دراسات

الجائحة و النظام السياسي – يتطلب وقفة


 

فرانسيس فوكوياما- مفكر اميركي من اصول يابانية, استاذ في جامعة ستانفورد, صاحب نظرية نهاية التاريخ.

تموز/آب 2020

موقع فورين أفيرز Foreign Affairs

ترجمة: ضحى الخالدي

    الأزمات الكبرى لها عواقب كبرى و عادةً تكون غير متوقعة. الكساد الكبير حفَّز الانعزالية, القومية, الفاشية, و الحرب العالمية الثانية, لكنه ايضاً أدّى الى الصفقة الجديدة, نهوض الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية, و في نهاية المطاف نهاية الاستعمار.

هجمات 119 أنتجت تدخلين أميركيين فاشلين, نهوض أيران, و الاشكال الجديدة من الأصولية الاسلامية.

الازمة المالية في 2008 ولَّدت طفرة في الشعبوية ضد المؤسسات و التي استبدلت القادة عبر العالم.

مؤرِّخو المستقبل سيخطّون آثاراً كبيرة نسبياً للجائحة الحالية؛ التحدي هو في اكتشافها في وقت مبكر. من الواضح عادةً لماذا بعض البلدان يكون أداؤها أفضل من الآخرين في مواجهة الأزمات الى حد بعيد؛ و هناك سبب للاعتقاد باستمرار هذه الاتجاهات. ليست القضية في نوع النظام. بعض الديمقراطيات أبلت حسناً, و الاخرى أخفقت, و نفس الحقيقة بالنسبة للأنظمة الاستبدادية . العوامل المسؤولة عن الاستجابة الناجحة للجائحة: قدرة الدولة, ثقة المجتمع, و القيادة.

البلدان التي تمتلك العوامل الثلاثة – أجهزة دولة كفوءة, حكومة يثق بها الشعب و يصغي اليها, و قادة مؤثرين- يكون لديها أداءُ مثيرُ للأعجاب يحد من الضرر الذي يحيق بهم.

البلدان التي لديها دول غير كفوءة, مجتمعات مستقطَبة, و قيادة ضعيفة يكون أداؤها سيئاً؛ تاركةً مواطنيها و اقتصاداتها مكشوفةً و غير محصَّنة.

   ما عُرِف أكثر عن COVID-19 المرض الذي يسببه فايروس كورونا المستجد, هو ان الازمة تبدو ستطول مقاسة بالسنوات بدلاً من الفصول. يبدو المرض أقل فتكاً مما يُخشى الا انه مُعدٍ جداً و غالباً ينتقل دون أعراض. ايبولا قاتل بدرجة عالية لكن من الصعب التقاط عدواه؛ يموت الضحايا بسرعة قبل ان ينقلوه للآخرين. COVID-19 على العكس من ذلك, مما يعني ان الناس لا يميلون الى اخذه جدياً كما يجب, لذلك فهو يستمربالانتشار و سيستمر بالانتشار بصورة كبيرة عبر العالم مسبباُ أعداداً كبيرةً من الوفيات. لن تكون هناك لحظة تعلن فيها الدول الانتصار على المرض؛ بدلاً عن ذلك ستنفتح الاقتصادات بشكل بطئ و مؤقت, مع تقدم تُبطئه الموجات المتعاقبة من العدوى. الآمال بشفاء بشكل  V (منحنى بيانياً) تبدو تفاؤلاً مفرطاً.  الاكثر احتمالاً هو بشكل L طويل الذيل ينحني للأعلى أو سلسلة من W (متكرر).  لن يعود الاقتصاد العالمي الى اي شئ يشبه ما كان عليه قبل COVID-19 في أي وقت قريب.

اقتصادياً, فأن الازمة الممتدة تعني فشل الاعمال التجارية و دمار الصناعات مثل مراكز التسوق, و سلاسل البيع بالتجزئة, و قطاع السفر. مستويات تركيز السوق في اقتصاد الولايات المتحدة ارتفعت بثبات لعقود, و الجائحة ستدفع هذا الاتجاه اكثر. فقط الشركات الكبيرة ذات التمويل الضخم ستكون قادرة على ركوب العاصفة, مع عمالقة التكنلوجيا الذين يكسبون أكثر من الجميع, حيث التفاعلات الرقمية تزداد أهمية.

     العواقب السياسية ممكن ان تكون أكثر اهمية.من الممكن استدعاء الشعوب لأفعال بطولية من التضحية الجماعية بالنفس لبرهة, و لكن ليس للأبد. وباء باقٍ مقترن مع فقدان قاتم للوظائف, ركود اقتصادي طويل الامد, و عبء ديون غير مسبوق, لا محالة سيخلق توترات تتحول الى ردود فعل سياسية عنيفة (ارتدادات سياسية) لكن ضد من؟ ليس واضحاً حتى الآن.

فشلت الولايات المتحدة في استجابتها بصورة سيئة و يبدو ان هيبتها انزلقت بشكل كبير.

   سيستمر التوزيع العالمي للقوة بالميل ناحية الشرق, ما دام شرق آسيا يدير الوضع بشكل افضل من أوروبا و الولايات المتحدة. رغم ان الجائحة بدأت في الصين, و تكتمت بكين عليها في البداية و سمحت بانتشارها, فأن الصين ستستفيد من الأزمة, على الاقل في الفترات القريبة. كما حدث ان دولاً اخرى كان أداؤها سيئاً و حاولت التكتم على الجائحة ايضاً بشكل أكثر وضوحاً و بتبعات قاتلة على مواطنيها. و على الاقل فأن الصين اصبحت قادرة على استعادة السيطرة على الوضع و هي تتحرك باتجاه التحدي التالي, العودة باقتصادها الى التقدم بسرعة و استدامة.

    بالمقابل فأن الولايات المتحدة فشلت في استجابتها بصورة سيئة و يبدو ان هيبتها انزلقت بشكل كبير. يمتلك البلد قدرة و امكانيات دولة كبيرة و له سجل حافل مثير للأعجاب في الأزمات الوبائية السابقة, لكن مجتمعه الحالي  المستقطَب بدرجة كبيرة و قائده غير الكفوء منعاه من العمل بشكل أكثر فاعلية. قام الرئيس بترسيخ الانقسام بدلاً من تعزيز الوحدة, تسييس توزيع المساعدات,وضع المسؤولية على الحكّام لاتخاذ قرارات رئيسية لحماية الصحة العامة بينما كان يشجع الاحتجاجات ضدهم, و هاجم المؤسسات الدولية بدلاً من تحفيزها. العالم ايضاً يستطيع مشاهدة التلفاز, و يقف بذهول,  و بسرعة سيعقد مقارنة واضحة مع الصين.

خلال السنوات المقبلة, ستؤدي الجائحة الى انحدار قريب للولايات المتحدة, التآكل المستمر للنظام الدولي الليبرالي, و عودة الفاشية حول العالم. من الممكن ايضاً ان تؤدي الى اعادة توليد الديمقراطية الليبرالية, النظام الذي حيَّر المشكِّكين عدة مرات, مظهراً قدرات رائعة على الصمود و التجديد. ستظهر عناصر كلا الرؤيتين. لسوء الحظ مالم تتغير الاتجاهات الحالية بصورة دراماتيكية, فأن التوقعات ستكون كئيبة.

