د. محمود الهاشمي*||
شهدت حركات التحرر في العالم نوعاً من "التخادم" فيما بينها قديماً وحديثاً، وهذا "التخادم" اخذ اشكالاً مختلفة سواء بالدعم البشري او اللوجستي والتسليح او في توفير اماكن لغرض التدريب، والتأهيل بالاضافة الى الرعاية وتسخير المنصات اعلامية.
ان هذا "التخادم" ظل احد الاسباب "المهمة" في نجاح حركات التحرر بالعالم،سواء اقتربوا في المكان او ابتعدوا، وسواء اختلفت (الجغرافيا )والاجناس البشرية والعقائد السياسية او الدينية، وذلك هو السر الذي بقي ملازماً لهذه الحركات، فمثلاً ان المسلمين يناصرون الشعب الفيتنامي في قتاله ضد الاستعمار الفرنسي والامريكي، وتسمع الخطب والقصائد تصدح على المنابر نصرة للمقاتل الفيتنامي دون ان نسال عن قوميته او دينه او المسافة التي تفصلنا عن بلده، وتحولت اسماء وعناوين قيادات التحرر الفيتنامي كـ(رموز) للصمود والصبر، والصراع من اجل نيل الحرية، فيما وقفت دول بعينها الى الجانب قوى التحرر الفيتنامي مثل الصين وروسيا وكورويا الشمالية، لذا فان فيتنام عندما تحررت من الاستعمار كان عمق صراعها يتمدد على جغرافيا مختلفة من العالم، وحين انتصر الشعب الفيتنامي لم يفكر لحظة ان هذا النصر كان له ان يكون دون الدعم من احرار العالم.
وماكان مع فيتنام كان مع جميع الدول التي حصلت على الاستقلال ونالت الحرية..فالمشتركات بين قوى التحرر اكبر بكثير من قوى الشر والباطل، يقول الامام علي "ع" "يا عجباً ! كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم"، اي ان المجموعة التي تنصلت عن واجبها في مواجهة الباطل هي السبب في انتصار الباطل، والا وفقاً لمنطق الامام علي عليه السلام "ان الحق هو المنتصر" وحين يجتمع اهل الحق للدفاع عن ارضهم ودينهم واوطانهم فهو امر مفروغ منه لكن "ان يتظافر" اهل الباطل هو الذي جعل الامام علي عليه السلام يصدر هذا "العجب"..اما اسباب "انتصار اهل الحق" فكثيرة اولها "الايمان" بان "العدل" هو الحاكم مهما اختلفت العقائد والافكار، والموت من اجل "العدل" والدفاع عنه مسلمة لدى شعوب الارض، لذا لاترى احداً يدافع عن "الاستعمار" يوماً الا عن "شذوذ" والدليل اننا لم نقرأ قصيدة على مستوى العالم تمدح مستعمراً او غازيا او حتى ماورد للشاعر احمد شوقي "وللمستعمرين وان الا نوا ...قلوب كالحجارة لاترق"..
اي بالنهاية فان قلوب المستعمرين "كالحجارة"..وحتى في الاسلام فان النظرة ترى من الاقرب الى عقيدتها غير الابعد كما جاء في سورة الروم "الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ."
لذا حين نرى ان السفن والبواخر الايرانية تصل الموانئ الفنزولية مثلما تصل موانئ سوريا لغرض الدعم، وحين تظهر صور الشهيد الحاج قاسم سليماني الى جوار صور جيفارا او هوشي منه او سيمون بوليفار، فلا غرابة في ذلك فالجامع بين هؤلاء جميعاً هو "نصرة الحق" و"حرية الشعوب"
هذه المقدمة سقناها، بعد ان تظافر "اهل الباطل" المتمثل بامريكا وكيف اصدرت العقوبات على العديد من الدول والشخصيات والشركات، ومثلما خنقت شعبها تحت اقدام شرطتها ترغب ان تخنق شعوب الارض التي لاتمتثل لارادتها!!.
ومن هذه الدول التي تتعرض الى عقوبات شديدة منذ عام 1960 هي كوبا، وبعد ذلك الجمهورية الاسلامية الايرانية وعلى مدى "40 "عاماً وكذلك فنزويلا والصين وروسيا، واخر عقوبة "قانون قيصر" على سوريا!!.
نقول اذا كان "تظافر اهل الباطل" حالة "مخالفة" للقوانين البشرية، وطباع الانسان الباحث عن الحرية ، فكيف لهم ان يخنقوا الشعوب جوعاً او قتلاً؟..
