السيد صدرالدين القبانجي
محاضرة في جامعة الامام المهدي(ع)/ الثلاثاء 9جمادى الثاني 1441هـ
اعداد: قسم الاعلام
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
حضرني ان احدثكم اليوم عن ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران، اذ نحن نعيش هذه الايام (عشرة الفجر)، وهي المدة التي تبدأ من عودة الامام الراحل الخميني(قدس سره) الى يوم الانتصار الكامل.
اساسا هناك عدة منطلقات يجعلنا ان نتحدث ونبحث عن انتصار الثورة الاسلامية، فهناك منطلق اجتماعي تحليلي، اذ كل العالم يبحث هذه الثورة، كيف انتصرت واسرار انتصارها، علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد يحللون ذلك لكي يستفيدون من التجارب، فهي اكبر تجربة معاصرة سواء لمن يؤمن بالدين الاسلامي او من لم يؤمن، ثورة اقيمت بطريقة خاصة واستطاعت ان تستمر لاربعين عاما، كيف حدث ذلك وما هي العناصر القوة؟
والمؤمن المسلم ايضا يبحث ذلك، من ان الثورة في ايران هل هي قومية محلية او انها اسلامية؟ هل انها ثورة استثناء للشعب الايراني او يمكن تكرارها في شعوب اخرى ما دام هي ثورة اسلامية؟
نحن من الجدير ان نبحث ونقف على هذا الحدث التاريخي الكبير، اذ هذا الحدث غير مسارات التاريخ كله، اكثر مما فعلته الحرب العالمية الاولى والثانية التي قسمت الكون والارض والنظام السياسي فيها. ما صنعته الثورة الاسلامية في ايران من تقسيم الصراع بين المستكبرين والمستضعفين هو شيء تاريخي لا نظير له في عصرنا، اذن هي جديرة بالدراسة خاصة بيننا وبينهم تشابه كثير، تشابه في المرجعية، تشابه في المذهب، وتشابه في الحوزة، كل هذه من دواعي الوقوف عند هذه التجربة ودراستها تحت عنوان (معطيات الثورة الاسلامية في ايران ودلالاتها).
هنا سجلنا ثلاث معطيات:
المعطى الاول: قدرة الدين.
المعطى الثاني: قدرة الشعوب.
المعطى الثالث: قدرة المؤسسة الدينية.
ان هذه المعطيات لم تكن مألوفة في العالم منذ ثورة نبينا ومعطيات حركته المباركة الى قيام الثورة الاسلامية في ايران، وهنا نقف عند كل واحد من المعطيات المذكورة.
المعطى الاول: قدرة الدين:
هناك نظرية يطرحها الغرب وهي تهميش الدين، مفادها ان الدين غير قادر او انه غير صالح للاستعمال معللين ذلك بعوامل تاريخية وغيرها.
الا ان الثورة الاسلامية الايرانية اثبتت ان الدين قادر ان يطيح بطاغوت ويؤسس نظام سياسي وان يحافظ على هذا النظام ويواجه تحديات العالم.
من المناسب هنا ان ايضا ايها السادة الكرام ان اضعكم في ما يجري في داخل ايران من الصراعات، ان الصراع الموجود في ايران يدور حول قضيتين:
القضية الاولى: الثورة الاسلامية عالمية ام قومية؟
القضية الثانية: معايشة ام معاداة الاستكبار العالمي؟
اما القضية الاولى فهناك اتجاهان اساسيان:
الاتجاه الاول: الاتجاه المدني:
يرى هذا الاتجاه ان ما حدث في ايران يجب ان يكون مختص في ايران، وهذا هو الاتجاه المدني وشعارهم (ايران براي ايرانيان) اي (ايران للايرانيين)، لنقل انها ثورة اسلامية لكن قومية.
الاتجاه الثاني: الاتجاه الديني:
يرى ان الثورة الاسلامية ثورة عالمية تهتم بكل الشعوب وتهتم بالمسلمين والمستضعفين، فهي ليست ثورة قومية محلية، وهذا الاتجاه قاده الامام الخميني والان يسير على خطاه الامام الخامنئي، اذ طرح الامام الخميني شعارا (تصدير الثورة) وذلك انطلاقا بما يتبناه من ان ثورته يجب ان تكون عالمية.
واما القضية الثانية فهناك ايضا اتجاهان، فالاول يرى ضرورة المعايشة مع الاستكبار العالمي وان تكون ايران كاليابان والصين وروسيا، اذ روسيا تتعايش مع امريكا، نعم، قد تكون معادية لامريكا لامور خاصة ولكن كاستراتيجية لا توجد عداوة بينهما، ففي ايران هناك شخصيات بارزة تؤمن بهذا الاتجاه.
اما الاتجاه الثاني، يرى ضرورة المعاداة مع الاستكبار العالمي، وذلك لاختلاف الحضارة، اذ يرى هذا الاتجاه ان الاسلام يمثل حضارة وثقافة اخرى لا يستطيع ان يتعايش مع الثقافة والحضارة المادية، فحضارة الاسلام حضارة رسالات الله، هذه الحضارة لا تقبلها العالم المادي، هذا المنهج حمل رايته الامام الخميني والامام الخامنئي.
فالجدل في ايران بين هذه الخطوط فكل اتجاه له نظرياته ورموزه.
الغرب اليوم يحاول ان ينجح الاتجاه الاول، فتارة ترامب يمدح ايران ويصرح بان ايران شعب عظيم، وتارة يروجون ان (اوباما) مسلم، وآخر تصريح لترامب يقول لايران اخذوا العراق ولبنان وسوريا لكن اتركوا اسرائيل، اذ وصلت امريكا الى هذه النتيجة ان ايران تفكر بالعالمية ولا يمكن تغييرها الا عن طريق تغيير الشعب والحرب الناعمة.
ان هذا الاتجاه اي الاتجاه الثاني هو الذي انتصر في ايران ولم يتحقق النصر الا بالتضحيات، اذ قيادات هذا الاتجاه تعرضوا لاغتيالات، كل يوم كنا نسمع استشهاد القيادات الدينية والسياسية بينما الاتجاه الاخر لم يتعرض لاغتيالات، لماذا؟ لان هذا الاتجاه كان يشكل خطرا عليهم، اذ جاء بحضارة جديدة.
المعطى الثاني: قدرة الشعوب:
اساسا ان عملية التغيير كانت عبر التاريخ بعدة طرق، اما عن طريق انقلابات عسكرية كما في بلداننا العربية، او عبر حركة مسلحة كما حصل في الصين وكوبا، او عبر الاحزاب السياسية كما حدث في الاتحاد السوفياتي بقيادة حزب الشيوعي. السؤال: الشعوب هل قادرة ان تتحرك وتغير من دون الاحزاب والانقلابات العسكرية او حركات مسلحة؟
الشيء الذي صنعته الثورة الاسلامية الايرانية التدليل على قدرة الشعوب بتغيير الحكم والنظام، فالامام الخميني غير الحكم لا عن طريق الاحزاب السياسية ولا عن طريق الانقلابات العسكرية ولا عن طريق الحركة المسلحة، وانما عن طريق الامة والشعب، وهذا النهج هو النهج الذي اتبعه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فانه لم يقم بعملية الاغتيالات وعملية عسكرية وانما قام بتغيير الشعب، حتى قالت قريش: (يا ابا طالب ان ابن اخيك قد سفه أحلامنا، وسب آلهتنا وأفسد شبابنا، وفرق جماعتنا..) هذا يعني ان الرسول اعتمد في ثورته على الامة ودورها في التغيير.
المعطى الثالث: قدرة المرجعية الدينية والمؤسسة الدينية:
ما هي وظيفة المؤسسة الدينية، هناك اتجاهان:
الاتجاه الاول: يرى ان وظيفة المؤسسة الدينية هي حفظ الدين.
الاتجاه الثاني: يرى ان وظيفتها حفظ الدين وحفظ الامة ايضا، وهذا الاتجاه تبنته الثورة الاسلامية في ايران، اذ يرى هذا الاتجاه ان الانبياء ليست وظيفتهم ايصال وابلاغ الامم بالرسالة الالهية فقط، وانما ايضا وظيفتهم انقاذ الامة من المستكبرين الطغاة، الانبياء(عليهم السلام) ونبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) والامام علي(عليه السلام) وسائر الائمة(عليهم السلام) لم يكن عملهم واعظين ومرشدين بل كان عملهم قيادة الامة وانقاذها من المستكبرين الى جانب الارشاد والوعظ.
اليوم العالم الديني مسؤوليته حفظ الدين والامة، مدينة اذا تعرضت الى زلزال، امام الجماعة مسؤوليته ان يقف ويساعد الامة ويقود العملية وحينئذ يكون ابا لهؤلاء الناس (يا علي انا وانت ابوا هذه الامة)، وهنا من المناسب ان نذكر ثلاث قصص تبين ان مسؤولية العالم الديني هي حفظ الدين والامة.
يذكر الامام الخامنئي في مذكراته انه ايام الشاه هُجّر الى مدينة سنية (زاهدان)، وبقى هناك فترة اقامة جبرية، بدأ يتحرك على علماء السنة ويزور مساجدهم، ثم تعرضت هذه المدينة الى فيضان هائل دمرت المدينة دمارا، هنا السيد الخامنئي رجل دين وهناك رجال دين اخرين، لكن السيد الخامنئي بادر لانقاذ الامة واتصل بعلماء مشهد وبعض الاصدقاء ان ادركوا هؤلاء الناس بالطعام وما شاكل ذلك و اصبح هو المسؤول عن توجيه وتوزيع الطعام على الاف البيوت، عالم دين انقذ امة كاملة، ومن هنا عشقوه.
وكذلك الامام موسى الصدر في لبنان قاد مسيرة جماهيرية من جنوب لبنان الضاحية الى بيروت دفاعا عن القرى الشيعية وجر الكهرباء لها والتبليط وما شاكل ذلك، هذه ليست قضية حفظ الدين بل قضية الامة، الامة بحاجة من يدافع عنها، فالعالم الديني مسؤوليته ان يحافظ على دين الناس وعن امن الناس وعن رفاهية الناس، ونحن نعتقد ان هذا الاتجاه هو احد معطيات الثورة الاسلامية في ايران واحد معطيات ثورة الانبياء والاولياء، (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَْرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)
ذو القرنين رجل دين سواء كان نبيا او لا، فبنى للامة سدا، وهذا درس والقران يعتبر هذا نموذج، القران لماذا يذكر هذه القصة، انها نموذج يحتدى به، اذن مسؤولية العالم الديني حفظ الدين والامة.
وفي الختام نرى ان الثورة الاسلامية في ايران بمعطياتها الثلاث استطاعت ان تطيح بطاغوت وتؤسس نظام سياسي وان تحافظ على هذا النظام وتواجه تحديات العالم.
والحمد لله رب العالمين
https://telegram.me/buratha