الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي ||
واحدة من أفضل نعمِ الله تعالى على الانسان هو العقل, وقيل هو من أفضل خلق الله تعالى على المشهور, فبه يُعبد الله تعالى, ويتفاضل الانسان عن غيره, وينماز العاقل بحسن تفكيره وقدرته على اختيار المناسب لكل وضع وظرف ومرحلة, ومن فقد عقله أو كان بحكم فاقد العقل فالموت خير له من الحياة؛ لأنه سيكون عالة على المجتمع ووبالٌ على غيره, فلولا العقل لما كان التفكير ولولا التفكير لما كان التدبير, وكل عملٍ دون تفكير يكون مرشحاً للفوضى والولوج في غير المحبوب؛ بل مع عدم التفكر فان السقوط هو السبيل المنتظر.
والذي يهمنا في هذه المرحلة أن نتبيَّن من آثار العقل الجمعي الذي تسبب في تزيف الكثير من الحقائق وخدعت الناس, فكان المصير إلى مستنقع الجهل والهاوية والأمر لن يتوقف عند حدٍ معين طالما هناك من ينتظر أن يُملى عليه دونما أن يكون حراً في اختياراته وتوجهاته, والمسألة عند البعض أصبح من الطبيعي أن يسير أعمى البصر والبصيرة ويكتفي بما يراه عن طريق عيون الآخرين, فيقودونه إلى ما يشتهون وكأنه ناقة أو شاة يسير ضمن قطيع وليس له رأي في مسيرته ووجهته, والتجارب تتحدث عن أناس فقدوا كل شيء بسبب تعطيلهم لنعمة التفكُّر بالعقل حتى أصبحوا أدوات الآخرين, ومن الامثلة على هؤلاء اتباع نابليون بعد أن أمرهم بالسقوط دونما أن يفكر واحداً منهم بإمكانية خطأ نابليون في قراره, فكأنهم نعاجٌ يتساقطون من الجبل واحداً تلوَ الآخر ليس لشيء فقط لأنهم تصوروا أن النعجة التي أسقطت نفسها من سفح الجبل نجت من الموت فتوافدوا على السقوط جميعا.
ومما نأسفُ عليه أن الكثير من أبناءنا ومن المجتمع يُقاد بطريقة العقل الجمعي وتأثيره فيتوجه إلى تحقيق مآرب المتربصين بعد أن جعلوا منه جهازاً مشحوناً يسير بحسب توجهات الشاحن لهم, وهذه من اعتى الغزوات الاستعمارية التي تحارب الدول الاسلامية والمؤمنين على وجه أخص, فنسمع بين الحين والآخر ثورات وانتفاضات وحركات ظاهرها أبناء الوطن وقياداتها الحقيقية أصابع الكيبورد وصفحات التواصل ومواقع الاخبار التي تكون في الغالب مسيَّرة ومأجورة لتفعيل الازمات واسقاط الحالة الاسلامية في عيون وقلوب أبنائها, وفي نهاية الامر يموت أبناء الوطن الشجعان, وينتفع الجبناء وتنجح اهداف العملاء في الوصول إلى غاياتهم الدنيئة بعد أن جعلوا من أكتاف المفجوعين سُلما للصعود.
ومن المناسب أن ندرك أن هناك اشارات مطمئنة وثابتة توحي بالكشف عن الحقائق والوجوه, وعلى الجميع العمل على وفق مبدأ التكامل في نشر الوعي والثقافة المتحررة من قيود الباطل والزيف, وأن نجعل لأنفسنا ثوابت للرجوع إلى الحق بعد ان نتغافل أحيانا أو نتجاهل بسبب الظروف المحيطة والتي قد لا تتضح فيها صور الاحداث والاهداف, ومن ذلك ما نقل عن أئمة الحق عليهم السلام في ان تنظر إلى نفسك فان كان ممن يحب الله ورسوله والمؤمنين فاعلم انك على الخير, وإن كان ممن يحب أعداء الله ورسوله وأعداء المؤمنين فاعلم أنه لا خير فيك, وعلى هذا فان المقياس واضح في العمل والتوجه وعلى الانسان أن يحسن التصرف مع عقله وتفكيره, ولا يكون مطية الاهواء والرغبات التي لا تزيده إلا بُعداً عن الله تعالى, فخسر بذلك دنياه الذي عمل من أجله وآخرته التي تغافل عنها.
https://telegram.me/buratha