نهوض الفاشية؟

   من السهولة تخيّل النتائج المتشائمة. القومية, الانعزالية, رهاب الأجانب, الهجمات على نظام العالم الليبرالي تتزايد منذ سنوات, و هذا الاتجاه سيتعجل فقط بالجائحة. الحكومات في هنغاريا و الفليبين استخدمت الأزمة  لأعطاء نفسها سلطات طوارئ تحركهم ليبقوا أبعد عن الديمقراطية.  بلدان أخرى تشمل الصين, أل سلفادور, و أوغندا اتخذت اجراءات مشابهة. حواجز –موانع- لحركة الناس ظهرت في كل مكان بما في ذلك قلب اوروبا؛ بدلاً من العمل المشترك بشكل بنّاء من أجل المنافع المشتركة, فأن الدول تنكفئ نحو الداخل, تتشاحن مع بعضها البعض, و يجعلون خصومهم أكبش فداء سياسية لفشلهم.

نهوض القومية سيزيد أمكانية الصراع الدولي. ربما يرى القادة بأن القتال ضد الاجانب يمثل ألهاءً سياسياً محلياً مفيداً, و ربما يغريهم ضعف أو انشغال خصومهم و يستفيدوا من الجائحة لزعزعة استقرار أهداف مفضلة أو خلق حقائق جديدة على الأرض.  مع ذلك, نظراً للقوة المستقرة المستمرة للسلاح النووي و التحديات المشتركة التي تواجه كل اللاعبين الكبار , فأن الاضطرابات الدولية تبدو أقل احتماليةً من الاضطرابات المحلية.

  الدول الفقيرة ذات المدن المزدحمة و النظام الصحي العام الضعيف ستواجه المشاق. ليس التباعد  الاجتماعي فحسب لكن حتى العادات الصحية البسيطة ستصبح صعبة الى حد بعيد في البلدان التي لا يستطيع الكثير من مواطنيها الوصول الى المياه النظيفة. و الحكومات تجعل الامور أكثر سوءاً أما من خلال سوء التخطيط, او التحريض على التوترات الطائفية و تقويض التماسك المجتمعي, أو من خلال عديمي الكفاءة الجهلة. الهند على سبيل المثال ازداد انعدام حصانتها بأعلان اغلاق البلاد دون التفكير بتبعات عشرات الملايين من العمال المهاجرين الذين يزدحمون في كل مدينة كبيرة. الكثير ذهبوا الى منازلهم القروية ناشرين المرض عبر البلاد, مرة واحدة عكست الحكومة موقفها و بدأت بتقييد الحركة, عدد كبير وجدوا أنفسهم عالقين في المدن دون عمل أو مأوى أو رعاية.

    النزوح الذي تسبب به التغير المناخي كان قبل الآن أزمة بطيئة الحركة تختمر جنوب العالم. ستضاعف الجائحة من تأثيراتها, مما يجعل نسبة كبيرة من شعوب الدول النامية يصبحون اقرب الى حافة الكفاف. و صدمت الأزمة آمال مئات الملايين من البشر في الدول الفقيرة الذين كانوا مستفيدين من عقدين من النمو الاقتصادي المستدام.

     سيتنامى الغضب الشعبي, و في النهاية فأن توقعات النهوض المحطمة للمواطنين ستكون وصفة كلاسيكية للثورة.

اليائسون سيرغبون بالهجرة, القادة الديماغوجيون سيستغلون الوضع للاستيلاء على السلطة, السياسيون الفاسدون سينتهزون الفرصة لسرقة ما يمكنهم, و سيتم تقييد الكثير من الحكومات أو تنهار. موجة جديدة من محاولات الهجرة  من العالم الجنوبي الى الشمال, و في الوقت نفسه سيقابلها تعاطف أقل و مقاومة اكبرهنا و هناك هذه المرة.ما دام المهاجرون يمكن اتهامهم بشكل اكثر مصداقية أو معقولية بأنهم يجلبون المرض و الفوضى.

في النهاية, مظاهر ما يعرف بالبجعات السوداء )حدث غير متوقع أو غيرمنظور ، عادةً ما يكون له عواقب وخيمة(

حسب التعريف غير متوقعة و لكن من ناحية اخرى هناك احتمالية متزايدة في أن يراها المرء.

الجوائح السابقة عززت رؤى نهاية العالم, الطوائف الدينية – العبادات-, و ظهرت أديان جديدة عند حالات القلق الشديد التي تسببها الضائقة – المعاناة- المتطاولة. في الحقيقة يمكن أن تبدو الفاشية احدى هذه الطوائف التي ظهرت من العنف و التشويش الناشئ من الحرب العالمية الاولى و ما بعد كارثتها.

نظريات المؤامرة اعتادت الازدهار في أماكن كالشرق الاوسط حيث الناس الاعتياديون مسلوبو القوة و يشعرون بالافتقار للواسطة, يتوزعون اليوم بصورة كبيرة على الدول الغنية كذلك, جزئياً بفضل البيئة الاعلامية المحظورة بسبب الانترنت و مواقع التواصل الاجتماعي, و المعاناة المستمرة يحتمل ان تجلب مادة غنية للديماغوجيين الشعبويين ليستغلوها.

 

 

أو هل ستصمد الديمقراطية؟

   و مع ذلك, فبالنسبة للكساد الكبير لم ينتج الفاشية فقط, بل أعاد تنشيط الديمقراطية الليبرالية ايضاً, لذلك فأن الجائحة من الممكن أن تنتج بعض المخرجات السياسية الايجابية ايضاً. بدت غالباً كصدمة خارجية قوية للانطلاق بالانظمة السياسية المتصلبة من جمودها و خلق الظروف لاصلاح بنيوي طويل الأمد, و من المحتمل ان يتكرر هذا النمط على الاقل في بعض الاماكن.

    الوقائع العملية للتعامل مع الجائحة تفضل الاحترافية و الخبرة, اما الديماغوجية و انعدام الكفاءة فعادةً معرضة للخطر. في النهاية فأن هذا يجب ان يخلق تأثيراً انتخابياً مفيداً, مكافأة السياسيين و الحكومات التي أبلت جيداً و معاقبة تلك التي أخفقت.

الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الذي أفرغ المؤسسات الديمقراطية في بلاده من محتواها بشكل مطرد في السنوات الاخيرة, يحاول أن يشق طريقه بخداع عِبر الأزمة و الآن هو يتخبط و يتربع على كرسي الرئاسة فوق كارثة صحية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول في البداية أن يقلل من أهمية الجائحة, ثم ادعى ان روسيا تسيطر على الجائحة, و سيتوجب عليه ان يغير نبرته مرة اخرى حينما ينتشر COVID-19 عِبر البلاد.  سابقاً شرعية بوتين كانت تضعف قبل الأزمة, و هذه العملية من الممكن أن تتعجل.

سلطت الجائحة ضوءاً ساطعاً على المؤسسات الموجودة في كل مكان, كاشفةً عن عدم دقتها و ضعفها. الفجوة بين الاغنياء و الفقراء, كبشر و كبلدان, تعمّقت بالأزمة و ستزداد أكثر  خلال  ركود اقتصادي طويل الأمد. لكن جنباً الى جنب مع المشاكل , كشفت الأزمة عن قدرة الحكومات على توفير الحلول, الاعتماد على الموارد الجماعية في المعالجة,  الادراك الثابت ل" لوحدنا معاً" من الممكن أن يعزز التضامن الاجتماعي و أن يقود تنمية لدفاعات اجتماعية أكثر كرماً – وفرةً- على طول الطريق, بالضبط مثل المعاناة الوطنية المشتركة جراء الحرب العالمية الاولى و الكساد الكبير الذي حفَّز نمو دول الرفاهية في عشرينيات و ثلاثينيات القرن العشرين.

ربما هذا وُضِعَ لاستعادة الأشكال المتطرفة لليبرالية الجديدة, ايديولوجية السوق الحرة التي كان روادها اقتصاديو جامعة شيكاغو أمثال غاري بيكر, ميلتون فريدمان, و جورج ستيغلر. خلال ثمانينيات القرن العشرين, وفرت مدرسة شيكاغو تبريراً فكرياً لسياسات الرئيس الاميركي رونالد ريغان, و رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر التي تعتبر حكومة  متدخلة – متطفلة- بشكل كبير لتكون عقبة أمام النمو الاقتصادي و تقدم الانسان. في الوقت الذي كانت فيه أسباب وجيهة لتشذيب أشكال كثيرة من ملكية الدولة  و النُّظُم. لكن الحجج الصلبة نحو التحرر الديني, رسّخت العداء لنشاط الدولة في توليد مفكرين محافظين خصوصاً في الولايات المتحدة.

اعطاء الاهمية لنشاط الدولة القوي لأبطاء الجائحة, سيكون من الصعب الجدال فيه, كما فعل ريغان في خطابه الافتتاحي الأول, حيث قال: " الدولة ليست هي الحل لمشاكلنا, الدولة هي المشكلة", و لا أي شخص سيكون قادراً على جعل حالة محتملة – معقولة- بأن القطاع الخاص و الاحسان من الممكن أن يحل محل السلطات المختصة للدولة في حالات الطوارئ الوطنية. في نيسان – ابريل , جاك دورسي المدير التنفيذي لتويتر, أعلن بأنه سيساهم بمليار دولار$ للاغاثة من جائحة COVID-19, في عمل احسان – تبرع- استثنائي. في نفس الشهر خصَّص الكونغرس 2.3 تريليون دولار $ لأدامة الاعمال التجارية و الافراد المتضررين من الجائحة.

 مكافحة التشنج من الممكن أن تبقى خلال الاغلاق الكامل للمحتجين , لكن الاستطلاعات تقترح بأن الاغلبية العظمى من الاميركيين تثق بنصائح خبراء الحكومة الطبيين في التعامل مع الازمة. من الممكن لهذا ان يزيد دعم  التدخلات الحكومية لمعالجة مشاكل اجتماعية كبرى اخرى.

   في النهاية فأن الأزمة من الممكن أن تحفز تجديد العمل الدولي المشترك. بينما يلعب القادة الوطنيون لعبة اللوم, فان العلماء و مسؤولو الصحة العامة حول العالم يعمقون شبكاتهم و اتصالاتهم.  فيما اذا أدى انهيار العمل الدولي المشترك الى كارثة, و حكم عليه بالفشل, فأن الحقبة بعد ذلك من الممكن أن تشهد تجديد الالتزام نحو العمل متعدد الاطراف لمصالح مشتركة اكثر تقدماً.

لا تعلقوا آمالكم

   الجائحة هي اختبار اجهاد سياسي عالمي. البلدان التي لديها حكومات شرعية متمكنة ستجتاز الازمة بخير نسبياً و ربما تتبنى الاصلاحات التي تجعلها اقوى و اكثر صموداً, و هكذا تسهل أداءها المتفوق مستقبلاً. البلدان ذات القدرات الاضعف للدولة أو بقيادات ضعيفة ستمر بمتاعب, مهيَّأة للركود, ان لم يكن الافقار و انعدام الاستقرار. المشكلة هي ان المجموعة الثانية تفوق الاولى بشكل كبير.

لسوء الحظ, يبدو اختبار الاجهاد شاقاً جداً و يحتمل ان لا يجتازه الا القليل.  للتعامل مع المراحل الاولية من الازمة بنجاح, لا تحتاج البلدان فقط الى دول متمكنة و موارد كافية و لكن ايضاً الى قدر كبير من التوافق المجتمعي و القادة الكفوئين – متخصصين- الذين يوحون بالثقة.

هذا الاحتياج تم تلبيته في كوريا الجنوبية التي فوضت ادارة –معالجة- الوباء لبيروقراطية صحية محترفة –مهنية- , و كذلك المانيا انجيلا ميركل. الاكثر شيوعاً لديهم حكومات قصَّرت بطريقة او باخرى.  و ما دامت بقية الازمة ستكون صعبة الادارة, فأن هذه الاتجاهات الوطنية يحتمل ان تستمر جاعلةً التفاؤل العريض صعباً.

سبب آخر للتشاؤم هو ان السيناريوهات الايجابية تفترض نوعاً من الحوار العام المعقول  و التعلم الاجتماعي.مع ذلك  الرابطة بين خبرات التكنوقراط و السياسات العامة هي أضعف اليوم مما كانت عليه في الماضي حينما كانت النخب تمتلك القوة – السلطة-. دمقرطة السلطة المحفَّزَة بالثورة الرقمية سطَّحت التسلسلات الهرمية المعرفية جنباً الى جنب مع بقية التسلسلات الهرمية, و صناعة القرار السياسي تقاد الآن من قبل الهذيان المسلح غالباً. بالكاد – من الصعب- أن يكون هذا بيئة مثالية لمحاسبة النفس الجماعية البنّاءة , و بعض السياسات ربما تبقى غير منطقية لفترة اطول مما يمكن ان تبقى كحل.

المتغير الاكبر هو الولايات المتحدة. لقد كانت مصيبة البلد المتفردة بأن يكون لها اكثر قائد خلافي و غير كفوء في تأريخها الحديث   في دفة القيادة عندما ضربت الأزمة, و اسلوبه في الحكم لم يتغير تحت الضغط. قضى ولايته في حرب مع الدولة التي يقودها, لم يكن قادراً على بسط ولايته بفعالية حينما تتطلب الوضع ذلك. لقد حكم على حظوظه السياسية بأنها تُخدَم بشكل افضل من خلال المواجهة و الحقد أكثر من الوحدة الوطنية, لقد استخدم الأزمة لانتقاء المعارك و زيادة الانشقاقات الاجتماعية. ضعف الاداء الاميركي خلال الجائحة له عدة اسباب, لكن اكثرها أهمية هو القائد القومي الذي فشل في القيادة.

الرابطة بين خبرات التكنوقراط و السياسة العامة هي أضعف اليوم مما في الماضي, حينما كانت النخب تمتلك قوةً أكثر.

اذا تم منح ولاية ثانية للرئيس في تشرين الثاني-نوفمبر, فأن الفرص لنهضة اكبر للديمقراطية او للنظام الليبرالي العالمي سوف تتضاءل. أيّاً كانت نتيجة الانتخابات, و على كل حال, فأن الاستقطاب العميق للولايات المتحدة يحتمل انه سيستمر. اقامة انتخابات خلال الجائحة سيكون صعباًو و سيكون حافزاً للخاسرين المظلومين في أن يتحدوا شرعيتها. في حال أخذ الديمقراطيون البيت الابيض و بيتَي الكونغرس _مجلس النواب و مجلس الشيوخ- فسيرثون بلداً جاثياً على ركبتيه –راكعاً-. المطالبات بالعمل – الحاجة الملحة للعمل, الفعل- ستصطدم بجبال الدين و بمقاومة مستميتة من معارضة مشوَّشة. المؤسسات الوطنية و الدولية ستكون ضعيفة و مترنحة بعد سنوات من اساءة الاستخدام, و سيستغرق الامر سنوات لإعادة بنائها- فيما لو كان ذلك لا يزال ممكناً على الاطلاق.

    مع الأطوار – الواجهات- الأكثر إلحاحاً و مأساويةً لعبور الأزمة, فإن العالم يتحرك باتجاه كدح محبط طويل. في النهاية سيخرج منه, بعض الأجزاء أسرع من الاخرى. التشنجات العالمية العنيفة تبدو غير محتملة, و الديمقراطية, الرأسمالية, و الولايات المتحدة كلها برهنت قدرتها على التحول و التكيُّف – التأقلم- من قبل. لكنها ستحتاج لإخراج أرنب من القبعة مرةً أخرى.

(انتهى)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك