رياض البغدادي ||
الحقبة الأولى هي حقبة بدايات المقاومة الاسلامية التي امتدت نموا واتساعا واتصالا بالجماهير وتعرفا عليها ، وكذلك تعرفا من قبل الجماهير على الحركات المقاومة ، حتى العام1972 . في هذه المرحلة كان المجاهدون الاسلاميون بكل تصانيفهم الحزبية نموذجا متقدما في كل شيء ، نموذجا في الخلق ، نموذجا عاليا يقتدى به في الجد والحياة العملية ، طلابا كانوا - وهم الكثير - أو عمالا او معلمين وموظفين .
كان الاسلاميون نموذجا في الوعي والثقافة العامة والخاصة معا ، كان المجاهد يجتذب الجماهير الى المقاومة ، لا من خلال الاقتحام فحسب على كثرة ما كان لمجاهدي حركات المقاومة من مواقف اقتحاميه ولكن كان الاسلاميون يجتذبون الجماهير الى احزابهم من خلال كونهم نموذجا متقدما في كل شيء ، وبشكل خاص من خلال وعيهم ، ومن خلال ثقافتهم ، ومن خلال امتلاكهم حصيلة واسعة من المعارف ، وقدرة عالية على توظيفها ، لانهم ينطلقون اساسا من موقف فكري ومبدئي واضح .
هذه هي الصورة الأولى وهي طبيعية جدا في كل حركة عند بداياتها ، وعند مراحل نموها الاولى .
الحقبة الثانية بعد العام1973 فان الكم الكثير الذي استقبلته حركات المقاومة الاسلامية ، لكي تستطيع أن تواجه به الهجمة الاستبدادية المنحرفة ضد الأهداف الجوهرية لجبهة المقاومة وضد الوعي الاسلامي ، مقترنة بتحالف النظام البعثي مع الحزب الشيوعي العراقي آنذاك ، فقد كان في هذه المرحلة انفراج الحركات الاسلامية على الكسب واسعا ، وكان لابد من ترجيح العناصر ذات الصفة الصِدامية والقدرة على المواجهة ، والتساهل في بعض المقاييس التي كانت الاحزاب الاسلامية تتشدد بها ، كما كان لزاماً على الاسلاميين ، وعلى المجاهدين ان يعطوا هذه الناحية أهمية متقدمة اضافة الى ان منشورا اسلاميا واحدا او كراسا يحمل اسم الشهيد الصدر او الامام الخميني كان كفيلا بأن يدفع بالمجاهدين إلى أشد العقوبات.
هذه الصورة أدت اضافة الى اتساع العمل المقاوم - منتسبين وجماهير وحلفاء - الى ان تفقد جبهة المقاومة قدرتها على تأكيد القيم التربوية الأخلاقية الجهادية بنفس الصيغ والدرجات السابقة ، وبالتالي ضعف الجانب الثقافي في عملية الجهاد ولا نريد ان نتهم احداً او جهة ما بالتقصير لان ذلك اصبح واضحا ومعروفا ومطروقا بشكل واسع ، وقد تحدث عنه الكثير من مجاهدي الحركات الاسلامية بشكل عام .
بعد التغير ومنذ يوم ٩/٤/٢٠٠٣ نواجه ظروفا جديدة تماما ، هذه الظروف تحمل في بعض جوانبها وجوها للشبه بظروف ما بعد العام ١٩٨٠ ، وفي جوانب أخرى تتناقض معها تناقضا كاملا وبشكل لا يقبل الجدل ، فمن ناحية التشابه ، نشير الى اتساع جبهة المقاومة وكثرة المنتمين اليها بصيغة مطلقة وبالمقارنة مع العدد القليل من المجاهدين ذوي الحصيلة الثقافية والايمانية المتكونة عبر العمل الثقافي والممارسة الجهادية السابقة ، اما من الجانب الاخر فان هناك تناقضا واضحا ، فجبهة المقاومة اليوم تقود مواقع ادارية وقيادية كثيرة في كثير من الدول ولا تعاني المطاردة والاعتقالات وبالتالي فان كل مستلزمات العمل الفكري والثقافي متوفرة للمجاهدين ولكل المستويات العلمية وللجماهير ايضا ، سواء كان ذلك من خلال توفر اسباب المقاومة بأوضح صيغها ، أو توفر المستلزمات والامكانات المادية والفنية، فقد توفر لجبهة المقاومة ، وبشكل خاص في مجال نظرية العمل ، نتاجات كثيرة ورائعة ايضا ، ولا نأتي بجديد اذا قلنا ان الامام الخامنئي دام ظله اعطى - خلال السنوات الاخيرة - حصيلة فكرية وثقافية واقعية وثورية اغنت فكر المقاومة من جانب ، ووضعت أسسا راسخة لمسار واضح في نظرية العمل المقاوم من جانب آخر ، وهذا أمر نادر في تاريخ الحركات الثورية ، وقلما نستطيع أن نجد له مشابها ، لكن الامر المختلف ان الدولة في ايران تقودها جهات تنفيذية منتخبة اعطت لقائد المقاومة القدرة في اعطاء المجاهدين الوقت الكافي لرعايتهم والاهتمام بشؤون كل جبهات المقاومة وفي بعض الاحيان يهتم بأفرادها ويتابع اعمالهم بنفسه ولكن المؤسف الى حد الأسى والالم العميق ان كل هذه العطاءات الرائعة ، اضافة الى عطاءات جبهة المقاومة منذ نشأتها الأولى - ايام كانت حركة دعوية ـ حتى الان كل هذه العطاءات لا نستطيع أن نقول انها وظفت بمستوى ما تتطلبه المرحلة ولا بمستوى قيمتها هي ، ولا بمستوى الحدود المعقولة لمتطلبات العمل المقاوم ، وهذا كله يرجع إلى عوامل عديدة او جملة اعتبارات، ولا بد أن نشير الى ناحية نفسية في هذا المجال ، ومن خلال الامثلة والشواهد التاريخية في عملنا المقاوم نستطيع أن نصل بشكل واضح ومجسد يستفيد منه اخوتنا المجاهدون .
(يتبع)
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha