مازن صاحب
منذ عرفت الدولة بنموذجها الحديث في تمثيل الارادة المجتمعية وتخويل نواب الشعب في عقد دستوري لنظام حكم رشيد يساوي بين المنفعة الشخصية والمنفعة العامة .. وجميع النظريات القديمة تتراجع أو تحاول محاكاة هذا التطور ولعل ابرزها نموذج الحكم الملكي الذي ارتبط بالنظام البرلماني المقيد لسلطات الملك التي كانت مطلقة مرة باسم الخالق سبحانه وتعالى أو بالوكالة عنه بتخويل من سلطة دينية .
ما فلسفة هذا التطور الانساني ؟؟
هناك علاقة جدلية بين الانسان وذاته ومجتمعه من جهة وذلك الغيب الذي كان يعبر عنه بالطوطمية في التراث العراقي القديم أو علوم الفلك لتفسير الغيب حتى ظهور الأديان القديمة حتى ظهور الديانات الابراهيمية .. بتوحيد الخالق سبحانه وتعالى ... وتلك الكتب المقدسة التي نقلت كلام الله عز وجل إلى الانسانية جمعاء .
لكن طبائع المجتمعات المتنوعة بتاثير البيئة الصحراوية .. او ما تواصل عليه المجتمع من عادات وتقاليد موروثة عبر قرون من الاحتلال العسكري المتبادل بين الحضارات القديمة . . حتى ظهور الدولة الإسلامية .. في نواتها الأولى في دولة مدينة الرسول محمد صلى الله عليه واله .. ثم توسعت هذه الدولة لتكوين حضارة امبراطورية مترامية الأطراف .
ما علاقة ذلك بما يحدث اليوم من تطور للدولة؟؟
الاختلاف الصريح أن مفهوم الدولة قد تغيير بسبب تغيير أحوال المجتمع بعد تطور الصناعة وإذا كان هناك منهجا للطريق نحو الدولة الحضارية المنشودة بتطبيقات الأفكار الإسلامية .. سأكون أول الدعاة للخلافة الإسلامية بعد أن يرجع مفكروا الاسلام في عصرنا للاتفاق على قلب رجل واحد ... هذا الاتفاق الذي انتهى في سقيفة بني ساعدة .. ودب الخلاف بقوة بثورة الحسين عليه السلام وما تلاها من أحداث معروفة تستذكر في التراث العزائي الشيعي .. مقابل توصيفات لابن تيمية ترجمت بلغة معاصرة في بدايات القرن الماضي للوهابية..و للاخوان المسلمين تطورت فيما بعد إلى السلفية التكفيرية وظهور تنظيم القاعدة وداعش ..
في المقابل ... ما كسبت الدول الإسلامية ومنها العراق من منتج الطريق نحو الدولة الإسلامية وهل هي فعلا حضارية بالمعنى العصري لهذا المصطلح ام لذات مضمون دار الحرب والسلام التي تلغي الحدود السيادية المعروفة في النظام الدولي بموجب ميثاق الامم المتحدة لتكون كتلة اممية يمكن للمواطن أن يكون له أكثر من ولاء ..مرة لقانون الدولة الوضعي حسب هوية المواطنة واخرى لسيادة مرجعية دينية .. والمقارنة بين جميع الفصائل المسلحة الإسلامية تنتهي الى أن الاغلب الغالب منهم في دول ذات سيادة ويكون تمويلهم وولاؤهم لمرجعيات دينية ليس بالضرورة أن تكون من ذات مواطنيهم ما دامت الفكرة الأساسية هي التعبير عن ارادة الأمة الإسلامية لكل فصيل مسلح حسب تفسير الشريعة الإسلامية المعتمد عن شيوخهم اليوم ..فيما يعد ذلك في القانون الوضعي خيانة عظمى للدولة من احد مواطنيها .... ويفسر في القانون الدولي بأن مكتسب جنسية أي بلد ويقوم بافعال واعية ضد سيادتها عميلا للدولة أو الجهة المحرضة واغلب الدول تنص قوانين العقوبات فيها على مثل ذلك بحكم الإعدام !!
ما تقدم يلغي فلسفة الاعتبار الشرعي ويفرض القانون الوضعي للدولة وايضا القانون الدولي الذي ينظم علاقات الدول فيما بينها بلا منازع فكري أو منهج تطبيقي.
السؤال.. كيف سيكون منهاج طريق الدعوة لبناء دولة حضارية منشودة من داخل صندوق الفكر الإسلامي الشرعي .. غير المعترف به في العلاقات بين الدول؟؟
أي مفكر اسلامي مجدد لفكرة الدولة الإسلامية الحضارية أو الحزب الإسلامي في دولة مدنية عصرية لم يطرح الحلول لعلاقة المنظور الفلسفي الاممي لمثل هذا التحزب مع القانون الدستوري الوطني أو القانون الدولي العام ... ويبقى تفسير الشريعة الإسلامية معتمدا على اجتهادات متعددة الأطراف
ربما الإجابة على هذا السؤال تتطلب الاستعارة من نموذج غاندي في حزب المؤتمر .. الذي تضمن جميع افكار المواطنين الهنود بعنوان ( تحيا الهند) فكيف يمكن لدعاة الدولة الإسلامية الحضارية المنشودة تضمين اختلاف التفسير أولا وتضارب مصالح الدول الاستراتيجية امنيا واقتصاديا وانماط التحالفات الاقليمية والدولية في مخطط التخطيط لنقل مثل هذه الدعوة من بطون كتب الأفكار إلى طرق ومناهج بناء دولة حضارية حديثة؟؟
اعتقد ان مدخلات الاختلافات بين ما هو وضعي في القانون الدستوري القائم على العقد الاجتماعي وبين العقد الشرعي والولاء خارج قانون سيادة الدولة .. تؤدي إلى مخرجات لا تتقبل معايير الحكم الرشيد.. القائم على رفاهية المواطنين من خلال تساوي المنفعة الشخصية والمنفعة العامة .. وتوظيف جميع قدرات الدولة البشرية والمادية في تحقيق العدالة والانصاف...التي تنص عليها شريعة الأديان الابراهيمية ولعل افضلها الاسلام .. فيما العمل على تطبيق تلك الاحكام لها تفسيرات تختلف مع البناء المعاصر في تفسير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... فالسلفية التكفيرية تعد حتى قتل مسلم بريء أمرا مقبولا في مواجهة ما تجده منكرا وتعالجه بالعمليات الانتحارية!!!
السؤال ..ما الحل؟؟
الإجابة تتمثل في ظهور مفكرين اسلاميين مثل ديفيد هيوم .. يقومون بتحليل ذات الانسان اليوم وبمعايير وقياسات المستقبل المنظور وليس استرجاع الأمس وتفسيراته التي ربما تكون قد ذكرت لوقائع في زمانها وظرفها ... فتقرا بلغة العصر على أنها مخالفة لحقوق الإنسان وابسط مثال على ذلك الرق وما ملك اليمين واموال وامان غير المسلم في دار الاسلام .
وعالم الغد يحتاج الى تفسيرات معرفية مؤثرة على هذا الدفق المتوالد من المعلومات .. فتضيع الحقيقة وسط كلام منابر صورتها اسلامية ولكن حقيقتها خلاف ذلك .. وهذا يتطلب أن يتدبر ويتصدى لذلك كبار المرجعيات الدينية العليا في كل المذاهب .
دون ذلك تبقى الفجوة واسعة بين تحديد الفكر الحضاري في اواسط القرن الثامن عشر حتى اليوم بل وتتسع يوما بعد يوم بين إدارة المعرفة لتخطيط وتنفيذ الحكم الرشيد وبين الأفكار والنظريات التي لها سجالات فلسفية من دون نتاج مجتمعي يصوب طريق الحكام نحو الصواب ..والا فانها جاهلية جديدة في القرن الحادي والعشرين .. ولله في خلقه شؤون!!
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha