دراسات

الدين العملي بعد أبعاده عن الوحي


جاسم الصافي

الأديان السماوية جاءت لتخلص الفرد من ظلم أخيه لهذا قدمت الحقوق على الواجبات أو ساوت ما بينهما، ولم تتقدم يوما واجبات الدين على حقوق الفرد ألا حين أجتهد

ذلك الإنسان وأدخل في الفكر الديني فكرا دنيويا يميل إلى الغلو والتطرف النابع من ضيق الوعي أو من الجهل المركب وهذا لتمكين القائمين عليه من الاستحكام بأفكار ومقدرات الآخرين سواء كانت مادية أو معنوية، فالدين لم يظهر يوما إلا ليصحح متجنبا يحمل تابعيه تكليفا يفوق طاقاتهم الذهني او البدنية لهذا كان الأنبياء في مواقفهم متسامحون .

أم اليوم بفعل الزمن وتراكم اجتهادات القائمين على تلك الأديان فقد تحولت إلى أديان تطالب بل تأمر وتنهي منشغلة يهذا في ترميم منافعها وإكثار واجباتها العبادية التي من المفترض أن تكون عقد بين الفرد والخالق لا بين الفرد ومن أناب عن الله، لهذا صار الدين واجبات تقدمها العبيد للأسياد دون خدمة الأخ لأخيه او لنفسه، وهنا تكمن المشكلة وهي أن هذا الإنسان يميل إلى الانحياز والتعصب من حيث يدري أو لا يدري فالجاهل يظهر هذا التطرف أما الإنسان الواعي يختبئ تطرفه هذا مابين وعيه وخداع المرحلة التي يعيش فيها وبالنتيجة تظهر بوادر من تطرفه أو انحيازه دون قصد لذا لا يمكن لأي إنسان أن يتخلص من هذه النزعة الطبيعية ولكن يمكن تحجيمها ومنع تغذيتها حين ينظر الإنسان إلى الجانب الأخر الذي تقدم فيه المجتمع الغربي وهو الحقوق، تلك الواجبات الحقيقية التي جاء من اجلها الدين لكن البشر ركنها وأهملوها كونها منافع تهم الجماعة دون الخاصة ( طبقة الأسياد) حتى ليعد العبد المطيع من أهل الجنة وكان الجنة قد خلقة للعبيد والخدم ليكون الانسان مرتهن بذلك إلى مثالية الوحي وآلاخرة

عمل كانط الفيلسوف الألماني على أخراج الدين وكل ما يتجاوز الطبيعة من دائرة العقل الخالص وتركه للعقل العملي ليحول بهذا الدين إلى أخلاق أوامر ونواهي تمثلت بتعاليم الوحي لتفعل إلى واجبات أخلاقية على اعتبار أن الإيمان هو الافتراض العقلي لمصادرة العقل العملي وبهذا حولت الفلسفة النقدية إلى فلسفة مثالية أخلاقية حتى لا يكون هناك حاجة للدين .

بينما كان مفهوم الله سابق للدين وممثل للموجود الذي يجعل الطبيعة متفقة مع القانون الخلق أي انه مثالا للعقل النظري أما الدين فهو إعلان الله لأرادته من خلال الشعور المباشر بالقانون الخلق  أي انه مؤسسة اجتماعية سياسية بعدية وبهذا فهو دليل أخلاقي على وجود الله الذي يؤسس من خلال الدين لمشروعه الأخلاقي، هذه هي البذرة الأولى للإلحاد العقلي الغير متعمد وذلك كونه اعتمد على المقياس الرياضي الذي استبدل طرفي المعادلة مما خادع العقل بمنطوقة التدريجي للتميز بين دين الوحي ودين الطبيعة بينما المفروض أن نفرق بين شعور الإنسان بالحاجة إلى رب يرعى ويسير الأمور بسببية في ما يخص الحوادث الطبيعية والقدرية ولزوميات هكذا خوف وما تستوجب له من طاعة وعبادة للتعبير عن إخلاصهم بالكلمات التي تشبع الحاجة القلبية هذا من جانب إما الآخر هو حب الإنسان للمعرفة وجهده في البحث عنها وكشفها، هنا كان الخلط  المتعمد والذي أوجب على العقل العملي إن يكون تابع للمكتسب ألنقلي وللسلطان مما كون الفقه السلطاني الذي نظر له سقراط واعتمدته الفلسفة الإلهي المسيحية كما أسس لنظامها الأمويين والعباسين والعثماني بعد أن اقعد لها التشريع الغزالي وابن حمبل وابن تيمية حتى يومنا هذا والذي لا تزال مدرسة السلفية الوهابية تغذي هذه الأفكار الأميرية

وقديما عرف أن الوحي هو الدين النظري أو القبل وعرفة الطبيعة بأنها الدين العملي أو الدين ألبعدي وقد جاءت الأولى لأخبارنا بالخالق وتبيان وجودنا كما في الديانات الإبراهيمية الثلاث لهذا كانت العلاقة بين المخلوق والخالق عبادية بحت تعتمد على أيجاد مسالك تصوفية لله وهذا ما اوجب وجود سلطة أرضيه تهتم في تطبيق النص بتفسيراته دون تأويلاته مما عمق الجذر الأصولي في الديانات السماوية بما فيها الإسلام أما الدين العملي الذي ينظم إلى الأخلاق والعلاقات بين البشر فقد أهمل لعدم قدرته على تخويف الفرد وعوض عنه بموضوعات عقلية دون أن يكون لها وجود مشارك ما بين التنظير والعملي الديني والسبب أن العقل البشري ينحاز لامتلاك السلطة وهذا السبب في تأسس الدين السلطاني الذي يزيح الله من عرشه ليجلس المنظرين وأعوانهم الجباة على عرشه الإله المقدس وهذا ما سبب الصراع المذهبي في تلك الديانات، كما في اجتهادات الخطباء لتعظيم الشعائر العبادية دون الشعائر الأخلاقية وهذا يرجع بطبيعة الحال إلى القلق الذي تعيش به الإفراد مع التعقيدات المعيشية والتغريب الذاتي عند اغلب الشعوب المعاصرة مما يضطرهم للانسلاخ عن الجسد الجماعي فيعيش حلم الخلود بتعصبهم أن كان بالدين النظري القبلي أي العلاقة مع الوحي (التصوف) أو الدين العملي ألبعدي أي العلاقة مع النص (السلفية)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك