رياض البغدادي ||
الحركات الجهادية الاسلامية المرتبطة بأهل البيت (ع)، لها من المزايا التي تجعل منها حركات غير اعتيادية وغير تقليدية، وهي التي تحدد هذه المزايا وتفصح عنها، منذ انطلاقتها الأولى، ففي حين تكون الحركات ذات الصلة بالمواقف الطارئة والردود المنفعلة والانية محكومة بفترة زمنية محددة، لانها بالاساس استجابات لمثل هذه العوامل والمواقف، فان الحركات الثورية المقاومة ذات الأفق التاريخي تتجاوز هذا الاطار الى الاتصال الحيوي والعميق بحياة المؤمنين، بدأً من ماضي تكونها، ومرورا بكل المراحل، حتی حاضرها واستشرافا لمستقبلها.
أن حركات المقاومة التي تتسم بهذه المزايا لايمكن أن تأتي سريعة ولا سهلة، وبالتالي فانها لا يمكن أن تقابل بالترحاب، وربما كانت من اكثر الحركات التي تجابه في بدء نشوئها او الاعلان عن نفسها بالكثير من التعنت، وتستخدم ضدها مختلف الأسلحة من الفئات او القوى التي تستشعر فيها خطرا مباشرا على مصالحها او على وجودها .
أذا أردنا أن نعود إلى حاضرنا، فأننا نستطيع أن نجد هذه الظاهرة واضحة ومفصحة عن نفسها، في كثير من الامثلة والشواهد، كما اننا نستطيع أن نعود الى ماضينا لنجدها واضحة معبرة عن نفسها في شواهد كثيرة ايضا ..
ان اول ما يميز اية حركة مقاومة من هذا القبيل ويعطي بعض ملامحها الأساسية أو الأولية، كونها تنطلق عبر معاناة حقيقية قادرة على استحضار كل تاريخ الأمة في لحظة من الزمن، وهذا لا يتاح ألا للامم الحية، والا للقادة التاريخيين الروحانيين، الذين يستطيعون الاستجابة الحية لمجتمعهم، ويستطيعون الافصاح عنها بشكل صائب، وبنظرة علمية وموضوعية، كما أنهم يمتلكون ستارا ۔
اذا جاز التعبير - يستشفون من ورائه المستقبل، معتمدين في ذلك على عاملين اساسيين : حدس صادق، والتصاق حقيقي بالمستضعفين، والسعي لتأمين مصالحهم، وقدرة نفاذة على الاستقراء والاستنباط من خلال ارتباطهم الروحي بالله تعالى، هذا ما حصل في تاريخنا في أوج تعبیر المستضعفين عن ذاتهم في ظهور الاسلام.
فلقد كان الاسلام ومنذ بداياته، ايذانا بتغيير اساسي في حياة العرب في الجزيرة العربية، من حالة الضعف والوقوع اسرى الانقسامات وسيطرة الروح الفردية الانانية، الى سيادة القيم والمثل السماوية التي هيأت تلك القبائل المتصارعة ووضعتها في سياق بناء أمة على اساس الدين السماوي الجديد، واتصالا بكل القيم الانسانية الرائعة التي مثلت جوهر العدل، وكان الاسلام ابدع واوضح افصاح عنها.
ولعلنا نستطيع ان نستشف من خلال المقارنة بين موقف المشركين في مستهل هذه الدعوة، وتلك الاندفاعة الواسعة للعرب، بعد أن استطاع النبيّ (ص واله) حسم الموقف لصالح الدعوة، نستشف كيف تستطيع الحركة الثورية المفعمة بروح المقاومة والجهاد أن تغير - بشكل جذري و اساسي - كل القيم والمقاييس، وبمعنى أدق أن تزيح كل القيم الطارئة وتجرف امامها كل المعوقات، حين تستطيع أن تؤکد جوهرها وحين تستطيع أن تتصل اتصالا عضویا بحياة الناس.
وكان الاسلام اعلانا بالادانة الكاملة لكل الممارسات المتدنية التي وصلت اليها حياة العرب قبيل الاسلام، والتي لم تكن ممثلة لغير مجموعة تقالید وعادات اقتصادية واجتماعية وطقوس دينية موروثة استطاع اصحاب النفوذ من تجنيدها لمصالحهم فكان الدين بمثابة استرقاق مزدوج، فهو استرقاق يعمل لمصالح اسیاد قریش، وهو في الوقت نفسه استرقاق للاصنام التي عبدوها، وهكذا هدرت انسانية الانسان، ووجد غطاء ثقيل يجثم على كل القيم والمبادىء التي كانت تبدو بعيدة وتفقد كثيرا من بريقها وسبل الاتصال بجوهرها، فكان شيئ طبيعي ان يجاه الدين الجديد من التقاليد البالية من جهة ومن الجبروت الذي يمتلكه الاسياد من جهة اخرى، فكان المواجه التي تحملها الاسلام من القوة والتعسف والتعنت ، لان انتصار الدين الجديد يعني خسارة اصحاب النفوذ والمصالح لمراتبهم الاجتماعية وكذلك لأموالهم وتجارتهم كذلك .
الذين آمنوا منذ بدء الدعوة ادرکوا أن الانتقال بحياة مجتمعهم الى الصورة المثلى، التي بشر بها الدين الجديد، يقتضي جهودا كبيرة وتضحيات عالية ، وقدرات لم تكن موجودة بين ايديهم هم، ولكنهم كانوا يؤمنون انها ستتوفر عبر الثبات على العقيدة، وعبر مواصلة الجهاد والالتفاف حول النبي الاكرم ص واله ... يتبع
https://telegram.me/buratha