( بقلم : منشد مطلق المنشداوي / ماجستير آثار )
كثيرا ما كنا نقرأ لرجالات إسلامية أن الاختلافات الفقهية طبيعية ومتوفرة بين جميع المذاهب الإسلامية ، ولو رجعت لكتاب ( الفقه على المذاهب الخمسة للعلامة محمد جواد مغنية ) وكذلك ( الفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم ) فجاء فيه إن كل ما عند الشيعة مؤيد في بطون وروايات المذاهب الإسلامية الأخرى ، فلا تكاد تجد حديثاً أو حكماً فقهياً أو رؤية شيعية محددة إلا ولها ما يعاضدها عند غير المذهب الجعفري . ووردة في النص التالي الموثق للعلامة أسد حيدر في كتابه ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ) [.... أن المذاهب الأربعة نخبها تعرف أن أئمة مذاهبهم هم تلامذة الإمام الصادق( ع ) أما بالمباشرة كمالك بن انس المتوفى ( سنة 179هـ)، رئيس المذهب المنسوب إليه فقد كانت له صلة تامة بالإمام الصادق( ع ) وروى الحديث عنه واشتهر قوله : ما رأت عين أفضل من جعفر بن محمد . وكذا فيما روي في التهذيب للصدوق ، والمجالس السنية للامين ، والتوسل والوسيلة لابن تيمية . مما قاله مالك عن الإمام(ع): ( جعفر بن محمد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال ، إما مصلِّ، وإما صائم وإما يقرأ القرآن ، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً ) . وهذا الأمر ينسحب في التلمذة إلى أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة ( 150هـ ) ، صاحب المذهب المنسوب إليه وقد اشتهر قوله : ما رأيت اعلم من جعفر بن محمد ، وقوله : لولا السنتان لهلك النعمان وكانت له مع الإمام الصادق اتصالات متفرقة بالمدينة والكوفة ، وقد لازمته مدّة سنتين متواصلتين بالمدينة . لذلك بفصيح لسانه يوقف نجاته على تلك السنتين ( 1 ) . وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ، قوله : ما رأيت افقه من جعفر بن محمد لما أقدمه المنصور بعث إلي فقال : يا أبا حنيفة أن الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من المسائل الشداد فهيأت له أربعين مسألة ، ثم بعث اليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلما أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت عليه وأومأ إلي فجلست ثم التفت إليه فقال : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة. قال جعفر : نعم . ثم أتبعها قد أتانا . كأنه كره ما يقول في قوم انه إذا رأى الرجل عرفه ، ثم التفت المنصور إلي فقال : يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله من مسائلك فجعلت ألقي عليه فيجيبني،فيقول : انتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا فربما تابعهم وربما خالفنا جميعاً حتى أتيت على الأربعين مسألة ، ثم قال أبو حنيفة : ألسنا روينا أن اعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ( 2 ) . وكذلك هنالك كلمة للحنفي البسطامي تبرز اعترافاً في حقيقته العلوية : جعفر بن محمد ، ازدحم على بابه العلماء ، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء ، وكان يتكلم بغوامض الأسرار وعلوم الحقيقية وهو ابن سبع سنين ( 3 ) . ونعاضدها بابي بحر الجاحظ في قوله : ( جعفر بن محمد ، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال : أن أبا حنيفة من تلامذته ، وكذلك سفيان الثوري ، وحسبك بهما في هذا الباب ) ( 4 ) . ولم يكن يحضر حلقته العلمية أولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب الفقهية فحسب ، بل كان يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون من الأنحاء القاصية ) ( 5 ) . بان كثيراً من معارف الأمم في صوابها ومشابهاتها قد نعود بجذورها إلى مفكريها أو أي نخبة منهم ممن حضر مجلس الإمام الصادق( ع ) وما أروع ما كتبه ـ نيابة عن معهد البحوث الشرقية سيما في تخصصه في وجهة الشرق في معيارية خارجة عن حدود المذهبية وبكلمة تحدد لأهل الشرق منبعهم ـ الأب أ. عبده خليفة اليسوعي وعارف ثامر كما نقل عن مقدمة كتاب الهفة والاظلة ، ص15ـ 16 : عندما يتفرغ الباحث لدراسة شخصية الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب دراسة صحيحة على ضوء الضمير النقي ، والواقع العقلي ، والتجرد العلمي ، متبعاً الأصول الحديثة ، مبتعداً عن العاطفة ، ومرض التعصب ، وأثر الجنسية ، فلا يستطيع إلا الإقرار بأنها مجموعة فلسفية قائمة بذاتها ، تزخر بالحيويــــة النابضة ، والروحية المتجسدة ، والعقلية المبدعة التي استنبطت العلوم ، وأبدعت الأفكار، وابتكرت السنن ، وأوجدت النظم والأحكام ) .في ظل تنامي فتنة التكفير التي تجتاح العالم الإسلامي برمته من شرقه إلى غربه ، حاصدة أرواح آلاف الأبرياء من المسلمين وغيرهم ، في تجاوز صريح لكل القيم الإنسانية وانتهاك فاضح لكل الحرمات وتشويه غير مسبوق لصفاء الصورة الإسلامية والمحمدية . وسيوف الوهابية لم تطحن في تاريخها القديم والحديث ( اللهم إلا بشكل عرضي ) إلا رقاب المسلمين في الحجاز وعمان واليمن والعراق والشام وغيرها ، إضافة إلى باقي مناطق الجزيرة العربية . ولهذا السبب ، فهي حركة مريبة في أهدافها ومشاريعها ، خاصة في نهوضها الثاني في القرن العشرين الميلادية على يد الملك عبد العزيز ، الذي جنّدها لخدمة أغراضه السياسية وبتمويل وغطاء سياسي بريطاني . وهذا ما أثار انتباه الباحثين والمراقبين : فكيف بحركة دينية تكفر عموم المسلمين ، ولا ترى إلا نفسها مسلمة ، تجد ذلك ـ كما يقول الريحاني الذي قابل أعضاءها في العشرينيات الميلادية من القرن الماضي ـ في سلام أفرادها على بعضهم البعض : السلام على المسلمين ، حيا الله المسلمين ، مؤكداً على تكفيرهم لغيرهم .. كيف لحركة كهذه تدعي الطهرانية ، في حين لم يشهد لها تاريخها الدموي إلا القتل في المسلمين ولم تتعرض للبريطانيين مطلقاً ، بل لم تعترض على المعاهدات البريطانية مع ابن سعود التي رهنت البلاد لهم آنئذ ، ونخص بالذكر معاهدة دارين 1915 ، ومعاهدة العقير 1922 ، وغيرهما . وبعبارة أخرى إن ظاهرة العنف الإسلامي مرده الطبيعة المغلقة للنصوص الدينية الإسلامية والفكرة الأصولية عن الجهاد التي تشرع للعنف وترفعه إلى مرتبة الواجب، ويتجاهل هؤلاء الدارسون أنهم إزاء ظاهرة اجتماعية في المقام الأول ، ولذلك فإن فهمها وتحليلها يقع في محيط علاقات الاجتماع المتشابكة التي تصنعها وليس بالانصراف إلى تحليل نصوصي جامد يتوهم الواقع محض إفراز تلقائي للفكرة . وهم يختارون من النصوص ما يؤيد فكرة معدة مسبقا ولا يذهبون في التحليل النصوصي إلى نهايته الطبيعية . ويتكرر التجاهل للأمثلة والنصوص على صعيد وعي واستحضار وقائع التاريخ . إن عناصر الشبه والقرب بين أفكار التكفير القديمة وأفكار التكفير الحديثة قائمة ومتكررة وثابتة وإن تباينت في الإخراج والعبارة ، والسبب في ذلك أن التكفير واحد في النوع وإن اختلف في التفاصيل ، فالعناصر التأسيسية للتكفير هي سياسية ترتبط بمجمل المصالح الاجتماعية التي تجد في فكرة التكفير واسطة من وسائطها إلى التحقق، ومعرفية تتعلق ببديهيات غير مفحوصة تدفع أصحابها إلى اعتناق التكفير باعتباره صوابا. إن الإيمان بحيازة الحقيقة المطلقة هو الطاقة الحيوية التي تتزود بها فكرة التكفير وتستمد منها الشرعية . ونعيش اليوم تدهورا حادا في رؤية الفكر الإسلامي إلى مسألة السلطة الدينية والسياسية في الإسلام، ونشأ جيل إسلامي جديد مقطوع الصلة بالتراث الإسلامي الإصلاحي، وتشكل لدى إسلاميي ما بعد الإصلاحية جموح متزايد للدفاع عن ممارستين شاذتين : ممارسة السياسة في الدين بإخضاع الإسلام إلى مطالب السياسة والمصلحة والصراع ، وممارسة الدين في السياسة عن طريق بقاء موقع قوي فيها باسم المقدس .ولو جاز لنا استحضار التاريخ ، فنرى كيف قاتل عبد العزيز إلى جانب البريطانيين في حربهم ضد الدولة العثمانية ، وساعد على تقويض نفوذها في العراق ..... وحين احتل الإنجليز البصرة كان عبد العزيز يحط في إحدى قواعدهم ويمنح من ضباطها وساماً بريطانياً ، وقد صوّروه بذلك الوسام ، ولازالت الصور تعرض حتى يومنا هذا كجزء من ذلك التاريخ النضالي!! . بعد أن تحقق نصر الوهابية المبين باحتلال الحجاز كاملاً عام 1926 ، بدعم الإنجليز طبعاً ،كانت الوهابية بحاجة إلى مصالحة مع محيطها الإسلامي ـ السنّي على الأقل ـ خاصة في مصر والشام . بيد أن الأيديولوجيا الوهابية في تصنيف المسلمين جميعاً على أنهم كفار، لا تستطيع ولا تمتلك التسامح لكي تعترف بإسلامية الآخر، والتماهي معه. وهي إن فعلت فهذا يعني نهاية الوهابية أصلاً ، إذ لا مقام للوهابية بدون تميّز عن الآخر ، ولا يوجد تميّز للوهابية إلا : تكفير الآخر . فمن هذا التكفير تستمد مشروعيتها ، ومنه تستمد تميّزها ، ومنه تستمد زخم عدوانها ، وبه يكون سلاح سياسييها من آل سعود الذين يوظفونه ضد أعدائهم. المهم واللافت للنظر أن فكر الحركة الوهابية اعتمد على أرضية التكفير والقتل التي مهدت السبيل إلى توسيع فقه إدانة المخالف وتحقيره وتهميشه ، وتكفيره وقتله ، مما جرى على الأمة ويلات من التمزق والتناحر والاختلاف ليست بخافية على ذي بصيرة !! .يرد الأمير سعود بن عبد العزيز على والي بغداد بقوله : الحمد لله على أمرين ( خروجنا ) إلى الإحساء ، ونحن في ذلك نجمع لكم الجموع ولا لنا همة غير ذلك . وقولك : إنا أخذنا كربلاء ،وذبحنا أهلها ، وأخذنا أموالها ، فالحمد لله رب العالمين ، ولا نتعذر من ذلك ونقول ( وللكافرين أمثالها ) . والأمر الآخر : نحرناك في راس الهندية .. أقمنا بها قريبا من عشرين ليلة ، نأخذ ونقتل من رعاياك الحاضر والبادي ، والأثر يدل على المؤثر ؛ أنظر ديارك الفلاحين والبوادي ، من بغداد إلى البصرة ، كم دمرت من الديار ، ولم يبق فيها أثر ولله الحمد والمنة ... وأرجو أن تموت على ملتك النصرانية ، وتكون من خنازير النار إن شاء الله ) !! .طيلة ثمانين عاماً تقريباً ، والوهابية تحاول إن تكيّف نفسها مع محيطها الإسلامي( السنّي ) الذي لم تعترف بإسلامه ، وهو أيضا ، أي المحيط المسلم ، وكرد فعل ، شكك في أبعادها الإسلامية أيضاً ، إلى حد أن الدكتور محمد سعيد البوطي أشار إلى أن إسلاماً جديداً يستنبت من نجد . وفي هذا الإطار يمكن التذكير بالحملة الإعلامية العثمانية ـ العربية ـ الإسلامية ضد سياسة التكفير الوهابية .أما آن للعالم الإسلامي أن ينهض من غفوته ويرى الأمور بمنظار الحقيقة حقيقة الفتنة الكبرى القادمة التي بدأت مواجهة تُهرق فيها دماء المسلمين يومياً مواجهة تغذيها خلايا إرهابية بتوجيه منظم ودقيق هذه الفتنة بدأت خيوطها تُنسج منذ زمن بعيد منذ القرن الثامن عشر هي الحركة الوهابية استعملتا كلتاهما الدين السماوي بنظرة عنصرية صرفه . زُرعت في قلب العالم الإسلامي لوضع الفرقة بين مذاهب وطوائف أمة لا اله إلا الله محمد رسول الله ، فالحركة التي أنشأها محمد بن عبد الوهاب ولها عقائدها المختلفة تماماً عن المذهب الحنبلي الذي تزعم بأنها انبثقت منه فغيرت فيه جميع تعاليم الإسلام السمحة وأتت بالأحكام الشاذة لتحريف المجتمع وإيجاد الفتن باستعمال الدين .أما مصطلح " وهابي " فليس من باب الذم وإنما من باب كونه مصطلحا أطلقه أغلب المسلمين على « تيار فكري حركي دعوى له تاريخه وخصائصه ومصنفاته وشيوخه » كما أن بعض الوهابية قد أرتض هذا اللقب وأطلقوه على أنفسهم . كما أنه لا يشترط أن يقوم الشيخ نفسه بتسمية مذهبه ، بل كل أئمة المذاهب فيما يعلم لم يسموا مذاهبهم ، وإنما سمى الناس مذاهبهم بعد موتهم . فلا أحمد بن حنبل سمى المذهب الحنبلي ولا الشافعي سمى الشافعية ولا أبو حنيفة سمى المذهب الحنفي ، ولا مالك سمى مذهبه ، ولا جعفر الصادق سمى الإثني عشرية أو الإمامية ولا زيد سمى الزيدية ولا الأوازعي ولا الطبري ولا داود الظاهري ولا عبد الله بن أباض ولا غيرهم من الأئمة المتبوعين أصحاب المذاهب سموا مذاهبهم ، بل ولا سمى ذلك تلاميذهم الخاصين وإنما جاءت التسمية فيما بعد نتيجة استقراء خصائص كل مذهب .يقول الوهابيون من قال : لا اله إلا الله لا يخلو أن يكون واحدا من اثنين ، أما أن يقولها دون أن يشرك بالله شيئا ، أي لا يزور قبرا ، ولا يبنيه ، ولا يصلي عنده ، ولا يطوف حوله ، وأما أن يقولها ويفعل شيئا من ذلك ، والأول لا يسأل عن شي ولا يحاسب على شي وان أتى بملي الأرض ذنوبا ، جاء في فتح المجيد ( إن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، لأنه يتضمن محبة الله ، ورجاءه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب ( الأرض) . والثاني هو الذي يزور القبور فهو مشرك كافر، لا يقبل منه عمل ولا صلاة ولا صوم . وليس من شك أنهم يريدون بالموحد الأول أنفسهم ، وبالثاني المسلمين بدون استثناء . إن العارفين بالله يعلمون حق العلم أن أفضل العبادات والطاعات هو العمل لخير الإنسان تقربا إلى الله تعالى دون أن يبتغي العامل من غيره جزاءا ولا شكورا ويقول الإمام موسى بن جعفر (ع) : ( إن لله عرشا لا يسكن تحت ظله إلا من أسدى لأخيه معروفا أو نفس عنه كربة أو قضى له حاجه ).وحصل تحالف بين السلطتين الزمنية والروحية وذلك في عام 1744 عرفت منطقة نجد تحالفا بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود أحد الزعماء القبليين بنجد، ودشن لقاء الرجلين تقاسما لشؤون الدين والدنيا عرف باتفاق الدرعية وطبع السعودية بطابعه حتى الوقت الراهن، ومن نتائج هذا التحالف نشأة "الوهابيين" . وربما كان كتاب ( الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية) ( 6 ) ، لمؤلفه القريب من تنظيم القاعدة ، يشكل بيانا لحقيقة أفكار الحركة الوهابية المعارضة (الثورية والتكفيرية) ، ضد آل سعود وأتباعهم "الوهابيين" . حيث يقول مؤلفه (النجدي) مستعيدا التراث الوهابي:" ليس كل من ادعى التوحيد أو انتسب إليه ولو اسما يحرم ماله ودمه ويكون من الموحدين ، بل لا يكون كذلك حتى يكفر بكل ما يعبد من دون الله ويبرأ منه سواء عبادة سجود أو ذبح أو دعاء أم عبادة تشريع واستسلام وتحاكم ، فالإشراك بالله في حكمه من الإشراك به في عبادته. وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب معلقا على حديث مسلم ( من قال لا اله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله):" وهذا من أعظم ما يبين معنى (لا اله إلا الله) فانه لم يجعل التلفظ بها عاصما للمال والدم بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فان شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه" ( 7 ) . نشأت حركة الوهابية عام 1912 في منطقة الأرطاوية التابعة لقبيلة مطير. وقاد الحركة الشيخ عبد الكريم المغربي فتحولت إلى قوة عسكرية تسلم قيادتها بعد ذلك فيصل الدويش زعيم قبيلة مطير .الـــوهــابـيـــون والــمـلـك عـبـد الـعـزيــز:
تحالف الملك عبد العزيز مع الوهابيين خلال تشكيله الدولة السعودية الثالثة ووحد الحجاز مع نجد وطرد شرفاء مكة إلى بلاد الشام والعراق . وكان الملك يسعى لإقامة دولة قائمة على تحالفات دولية، فعارض الوهابيين اتفاقيته عام 1933 مع شركة سوكال "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" على أساس أنها ستؤدي إلى دخول غير المسلمين فاستطاع الملك تجاوز تلك المعارضة حين واجه الجناح العسكري للوهابيين في معركة السبلة في 29 مارس /آذار 1929 فقضى عليهم وسجن قائدهم سلطان بن بجاد. تطورت علاقة الملك عبد العزيز مع الوهابيين من التحالف إلى الحذر فوظفهم على شكل "مطاوعة" منشئا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمرسوم ملكي صدر عام 1930، والهيئة تابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وتعرف أيضا باسم المطاوعة . وقد أسندت رئاسة الهيئة بداية للشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ في المنطقة الشرقية وبالمنطقة الغربية لفيصل بن عبد العزيز. ونشطت الهيئة في تبليغ الدعوة الوهابية وبلغ عدد موظفيها 300 ألف موظف موزعين على أكثر من عشرة آلاف مركز.فالوهابيون وبعد ثمانين سنة لم يتصالحوا بعد مع محيطهم السنّي، فضلاً عن المذاهب الإسلامية الأخرى في الجزيرة العربية (الأباضية، الزيدية، الشيعة الجعفرية، الصوفية، الإسماعيلية). ولازالوا يكفرونهم بصدق، وإن كانوا لا يظهرون ذلك. المسألة أن الوهابية أخذت تمارس (التقية) رغم إدانتها لها، وتعيير من يقول بها ولو نظرياً. كيف قبلت الوهابية ظاهراً بإسلام محيطها ولماذا؟ كدولة ناشئة وجد عبد العزيز صعوبة في الاستمرار بتكفير الجيران السياسيين. فغرض التكفير كان بالتحديد (شرعنة) الحرب الوهابية و(توسعة) رقعة سلطان الدولة السعودية. فالتوسع والامتداد من نجد جاء على خلفية أن تلك المناطق مشركة وأهلها مشركون وأن الهدف من الاحتلال هو (أسلمتهم) وتخليصهم من الشرك! ليدخلوا في رحاب ( التوحيد الوهابي ) . الآن وبعد احتلال الحجاز، انتهت المساحة المسموح باحتلالها سعودياً، ولم يعد السعوديون يتمتعون بغطاء سياسي بريطاني لمهاجمة دول الجوار، خاصة وأن أكثرها يقع تحت نفوذ بريطانيا المباشر. فماذا يصنع الملك السعودي؟ لا بد وأن يتخلّى عن الجهاد!، جهاد المشركين والكفار العرب في الجوار! ولا يمكن إقناع الجيش الوهابي بالتخلي عن الجهاد المزعوم، إلا بالتخلّي عن تكفير دول الجوار! الجيش الوهابي رفض، فتمت تصفيته عام 1930م في معارك دموية معروفة. المشايخ الوهابيون رفضوا أيضاً ولازالوا، ولكنهم قبلوا التخلي عن الجهاد المزعوم ضد المشركين إذا ما كانت تلك رغبة ورؤية (ولي الأمر السعودي) إذ ـ حسب رأيهم ـ لا جهاد دون إذن الإمام! .وهكذا.. عادت الوهابية كما بدأت حركة تكفيرية معزولة في العالم الإسلامي، بعيدة عن قيم التسامح بين المسلمين ،كما تميزت هذه الحركة بالاستبداد والإقصاء العلمي : من عبد اللطيف بن عبد الرحمن ، إلى عبد الله ، فقد بلغني عنك ما يشغل كل من له حمية إسلامية ، وغيرة دينية على الملة الحنفية وذلك : أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب الإحياء للغزالي ؛ وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة ، ووسائل الكفر والشقاوة ؛ وأسمعتهم ما في الإحياء من التحريفات الجائرة ، والتأويلات الضالة الخاسرة ، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين ، والفلسفة في أصل الدين . وأنت قد خالفت سبيل السلف ، وخرجت عن مناهجهم ، وضللت المحجة ؛ وخالفت مقتضى البرهان والحجة .. ما أقبح الحور بعد الكور ... وينبغي للإمام أيده الله : أن ينزع هذا الكتاب ، من أيديكم ؛ ويلزمكم بكتب السنة من الأمهات الست وغيرها .. (قلت:معلوم أن الغزالي يعد المنظر الثلاث لعلم الأصول بعد الشافعي والجويني ، بل أصول الحنابلة (روضة الناظر لابن قدامة) هو في حقيقته مختصر كتاب المستصفى للغزالي !! . تصور أن العقل الوهابي لم يحتمل تدريس كتاب الإحياء واستعان في منعه بالسلطة الدينية والسلطة السياسية ؛ الفتوى والسيف .قامت الحركة الوهابية – السعودية، منذ بداياتها، على مزيج من السيف وكان يترأس هذه الحركة محمد بن سعود ( عام 1765 ) وابنه عبد العزيز ( 1765 – 1803) اللذان تعاقبا على حكم " إمارة " الدرعية بنجد . وقد اعتنق هذان الشخصان الوهابية ، ودخلا عام 1733 في حلف مع محمد بن عبد الوهاب . ومنذ ذلك الوقت ، شن ّ أتباعهما خلال ما يربو على الأربعين عاما ً، حروبا ً دموية على القبائل والأمصار والأقاليم ، لإلحاق نجد وغيرها من أطراف شبه الجزيرة العربية، بالركب الوهابي الزاحف لتدمير الحضارة، وإيقاف التقدم الفكري والسياسي في عموم المنطقة العربية والإسلامية .وأخضع الوهابيون ، أثناء حروبهم تلك ، إمارات الجزيرة العربية الواحدة تلو الأخرى ، وجلبوا إلى طاعتهم القبائل البدوية، الواحدة بعد الأخرى . وانقاد أهل بعض القرى للوهابيين طمعا ً في الغنائم من المال والحلي ّ، فقد " كانوا يعانون من فقر مدقع وحرمان فظيع، حتى وصول ابن عبد الوهاب، وعقد الاتفاقية بينه وبين محمد بن سعود " (8).وقد اعتاد أسلاف هؤلاء، خاصة ً في القرن الثامن عشر الذي شهد ظهور الدين الوهابي، على الاعتماد على سرقاتهم من الحجيج لملء بطونهم وبطون عوائلهم . وأحلـّوا نهب الحجيج وسلب أمتعتهم . فأمهاتهم ترقـّصهم وهم أطفال مترنـّمات :أبو عيون لجلاج ... تكبر وتسرق الحاج (9) !وكانت قوافل الحج تتعرض لغارات مستمرة من قبل هذه القبائل البدوية المتوحشة . فعلى سبيل المثال، هاجمت قبائل حرب وعنزة وعدد كبير من القبائل الأخرى موكب الحج المصري عند عودته في منطقة الشرفة عام 1688، وقتلوا عددا ً كبيرا ً من الحجاج، ونهبوا نحو ألف جمل بأحمالها (10) . وفي عام 1786 هاجم العربان موكب الحج المصري أيضا ً ونهبوا أحماله وبضائع التجار ، وأسروا النساء . ولم يـُعـِد هؤلاء المتخلفون النساء إلى ذويهن إلا مقابل أموال دفعوها لهم (11) . وفي العام التالي ، هاجم العربان قافلة حج مصرية ونهبوا ستة آلاف من الإبل وما تحمله من بضائع ، وسلبوا أمتعة الحجاج ، حتى ملابسهم ، وأسروا النساء وباعوهن كجوار ٍ (12) .ومهما يكن من أمر، فقد وصل محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية عام 1160 الهجري، وكان أميرها حينئذ ٍ محمد بن سعود ، جد السعوديين الحاليين ، ووهب الشيخ ابن عبد الوهاب نجد وعربانها لابن سعود ، ووعده بأن تكثر الغنائم عليه ، والأسلاب الحربية التي تفوق ما يتقاضاه من الضرائب (13) على أن يسمح ابن سعود لابن عبد الوهاب، بأن يضع ما يشاء من الخطط لتنفيذ دعوته . وبايع محمد بن سعود، محمد بن عبد الوهاب، على " القتال في سبيل الله " و " معلوم أنهما لم يفتحا أبدا ً بلدا ً غير مسلم في الشرق والغرب، وإنما كانا يغزوان ويحاربان المسلمين الذين لم يدخلوا في طاعة ابن سعود " (14) . ومن المؤكد، أن محمد بن عبد الوهاب لم يذهب إلى الدرعية اعتباطا ً، كما أن محمد بن سعود لم يتلـقـّه بالترحاب التزاما ً بالأخلاق العربية والإسلامية . كذلك فإن الحلف الذي عقداه (15) لم يكن من بنات أفكارهما . ولو كان كذلك لانفصمت عراه منذ أمد بعيد ، شأنه في ذلك شأن مواثيق البدو التي تنقض من قبل أحد الطرفين لأتفه الأسباب وأبسط الخلافات . في الوقت الذي نلاحظ أن الحلف التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ، والقائم إلى يومنا هذا، يبدو وكأنه لا تزلزله الرياح العواصف ، بالرغم من كل الشوائب التي تحيط بالعلاقة بين الأسرتين من حين لآخر. أن مصدر التخطيط لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نحو الدرعية ، وللحلف بينه وبين محمد بن سعود ، ولمجمل الاحتلال الوهابي – السعودي للديار المقدسة - هي الدوائر اليهودية العالمية ، أي المستفيد الأول والأخير مما حدث، حينما انتصرت الوهابية عام 1786 ، وكونت من الإمارات النجدية دولة واحدة كبيرة نسبيا ً، ذات طابع قبلي برئاسة آل سعود .وفي الختام نقول انه في كافة قارات العالم الآن ، هناك رؤية موحدة حول الإسلام فرضتها الوهابية باسم أكثر من مليار ونصف مسلم يدفعون ثقلين من الكراهية : الأول من الحكم التكفيري الاستئصالي للوهابية ضدهم والمؤسس على قاعدة تجريد المسلمين غير المنتمين للوهابية من الإسلام ، والثاني من دول ومجتمعات استيقظت على وقع زلزال الإرهاب الذي ضرب كل زوايا العالم باسم الإسلام ، فأصبح المسلم متهماً أينما كان ، فسنّت القوانين الصارمة للحد من حركة المسلمين والتضييق عليهم في أرزاقهم ومعائشهم . ولا يجب أن ننسى الاقترافات الشنيعة من قبل الحلفاء الاستراتيجيين للدولة السعودية الذين أمدّوها بالمال والسلاح كيما تصل إلى مرحلة التغوّل ، فلولا الدعم المتواصل لما استطاعت ذراع التطرف أن تبطش بكل اتجاه . فبريطانيا تتحمل قسطاً من مسؤولية الدعم المالي والعسكري لابن سعود كيما يؤسس دولة الكراهية في الجزيرة العربية كما تتحمل الولايات المتحدة قسطاً آخر من المسؤولية والجريمة في توفير مقوّمات الاستقرار والاستمرار للدولة السعودية وأن تشترك معها في مشاريع جهادية بحجة مقاومة المد الشيوعي ليس في أفغانستان وآسيا والصين والقارة الإفريقية بل وحتى أميركا اللاتينية ، فمملكة الكراهية لم تتأسس بدون دعم الغرب والولايات المتحدة بخاصة.
المراجع :-
1- التاريخ السني في( مناقب أبي حنيفة ) للموفق ج1 ، ص173 . ؛ جامع أسانيد أبي حنيفة ، ج1 ، ص222 .2- تذكرة الحفاظ للذهبي ، ج1 ، ص157 .3- جعفر سبحاني ، الوهابية في الميزان ، قم – 1407 هـ ، ص 39 .4- مناهج التوسل ، ص106 .5- كما في رسائله للسندوبي ، ص106 .6- المنشور عام 1994 عن دار القصيم في لندن ، باسم مستعار هو: ( أبي البراء مرشد بن عبد العزيز بن سليمان النجدي) (واسمه الحقيقي: أبو محمد عاصم البرقاوي المقدسي) الأردني القريب من تنظيم القاعدة . 7- النجدي ، الكواشف الجلية ، 195 .8- السيد مير علي الهندي ، تاريخ العرب ، ص179 .9- حسام محمد عبد المعطي ، العلاقات المصرية الحجازية في القرن الثامن عشر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة – 1999 ، ص 220 .10- حسام محمد عبد المعطي ، المرجع نفسه ، ص 220 .11- حسام محمد عبد المعطي ، المصدر السابق ، ص221 . ؛ عبد الرحمن الجبرتي ، عجائب الآثار في التراجم والأخبار ، ج2 ، ص ص 12 - 13 .12- حسام محمد عبد المعطي ، المصدر السابق ، ص 221 . ؛ عبد الرحمن الجبرتي ، ج3 ، ص 55 .13- سانت جون فيلبي ، تاريخ نجد ، ص 35 .14- محمد جواد مغنية ، هذي هي الوهابية ، ص ص 125- 126 .15 – تباينت الآراء عن تاريخ عقد هذا الحلف ، إذ يذكر المستشار السعودي حافظ وهبة (جزيرة العرب في القرن العشرين ، طبعة القاهرة – 1354 الهجري) إنه تم في عام 1150 الهجري . بينما يقول محمد جواد مغنية (هذي هي الوهابية ، ص 128) إنه حصل عام 1158 الهجري . في حين يقول جعفر سبحاني ( الوهابية في الميزان – ص 38 ) إن الاتفاق حدث عام 1160 الهجري .
https://telegram.me/buratha