جاسم محمد الصافي
الأساطير عالم بناه الإنسان ليكون موازي لعالم بناه الخالق وهو سر تميزه به عن باقي المخلوقات، كونه يريد المعرفة الكاملة التي اوجدها الله له، لكن هذا البحث عمد الى استلاب المفاهيم الربوبية وتنزيلها دنيويا حتى الشخوص الدينية من انبياء وملائكة بل حتى الله جل جلاله وتبارك اسمة استبداله الانسان بمفاهيم وشخوص أسطورية، ليجعل خياله اقرب للحقيقة مع انها مجرد تناص مع ما هو سماوية.
لهذا نجد أسطورة الخلق تتخذ محاور متفرقة ومتعددة، وكلها تنحاز حسب زمن نشأتها وادلجت المؤلف في سبيل تبيئة هذا او ذاك النص مع الواقع، لهذا نجد السيد المسيح والامام الحسين في هذه الايام قد استبدلا بإنسان معاصر، يصلب في كل يوم ليكونوا لنا تاريخ عن شهيد بغير بطولة او بطولة بغير شهيد !!!
هذا يعني أن الانسان لم يكتفي في اقحام اللغة وادلجته الفكرية بل جسدها ونظم قوالبها لتكون قرائن رمزية يستشهد بها حين تعجز اللغة عن ايجاز الموجز لما هو اوسع من ممكنات الحروف، مما وظف هذه القوالب على شكل (أمثل شعبيه) لتعبر عن الصفات القيمية الجمعية في مخيال شعب ما.
ولان المعرفة في بنية العقل العربي كانت وما زالت بفضل الشعر الشعبي (شفاهية)، مما سهل من تطور (اللغة الدارجة)، وهو ما يؤكد عليه عالم اللغة السويسري دي سوسير حيث يقول (تنحل اللغة أو بالا حرى تتطور تحت تأثير عوامل تطور الصوت والمعنى. ولا مفر من هذا التطور. ولا يوجد لغة تقاوم هذا) ونقدر أن نرى هذا التغيير واضحا بمرور الزمن ولعل من يعتبر أن انتشار الشعر في اللغة العربية كان بسبب عدم اكتشاف التدوين في ذلك الوقت هو مخطئ لان العقلية العربية تنتمي الى الايجاز أو البلاغة، بدليل أن الشعر الشعبي هو افرز هذه البنية في اغلب المجتمعات العربية، ولان الشعر وخصوصا في اللغة العربية يعتمد على ما ينطق به اللسان.
لهذا يكون أللفظ عرضة للتغير السريع وربما الى تلاش ضمن المعنى ان لم يحال الى معنى مغاير، وهو ما يجعل ثوابت كثيرة لدينا غير شعورية بسبب تقيد العقل بقيم ومثل أوليه لا يتقبل فيها أي تنازل، لهذا فالعقل يتحصن بثوابت يعتبرها اصولية مع انها متغير انساني ولم تكن في يوم من الايام من الثوابت، وهذا ما يدعوه الاستاذ علي الوردي بالتنويم الاجتماعي، الذي يسعى فيه وعي المجتمع الى تخدير الفرد بكسل متعمد لموافقة السائد على انه قيم اصولية، وهذا ما احب قوله فيما تقدم من اننا نقرأ اليوم النص بما فيه من تحولات للمعنى واللفظ وهذا ما يكبل اللغة بالموروث ويجعلها أسطورة تدخل في تابلو المقدس في قضية وجودية وهي حول المرأة.
لذا يمكن القول ان الفكر الذكوري مرسخ في فلسفة المجتمع بل وفي تاريخه لأنه هو المسيطر طول زمان الوجود على صنعه وتاريخ تدونه، وهو ليس ذنب الرجل بقدر ما هي تقصير من النصف الاخر حواء خصوصا في الوقت الحاضر، اذ نجد صراع المرأة مع الرجل يأخذ منحى تزاحمي لا تنافسي وهو بهذا كما الفتن العرقية والدينية التي تزرع في مجتمعاتنا بل هو كما في مفهوم ما يسمى صراع الحضارات الذي يراد منه حرب كونية تبقى مستعرة من اجل منفعة القوى الكبرى.
فالذكورية اصبحت اسطورة قديمة كان يتعمد الزج بها لترويض المرآة من اجل ان إقناعها بالطاعة المستمر والعبودية على انه حكم الهي بسبب خطيئتها الاولى، على الرغم من ان الكتاب الكريم يقول{ ولا تزر وازرة وزر أخرى } فلا يتحمل الابناء وزر الاباء الا اننا نجد رجال الدين وفي اغلب المجتمعات حتى اليوم تذكر حواء بهذا الذنب، وكأنهم يريدون بنا ان نرجع الى عصر ما قبل التاريخ ابان كانت شعوب بلاد الرافدين ـ سومرية وبابلية واشورية ـ اذ ترى أن الإنسان من ذكر وأنثى هو المسئول عن الخطيئة الأولى، وكذلك الديانة الزراديشتية والمانوية والمزدكية التي لم تتهم المرآة، بل اعتبرتها كائنا غير مقدس، عليها أن تربط عصابة على فمها وانفها، كيلا تدنس أنفاسها النار المقدسة.
وهكذا هو حال الديانة الهندية ـ الفيدية والبرهمية والبوذية ـ اذ لا تتهم المرآة بتلك الخطيئة، لكنهم اعتقدوا بأنها خلقت من جذاذات المواد الصلب التي زادت لدى المبدع الإلهي حين خلق الرجل لهذا أوجب عليها أن تخدم سيدها (زوجها).
ان مثل هذه الاساطير هو ما جعل الطبري في قول ان لله خاطبة حواء " أنتي غررت عبدي " لهذا كانت عقوبتها " أن أدميها في كل شهر مرة كما أدميت هذه الشجرة وان اجعلها سفيهة وكنت خلقتها حليمة أن اجعلها تحمل كرها وتضع كرها " وكذلك ابن المسيب اذ يقول " ما أكل ادم من الشجرة هو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته أليها فأكل " ولا اعلم أين هذا من حديث الرسول الكريم محمد (ص) في" أن حلا محمد حلا وحرامه حرام الى يوم القيامة " خصوصا في مسالة شرب الخمر التي يبرر البعض لتقديسه تلك الاحاديث من انها خمرا فردوسيه او انها كانت حلال في ذلك الزمان.
ان مثل هذه الروايات هي من الركاكة والتناقض ما يدفع بالعقل الى أن يرفضها، وهذا هو النص الذي اتهمت فيه حواء بانها صاحبة الخطيئة، اذ يذكر في تفسير الطبري قال : حدثنا الحسن بن يحي قال، اخبرنا عمر بن عبد الرحمن قال سمعت وهب بن منبه يقول : لما اسكن الله تعالى ادم وزوجته الجنة، ونهاه عن لشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله عنها ادم وزوجته، فلما أراد إبليس أن يزلهم دخل في جوف الحية، وكان للحية أربع قوائم، كأنها بختية، من أحسن دابة خلقها الله تعالى، فما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس، فاخذ من الشجرة التي نهى الله عنها ادم وزوجته، فجاء بها الى حواء فقال : انظري الى هذه الشجرة ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها الى ادم فقالت : انظر الى هذه الشجرة ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها، فأكل منها ادم، فبدت لهما سواتهما، فدخل ادم في جوف شجرة، فناداه ربه : يا ادم أين أنت ؟ قال : أنا هنا يا ربي. قال : ألا تخرج ؟ قال : استحي منك يا رب. قال : ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة حتى يتحول ثمرها شوكا. قال : ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كانت أفضل من الطلح والسدر. ثم قال : يا حواء، انتي التي عبدي فانك لا تملين حملته كرها فإذا أدت أن تصغي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا. وقال للحية : انتي التي دخل الملعون في بطنك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة حتى تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق ألا التراب، أنت عدوة بني ادم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ راسك. حديث ممتلأ بالكراهية والسادية الذي لا يتناسب مع النص القراني بل ويذكر الطبري في رواية ثانية : وسوس الشيطان الى حواء في الشجرة حتى أتى بها إليها، ثم حسنها في عين ادم، قال : فدعاها ادم لحاجته قالت : لا، إلا أن تأتي هاهنا، فلما أتى قالت : لا ألا أن أكل من هذه الشجرة. قال فأكلا منها فبدت لهما سواءتهما، قال : وذهب ادم هاربا في الجنة، فناداه ربه : يا ادم امني تفر ؟ قال : لا يا رب ولكن حياء منك. قال : يا ادم أني أتيت ؟ قال من قبل حواء يا رب. فقال الله عز وجل : فان لها علي خلقتها حليمة، وان اجعلها تحمل كرها وتضع كرها، وان اجعلها سفيهة تحمل يسرا وتضع يسرا
وما من شك أن مثل هذه الروايات منقولة من كتب غير إسلامية حيث أننا لو قارناها مع ما جاء في التوراة الإصحاح الثالث " فأخذت من ثمرها وكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل " (7 " فقال ادم المرآة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت (12)" وقال للمرآة تكثيرا أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولادا. والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك " (17) في حين ان القران كان صريح في انه جعل ادم صاحب الخطيئة حين وسوس له الشيطان {فوسوس إلية الشيطان قال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى..} طه (9) ويتضح الاقتباس من هذه النصوص كما يتضح أن القرآن بريء مما ينسب إلية من تلك الأساطير والبعض ومع الأسف قد حاول تحريفه في سبيل إثبات قوله او نصوص الاولين من أن القران منحاز أو لغته ذكورية، في حين ان خطاب القران الكريم كثيرا ما كرر المرآة مع الرجل " المؤمنين والمؤمنات الصابرين والصابرات والصادقين والصادقات "ويساوي فيما بينهما {اني لا أضيع عمل عامل من ذكرا او انثى} والا فرق في العقاب ولا في الثواب ولا حتى في العطاء {هن لباس لكم وانتم لباس لهن} البقرة (187) وهذا واضح في قوله {بعضهم أولياء بعض} التوبة (71) كل هذا وما تزال الاصوات تتجرأ على الله فحسبنا الله ونعم الوكيل، واخيرا هل يجب علينا ان نعيد النظر في ثوابت يعمل بها بلا شعور على انها مسلمات تستسلم لها المرأة قبل ان يفرضها الرجل.
https://telegram.me/buratha