ان الذي يجعل "اهل الباطل" يمارسون بطشهم وطغيانهم هو "تنصل اهل الحق عن مهمتم".
وفقاً لذلك ومثلما نالت دول عديدة حريتها وتخلصت من ربق الاستعمار، وادرك العالم اجمع ان "الحرية" ومواجهة الظلم يحتاح الى تضحيات والى صبر وصمود، وكيف تتحول المشتركات في مواجهة الظلم، الى "فرصة" ليجتمع "اهل الحق" ضد "اهل الباطل" فان الدول "المتضررة" من "العقوبات الامريكية" والباحثة عن الخلاص من الهيمنة والتفرد الامريكي تحتاج الى نوع من "التخادم" فيما بينها.
الصين لم تتاخر في الانفتاح على لبنان، باعتباره البلد الاكثر تضرراً من العقوبات على سوريا، وسارعت قبل ذلك للبحث عن فرص للاستثمار في البلد لسهولة تشريعاته، وقوانينه وطبيعة الحياة المنفتحة فيه بالاضافة الى موقعه الجغرافي، كما اعلن الرئيس الصيني "شي جين فينغ" بان بلاده على استعداد للمشاركة باعمار سوريا، ومثل ذلك كائن في العراق ومعاهدة الصداقة مع دولة الصين التي تم عقدها ايام السيد حيدر العبادي وتبعه عادل عبد المهدي ..اما علاقات الصين مع روسيا وايران فمتميزة.
هذا التوجه نحو الشرق وتعبيد طريق الحرير الذي ينتهي عند البحر المتوسط يحتاج الى "تخادم" لانه، اذا لم نتحد ، سننتهي كما انتهت دول كثيرة للموت والخراب.
ما يجعلنا نثق بـ"الانتصار" ان ادوات المنازلة لدى المقاومة قوية وفاعلة:
1-العقيدة الحاكمة لـ"المقاومة" هو الدين الاسلامي الذي يرى في مقارعة الظلم والظالمين احد المبادئ الرئيسية قال تعالى "ولاتركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار، ومالكم من دون الله من اولياء ثم لاتنصرون"، اي الزام مواجهة الظلم والا سيكون المصير الى النار..
2-ان "المقاومة الاسلامية" حققت سلسلة انتصارات لم تستطع حركات التحرر التي سبقتها ان تحققها رغم الدعم الكبير الذي تلقته خاصة في مواجهة العدو الصهيوني".
3-لم تقف "المقاومة الاسلامية" في حدود البعد العسكري بل طورت آلياتها في السياسية والصناعة والاعلام، واصبحت رقماً مهماً في جميع هذه المعادلات..
4-اصبحت لديها قيادات ميدانية محض تقدير واحترام ورمزية لدى العالم اجمع.
5- ان الجمهورية الاسلامية الايرانية هي العمق الساند لجميع "المقاومة الاسلامية" وترى في "العمق الاستراتيجي" للمقاومة التعبير الحقيقي للمبادئ السامية للاسلام وعنوان مواجهة الظلم والاستكبار، وهذا التماسك بين حركة "المقاومة الاسلامية" و"الدولة المقاومة" يمثل سر الديمومة والنجاح.
من هذا نفهم، ان هذا التماسك بين فصائل المقاومة الاسلامية ، ولذات الاهداف، جعل الخصوم يصعب عليهم التعامل مع كل فصيل او حركة بانفراد عن اخواتها، فالعمق الاستراتيجي واحد لجميع هذه الفصائل واختراقها شبه مستحيل، بقي كيف لهذه الكتلة المقاومة ان تتحول الى مشروع دولي وقطب ينافس الاستكبار العالمي، هذا ما يتم العمل به "الان" بعد ان تيقن العالم ان هذه "المقاومة" ليست مجرد كفاح وصراع عسكري بل مشروع دولة في السياسة والاقتصاد والصناعة والزراعة والعلوم المتطورة ويمكن اعتمادها والوثوق بمشروعها، ونختم بما سالت به احد الشباب اللبنانيين المناوئين لحزب الله .
1-هل تتمنى ان يقتل حسن نصر الله؟
-كلا لاننا لانثق باحد سواه!!.
وسالت شخصية سياسية عراقية غالباً ما تنال من "المقاومة"
- ماذا لو تم حل الحشد الشعبي وفصائل المقاومة؟
- "تاخر بالجواب" ثم قال: سنواجه المشروع الامريكي ونحن عزلاً.
*عضو الهيئة الادارية في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha