( بقلم : منشد مطلق المنشداوي )
أولا : الـحـدود الـمنهجيـة .ربما يقول البعض : إن الحركة كانت دعوة إلى إصلاح العقيدة لا غير وأنها لا علاقة لها بالماديات والتخطيط لاستغلالها ، أو أن الحركة التزمت مذهب السلف ولم تحد عنه قيد أنملة ، فلا حاجة لها إذن بالمفكرين ولا أصحاب الكلام ، ولا ...الخ. وهذا المبرر صادر فعلا من طرف علماء الحركة(1) ، وقد يبدو موضوعيا إلى حد ما لو صحت النية والمنهج ، لأن هذا النوع من الإصلاح هو الأساس في إحداث التغيير الاجتماعي ويدخل ضمن العامل الثقافي في التغير الاجتماعي ، لكن يبقى ما هو الأسلوب الذي سلكته الحركة الوهابية في ترسيخ العقيدة في النفوس كما أنه يتساءل ما هو المستوى المنهجي الذي انطلقت منه ؟ .إن محاربة الوهابية لعلم الكلام والفلسفة والتصوف بهذا المصطلح قد أمال الكفة ضدهم من حيث التقييم العلمي الذي يفرض نفسه عليهم . وذلك بالرجوع إلى القرآن والسنة فمثلا حين نسمع قول الله تعالى : " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق " . نفهم مباشرة من هذا الخطاب الحث على طلب العلم والاستدلالات واستعمال العقل استعمالا منظما وممنهجا وهادفا لغاية سامية ، هي الكشف عن حقائق الكون وتفسيرها . وبذلك تتجلى لنا معاني القرآن الكريم التي لم ندركها للوهلة الأولى ويتجلى إعجازه سواء لمن ينظر أو من يجرب .إذن ، فالقرآن الكريم أعطى لنا الحرية في البحث والتعليم والغوص بالكامل سواء في العلوم النظرية أو التجريبية ، لكي تتجلى لنا الآيات ويعضد بعضها بعضا لتطمئن قلوب مريضة ، وتسمو أرواح متشوقة إلى إدراك الأسرار التي أودعها الله سبحانه وتعالى في أغوار هذا الوجود ، إضافة إلى الحرية في التعبير والإصلاح المتجدد والموافق لروح النص القرآني والحديثي .إن انعكاس منهج الوهابية الفكري على مجتمعها كان انعكاسا واضحا وذلك أنه أصبغ عليها صبغة سطحية وسكونا فكريا ، فلا حركة تنطلي بأعراضه .نعم ! إن الحركة الوهابية قد حررت عقولا وطهرت بقاعا حسب زعمها ولكن عقول من يا ترى تلك التي استطاعت الوهابية أن تصلحها وتطوعها لصالحها ، هل عقول الفقهاء ، أم عقول المفكرين المتكلمين والفلاسفة أم عقول العامة البدويين ؟ .
فحسب ما يبدو أن العامة البدويين كانوا أصحاب نصيب الأسد في هذه التبعية أما غيرهم فنذر استجابته للحركة الوهابية رغم انزلاق كثير ممن يسمون إعلاميا بالعلماء في منحدرهم وخاصة في فترة ظهور البترول ووفرة الإغراء بالمال والمناصب والشهرة ! وسبب هذا الاستنتاج ، هو رجوعنا إلى كتابات الوهابيين واستقراؤنا لنصوصهم بحيث نجد أنهم لم يأتوا بجديد ولم ينتجوا فكرا ولا فقها بالمعنى اللازم ، وإن صدرت عنهم بعض الفتاوى التي يكاد يبين فيها بعض التفتح المذهبي إلا أنها لم تكن ذات شأن يذكر، فأهم كتبهم تضمنت الكلام عن التوحيد ، والذي يسمع بعناوين هذه الكتب قد يتبادر إلى ذهنه أنها تعالج مواضيع أشكل على العلماء حلها أو كانت مجال التدقيق واستخراج معانيها باجتهاد علمي ، لكننا حينما نتفحصها نجد أنهم يستتبعون الآيات والأحاديث بعضها ببعض ويردفونها بشروح قصيرة ، بحيث لم يخوضوا في تأويل ولا بحث واسع في المدلولات اللغوية أو الإمكانات العقلية والتضادات ، بل إنهم أخذوا الآيات على ظواهرها وشرعوا في الاستشهاد بها على مذهبهم في التوحيد وموقفهم من جسمية الروح والتواصل والمحبة ، أورد على سبيل المثال بعض أنواع التأليف عندهم يقول محمد بن عبد الوهاب في إحدى رسائله(2): " القاعدة الرابعة : أن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ، ومشركوا زماننا شركهم دائما في الرخاء والشدة ، والدليل قوله تعالى : " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون " سورة العنكبوت : 65 .وهذا الأسلوب في الإسقاط يكاد يطابق حرفيا ما ورد في حق الخوارج كما رواه البخاري في كتاب استتابة المرتدين حيث يقول : " وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله " وقال : " إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين " .ولقد كان لهذه المنهجية في الكتابة المتقطعة دور خطير بوضع الأمور في غير محلها ، وذلك أنا رأينا كلمة الشرك تطلق على كل من يشتبه في معاملته الروحية حيث اتفق وهو شيء يستلزم الحيطة التامة في إصدار مثل هذه الأحكام كما هو منصوص عليه شرعا وكذلك إضفاء المقارنة بين مشركي الجاهلية وبعض المسلمين لوجود نوع تشابه في بعض المظاهر(3) . كما أن الوقوع في الشرك مستبعد عن المسلمين بالنص النبوي وقسمه يقول صلى الله عليه وسلم "وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها" - أي الدنيا –(4) .هذا وقد تسربت هذه المنهجية إلى العلاقات العامة ودخلت في أوساط التركيبات الاجتماعية وأخذها العامة بمفاهيمها السطحية حتى صار كل من يقف أمام قبر إلا وهو عرضة للرمي بالشرك . كما تبين لنا سرعة الحكم بالكفر على بعض المظاهر التي كانت تبين على بعض الطوائف الإسلامية ، وهذه السذاجة والصلف والجمود الفكري قد انعكس على عقيدة الوهابيين أنفسهم وعرضوا أنفسهم لأن ينعتوا بالمشبهة والمجسمة والحشوية وكذلك التقارب بين تصوراتهم وما عليه المسيحيون من تجسيم وتشبيه في بعض القضايا وخاصة الصفات والاستواء على العرش وما إلى ذلك في أخذها على ظاهر مادي يتنافى مع عقيدة التقديس والتنزيه . متأثرين في ذلك وبشكل مشوه ببعض آراء الكرامية وابن تيمية(5) .إن هذا السلوك نحو المخالفين في المذهب ، وهذه السرعة في التكفير ، كانت وراء انعدام التجانس الطائفي في الأقاليم الوهابية ، والذي استتبعته حروب دامية تقشعر منها الجلود وتشمئز من الإطلاع على أخبارها النفوس ، والذي يقرأ كتب المؤرخين الوهابيين يجد العجب العجاب مما يسيء إلى سمعة الحركة الوهابية ويؤشر على خطرها ونزعتها للعنف ، ويستطيع المهتم أن يتصفح كتاب ابن بشر : "عنوان المجد في تاريخ نجد"، فلن يجد صفحة تقريبا إلا وفيها قتال مرير وكر وفر حتى يخيل لمن يقرأ هذا الكتاب كأنه يتناول كتاب الأساطير الذي يصور لنا حروب " سيف بن ذي يزن " مع العفاريت . فكان الأولى بالعلماء الوهابيين أن يحذفوا هذه الكتب من قائمة المراجع التاريخية عوض أن يساهموا في نشر مثل هذه المهازل التاريخية ! .
ثـانـيـا: الـحــدود الـتطبيـقـيـة .
إن الوهابية كدعوة لم تكن قادرة على الظهور بأسلوبها العالمي وخاصة في الحواضر، مما دعا ابن عبد الوهاب كما رأينا إلى الاعتماد على البوادي وكذلك على القوة السياسية التي دعمته برجالها وأسلحتها ، فهي إذن قد اعتمدت على الجانب السلطوي في التغيير أكثر من اعتمادها على الجانب الإقناعي .ولقد كان للحركة الوهابية في بدئها دور فعال في التغيير واستجابة أهل البوادي لها . وفرض المذهب على أهاليها ، وحدث تغير اجتماعي ملموس من انحراف سلوكي إلى انضباط ووقار اجتماعي وإقامة لحدود الشريعة من حيث الظاهر السطحي والمتشدد إلا أنه لم يكن ليستقر ويكتمل حتى تكتنفه الحروب الدامية والرغبة في السطو . ومما يبرز لنا تفكك الانضباط الأول هو ما قام من حروب أهلية بين أبناء تركي وما أورده ابن بشر من العودة إلى الحالة ما قبل الحركة الوهابية وتلون الساحة التي دخلتها وغيرت مجتمعاتها . وهذا ما يبين أن الاستجابة كانت مؤقتة وليست عن طريق الإقناع التام . وهذا يبين أن الحركة الوهابية كانت تمثل حلا مرحليا(6) لا تكتسي طابع الشمولية وذلك لإهمالها جوانب أخرى من الحياة ، كان من الضروري أن تعيرها انتباها بالغا ليحدث التكامل في الدعوة وتطبق الإسلام كما ينبغي له أن يطبق ، وهكذا فإن تطبيق مبادئ الوهابية الفرعية لم يكن ليستمر حتى عهود طويلة وذلك لسببين :أولا : استعمال العنف في تطبيق المبادئ .ثانيا : عدم مسايرة العالم مدنيا .وهذان العنصران قد عجلا بانقراض العهد الوهابي الأول ، لأن الحركة طبقت شرطا وأهملت الشرط الآخر طبقت الحماسة والاندفاع ، وأهملت التدقيق ووضع الأمور كل في محله ، وهذا هو أحد الأشياء المعيبة عليها من حيث الحضور الواقعي للحركة وقد يعذرها البعض في المسألة الثانية ويؤاخذها على التصرف الأول(7) . ولكننا إذا أعطينا المسألة بعدا أطول قد يوجه اللوم إلى الحركة الوهابية في عدم اعتنائها بالعلوم التجريبية وتطرقها إلى تطوير المدنية ، وذلك لأنها لو اقتصرت على الدعوة الفردية الهادفة إلى إصلاح القلوب والأفكار فصلا عن كل المجالات الأخرى حسب ما يدعيه زعماؤها ، لكان جائزا لها التبرير ، لكنها تقلدت السياسة وتحملت مسؤولية المجتمع روحيا وماديا فكان لازما عليها أن تبرز فعاليتها في كلا المجالين وتعطي كل حيز حقه من العناية .ثم أنه قد يتبادر إلى الذهن تقييم مبادئ الوهابية الاجتماعية ، هل تعتبر من قبيل الثابت أو المتحول ؟ .فإذا كانت من قبيل الثابت فهل يجوز أن تتراجع الوهابية في موضوع فتح مجال التعليم المتواصل للمرأة بعدما كانت لا حظ لها فيه ، كما هل يجوز أن تعلن التفتح التام على العالم الخارجي وإعلان التعايش والمساواة بين الطوائف المذهبية كاستدراج سياسي ومذهبي بعد ما كانت محل الحيطة والمحاربة والحذر؟ .إن أغلب مظاهر هذا التغير برز بشكل واضح في العهد الثاني من الحركة الوهابية عند قيام الدولة السعودية الجديدة وخاصة بعد اكتشاف البترول ، بعد ذلك أخذ التغير يظهر بحرية واستمرارية ، وكان جليا في مجال الأنماط الاجتماعية أكثر منه في مجال التركيبات .أما النمط السياسي فإن تقلد الأمير منصب الإمام بعد ما كان الشيخ يقوم به كانت من بين العوامل التي سببت الانضباط في السياسة الوهابية ، ولو استمر الوضع على ما كان عليه أولا لما كتب للوهابية أن تستمر كدولة أبدا ، لأنه كان لابد وأن يحدث صراع جوهري بين الشيخ والأمير ولكان الشذوذ السياسي هو الغالب على طابع الحركة وتصرفاتها . والدليل على ذلك هو وجود أنظمة معاصرة تكاد تشبه ما كان عليه محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود إذ أنه توجد فيها قيادتان : القيادة الروحية ، والقيادة السياسية الشكلية . إلا أن المحرك - الحقيقي للاتجاه السياسي هو صاحب القيادة الروحية كما كان في إيران مثلا وخاصة في عهد الخميني- ، ولجهل صاحب هذه القيادة بالأمور السياسية ومخادعاتها حدثت أحداث خطيرة بل مغامرة بكيان هذا المجتمع الذي تسوده القيادتان المختلفتان وجهات النظر من خلال حرب الخليج الأولى وهو ما يبرز أيضا على شكل صراع بين تيار الإصلاح كما يسمى والمحافظة! . لهذا فإن استئثار رئيس الدولة بالزعامة الدينية والسياسية أولى من تقسيم السلطة بين رجلين كل له قوته ووزنه وأتباعه الخاصين وليس معنى هذا الانفراد بالآراء أو إهمال مجلس الشورى ، بل المقصود به إعطاء الأمير حرية التطبيق بعد الموافقة العامة على المشروع .والذي يبدو أن الحركة الوهابية قد كان لسياستها نوع من الرضوخ إلى الاستشارة كما بينا ، إلا أنه كان لا ينزل إلى حد الاستشارة العامة بل يقتصر على الأعيان ، وهذا نقص في معنى الاستشارة العامة ، ويشيع حديثا كما أشرت إليه قبل أن السياسة الوهابية أخذت تنزع إلى تطبيق هذه الاستشارة العامة وإحداث المجالس النيابية على النمط الحديث .وهي كما أشرت قبل عبارة عن رضوخات للمسار السياسي الغربي وضغوطاته بتحقيق التبعية ولو بشكل مقنع . وهذا ما جعل السياسة الوهابية تنفلت عن الفقه الوهابي ، وترتمي في أحضان المصالح المادية الصرفة - بل توظف الوهابية المذهبية لزعزعة الأنظمة العربية والإسلامية خارج الجزيرة بزعم السلفية والأصولية ، وبدعم الريال والدولار جنبا إلى جنب لكل حركة مناوئة لنظام لا يوافق المذهبية الوهابية ولا السياسة الأمريكية كما حدث في الشيشان وأفغانستان وما ترتب عنه من لعبة الطالبان وذريعة محاربة الإرهاب...! .وهو ما أخذ ينعكس على علاقة السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية سلبا ، بل أصبحت المعاداة علنية بينهما بسبب ما تقوم به الوهابية من تحركات وإجراءات لم تعد تخدم مصالح الأمريكيين بعدما كانوا يمثلون المعول الرئيسي للغرب في تفتيت المجتمعات الإسلامية باسم السلفية ومحاربة البدع ودعوى تطبيق الشريعة .
ثـالـثـا: الإمكانات والتطلعات المستقبلية .
إن الحركة الوهابية تبدو وكأنها تمتلك مفاتيح الخير كلها تقريبا ، فهي تتذرع باتخاذها - حسب دعواها - الشريعة الإسلامية حكمها ، كما تسعد باحتضانها الحرمين الشريفين عمادين أساسيين كفيلين بأن يكسبا الحركة الوهابية قوة واحتراما من طرف المجتمع الإسلامي داخليا وخارجيا ، إضافة إلى هذا توفر البلاد على ثروة مادية محركة للمدنية العالمية . فإمكانياتها المادية والمعنوية إذن بعيدة الآفاق رغم تورطها في المديونية بعد حرب الخليج وتداعياتها الحالية ، لكن الشيء الذي ينبغي على الحركة الوهابية أن تسلكه هو التخفيف من حدة الصراعات المذهبية وتوطيد التجانس والتآلف الاجتماعي الداخلي من أجل اكتساب تجانس عالمي وهو الشيء الذي تأمر به الشريعة الإسلامية ، وكذلك الرغبة الفعلية في التجديد ليس تجديد الأصول ولكن تجديد المفاهيم لتلك الأصول وبالتالي إصلاح مفهوم الإصلاح نفسه بأسلوب مخالف للنمط الأول الذي تأسست عليه الحركة الوهابية وسلكه زعيمها محمد بن عبد الوهاب .ولتحديد إمكانيات الحركة الوهابية المستقبلية يجب ربط مظاهر التغير الاجتماعي داخلها بعوائقه والتي هي على الشكل التالي : -
1) عدم تكامل المجتمع وتجانس تركيبه الطبقي والطائفي :-
مازال علماء الوهابية يحملون نوعا من التعسفات الفكرية والحزازات ضد مخالفيهم في المذهب ، وخير مثال على ذلك الفتوى التي أصدرها علماء الوهابية بعدم جواز نصرة حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل ، وكذلك دعم التكفيريين في العراق ولكنهم يعتبرون مثل هذه العمليات في بلدهم عمليات إرهابية أو تخريبية ... الخ . إلا أن أصحاب السلطات عندهم قد يغضون الطرف عن البعض الجوانب لمحاولة إرضاء ولي الأمر ، حتى ولو تطلب ذلك تغيير بعض الأفكار لديهم . لهذا فإن إمكانيات اطراد انضباط المجتمع الوهابي كانت آخذة نحو التقدم بسبب رحابة الصدر المصطنعة التي أعلن عنها بعض الحكام الوهابيين وخاصة متأخريهم كما رأينا شكليا . لكن أحداث حرب الخليج والمواقف السعودية الوهابية منها أعادت الاختلال إلى مستويات تنذر بتفجر غير قابل للاحتواء !.
2) الخوف من التغير والرغبة في المحافظة على القديم :-
وقد سلكت الحركة الوهابية في مرحلتها الأخيرة تفتحا وأبدت رغبتها في تغيير أنماط الحياة الاجتماعية وبدلت البرامج التعليمية وحسنتها . ولقد جاءت هذه الرغبة صراحة في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز حيث أوردت جريدة نيويورك تايمز مقالا بمناسبة توليه السلطة بالبلاد ما نصه :" بتولي الملك فيصل بن عبد العزيز عرش المملكة السعودية، ادخل بلاده دنيا الحضارة من أوسع أبوابها وجعلها في مكان بارز من عالم القرن العشرين لأنه أضفى عليها من شخصيته صفة حضارية عقلانية متفوقة تعتمد على العلم أولا وآخرا في رسم خطوط المستقبل لا للمملكة العربية السعودية وحدها بل لعموم العالم العربي"(8) . وهذا يبرز بشكل إشاري طموحات الوهابية في شكلها السياسي والمذهبي لأن تبسط نفوذها على العالم العربي والإسلامي ! .
3) العزلة التي يعيش فيها المجتمع :-
وأسبابها كثيرة منها الثقافية والسياسية والجغرافية وانطباق هذا العنصر الأخير على الحركة الوهابية فيه نوع ترجيح نظرا للتبعية التي تقع عليها بسبب الحروب التي خاضتها ، وفرض الدعوة على الناس بنوع إكراه . وربما قد تكون الظروف البيئية الجغرافية من العوامل في ذلك إلا أنها تتخطى بالقياس إلى أن الدعوة الإسلامية الأولى انطلقت من على تلك البسيطة الصحراوية فكان معتنقوها مثال الألفة والانسجام مع العالم من حيث المعاملة ، وتكونت حضارة من أرقى ما عرف الوجود في كل الميادين ثقافيا ومدنيا ... الخ .وقد تنبه الوهابيون إلى هذه الظاهرة وعملوا على فتح باب التعارف وتبادل الوفود وفتح الكليات التي استقطبت الآلاف من طلاب العالم الإسلامي للدراسة فيها ومساعدتهم ماديا ومعنويا لجلب أكبر قدر ممكن لهذه الحركة . بالرغم من أولوا القرار من علماء نجد الذين لا زالوا يحملون طابع اللهجات القاسية في المجادلات الطائفية ، كما أنهم بدأوا يستغلون وسائل الإعلام الحديثة وخاصة عبر القنوات الفضائية ، لبث آرائهم وفتاواهم المتزمتة والمصاغة بحسب مذهبيتهم وخلفياتها كما بينا . وهذا مما زاد في تسرب الوهابية إلى أوساط كثيرة من الشرائح الاجتماعية في العالم الإسلامي تحت غطاء الفقه الإسلامي في ثـوبه الحنبلي المتشدد ، الشيء الذي زاد الطين بلة من تشعب الخلافات في أوساطه واضطراب الفتاوى لديه بين ما هو من مذهبه الإقليمي وبين ما هو مبثوث ومفروض عليه عن طريق القنوات الإعلامية كقناة اقرأ مثلا وغيرها ، بحيث يخيل للعامة أنها تمثل التوجه السني السليم للأمة بينما في الحقيقة هي وهابية مغلفة ومموهة باستقطاب بعض الرموز البارزة في الساحة الإسلامية من خليط المثقفين المتواجدين عبر أنحاء العالم العربي والإسلامي ، فمن جهة يبدو العمل متقدما ومعاصرا ومن جهة يخدم التشدد في الرؤية وجمود الفهم لأحكام الشريعة ومقتضيات الواقع والمعاصرة . وهذه مناقضة لا تجد الوهابية المعاصرة سبيلا للتخلص منها إلا بالاسترسال في الاضطرابات والتشرذمات الفكرية والاجتماعية !.
الــمـــراجـــــع : -
1- محمد خليل هراس ، الحركة الوهابية ، مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - 1396 ، ص 64 2- محمد بن عبد الوهاب ، الأصول الثلاثة وأدلتها ، مكتبة دار البيان- دمشق ، ص61 .3- محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية، مجموعة التوحيد ، المكتبة السلفية ، باب الرحمة المدينة المنورة ، ص 675 .4- رواه البخاري في كتاب المغازي . 5- علي سامي النشار ، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، دار المعارف مصر ، ط 7 ، ج1 ، ص 310 .6- محسن عبد الحميد ، المذهبية الإسلامية والتغيير الحضاري ، كتاب الأمة ،عدد 6 ، ص 98 . 7- عبد المتعال الصعيدي ، المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر ، مكتبة الحماميزي ، ص 439 .8- عبد الوهاب فتال ، درب الانتصار ، مطابع اوفست - بيروت ، ص 6 .
https://telegram.me/buratha