عباس الكتبي
نكمل خبر "البراء بن عازب"من حيث وصلنا في الجزء السابق.
قال البراء:فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا،وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. وبلغ ذلك أبا بكر وعمر،فأرسلا إلى أبي عبيدة والى المغيرة بن شعبة، فسألاهما عن الرأي،فقال المغيرة: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذا الأمر نصيبا،ليقطعوا بذلك ناحية علي بن ابي طالب،[أقول: هذا معنى المؤامرة المدبرة والخديعة والمكر]،فانطلق ابو بكر وعمر وابو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله"ص"،فحمد ابو بكر الله وأثنى عليه،وقال:ان الله ابتعث لكم محمدا"ص"نبيا وللمؤمنين وليا،فمنّ الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى أختار له ما عنده، فخلّى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين، فأختاروني عليهم واليا،ولأمورهم راعيا فتوليت ذلك،وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب،وما أنفكّ يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع،فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس،أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا،ولمن بعدك من عقبك، اذ كنت عم رسول الله"ص"،وان كانوا المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله"ص"ومكان أهلك،ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم،وعلى رسلكم بني هاشم، فأن رسول الله"ص"منا ومنكم،فتكلم العباس،فحمد الله وأثنى عليه،ثم قال: إن الله ابتعث محمدا نبيا-كما وصفت- ووليا للمؤمنين،فمنّ الله به على أمته حتى أختار له ما عنده،فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق،مائلين عن زيغ الهوى.
"هذا الكلام من العباس،من باب المماشاة،أي على فرض أن النبي"ص" خلى الناس ليختاروا لأنفسهم".
فإن كنت برسول الله طلبتَ،فحقنا أخذت،وإن كنت بالمؤمنين،فنحن منهم، ما تقدمنا في أمركم فرطا،ولا حللنا وسطا،ولا نزحنا شَحطَا،فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين،فما وجب إذ كنا كارهين،وما أبعد قولك:إنهم طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك! وأما ما بذلت لنا،فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك،وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه،وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض،وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان.
وأما قولك:إن رسول الله"ص"منا ومنكم،فإن رسول الله"ص"من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها،وأما قولك يا عمر:إنك تخاف الناس علينا،فهذا الذي قدمتموه أول ذلك،وبالله المستعان.
ويحدثنا ابن قتيبة في كتابه"الإمامة والسياسة":١٢ ط مطبعة الأمة بمصر، فيقول:ثم ان عليا كرم الله وجه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول:أنا عبدالله وأخو رسول الله"ص"فقيل له:بايع أبا بكر. فقال:أنا أحق بهذا الأمر منكم،لا أبايعكم،وأنتم أولى بالبيعة لي،أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي"ص"،وتأخذونه منا أهل البيت غصبا. ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم،فأعطوكم المقادة،وسلموا إليكم الامارة،فإذا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار،نحن أولى برسول "ص"حيا وميتا،فأنصفونا إن كنتم تؤمنون! وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون! فقال له عمر:انك لست متروكا حتى تبايع. فقال له علي:احلب حلبا لك شطره،وشدّ له اليوم يردده عليك غدا.
ثم قال:والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال له ابو بكر:فإن لم تبايع فلا أكرهك. فقال علي كرم الله وجهه:الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرحوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم،وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه،فوالله يا معشر المهاجرين! لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله،الفقيه في دين الله،العالم بسنن رسول الله"ص"المتطلّع لأمر الرعية،الدافع عنهم الأمور السيئة،القاسم بينهم بالسوية،والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا.
قال بشير بن سعد الأنصاري:لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما أختلفت عليك).
عن كتاب"ليالي بيشاور"ص٣٥٢،عن شرح نهج البلاغة"٢٦/٢"،قال ابن ابي الحديد:فأما حديث الفلتة،فقد سبق من عمر أن قال:بيعة ابي بكر كانت فلتة وقى الله شرها،فمن عاد الى مثلها فاقتلوه! ثم نقل معنى"الفلتة" في صفحة٣٦و٣٧ فقال:ذكر صاحب الصحاح أن الفلتة الأمر الذي يعمل فجأة من غير تردد ولا تدبر.
ابو بكر عبر عن بيعته انها فلتة قبل عمر،روى ذلك ابن ابي الحديد في شرحه"٤٧/٦"عن عمر بن شبّة..ثم قام ابو بكر،فخطب الناس،فأعتذر إليهم، وقال:إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها.
كما ان قول عمر"إن بيعة ابي بكر…" نقلها البخاري في صحيحه:"ج٤ص١٢٧".