رياض البغدادي
بدأت تتحقق ۔ یوما بعد آخر - صورة المطابقة بين الفكرة التي تبدو غريبة في بادىء امرها، وبين الأداة التي لابد أن تحملها وتنتصر بها، اذا استوعبتها استيعابا حقيقيا .. والاداة هنا، بالمعنى الأوسع من الحزب الثوري او الحركة الثورية، انما الاداة هي كل الامة، بالمعنى الاجمالي والاطلاقي وليس بالمعنى النسبي .
هذا النموذج لم يتحقق في بادىء الأمر بنفس الصيغة، وبنفس المستوى، وبنفس الزمن، الذي تحقق فيه عبر تجربتنا الثورية الأولى ثورة الاسلام .. والأسباب منطقية في هذا المجال ... فعدا عن الأسباب ذات الصلة بشخصية الرسول الاعظم، وبالاعتبارات الأخروية، فان طبيعة القوى المعادية اليوم ومستوى الأساليب والمستلزمات التي تمتلكها تختلف كثيرا، عن طبيعة القوى المعادية في ذلك الحين...
ان أعظم انتصارا سجلته التجربة الثورية الاسلامية الجديدة للأمة، ولجبهة المقاومة، في آن واحد، هو أن جبهة المقاومة استطاعت أن تُحدث تغييرا واسعا في حياة الامة ، وفي الأنظمة العربية، حتى عندما حاولت بعض الأنظمة، وبعض المنظمات التي حملت شعارات المقاومة، ان تواجه جبهة المقاومة الحقيقية من خلال هذه الشعارات - وحين كانت جبهة المقاومة تتغلغل في حياة الامة الاسلامية وتتسع وتمتلك مواقع حكومية محدودة، كانت القوى المعادية تجهد نفسها لكي تدق أسفينا بينها وبين الامة، كما هو الحال في العراق ولبنان وفلسطين واليمن، فقدت شهدت الساحة العربية والاسلامية حملة شرسة وواسعة، استهدفت جبهة المقاومة من خلال تشويه مواقفها وتزييف مبادئها، واختلاق مختلف الادعاءات التي تفصل ما بينها وبين الامة .
ولقد استطاعت هذه الحملة، مع ما رافقها من تراجع وانتكاس في التجربة المؤسفة للحكم في العراق، مرده بالدرجة الأولى، من بين الأسباب الأخرى، الى ذاك الفصل، أو الى ضعف الارتباط، او فقدان الاتصال الحي بين جبهة المقاومة وقسم كبير من جماهير الامة، أن يحقق العدو جانبا كبيرا من اهدافه في تعطيل حركة المقاومة، والحد من دورها التاريخي في قيادة الامة، وبالرغم من كل الانتصارات العظيمة التي حققتها جبهة المقاومة الاسلامية في العراق، كان مطلوبا منها ازاء حالة الارباك في ادائها السياسي ( اقول ارباك في ادائها السياسي وليس فشلها كما يحلو للبعض قوله، لانها بالحقيقة ليست الجهة الوحيدة التي تقود تجربة الحكم في العراق ) على جبهة المقاومة أن تختار أحد أمرين، اما ان ترضى بما قدمته من اداء مخجل على مستوى المواقع الحكومية التي ادارتها، وتستمر بدفاعها عن نفسها، امام الانتقاد الذي تواجهه، او تعيد حساباتها وتبعد عن صفوفها من فشل في امتحان الحكم والسلطة، وتبدأ بداية جديدة تعيد ثقة الجماهير بها..
ونحن الان، وبعد مرور فترة طويلة على هذه الحالة من جانب، وبعد الانتصار الذي حققته جبهة المقاومة في مواجهة الارهاب والمؤمرات الدولية التي تدعمه، من جانب آخر، قد لا نستطيع ان نسترجع كل الصورة الماضية، بكامل تفاصيلها، وبنبضها الحي في حين ان جبهة المقاومة، في حقيقة الأمر، لم يكن أمامها الا أختيار واحد، الاختيار الذي دفعها إلى أن تفصح عن نفسها في البداية وان تواصل مهمتها التاريخية، وان تعلن عن اخطائها لا ارضاءا لنزعة ذاتية ضيقة، مشدودة الافق، سلبية المنطلقات، ولكن لانها الضمير الحي المعبر عن طموحات الامة، التي لا يمكن ان يحققها غيرها، بحكم أن هذه الأمة لايمكن ان يبعثها الا الجهاد الذي يستطيع أن يمثل جوهرها...
يؤسفنا أن نقول أن المرحلة الحالية بكاملها لم تكن مرحلة نضج، وانما كانت مرحلة تدهور وانحلال، وضعف وتراجع في حياة الأمة في العراق، وهي شبيهة بمرحلة التأسيس ، الى حد كبير، صحيح أن ظروف مرحلة التأسيس، كانت تمتلك ميزة اساسية هي ان الامة لم تكن قد اكتشفت ۔ حتی ذلك الحين - الفكرة الثورية الاسلامية الجديدة، القادرة على برمجة الحياة بأسرها و تغييرها، الا ان هذه الفكرة - كما قلنا - قد تعرضت للكثير من التشويه، وان هذه الحياة الجديدة التي آمنت بها جبهة المقاومة، وجاهدت من اجل تحقيقها، أخذت بعض القوى تحاول تشكيلها على صيغة نماذج هزيلة، لاتمتلك منها الا شكلها الخارجي، هذه الحقيقة - اذن ۔ فرضت مستوى جديدا من الجهاد الفكري والسياسي والأخلاقي على جبهة المقاومة ان تتصدره وبما ينسجم ويتلائم مع المهمات المطروحة على الساحة العراقية، وهي كبيرة ومعقدة، بل ومتشابكة، لكن الثقة العالية التي تمنحها الامة لجبهة المقاومة، ووجود النموذج الناجح في التجربة الايرانية، كل ذلك وغيره سيكون دافعا لانتصارها على مستوى العمل السياسي ... يتبع
https://telegram.me/buratha