نبيـل الكرخي
حسن العلوي ودعوى التشفي المزعومة:
ثم ادعى حسن العلوي إدعاءاً عجيباً آخر حين قال بان السيد اليزدي (قده) كان يمتلك مشاعر تشفي واضحة تجاه الثوار من خلال عدد من المواقف (فقد رفض ان يتشفع عند الانكليز للشيخ محمد جواد الجزائري فتم إعتقاله على مرأى ومسمع منه)[102] ، فأما موضوع رفض التشفع للشيخ الجزائري من قبل السيد اليزدي (قده) فمكذوب وليس له نصيب من الصحة. وقد رأينا كيف كان الانكليز مصرين على إعتقال جميع المطلوبين ولم يقبلوا بأي وساطة. فلماذا هذا التجني على السيد اليزدي (قده) ؟! ثم أنه قد ثبت أن السيد اليزدي (قده) قد تشفّع عند الانكليز للسيد محمد علي بحر العلوم فأنقذه من الاعدام بعد أن ضغط على الانكليز ليحولوا الحكم عليه الى النفي[103]. وكذلك كان السيد اليزدي (قده) قد تشفع أيضاً للسيد احمد بن الشيخ الآخوند الخراساني (قده) الذي قبض عليه الانكليز أثناء محاولته إجتياز الحصار خلال الاحداث فأنقذه من الاعدام[104]. وفضلاً عن ذلك كله فلا يوجد ربط منطقي بين دعوى التشفي وبين رفض التشفع ! وبصورة عامة فإنَّه قد يكون لرفض التشفع ـ على فرض ثبوته ـ أسباب اخرى منها معرفته بعدم جدواه. مع أن إتهام السيد اليزدي (قده) بأنه رفض التشفع للشيخ الجزائري هو محض كذب وإفتراء.
إفلاس حسن العلوي يدفعه لتبني تهم سخيفة:
وذكر حسن العلوي إفتراءات أخرى لا نجد لها أهمية جدية من قبيل التهمة السخيفة بأنَّ السيد اليزدي (قده) رفض إصدار فتوى تمنع قتل (11) شخص مقابل شخص واحد لكي يحفظ دماء الثوار الـ (11) المحكومين بالاعدام بتهمة قتل مارشال ، وكأنما الانكليز كانوا مقلدين للسيد اليزدي (قده) ويأتمرون بأوامره !! وقد رأينا كيف أن الانكليز قد رفضوا كل البرقيات التي ارسلها السيد اليزدي (قده) اليهم للعفو عن الثوار أثناء إندلاع الاحداث. وقد أشار كامل سلمان الجبوري الى أن رفض السيد اليزدي (قده) لإصدار الفتوى المذكورة هو إشاعة ظهرت في حينها[105] ! فجاء هؤلاء وحولّوا الاشاعة الى حقيقة يتداولونها طعناً بالمرجعيـات الدينيـة الشيعيـة.
اسطورة الاحتفال يوم إعدام الثوار:
ثم عمد حسن العلوي بعد اعتماده على الاشاعات الى إعتماده على "احتمالات" ليس عليها دليل فيقول : (ومن المحتمل أن الاحتفال الذي اقيم في مساء يوم الاعدام (الثلاثين من مايو 1918) في النجف الاشرف وحضره علماء ووجهاء بارزون تكريماً لبلفور الذي أشرف شخصياً على الاعدامات إنما كانت بتدبير اليزدي نفسه وقد اناب عنه احد مساعديه لحضوره)[106]. غير أن حسن العلوي لم يذكر مصدراً لهذا الافتراء الجديد ، وإلا فمن أين علم أن هناك إحتفالاً قد اقيم لبلفور ومن أين علم أن أحد مساعدي السيد اليزدي (قده) قد حضره ؟! ولماذا تعمد إغفال ذكر المصدر ؟!!
وقد حاولنا تتبع قضية الاحتفال هذه فوجدنا كامل سلمان الجبوري يعتمد على جريدة العرب ، الصادرة في 8 حزيران 1918م في ذكره قصة هذه الحفلة الترحيبية بولسن وبلفور وضباط إنكليز آخرين ! وقد وردت الاسماء التالية في قصة صحيفة العرب ممن حضروا الحفل ورحبوا ببلفور من أهالي النجف :
ـ السيد عباس كليدار الروضة الحيدرية ، صاحب البيت الذي أقيمت فيه الحفلة ! ـ السيد هادي نقيب الاشراف. ـ الشيخ أغا محمود الهندي. ـ الشيخ محمد جواد صاحب الجواهر. ـ الحاج محسن شلاش. ـ السيد مهدي السيد سلمان. ـ السيد محسن أبو طبيخ. ـ الشيخ علوان الحاج سعدون. ـ الشيخ عبادي. هؤلاء التسعة هم الابطال المزعومين لقصة الحفل الترحيبي ببلفور وولسن ! والشيخ عبادي يبدو أنه الشيخ عبادي الحسين من شيوخ آل فتلة بالمهناوية[107]. علماً بأن جريدة العرب هذه هي جريدة تابعة لقوات الاحتلال البريطاني وقد صدرت في بغداد سنة 1917م بعد الاحتلال البريطاني وهي معبرة عن السياسة البريطانية[108] ، ولذلك فمن الصعب الوثوق بما تورده هذه الجريدة بدون تأكيد معلوماتها من مصادر محايدة وموثوقة. ولأن قصة الحفلة المذكورة غير موثوقة وغير قابلة للتصديق وفق الاجواء التي رويت فيها ، نجد كامل سلمان الجبوري يشكك فيها بقوله : (أما الحفلة فإنها إنْ كانت واقعة فعلاً فلا بد وأنها كانت من السرية بحيث لم يشعر بها أحد)[109] !! فأي سرية يمكن ان تصمد امام حضور أكثر من (50) شخص[110] يفترض بأنهم من كبار العلماء ورؤساء العشائر والوجهاء في النجف ، فضلاً عن حضور كبار القيادات البريطانية العسكرية وهم :
ـ الكابتن ولسن نائب الحاكم العام. ـ الكابتن بلفور حاكم الشامية. ـ الكابتن بروثورو حاكم أبي صخير. ـ الكابتن كرين هاوس حاكم النجف. ـ الكابتن فيشر حاكم الكوفة. ـ قائد جنود النجف. ـ جميع موظفي الحكومة الملكيين من جميع أنحاء قضاء الشامية[111]. وبكل تأكيد فقد حضر مع هؤلاء المدعويين حراساتهم المكثفة مع الانتشار لجنود الجيش البريطاني في طرقات المدينة لغرض حمايتهم ، فكيف يمكن أن يكون الاجتماع سرياً !! إنَّ إدعاء وجود هذا الاجتماع على هذا المستوى من الحضور هو إدعاء غير ناهض ولا يمكن تصوره ، فإن افترضنا أن الاحتفال كان علنياً فلماذا لم يذكره أحد من المعاصرين لتلك الفترة عدا الشيخ محمد رضا الشبيبي الذي ذكر وجود إحتفالين بدلاً من إحتفال واحد !؟ وإذا كان سرياً فقد رأينا إستحالة سريّته.
