرسول الخاتم (ص) قائلا: صار الاسلام أمة، بمعنى أن صارت هناك روابط وعلاقات مشتركة وتاريخ وأصول تجمع أفراد هذه المجموعة من الناس في منظومة علاقات ترابطية وتكاملية وتأثيرية وتكوينية متكاملة. وقد قال الله في كتابه: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ". آل عمران: 110.وفي حقائق التاريخ فان للامم شروط يجب ان تتحقق كي يمكن أن نطلق على هذه المجموعة البشرية لفظ (أمة)، والامة في الجنس البشري يختلف مفهومها عن الامم في الاجناس الاخرى، فهذه الامم يحكمها الجنس والنوع وفقاً لموقعها في عالم الحيوان، والحق سبحانه يقول: " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون ". الانعام:38ومن هنا نلاحظ أن في غير الجنس البشري يتشكل مفهوم الامة تبعا للجنس والنوع، ولهذا يمكن ان نطلق على كل عائلة النمل لفظ أمة النمل وعلى الطيور لفظ أمة الطيور، والاسماك وغيرها وهكذا.غيرأن هذا المفهوم لا يتحقق في تفسير معنى الامة بالموقف الاسلامي إذ أن أمة المسلمين لا تتحدد بالاصل والعرق وشروط الزمان والمكان وإن توفرت هذه، فالفكر الاسلامي يضع شروطا ومعايير تتفق والعقيدة الاسلامية لتحديد مفهوم الامة. فالمدينة المنورة كانت مسكونة بقبائل عدة لم يكن يعرف عنها مفهوم الامة قبل الاسلام ولما جاء الاسلام وتوطن فيها وصارت له أصول وقواعد وأرض وقيادة وتاريخ وعقيدة وشريعة وقوانين صار المسلمون أمة. شروط الامة الاسلامية:يحتل الجانب الاخلاقي والادبي والتربوي مكانة واسعة في الفكر الاسلامي في الجوانب التاريخية والعقائدية والتشريعية على السواء، وهو يمثل إمتداداً للطروحات الاخلاقية والتربوية التي جائت بها الرسالات السماوية، فالتعاليم التربوية تتجذر في عملية تكوين الامة وتنشئتها جيلاً بعد جيل، ولايمكن للامة أن تحقق صيرورتها دون ان تعي قيمة الجانب الاخلاقي فيها.من هنا كانت قضية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، في قوله: " تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ". غير ان مفهوم الأمر والنهي وفق الرؤية الفكرية للاسلام لايتحقق هو ذاته إلا بشروط، ومن أهم هذه الشروط الايمان بالله، ولهاذ فان اي دعوة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ستكون بلا قيمة ما لم تكن صادرة عن عقل يؤمن بالله، والايمان بحد ذاته يتجاوز مفهوم الاسلام، لانه يعني كمال الاسلام نفسه، ولهاذ فلكل أمة من الديانات السابقة مؤمنوها وهم مؤمنون حقاً. فالذين آمنو بنوح (ع) مؤمنون، والذين إتبعوا إبراهيم (ع) مؤمنون، وكذك أتباع أسباط موسى (ع) وحواريي عيسى بن مريم (ع).ولعلنا سنفهم من هذا المعنى أن الايمان قاعدة أساسية لتحقيق قضية الامر والنهي، ولا يجوز لاي كان ان يتبنى هذه الفكرى إلا عن وعي وإيمان كامل بمعاني الشريعة والعقيدة وتطبيقاتها، وهذا لا يتحقق ولن يتحقق في العصر الحاضر لان شروط الإيمان الحقيقي لم تتوفر في اي واحد منا. مما يعني اننا يجب ان نأخذ بابسط الامور وان لا نتشدد ونجعل الشريعة قيداً في رقاب الناس. فالذي يطالب باقامة الحدود عليه ان يوفر مجتمعا اسلامياً غنياً وثرياً وقوياً يحمل صفات أخلاقية وتربوية عالية قبل أن يطالب الافراد بالخضوع لمعايير الشريعة.