فاطمة حسين إبراهيم
بعد رحيل النبي ص واغتصاب الخلافة وابتعاد الناس عن جادة الحق والصواب يأس المسلمون من استقامة الامور واستتباب العدل والامان حيث الواقع المزري والتفاوت الطبقي والمجتمعي المقيت والدمار الاقتصادي بالأضافة الى الانهيار المؤسساتي الذي شمل جميع مفاصل الدولة الاسلامية والشلل التام في الاداء الحكومي الذي وقف عاجزاً عن تلبية ابسط تطلعات الفرد المسلم ناهيك عن ظهور بعض التيارات الفكرية المنحرفة والتي تبحث عن فرصة لأجل اعادة الحال الى ما كان عليه قبل الاسلام .
لقد اصبح من البديهي قيام ثورة شعبية رافضة لمعادلة فرض الامر الواقع الذي نصت عليه الحكومات المتكابلة على كرسي الخلافة بغير وجه حق .
انفجرت الثورة وقُتل عثمان واصبحت الدولة كخربةٍ لا يبدو منها سوى اطلال وركام من ملفات الفساد التي انهكت كاهل الحكومة .
تيقن المسلمون ان الظرف عصيبٌ في ظل ذلك التخبط والفراغ السياسي والامني اذاً لابد من قائدٍ فذٍ حكيمٍ صبور يتسلم زمام الامور المنفلتة ويعيد رسم خارطة الطريق ويفرض القانون الاسلامي العادل الذي عفا عليه الدهر بعد وفاة النبي ص .
فأنت لها يا ابا الحسن ومن لها غيرك ؟
استلم الامام الخلافة بعد مقتل عثمان بسبعة ايام ، مجمل الاوضاع كانت تشكو من الهوان والى ابعد الحدود كما اسلفنا مما استوجب على الامام وضع خطة اصلاح شاملة وعادلة من شأنها ان تعمر ما دمره الولاة والمسؤولون
كانت خطة اصلاحية شاملة اعادت للاسلام هيبته وكرامته ومكانته وظمنت حقوق المستظعفين في الارض .
لحريٌ ان تدرس منهجية الامام ع ومشروعه الضخم الساعي نحو التغيير الجذري وان تصبح دستوراً لكل الحكومات العالمية واساساً لقيام انظمة عادلة تخدم الانسان بلا تمييز وتظمن المساواة بين الجميع والابتعاد عن الشخصنة واحقاق الحقوق ودعم القدرات الفكرية النيرة لظمان حياة حرة كريمة للشعوب وللرقي بها نحو التكامل الفردي والتطور المجتمعي .
ومحاولة منا الى حصر البعض من شذرات تلكم الخطة العلوية الحكيمة ومن اجل الوقوف على اهم الاصلاحات التي من شأنها ان تقوض الانظمة الفاسدة او بالاحرى مقارنة بين الفترة الوجيزة لحكم الامام علي ع والتي امتلأت بصفحات مشرقة من العدل والقسط والعطاء وبين نظامنا الحاكم المليء بالسلبيات وعلى وجه التحديد في العراق الذي القى بظلاله البائس على كل شيء فأهلك الحرث والنسل واتى على كل ما هو جميل فأحاله رماداً .
ان التراجع في الواقع الاخلاقي والديني والاجتماعي والاقتصادي ووووو على حدٍ سواء هو نتاج الابتعاد المباشر وغير المباشر عن تعاليم الدين الحنيف والجفاء الواضح في الرجوع الى نهج النبي وآله الاطهار وحصيلة تسلط النفعيين والغير مؤهلين لقيادة الامة والتي من المفترض ان( تكون خير امة اخرجت للناس ) بل حدث العكس تماماً فقد اضحت اضحوكة المتشيدقين فبدلاً من ان تكون خير امة اصبحت شر امة تتبع كل ناعق ينعق بالسوء والجهل وأمست بقرة حلوب تحلل لبنها للغرباء وتحرم لحمها على الاقرباء .
نظرة الامام العميقة لمجمل الاوضاع وخطته الالهية المسددة كانت تصب في عدة محاورٍ لايسعنا الوقت هنا لسردها جميعاً لكننا اسهبنا في البعض منها راجين القبول .
اولاً :
المحور السياسي .
بمجرد ان تولى الامام لمنصب الرئاسة الاسلامية عزل الولاة والمسؤولين المنصبين في حكومة عثمان والذين سخّروا مقدرات البلاد تلبية لمصالحهم الشخصية ولم يغيروا من الواقع المرير الذي كان يرزح فيه المسلمين من فقر وفاقة وحرمان قياساً بالشبع حد التخمة لدى المسؤول فعمد الامام الى تغيير الوجوه السابقة والفاسدة امثال عمر بن العاص وسعيد بن العاص وغيرهم واستبدلها بالشخوص المجاهدة والناصحة للدين والمسلمين والعاملة على خدمة المجتمع الاسلامي على اتم وجه بعيداً عن المصالح الشخصية والدنيوية امثال مالك الاشتر وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس .
تعد هذه الخطوة المباركة للامام بمثابة اول الغيث للاستقرار النفسي النسبي الدافع الى هدوء بركان الثورة الشعبية الناقمة من تلكم الوجوه المسودة من جانب و من جانبٍ آخر لعلم الامام بأنه لا يمكن قيام نظامٍ عادلٍ مستحكم على سراب الاهواء والمفاسد والنفوس الدنيئة .
حركة الامام هذه هي نفسها التي طالبت بها مرجعيتنا الرشيدة السائرة على خطى امير المؤمنين والمتمثلة بالسيد علي السيستاني دام ظله الوارف بتغيير الوجوه والشخصيات التي حكمت العراق بعد ٢٠٠٣ ناعتةً اياها بالوجوه الكالحة والتي لم تقدم شيئاً ما من شأنه ان يقوّم ولو اليسير من الوضع المأساوي المستشري في البلاد وعلى جميع الصعد ، فطالبت المرجعية بأختيار الشخصيات الكفؤة النزيهة وبمختلف الاختصاصات لسد الفراغ السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي الناجم عن تسنم اولئك الذين يفتقرون الى الخبرة والكفائة والتخصص والنزاهة للمناصب الحساسة في البلد .
ثانياً :
الادارة المالية .
كما ذكرنا سابقاً ان حكومة عثمان كانت قد استأثرت ببيوت المال لنفسها واباحتها هدراً لخواصها حتى اثرى البعض من المسؤولين ثراءاً فاحشاً ، فأوعز الامام الى السلطة التنفيذية بوضع اليد على تلكم الاموال ومصادرتها حتى سيف عثمان ودرعه قد شمله القرار الاداري العلوي وهذا الامر قد اثار حفيظة القرشيين و جوبه بردة فعلٍ قوية منهم لكن الامام اصر على ان يدحض الشر ولو كره المبطلون ، فأعيدت المنهوبات الى بيت المال لتسهم في ارفاد خزينة الدولة ولدعم الاقتصاد الاسلامي .
انطلق الامام ليؤسس نظاماً اقتصادياً ناجحاً من شأنه ان يبني حكومة صالحة تحقق العدالة المجتمعية وتعمل بالنظام الاسلامي والانساني .
وما اشبه اليوم بالامس حيث استولت عصابات منظمة وشرذمة من شرار الخلق على مقدرات العراق ، ولطالما سمعنا عن الكثير من ملفات الفساد المالي والاداري والتي تورط فيها سين وجيم من المسؤولين و بعض المقربين منهم حيث تشير الاخبار والتقارير الى ارقام مخيفةٍ من اختلاساتٍ وسرقاتٍ تقدر بملايين الدولارات وفي جميع القطاعات الادارية وغيرها وتحت مرأى ومسمع من الحكومة لكن ولا من مجير .
فأصبح المجتمع العراقي بين ثملٍ متنعمٍ بمال السحت او عائلٍ يعاني شظف العيش ويذبحه العوز في اليوم الواحد ألف مرة وتكضُّ مضجعه الديون والايجار و مبلغ السحب و مصاريف المدارس ومتطلبات البيت وووووو .
فباتت ثروات البلد نهباً لصناع القرار ومباحةً لصناع الموت وقاطعي الارزاق مما آل بالاقتصاد العراقي نحو الانهيار التام ، فأعلان التقشف الحكومي كان بمثابة اعلان حرب غير متكافئةٍ بين دولة عظمى وقبيلة نائيةٍ في طيات غابات الامازون ولايزال الكثير من ابناء الشعب العراقي يعاني من طائلة ذلك التقشف المقيت والذي لم يتجرع مرارته سوى الفقراء والمتقاعدين واصحاب الدخل المحدود ورغم انتهاء الحرب على داعش وارتفاع اسعار النفط في الاسواق العالمية ورغم انتهاء وانتفاء الحاجة للتقشف نرى ان اغلب عوائل الشهداء والمضحين والذين لا زالوا ينزفون الدماء والدموع لفقد خيرة شبابهم ولازال الجرحى يأنون من آلآمهم و هم يعانون اوجاعهم بصوتٍ وصمت نجد الكثير منهم لا زال يتوسل المؤسسات الحكومية لأجل انصاف تلكم التضحيات ومنحها مستحقاتها التي لا ترتقي وحجم العطاء ومن ينصف تلكم الدماء والجراحات التي لولاها لما تحقق النصر ولساخت الارض بالكراسي والمناصب الآيلة للسقوط حتماً فمن يجيب دموع الامهات الثواكل والارامل الفاقدات ومن يمسح على رؤوس اليتامى لينتشلها من حنين الشوق لبابا
الغائب ؟
فأينكم من ابي الايتام الذي كان يحمل الخراج المليء بالطعام ليلاً ليسد رمق الجياع والفقراء واينكم من تواضع عليٍ الذي يخيّر ارملة الشهيد بين ان تعجن هي او يخبز هو للايتام واينكم من حنانه وهو يحمل ابناء الشهيد على ظهره ويلاعبهم حتى يعوضهم حنان الاب وهو خليفة الكون . فلا عادت الاموال المنهوبة ولا دعمت خزينة البلد ولا عاد المسافر الى الابد .
يتبع .
https://telegram.me/buratha