ومن الملاحظ أن أن الاسماء التي ذكرها كامل سلمان الجبوري لشخصيات الحاضرين لهذا الاحتفال المزعوم من العلماء والوجهاء ورؤساء العشائر لم يذكر لها مصدراً يعتمد عليه في النقل[112] ! ثم يعود مرة أخرى في نفس كتابه فيذكر الاسماء تحت عنوان (من انباء الانكليز) ودون أن يذكر لها اي مصدر أيضاً[113] !
أما محمد رضا الشبيبي فيذكر في مذكراته أن هناك إحتفالين قد حصلا في النجف بدلاً من إحتفال واحد !! الاول عقد يوم 19 شعبان 1336 هـ = 30 آيار 1918م ، والثاني عقد يوم 30 شعبان 1336هـ = 10 حزيران 1918م[114] ! وهو الامر الذي تفرد به وحده من دون الجميع !! فذكر أن الاحتفال الاول كان تكريماً لبلفور ! والتفاصيل التي ذكرها عنه مقاربة للتفاصيل التي نشرتها جريدة العرب غير انه لم يذكر أي أسم من أسماء الحاضرين من العلماء أو التجار أو أهالي النجف عدا أسم الحاج عبد المحسن شلاش ! والاحتفال الثاني كان تكريماً للقائد العام البريطاني ، وكذلك خلت قصة هذا الاحتفال من أي ذكر لأي اسم ! ومن الملاحظ أن الشيخ محمد رضا الشبيبي قد وصف الاحتفالين وذكر من التفاصيل الدقيقة فيهما وكأنه كان احد الحاضرين فيهما ! فهل حقاً قد حضر هذين الاحتفالين ؟! ولماذا لم يرد أسمه ضمن الاسماء التي ذكرتها جريدة العرب المذكورة آنفاً ؟!
وأما الدكتور علي الوردي فقد قال عن الحفلة ما نصّه : (وقد ذكرت الجريدة أسماء الذين حضروا الحفلة ، وهم كثيرون لا يسع المجال هنا لذكرهم ، ومما يلفت النظر أن من بين الذين ذكرتهم الجريدة بعض كبار الملائية الذين نستبعد حضورهم في مثل تلك الحفلة ، كالشيخ عبد الكريم الجزائري والسيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، والسيد عبد الرزاق الحلو ، وقد سألت أحد المطلعين من أهل النجف عن ذلك ، فأجاب : بأن من الممكن أن يحضر الحفلة علماء (الحفيز) أو بعض صغار الملائية أما هؤلاء فمن رابع المستحيلات حضورهم)[115].
وقد نقل الدكتور علي الوردي قصة الاحتفال عن مذكرات الشيخ محمد رضا الشبيبي[116] ولكنه لم يشر الى أنَّ المذكرات المذكورة تذكر إحتفالين وليس إحتفالاً واحداً ، مما يعني أن الدكتور الوردي قد رأى أن تفرد مذكرات الشبيبي بذكر إحتفالين دون الآخرين الذين ذكروا إحتفالاً واحداً يضعف من أهمية هذا الاحتفال ويعطي إنطباعاً الى أنه كان إحتفاءاً وليس إحتفالاً كما بيّنا آنفاً ، مع أن الدكتور الوردي لم يشر لذلك !
وعلى اي حال فلنفترض انَّ هناك إحتفالاً قد جرى تكريماً لبلفور في نفس يوم إعدام الثوار ، فلماذا يلوم حسن العلوي السيد اليزدي (قده) مع أنه لم يحضر ولم يدعُ إليه ؟ وإنْ افترضنا أن أحد مساعديه قد حضر ذلك الاجتماع فما هو الدليل على أنه قد حضر كممثل للسيد اليزدي (قده) لا انه حضر بدافع شخصي بحت ؟ ثم اليس الاولى أن يلوم أهالي النجف الذين اقاموا الاحتفال وحضروه فعلاً بدلاً من لوم شخص لم يدعُ ولم يحضر ولم يساند ؟ ولماذا لم يتحدث حسن العلوي عن تخاذل القوميين وعدم مشاركتهم في التحرك الثوري للحاج نجم البقال[117] ، أليست عدم مشاركتهم تعني أن هناك أموراً خفية وحقائق مستورة لم تتم الاشارة إليها لو ذكرت لعرفنا أن المحتفين بالضباط الانكليز في يوم إعدام الثوار قد يكونون معذورين فيما فعلوه ؟! لماذا نجد ان تحرك الحاج نجم البقال بقي وحيداً في الساحة فلم تدعمه لا المرجعيات الدينية ولا الحركات الاسلامية ولا الحركات القومية ولا عشائر الفرات الاوسط ولا عموم اهالي النجف الاشرف ! ألا يعني ذلك لكم شيئاً ؟!
ألا يعني لكم شيئاً قول السيد هبة الدين الشهرستاني في مذكراته بعد ان تم إعدام الحاج نجم البقال وجماعته : (فدفنوهم حوالي قبر أبو كشكول ، واستراح العباد والبلاد من شرّهم وطاغيتهم (فما بكت عليهم السموات والارض))[118]!
وفي تقديري انه إن كان هناك شيء مما ذكروه فقد كان إحتفاء من قبل بعض النجفيين في إستقبال بعض القيادات الانكليزية ، ويبدو أنه كان إحتفاءاً حاراً ، ولا يتعدى لمستوى إحتفالية كما أدعى البعض !
علي البازركان ينكر وجود جمعية النهضة الاسلامية !
أنكر علي البازركان تعصباً منه ضد اهل النجف الاشرف أن تكون هناك جمعية اسلامية سرية في احداث ثورة النجف الاشرف ضد البريطانيين سنة 1918م ! فقال ما نصّه : (لم تكن في تلك الايام جمعية سريّة في العراق سوى جمعية الاتحاد والترقي والتي قامت بإعلان الحرب ضد الانجليز وانتهت الحرب بخيبة آمال الاتحاديين. فإذا توجد جمعية إسلامية سرية تتصل بالاتراك وتراسلهم للقيام بالثورة في البلد كما يقول الاستاذ الدجيلي ، فلماذا لم يطالب اعضاء تلك الجمعية بمناشير وتظهر الجمعية منطوق تلك المطالبة)[119].
ومشكلة علي البازركان هي في إنكار كل ما لا يعلمه ! وليته تحقق وتثبت من المطلعين على الاحداث وهم من أقرانه والمفترض أن له علاقات تعارف وصداقة مع معظمهم بحكم نشاطهم الجماعي في أثناء الثورة العراقية الكبرى سنة 1920م والاحداث التي سبقتها كما يدعي هو نفسه !
فكيف يدعي عدم وجود جمعيات سرية في العراق سوى جمعية الاتحاد والترقي ، فأين إذن ذهبت جمعية حرس الاستقلال[120]وجمعية الشبيبة[121]!
وكذلك فقد ذكر وجود هذه الجمعية الاسلامية السرية ـ التي أنكر علي البزركان وجودها ـ العديد ممن كتبوا وأرّخوا لأحداث العراق قبل ثورة العشرين الباسلة ، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :
عبد الرزاق الحسني[122]. د. علي الوردي[123]. الشيخ باقر آل محبوبة[124]. محمد علي كمال الدين[125]. جعفر الخليلي[126]. حسن الاسدي[127]. وغيرهم كثيرون...
مع مذكرات السيد محمد حسن القوجاني:
عند مطالعة مذكرات السيد محمد حسن القوجاني يكتشف القاريء لها كماً كبيراً من السذاجة التي كان يعيشها ويفكر فيها صاحب المذكرات المذكورة. ومن المؤسف ان نجد السيد المذكور يستعمل عبارات غير لا ئقة في مذكراته ، ويستخدم تعابير لا تليق بالمؤمنين الحسينيين ! وفيما يلي أبرز الملاحظات التي سجلناها عن مذكراته :
ـ إتهم القوجاني المجاهدين بالسرقة والنهب أثناء إنسحابهم من معركة الشعيبة ، رغم انه لم يحضر الواقعة أصلاً[128]. وقد علّق كامل سلمان الجبوري على كلام القوجاني بقوله : (على الرغم من ان المؤلف لم يشترك مع العشائر المجاهدة في قتالها ، قال أسوأ كلام يقال ضد أولئك المجاهدين الذين لم يبخلوا بالغالي والنفيس في سبيل مقاومة الاحتلال البريطاني. يقول النفيسي ص89 من كتابه (دور الشيعة) : "وكان بعض رجال القبائل يبيعون ما لديهم من متاع وأثاث ـ على ما هم عليه من الفقر ـ لكي يبتاعوا بثمنه سلاحاً إطاعة للفتوى التي اصدرها المجتهد الاكبر" ، وعن المجتهدين الشيعة الذين شاركوا مشاركة فعلية في القتال قال : "إن المجتهدين لم يتقاضوا أجراً أو مرتباً كي يحاربوا ، حتى أن الاتراك لم يقدموا لهم الاطعمة ، ولم يكن هناك من نظام للتعويض على الزوجات والعيال في حال الوفاة ، وعلى الرغم من هذا كله فإنهم استجابوا للدعوة الى الجهاد وحاربوا وماتوا في ساحة المعركة")[129].
ـ وصف القوجاني الشيخ خزعل بكلام غير لائق فقال : (أما خزعل عديم الغيرة وعميل الانكليز فقد اطلق الرصاص على الجنود العثمانيين الذين حاولوا عبور شط العرب بواسطة الزوارق متجهين الى إيران ، بحجة انه لم يؤذن له بإعطائهم طريقاً للدخول الى إيران)[130]. وفضلاً عن انَّ وصفه المذكور للشيخ خزعل فيه مخالفات شرعية منها حرمة إهانة المؤمن ، فقد تعامل القوجاني مع الموضوع بسذاجة ، فالشيخ خزعل لم يكن يحمل السلاح ويحمي حدود إمارته بل كان هناك جنود مخصصون لحماية الحدود ، ويبدو انهم تفاجئوا بعبور العثمانيين اليهم فأطلقوا النار لأنه لم يكن مسموحاً لأحد ان يعبر حدود بلد آخر بدون رخصة وموافقة مسبقة.
ـ يذكر معلومات مغلوطة بل عجيبة ايضاً فقال وهو يتحدث عن وفاة الجنرال البريطاني مود : (إلا ان الانكليز دفنوا الجثة النجسة لقائدهم هذا حسب المراسم الاسلامية ، واقاموا له ضريحاً أمام مرقد المعظم للامام موسى بن جعفر. كما بنوا له مزاراً كي يحرقوا قلوب المسلمين من سنّة وشيعة بل ليقتل الهم علمائهم ويموتوا كمداً)[131]. فمن العجيب والغريب أيضاً أن يتحدث عن إقامة الانكليز لمراسيم إسلامية لدفن مود ! ومن المعروف أن الجنرال مود دفن في المقبرة الإنكليزية خارج باب المعظم في الموضع الذي يسمى ( الكرنتينة) وما زالت المقبرة في محلها لحد الآن[132]. وهي منطقة بعيدة عن مرقد الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) حيث ان المرقد الشريف يقع في جانب الكرخ بينما المقبرة الانكليزية تقع في باب المعظم في الرصافة. كما إنَّه لم يكن هناك اي مزار لمود كما ادعى القوجاني !
ـ ومن شدّة السذاجة وإلتباس الامور على القوجاني انه ذكر في مذكراته عبارات مدح لمعاوية وغيره من اعداء آل البيت (عليهم السلام)[133] !!
ـ وهناك اخطاء تأريخية أخرى في مذكراته ، فقد ذكر أنَّ الذين هجموا على مقر الحاكم البريطاني مارشال وقتلوه هم فقط اربعة أشخاص[134] ، والصحيح أنَّ الذين اجتمعوا وقرروا الهجوم هم (27) شخص ، ولكن تردد بعضهم لأسباب مختلفة ، ولكن الاكثرية منهم حضرت ونفذت الهجوم[135] ، وأسماء من شارك أكيداً في الهجوم هي:
ـ الحاج نجم البقال. ـ مجيد دعيبل. ـ محسن أبو غنيم. ـ حسين كنو ، (توفي في الهجوم). ـ عودة الشكري. ـ حميد حبيبان. ـ حبيب ، صانع السيد منصور الرفيعي. ـ عبد الحمامي. ـ صادق الاديب (جرح في الهجوم وتوفي بعد 3 ايام). ـ السيد مهدي السيد حمادي. ـ كريم الطيّار النداف[136]. ـ خطأ تاريخي آخر وهو أن السيد القوجاني ادعى بأن جميع الغرباء والزوار قد خرجوا من النجف الاشرف بعد مقتل مارشال وقبل بدأ الحصار ، فقال : (عندما بلغ هذا الخبر بلفور أغلق على الفور المدينة من الجهة التي تليه وزعق طالباً أن يخرج الزوار قبل غروب ذلك اليوم من الباب القريبة من البحر ، وأن لا يبقى أحد منهم وإلا قتل. غادر جميع الزوار من نساء ورجال المدينة قبل حلول الغروب)[137]. بينما السيد هبة الدين الشهرستاني (رحمه الله) يذكر في مذكراته أن عدة آلاف من الزوار خرجوا ولكن بقي منهم جمهور لم يرضوا بالخروج[138]. كما ان الشيخ محمد رضا الشبيبي كتب في مذكراته أنَّه في يوم 10 نيسان / أبريل 1918م رفع الغرباء والزوار رفوعهم الى الانكليز يطلبون منهم الخروج من المدينة[139]، مما يعني بقائهم في داخلها طيلة أحداث الحصار بعد مقتل مارشال.
ـ ثم ذكر القوجاني فرية اخرى وهي أن السيد اليزدي (قده) اراد الرحيل عن النجف لينجو بنفسه !! وأن القوجاني قابله وتحدث اليه وبين له خطأ رحيله عن النجف وأن ذلك يخالف واجبه الشرعي !؟ ونحن نعرف ـ كما في مذكرات الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) أيضاً ـ أن السيد اليزدي (قده) لم يفكر أصلاً بالخروج من النجف الاشرف ، وحينما طلب الانكليز منه ذلك رفض[140]. ومن السخافة الادعاء بان القوجاني هو الذي ذكّر السيد اليزدي (قده) بواجبه الشرعي !!؟
حميد حبيبان بين السذاجة والاستغباء الذاتي:أتهم حميد حبيبان في مذكراته أن السيد اليزدي (قده) قد افتى الانكليز بإعدام الثوار وتسفير الآخرين ، وأنهم أعدموهم بالاستناد الى الفتوى المزعومة[141] !؟ وقد رأينا كيف أنَّ السيد اليزدي (قده) كان يحاول الحصول على العفو عن الثوار وإنقاذهم من الورطة التي اوقعوا انفسهم بها ، فأرسل برقيتين للقائد العام البريطاني من أجل ذلك ، وأنَّه بذل جهده من أجل إنقاذ الثوار من الاعدام لكن الانكليز لم يستجيبوا له[142].
والادعاء بأن الانكليز كانوا بحاجة لفتوى من السيد اليزدي (قده) لإعدام الثوار ! هذا الادعاء بحاجة لأن يستغبي الانسان نفسه بدرجة عالية لكي يصدقه ويتداوله مع الآخرين فضلاً عن أن يكتبه في مذكراته !
محمد رضل الشبيبي يتحامل على السيد اليزدي (قده):
الشيخ محمد رضا الشبيبي هو شخصية لها دورها في الحكم الملكي وأحداث ما قبل ثورة العشرين ، وفي العهد الملكي الجائر أصبح عضواً في مجلس النواب ثمانية مرات من اصل ستة عشر دورة[143] ، ثم رئيساً للمجلس المذكور في العهد الملكي[144] ! وكذلك أصبح وزيراً للمعارف خمس مرّات[145] !
كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي في مذكراته وبدا واضحاً تعصبه الشديد ضد السيد اليزدي (قده) ويبدو ان ذلك نتيجة استغراقه في الخلاف بين المؤيدين للمشروطة والرافضين لها ، حيث كان السيد اليزدي (قده) كما هو معلوم من الرافضين لها ، ويبدو ان الشيخ محمد رضا الشبيبي قد تأثر بأستاذه الآخوند الخاساني (قده) الذي كان من أبرز المؤيدين لها. فنلاحظ في مذكراته تحاملاً على السيد اليزدي (قده) واستعماله كلمات غير لائقه بإعتباره إنسان حوزوي ، مثل عبارات :"بطانة اليزدي" و"أعوان اليزدي" ، كما نجد ان الشيخ محمد رضا الشبيبي كان سيء الاستيعاب لبعض الامور مثل قوله : (إن الانكليز منذ احتلوا بغداد أخذوا يبالغون في العناية باليزدي وكلما زار احد منهم النجف اظهر أن من أعظم مهماته لقاء السيد كاظم ، فيزورونه في داره)[146]، فهو لم يستوعب أن القوة الاكثر عداءاً للانكليز هم المرجعية الدينية في النجف الاشرف. والانكليز يعلمون ذلك ولذلك كانوا حريصين على خطب ود المرجعية وعدم إغضابها ، لا سيما وهم لم يكونوا قد اكملوا إحتلال العراق في ذلك الوقت ، وقد رأوا دور المرجعية الدينية النجفية في إثارة القبائل ضدهم في فتاوى العلماء بالجهاد ضدهم ودعمهم للعثمانيين المضطهدين لهم أصلاً. ويعترف الشيخ محمد رضا الشبيبي أن الاحترام البالغ من قبل الانكليز للسيد اليزدي (قده) قد ساعده في قضاء حوائج العديد من المؤمنين من هذه الدولة المحتلة الظالمة[147].
ثم نجد ان الشيخ محمد رضا الشبيبي بدافع الحقد والحسد يذكر البرقية الثانية التي بعثها السيد اليزدي (قده) الى القائد العام البريطاني ويذكر تذييلها من قبل السيد اليزدي بقوله : (نعم الصلاح بالاصلاح) فيعلق الشبيبي على هذه العبارة بقوله : (وقد وقّع في من وقّع من العلماء السيد اليزدي ، وجرى على عادته في عدم مشاركة الجمهور ومخالفة السواد الاعظم وحب الامتياز والانفراد والهروب عن التصريح بالجمل المجملة التي تحتمل التأويل ، فكتب قبل أن يختم في البرقية هذه الجملة ـ نعم الصلاح بالاصلاح ـ وختم تحتها وكأنه يريد أن يقول : إنّه غير مسؤول إلا عن هذه الكلمة التي يحتمل فيها التأويل)[148]. وقد نقل حسن العلوي هذا القول عن محمد رضا الشبيبي بعد أن وجد فيه غايته في الطعن بالسيد اليزدي والمرجعية الدينية على لسان احد المعممين[149] !
والذي نراه أنَّ رأي الشيخ الشبيبي المذكور فيه حق وباطل ، فالحق الذي نعتقده فيه هو أنَّ السيد اليزدي (قده) أراد أن يوحي للقائد البريطاني بأنه غير مسؤول إلا عن العبارة التي ذكرها وهي طلب الصلاح بالاصلاح أي العفو عن الثوار ، ولكن الخطأ الذي وقع فيه الشبيبي هو قوله بأن العبارة تحتمل التاويل ! والعبارة واضحة في سياق ما كتب في نص البرقية ، كما أن الشبيبي نفسه قد ذكر في مذكراته نفسها البرقية الاولى التي كتبها السيد اليزدي (قده) للقائد العام وقد ذيلها أيضاً بقوله : ( حسب الظاهر إن إطفاء هذه الغائلة عن هذا البلد المقدس موقوف على العفو العمومي وفيه المصلحة) وهي عبارة واضحة تطالب بالعفو عن الثوار ، وهي ما لا يمكن التشكيك بصراحتها وتكشف عن أن السيد اليزدي (قده) لم يكن يتكلم في أيٍ من رسائله بالتاويل بدل التصريح وهو غير محتاج للتأويل في ذلك الموضع ، ولو أراد الامتناع عن طلب العفو عن الثوار لأمتنع بدون ان يمكن لأحد ان يعارضه أو يعاتبه لا سيما وقد ذكرنا سابقاً بأن الرأي العام النجفي ومختلف الشرائح والاتجاهات الاسلامية والقومية والعشائرية كانت قد تخلت عن الثوار والثورة منذ بدايتها. فلم تكن هناك حاجة بالسيد اليزدي (قده) الى تلميح مزعوم بدلاً من التصريح المعلوم والمذكور أصلاً بعبارة بليغة في المطالبة بالعفو والاصلاح. لا سيما إذا عرفنا أنَّ مراجع وكبار علماء الشيعـة اعتادوا على إيجاز كلامهم بعبارة مقتضبة في أمثال هذه الامور[150].
والذي دفعنا بعد تدبر البرقية الى تقدير أن السيد اليزدي (قده) أراد أن يوحي للقائد البريطاني بأنه غير مسؤول إلا عن عبارته التي كتبها الى جانب توقيعه هو ما أراد السيد اليزدي (قده) من حفاظ على مكانة المرجعية الدينية العظيمة عبر تاريخها المشرّف وهي تستظل بمرقد نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) ، هذه المرجعية التي هي إمتداد لخط الامامة ، كان يجب ان تحافظ على مكانتها وهيبتها ، لا سيما وهي ذات تجربة قريبة في إذلال البريطانيين في إيران وإفشال مخططاتهم عبر ثورة التنباك الشهيرة التي أرغمت السلطان القاجاري على إلغاء إمتياز الشركات البريطانية في إحتكارها للتبغ الايراني ، هذه المرجعية الدينية العظيمة لا يمكن أن تحط من قيمتها وشأنها بأن تطلب العفو والرحمة من الدولة المحتلة على النحو المذكور في البرقية ، حيث استعملت تعابير لا يمكن للمرجعية العظيمة ان تتبناها ، مثل قولهم فيها : (وقد نشدنا لعدالتكم التي ذاع صيتها ولا حاجة فيها الى البرهان) ، وفي البرقية التي سبقتها نقرأ فيها : (مستغيثين بمراحم هذه الدولة وعدالتها مسترحمين رفع هذا السر والحصار ، ... وحاشا من عدالة هذه الدولة المعروفة بالرأفة والعدالة والقوة والسطوة أن تأخذ الابرياء بالاشقياء) ، فلذلك نجد ان السيد اليزدي (قده) قد عمد الى الايحاء لقاريء البرقية بأنه مسؤول فقط عن الكلام الذي ذيّل به البرقية لا غير ، حفاظاً على مكانة الحوزة العلمية والمرجعية الدينية وصيانة لحرمة المذهب من أن تهتك.
لقد كان الشيخ محمد رضا الشبيبي يخطيء في تقدير العديد من الامور ، فتارة يعارض مد خطوط السكة الحديدية في العراق بعد أن تم الاتفاق على ذلك بين العثمانيين والالمان ، فيقول في هذا الصدد :
مدوا الحديد وما اهتزت لمده سكك الحديد بأرضنا أصفاد طرق الحديد إذا التوت وتشابكت شرك به شرف العراق يصاد[151] ! وقد كان الشبيبي يدين بالولاء لجمعية الاتحاد والترقي التركية[152]. ثم أصبح من القياديين في الحزب النجفي السري[153]ذي الميول القومية ، ولم يتفاعل محمد رضا الشبيبي مع ثورة العشرين ولم يذكرها في شعره أصلاً ! ويفسر البعض ذلك بأنه كان خارج العراق وقت وقوعها[154] ، فمتى كان بعد المسافة يمنع الشعراء من الشعور والتفاعل مع الحدث !؟ ولماذا لم يذكرها حينما عاد الى العراق ! ولعل هذا هو السر الذي دفع النظام الملكي الى جعله وزيراً عدة مرات وعضواً في مجلس النواب ثماني مرات ثم رئيساً له !؟ حيث كان النظام الملكي الظالم يحارب كل ما يمت لثورة العشرين بصلة ، ويسعى جاهداً لطمس معالمها.
ويبدو ان هناك أمراً آخر وراء إمتناع الشيخ محمد رضا الشبيبي عن ذكر ثورة العشرين في شعره ، حيث أنه كان في بلاد الشام أيام إندلاع الثورة ، وقد كان القوميون العراقيون في بلاد الشام يحملون موقفاً سيئاً تجاه ثورة العشرين حيث نجد انَّ الضباط القوميين في جمعية العهد الذين يقيمون في الشام بعد فشل الثورة العربية تطوعوا بأمرة القوات البريطانية لمقاتلة الثوار في الفرات الاوسط ، فأوعزوا الى أحد أعضاء الجمعية وهو "ثابت عبد النور" للاتصال بوزارة الخارجية البريطانية عارضاً عليها :"أن جمعية العهد يمكن أن تقدم مساعدة قيمة للانكليز في تهدئة الاوضاع ما بين النهرين" ومع ذلك وبالرغم من اللحظات الدقيقة التي تمر بها السلطات البريطانية في العراق فقد رفضت هذا العرض ، وكان رأي ولسن وكيل الحاكم الملكي البريطاني في العراق "إن هؤلاء السادة ـ الضباط العراقيين ـ يرغبون في جذب إنتباه الحكومة البريطانية إلى انفسهم بأمل أن تؤدي تهدئة الوضع الراهن في الفرات الى حصولهم على مناصب جديدة في ظل الادارة العراقية ، وكان نوري السعيد قد كتب في الاول من أيلول / سبتمبر 1920م خلال الثورة أنه يضع نفسه للمرة الثانية تحت تصرف المندوب السامي[155]. فمن الطبيعي أن يتأثر الشيخ محمد رضا الشبيبي بآراء القوميين ومواقفهم من ثورة العشرين ! وكذلك تاثره بعائلة الشريف حسين بن علي امير مكة بعد ان تعرف عليهم حينما نقل إليهم مضابط اهل النجف التي تدعوهم للمطالبة بقضية استقلال العراق[156] ، فهذا التأثر المذكور بعائلة الشريف حسين قد ساهم في إبتعاده عن دعم ثورة العشرين وإسنادها ، لا سيما إذا عرفنا أن العائلة المذكورة وفي مقدمتها فيصل نفسه لم يساهموا ولا بكلمة من أجل إسناد ثورة العشرين ودعمها وتمجيدها ، وكيف يفعلون ذلك وهم أعوان الانكليز وحلفائهم والسائرين بأمرهم[157] ! فنرى محمد رضا الشبيبي بعد ذلك الى جانب فيصل الاول حين زيارته الاولى للنجف الاشرف بعد قدومه للعراق[158] ! ولذلك نجد الشيخ محمد رضا الشبيبي من الشيعـة القلائل المرضي عنهم من قبل البلاط الملكي في العراق لا سيما في دور تأسيس المملكة ، فأصبح وزيراً لخمس مرات وكالآتي :
1. تولى منصب وزير المعارف في وزارة ياسين الهاشمي الاولى بتاريخ 2 / 8 / 1924م[159].
2. وتولى منصب وزير المعارف في وزارة ياسين الهاشمي الثانية بتاريخ 17 / 3 / 1935م[160] ، وهي الوزارة التي أنقلب عليها بكر صدقي.
3. وتولى منصب وزير المعارف في وزارة جميل المدفعي بتاريخ 17 / 8 / 1937م[161] ، وهي الوزارة التي تشكلت بعد مقتل بكر صدقي.
4. وتولى منصب وزير المعارف في وزارة جميل المدفعي بتاريخ 3 / 6 / 1941م[162] ، وهي الوزارة التي تشكلت بعد فشل ثورة مايس 1941م.
5. وتولى منصب وزير المعارف في وزارة السيد محمد الصدر بتاريخ 29 / 1 / 1948م ، وهي الوزارة التي تشكلت بعد إنتفاضة كانون الثاني ضد معاهدة بورتسموث.
وكان الشيخ محمد رضا الشبيبي يحاول من خلال وزارته التخطيط لبناء المدارس حسب نسبة السكان[163]، مما يعني عملياً زيادة في عدد المدارس في المناطق الشيعيـة ، كما خطط لإرسال أبناء الشيعة الى البعثات[164]، مما دفع الطائفيين في الاجهزة الحكومية للتنبه والتيقظ لهذا الخطر الذي يهدد هيكلية الدولة الملكية الطائفية ، وشارك طه الهاشمي في الحملة الطائفية المذكورة فوصف إجراءات مجلس المعارف وإعتماد أسس ديمقراطية في توزيع التعليم بمثابة مرض أصاب المعارف ، إذ قال في مذكراته : (أخبرت اخي ياسين بصراحة بأن تبعة مرض المعارف تقع على عاتقه قبل كل شيء) ، فسارع رئيس الوزراء ياسين الهاشمي الى إتخاذ قرارات عاجلة للقضاء على ما سمي بمرض المعارف فشكل لجنة وصاية على الوزارة دون علم وزير المعارف محمد رضا الشبيبي الذي اعتبر ذلك تدخلاً من رئيس الوزراء قي شؤون وزارته وتحدياً وإهانة يقصد بها حمله على الاستقالة فقدم إستقالته التي قبلت فوراً ، وكان طه الهاشمي شقيق ياسين الهاشمي ورئيس أركان الجيش عضواً في هذه اللجنة التي أوصت في أول إجتماع لها تعيين طه الهاشمي مديراً للمعارف بالاضافة لوظيفته الاصلية في رئاسة أركان الجيش ، فألغى مديريات المعارف في الالوية وعاد الى النظام القديم في سياسة التمييز التربوي[165].
لقد حاول الشيخ محمد رضا الشبيبي بصورة منفردة تغيير نظام سياسي طائفي عتيد والتصدي له وإقرار سياسات تعيد التوازن الطبيعي بين اطياف المجتمع العراقي كافة ، لكن تحركه المنفرد كان ضعيفاً فلم يستطع مقاومة نظام طائفي طاغي وحده ففشل في ذلك ، ولقد فوّت على نفسه فرصة ذهبية بالاستقواء بالمرجعية الدينية لتحقيق مخططه العادل ، الامر الذي كان سيؤدي إنْ فعله الى نجاحه في الاعلان عن وجود مظلومية للشيعـة يجب أن تزول ومعادلة مائلة يجب أن يتم تعديلها. صحيح أن المرجعيات الدينية النجفية قد تعهدت بعدم التدخل بالسياسة كشرط لعودتها الى العراق سنة 1925م لكن هذا لا يعني أن تمتنع عن التحرك الاجتماعي لضمان الحقوق المدنية لأبناء الطائفة الشيعية في مؤسسات الدولة ، وهي طائفة تمثل غالبية أبناء الشعب العراقي ، ولم تكن المرجعيات الدينية تتوانى عن التدخل المذكور لو فسح لها المجال ، ولكن إبتعاد السياسيين الشيعة ـ رغم قلّة عددهم ـ عن الاستقواء بالمرجعيات الدينية والتنسيق معها ، فوّت فرص تاريخية عديدة لرفع الحيف عن غالبية أبناء الشعب العراق المظلوم.
ومن الملفت للنظر أن الشيخ محمد رضا الشبيبي قد وقف ضد المشروع الذي تبناه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) للقضاء على الطائفية السياسية للدولة[166] ! حيث إنَّ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) قد كتب ميثاقاً من (12) مادة وأرسله الى الملك غازي والى رئيس الوزراء ياسين الهاشمي في أواسط آذار / مارس 1935م وهو يتضمن برنامج إصلاحي عام لمواجهة مشكلة الاستبداد وقضية التمييز المذهبي وسلوك السلطة إزاء الاكثرية الشيعية[167]. وقد طلب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) الى الزعماء السياسيين الشيعـة في السلطة أن يستقيلوا من المجالس النيابية والكراسي المزيفة حتى تأتيهم النيابة الصحيحة بإنتخاب الشعب لهم لا بتعيين الحكومة[168]. ولكن الشيخ محمد رضا الشبيبي لم يستجب للمطالب الاصلاحية المذكورة[169].
الهوامش:
[102] الشيعة والدولة القومية ، حسن العلوي ـ ص93.
[103] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص179.
[104] المصدر السابق ـ ص180.
[105] النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ هامش ص171.
[106] الشيعة والدولة القومية ، حسن العلوي ـ ص93.
[107] النجف الاشرف والثورة العراقية الكبرى 1920 ، كامل سلمان الجبوري ـ ص89.
[108] الثورة العراقية الكبرى ، عبد الرزاق الحسني ـ ص51.
[109] النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص184.
[110] للاطلاع على أسمائهم أنظر: النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص181-183.
[111] المصدر السابق ـ ص179.
[112] راجع : النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص181-183، تجده يذكر الاسماء بدون مصدر !؟
[113] المصدر السابق ـ ص255-260.
[114] المصدر السابق ـ ص342 و343.
[115] لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، د. علي الوردي ـ ج5 ق2 ص259.
[116] المصدر السابق ـ ج5 ق2 ص256 و257.
[117] الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية الاستقلالية ، وميض عمر نظمي ـ ص346. انظر ايضاً هامش نفس الصفحة المذكورة.
[118] النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص430.
[119] الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية ، علي البزركان ـ ص269.
[120] الثورة العراقية الكبرى ، عبد الرزاق الحسني ـ ص102.
[121] المصدر السابق ـ ص105.
[122] المصدر السابق ـ ص102.
[123] لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، د. علي الوردي ـ ج5 ق2 ص214.
[124] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص144 ، نقلاً عن : ماضي النجف وحاضرها للشيخ باقر آل محبوبة.
[125] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص144 ، نقلاً عن : ثورة العشرين لمحمد علي كمال الدين.
[126] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص146 ، نقلاً عن : هكذا عرفتهم لجعفر الخليلي.
[127] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص146 ، نقلاً عن : ثورة النجف على الانكليز لحسن الاسدي.
[128] النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص373.
[129] المصدر السابق ـ هامش ص373.
[130] المصدر السابق ـ ص374.
[131] المصدر السابق ـ ص376.
[132] مقال بعنوان (من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914) بقلم أحمد الناجي في شبكة الانترنيت العالمية عبر الرابط: (http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=19716).
[133] النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص376.
[134] المصدر السابق ـ ص385.
[135] المصدر السابق ـ ص56.
[136] المصدر السابق ـ ص59-62.
[137] المصدر السابق ـ ص386.
[138] المصدر السابق ـ ص428.
[139] المصدر السابق ـ ص320.
[140] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص159. أيضاً: راجع مذكرات الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) المنشورة ضمن كتاب: النجف الاشرف وحركة الجهاد عام 1914م ، كامل سلمان الجبوري ـ ص390.
[141] النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص476 و477.
[142] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص180 و183.
[143] مقال في شبكة الانترنيت العالمية ، من خلال الرابط : http://www.alshirazi.com/compilations/memoranda/aeiam/part1/5.htm
[144] النجف الاشرف والثورة العراقية الكبرى 1920 ، كامل سلمان الجبوري ـ ص575.
[145] المصدر السابق ـ ص575.
[146] النجف الاشرف ومقتل الكابتن مارشال ، كامل سلمان الجبوري ـ ص288.
[147] المصدر السابق ـ ص288.
[148] المصدر السابق ـ ص306.
[149] الشيعة والدولة القومية ، حسن العلوي ـ ص92 و93.
[150] دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، سليم الحسني ـ ص168.
[151] ثورة 1920 في الشعر العراقي ، عبد الحسين المباركة ـ ص48.
[152] المصدر السابق ـ ص41.
[153] النجف الاشرف والثورة العراقية الكبرى 1920 ، كامل سلمان الجبوري ـ ص13.
[154] ثورة 1920 في الشعر العراقي ، عبد الحسين المباركة ـ ص111.
[155] الشيعة والدولة القومية ، حسن العلوي ـ ص127.
[156] الثورة العراقية الكبرى ، عبد الرزاق الحسني ـ ص161 و163.
[157] ومن الادلة على هذا أنه حين هاجم بعض الثوار بقيادة رمضان شلاش القوات البريطانية في دير الزور سنة 1919م لغرض الانضمام الى الحكومة العربية في دمشق بزعامة فيصل بن الحسين والتخلص من الحكم البريطاني ، نجد ان فيصل نفسه يستنكر هذا الامر ويعتبره اهانة موجهة ضد حليفته بريطانيا وضد مصلحة الامة العربية ، ثم ارسل برقية الى رئيس أركان حرب الامبراطورية البريطانية يتبرأ فيها من هذه الحركة. [ أنظر: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، د. علي الوردي ـ ج5 ق1 ص133 و134]. وقد حاول فيصل الاول بعد ان اعتلى عرش العراق أن يجمّل صورته فأدعى بأنه أرسل مبلغاً مالياً لدعم ثورة العشرين عن طريق بعض حاشيته ولكنه تحقق فيما بعد بأن المبلغ لم يصل الى الثوار!!؟ [ أنظر الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية ، علي البازركان ـ ص203].
[158] هكذا عرفتهم ، جعفر الخليلي ـ ج2 ص125.
[159] الصراع على السلطة في العراق الملكي ، نزار توفيق سلطان الحسو ـ ص162.
[160] المصدر السابق ـ ص173.
[161] المصدر السابق ـ ص174.
[162] المصدر السابق ـ ص180.
[163] الشيعة والدولة القومية ، حسن العلوي ـ ص290.
[164] المصدر السابق.
[165] المصدر السابق ـ ص290 و291.
[166] المصدر السابق ـ ص333.
[167] المصدر السابق ـ ص330.
[168] المصدر السابق.
[169] المصدر السابق ـ ص333.
https://telegram.me/buratha