فمن يعرفون بجماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجزيرة العربية مثلاً لا يحملون أية قيمة تشريعية لانم يفتقرون للاصالة في الجانب الايماني كما يظهر من فتاوى شيوخهم، ولا في الجانب الأخلاقي كما يبدو من سلوكهم الظاهر بين المجتمع، كما لم يظهر لنا تاريخياً اي دليل عقلي يثبت تحقق الدولة الاسلامية هناك، وهذه ايضاً لم تتحقق في إيران ولا في أي مكان في بقاع الارض من التاريخ الحديث والمعاصر، ولا من التواريخ السابقة لمراحل حركة الاسلام، إلا في مرحلة الرسالة (عصر الرسالة) وبعدها بحدود ضيقة ايضاً.من هنا ندرك ان معايير الزمان والمكان لا تكفي وحدها لتكون قياساً واقعياً وحقيقياً لتشكل الامة وبنائها، ولكن للامر تعلق بالجانب الفكري والاخلاقي والمبدئي ووعي الافراد والمجتمع .القيمة الواقعية للامة:يكمن المبدأ الاساس في قيمة أي امة هو في قدرتها على تحقيق صيرورتها وغائية وجودها، فالامم غير البشرية تتحقق صيرورتها بالاستمرار بالتناسل والتكاثر، وهو مبدأ أساس في إستمرار نوع اي من الحيوانات في مملكة الحيوان ككل. فبقاء الحيوان على قيد الحياة منوط بشروط العيش والتناسل وشروط الزمان والمكان، ولا تدخل في هذه الشروط القواعد الاخلاقية والنفسية والفكرية لان الحيوان غير ملزم ولا مكلف ولا تقع عليه الحجة. حتى وان بدت في بعض افعاله وسلوكه حالات نقول عنها أنها إنسانية مقارنة بسلوكنا نحن البشر.والامة الاسلامية ككل الامم تتبع تاريخا تراكمياً من المعرفة، فالإسلام يعترف بالانسان كذات واعية ومسؤولة في تنامي حركة التاريخ لان عملية التغيير يقع جانب كبير منها على عاتق الانسان نفسه كما فوي قوله: " أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". الرعد: 11. على الرغم من الضعف التكوين للانسان نفسه. والتغيير في الفكر الاسلامي يختلف عنه في الفلسفات المادية التي تقول بان التغيير يتبع وسائل الانتاج. فالنظرية الاسلامية تتبع منظومة أخلاقية في العلاقة بين الانسان والخالق بإعتبار ان الموقف الاخلاقي ينعكس على المنهج العملي في عملية الحدث التاريخي.يفترض بالامة الاسلامية ان تكون واعية تاريخياً وإن يستمر هذا الوعي حتى في مراحل ضعفها وتراجعها عن تحقيق غائيتها. غير ان ذهنية الكثير مِن مَن هم يدعون أنفسهم قيادات الامة تخالف هذا الاتجاه. فالاسلام ليس دولة قومية ولكنه منظومة شمولية تتسع للعرق والشكل واللون ولا تتقيد بعناصر الزمان والمكان. فالقيمة الواقعية للامة تكمن في الوعي بصيرورتها وقدرتها على التغيير والاستمرار، وهذا الوعي والقدرة محكوم ليس فقط بالرغبة في الفعل ولكن في قدرة الامة على التحمل وصناعة شروط جديدة للتقدم.لا شك ان العديد من المؤرخين والكتاب وضعوا دراسات عن الامة لكن معظمها جاء في جانب الدفاع عنها وتمجيد تاريخها دون الاهتمام الكافي بقيمة الجانب العقلي والاحساس الواعي بها، فالموقف النقدي مهم في معرفة إشكاليتها وتجاوز مراحل النكوص.

الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيdr-albayati50@hotmail.co.ukالمملكة المتحدة - لندنالخامس من شباط 2014م

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك