دراسات

دولة الولاء ودولة الانتماء ...جدل الاولوياتِ


 

جمعة العطواني

 

مقدمة

اتابع بشكل جيد ما ينشره الباحث السياسي الدكتور حميد عبد الله في اكثر من مناسبة للعديد من مقاطع الفيديو المسجلة عن مختلف الاحداث السياسية في العراق خلال حقبة البعث او في زمننا الراهن.

واشعر ان الدكتور حميد يؤرخ او يسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ العراق المعاصر ، لكنه يتعمد الانتقائية احيانا في اختيار موضوعاته لغرض الإثارة او بسبب ما يقع بين يديه من ( وثائق).

وربما تكمن أهمية ما يذكره عن مرحلة هو معاصر لها، بل هو جزء من منظومتها السياسية ( آنذاك) وهي من اكثر المراحل السياسية ( اجراما ووحشية ) في تاريخ العراق ونقصد بها حقبة البعث .

قبل الخوض في عنوان المقال سجلت ملاحظة مهمة على ( منهجية) الدكتور حميد عبد الله وقع فيها من حيث لا يشعر ، فهو ( يتحفظ) على الكاتب او المؤرخ السيد( طالب الحسن ) الذي ذكره في احد مقاطعه الفيديوية كونه( طالب الحسن ) يكتب عن مرحلة البعث وهو سجين سياسي في ( طوامير النظام) .

الأشكال الذي طرحه الدكتور حميد هو:( لا يمكن لسجين سياسي ان يكتب ضد خصمه– نظام البعث– ، لانه وفق منهجية حميد عبد الله لن  يكون حياديا في الكتابة والتوثيق ).

ووفق هذه المنهجية يرد الأشكال على حميد عبد الله ايضا في كتاباته او توثيقه عن الحركات والاحزاب السياسيةِ المعارضة لنظام البعث، كونه ينتمي بشكل او باخر لذلك النظام،وما يذكره من احداث وأسماء من قيادات ورموز البعث تدل على معرفة لرجل قريب جدا من تلك الرموز ويعرف عن قرب دهاليزها المظلمة.

بالنتيجة فان السيد حميد عبد الله خصم لتلك الاحزاب والحركات السياسية المعارضة لنظام البعث ، وكلامه لا يؤخذ به وفق نفس المنهجية التي أشكل فيها على كتابات وتوثيق خصوم البعث عن تلك الحقبة .

وقد يجيب الدكتور حميد على الأشكال اعلاه بانه ( محايد) في نقده وتوثيقه كونه ينتقد حقبة البعث احيانا في كتاباته او حواراته.

والجواب: ان نقده ( احيانا) لنظام البعث حجة عليه وليس له ومن باب ( وشهد شاهد من اهلها)، بينما نقده لخصوم البعث فهي شهادة مجروحة .

ويجب التاكيد ان ما نذكره بناءا على منهجية الدكتور حميد في نقد خصوم البعث في توثيقهم لحقبة النظام .

وربما يجيب الدكتور مرة اخرى بانه: يذكر( وثاىق من مؤسسات. النظام  ومخابراته ، والجواب هو: ومن قال ان هذه الوثائق حقيقية ، وقد شاهدنا العديد من الوثائق المزورة ، ثم على فرض انها صحيحة ، ألم يعلم الجميع ان النظام  يتقصد تزوير الحقائق وفبركتها احيانا؟ ولدينا اكثر من حادثة عاصرناها وراينا حجم التزويرِ والكذب التي يقوم بها النظام ضد خصومه، وعملية اغتيال الشهيد الصدر الثاني  افضل مثال لذلك ، وقضية اتهام الشيخ حسن الكوفي باغتياله لابد وان تكون موثقة في كتب ( رسمية) في امن النظام ، ومن يطالعها بعد عقود يتصور انها حقيقة لا غبار عليها.

من هنا كان على الدكتور حميد ان  يلتزم بالمنهجية التي أشكل فيها على الآخرين .

نعود الى اصل الموضوع المهم الذي اثاره الدكتور في بعض مقاطعه وهو مسالة ( دولة الولاء ودولة الانتماء وجدل الاولوياتِ )، فهو يرى ان هناك حالة من الازدواجية لدى (الانسان )الذي ينتمي وطنيا لدولة ، وينتمي عقائديا لدولة اخرى، وبالتالي قد يحصل التعارض احيانا عندما تتقاطع مصلحة ( دولة الانتماء مع دولة الولاء). وقد ركز على الجمهورية الاسلامية في ايران وانتماء البعض لها( عقائديا) من غير الإيرانيين ، وحاول ان يفترض حصول حرب او خصومة بين الدولتين فكيف يكون موقف هذا المواطن؟

يوجد جوابان لهذه الاشكاليةِ ، الجواب الاول هو جواب( نَقْضيّ) والجواب الاخر هو جواب ( حَلّي) حسب الاصطلاح المنطقي .

الجواب النقضي :

ابتداءا لماذا مطلوب منا الارتباط بدولة تم تشكيلها بارادة غير وطنية ، بل بارادة المستعمر الذي احتل الارض وقسم شعوبنا وجغرافيتنا كيفما يَشَاء؟.

ثم ان( الحب والبغض) و ( الانتماء والولاء) مسائل وجدانية تحددها مشاعر وخلجات الانسان وأحاسيسه وميوله الفطرية والدينية والاعتقادية وغيرها ، ولا تحددها القرارات السياسية .

على سبيل المثال ( لو ان المجتمع الدولي قبل بضم الكويت الى العراق بعد غزوها من قبل نظام صدام ، هل المطلوب من الكويتين ان يكون ولاؤهم لنظام البعث والدولة العراقية وفق قرارات مجلس الأمن الدولي دون قناعتهم مثلا ؟ وكيف يُطلَب من الكويتي ان يحب العراق او يكون ولاؤه لبلده الجديد لا لشيء إلاّ لان المجتمع الدولي ( أقرّ) ضم الكويت الى العراق!

بالنتيجة مسائل الولاء والانتماء مسائل وجدانية لا تحددها المصطلحات السياسية ولا تفرقها الفوارق القومية او العرقية.

وما يقال عن دولتين تجمعهما ايدلوجية واحدة عند حصول خلافات بين تلك الدولتين يقال ايضا عن الدولة الواحدة ( الوطنية) ذات المكونات المختلفة عند حصول خلاف أيدلوجي بين مكوناتها او على قضية( وطنية) تتعارض مع ثوابت بعض المكونات ، وعليه قِس.

المسالة الاخرى تتعلق بطبيعة الانظمة( الوطنية ) او( اللا اسلامية) فهي أنظمة ليست وطنية بالمعنى المحلي للاصطلاح ، بل هي مفاهيم مستوردة وليست وطنية النشأة في وجودها وفلسفة نظامها ، بل يمكن ألقول ان النظام الاسلامي هو النظام الوحيد الأصيل في وجوده في منطقتنا ودولنا العربية على وجه الدقة من حيث النشأة والانتشار، فما يقال عن ازدواجية المواطن  الاسلامي العقائدي يقال عن ازدواجية المواطن العلماني ( الأيدلوجي ) .

من هنا يمكن ألقول ان مفهوم ( التبعية )اليوم اصبح مفهوما ( مشككا) وفق الاصطلاح المنطقي، بمعنى ان فيه تفاوت في الانطباق على  مصاديقه، فمثلا

هناك شرائح كثيرة في العراق تنتمي( ولائيا) للغرب وأمريكا في كل شيء ، وتطالب باستنساخ الفكر الغربي واخلاقياتهم على المجتمع العراقي، وهي اخلاقيات وسياسات  اجنبية وليست محلية ، فلماذا  استنساخ التجارب الغربية (مباح) واحياء التجربة الاسلامية ( محظور)؟

قد يقال : عندما يحصل صراع بين الغرب والعراق  فان تلك الشرائح من العلمانيين يكون ولاؤهم للعراق وليس للغرب او لامريكا).

اقول هذا الكلام غير دقيق، وقد اثبتت الوقائع عدم صحته بدليل، عندما قامت امريكا بعدوان سافر على سيادة العراق وأرضه وقتلت قادته ورجاله في جبهات القتال ، بل واحتلته لم نجد رفضا من تلك الشرائح،بغض النظر عن تبريراتهم مقبولة كانت او غير مقبولة.

بالنتيجة كان موقفهم مرحبا بالاحتلال وساكت  عن الاعتداء على سيادة الدولة.

ألا يُعَدُّ ذلك اولوية دولة الولاء على دولة الانتماء في الأيدلوجيات غير الاسلامية ؟

اما الجواب الثاني ( الحَلّي) فيمكن تلخيصه بالتالي :

وفق المنهج القراني لايوجد تقاطع ما بين الثابت العقائدي و( الوطني)، وان المعيار الاسلامي أعم  من الثابت الوطني والقومي، بل المعيار هو ( الحق والباطل) ، وان قادة الاسلام ( مراجع الدين) وهم قادة المشروع الاسلامي معيارهم الاسلام وليس الجغرافية بالاساس، فلا يتعاطى ( الولي والفقيه او المرجع الاعلى مع القضايا السياسيةِ من زاوية قومية او قطرية حتى نتوقع منه ان يقف مع الدولة التي يسكن فيها او هو قائد سياسي لها على حساب الدول الاسلامية الاخرى كالعراق مثلا.

فالثابت الوطني هو ثابت اسلامي مالم يتعارض مع معيار الحق ، او يكون فيه ظلم على الآخرين ، بتعبير اخر لو ان ( الحكومة الإيرانية ) على سبيل المثال اتخذت قرارا مضرا بالعراق ستجد موقف الولي الفقيه قبل اي مسؤول عراقي رافضا لذلك القرار ومانعا من تنفيذه، لا لشيء الا لانه يتعارض مع الثوابت الاسلامية ومع معيار الحق الذي تدور حوله الأحكام الاسلامية ، وكذا الحال بالنسبة للموالين او مقلدي الولي الفقيه في اية منطقة او دولة من دول العالم الاسلامي ، على سبيل المثال لو ان الحكومة العراقية اتخذت قرارا يتعارض مع ثوابتِ الاسلام او فيه عدوان على دولة مسلمة فلايجوز لاي مسلم عراقي ان يلتزم بالقرار تحت ذريعة الموقف( الوطني) .

ولو أجرينا استبيانا لكل الشعب العراقي وطرحنا عليهم السؤال الاتي:

- اذا قامت الحكومة العراقية بالاعتداء على دولة مسلمة فهل تقف مع حكومتك؟

بالتأكيد سيكون جواب الأغلبية العظمى بالنفي ورفض العدوان على الآخرين، لان المعيار هو الحق والباطل والعدل  والظلم .

وهذا الذي حصل بعد عزو نظام البعث دولة الكويت، فبالإضافة الى ان الشعب العراقي لم يقف مع نظام صدام فحسب، بل انتفض على نظام صدام لظلمه على الشعب وعدوانه على الكويت ايضا .

من جانب اخر فإننا نجد التقاطع داخل مكونات دولة الانتماء اكثر بكثير من التقاطع بين دولة الانتماء ودولة و( دولة الولاء ) ، فالخلافات الجغرافية والسياسية والاقتصادية بين اربيل وبغداد اكثر من الخلافات بين ايران( دولة الولاء) والعراق( دولة الانتماء) ، علما ان الشعب الكوردي يقف مع حكومة الاقليم ، فهل تسمي هذا الموقف الكوردي ( الشعبي) خللا في( وطنيتهم) او انتمائهم للعراق؟

واذا كنت تحسبه خللا في الوطنية والانتماء وخرقا للثابت الوطني ،فهذا معناه ان القضية ليست محصورة بالجغرافية او الولاء الاسلامي او المنتظم الاسلامي .

اكثر من ذلك حتى في النظم العلمانية نجد الشعوب تتظاهر على انظمتها عندما تتخذ تلك الانظمة قرارات فيها عدوان على شعوب اخرى، ولا يمثل ذلك خدشا في انتمائهم لاوطانهم .

نعم الانظمة ( العلمانية او اللا اسلامية بصورة عامة ) معيارهم ( المصالح) بغض النظر عن حقانيتها او بطلانها .

جمعة العطواني

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك