رياض البغدادي ||
إن الحرب التي يقودها الشعب العراقي ممثلا بجبهة المقاومة، مع الإحتلال الأمريكي، أثار العديد من القضايا التي تستلزم توخي الدقة البالغة، في معالجتها بصيغة موضوعية بعيدة عن الاندفاع العاطفي، والنظرة القاصرة والتصورات السطحية، وهذه القضايا بكل ماتحمل من حساسية وخطورة لم تعد تتعلق بالحاضر فحسب، بل وبالمستقبل ايضا ... ومن هنا ندرك مدى الأهمية الفائقة لتجنب الإنجرار الى مواقع تفتقر إلى المسؤولية التاريخية في المعالجة والتعبئة والقرار .
ومن بين هذه القضايا وأكثرها دقة وحساسية معالجة هذا التساؤل الجوهري :
حرب جبهة المقاومة مع أمريكا .. صراع مصير .. ام صراع سيادة ؟
وهذا التساؤل ليس شكليا، بل هو تساؤل جوهري وأساسي، وتترتب عليه تصورات راهنة ومستقبلية على جانب كبير من الخطورة والأهمية .
وضمن هذا السياق لابد أن نتساءل :
ماذا نقصد بصراع المصير في الحرب مع أمريكا .. وماذا نقصد بصراع السيادة .. ؟
وبوضوح نقول أن المقصود بصراع المصير .. هو صراع بين طرفين أساسيين، لايحسم إلا بتصفية أحدهما تصفية جذرية، تؤدي الى إقتلاع نهائي لكيان معين ( كيان وليس نظاما سياسيا ) وإحلال كيان جدید .. هو الأصل الشرعي الذي يستعاد بالكفاح من أجل تحریر الأرض والإنسان .
اما صراع السيادة، فهو صراع من أجل إعادة ترتيب الأوضاع الاقليمية، بما يلغي الإحتلال لجزء من الأرض أو المياه، في دولة من الدول، أو اقليم بكامله، باي طريق يؤدي الى تحقيق ذلك بما فيه .. طريق الحرب واستخدام القوة المسلحة، ولايصل بأي حال من الأحوال إلى الصراع المصيري، وبالتالي لابد أن يحسم صراع السيادة بإقرار مادي وقانوني، يؤدي إلى عودة العلاقات الطبيعية السلمية بين البلدين، وفي هذا الإطار، فصراع السيادة قد يكون صراع بين دولة مستعمرة وأقليم محتل، أو صراعا بين دول متجاورة على جزء من الأرض أو المياه ... وعالمنا المعاصر يشهد هذين الصراعين ( صراع المصير وصراع السيادة ) و من أمثلة الصراع المصيري صراع جبهة المقاومة مع الكيان الصهيوني .. فهو صراع مصيري لن يحسم إلا بتصفية الكيان الصهيوني تصفية جذرية ونهائية، وبناء الدولة الفلسطينية التي تضمن عودة الحقوق الشرعية الكاملة للشعب العربي الفلسطيني، وتحرير كافة الأراضي العربية من ربقة الإغتصاب الصهيوني .
اذن فالصراع العربي - الصهيوني ليس بصراع أقليمي على الحدود، أو جزء من الأرض والمياه، بل صراع مصيري حضاري حاسم، ومن هنا ندرك إستحالة الحلول التجزيئية والمشاريع الترقيعية المطروحة الان كصفقة القرن وغيرها، لأن تحقق السلام العادل والدائم وضمان الحقوق المشروعة للأمة بشكل عام، وللشعب العربي الفلسطيني بشكل خاص، خيار إستراتيجي ونهائي غير قابل للنقاش ..
وفي المقابل يمكننا ان نتساءل .. هل الصراع الدائر بين جبهة المقاومة في العراق والولايات المتحدة الأمريكية .. صراع مصير أم صراع تحریر وسيادة .. ؟
الخطأ الكبير محاولة تصوير هذا الصراع بانه صراع مصير، لأن ذلك يعني ببساطة، أن هذا الصراع لن يحسم إلا بتدمير شامل لأحد الجانبين، وهذا إفتراض غير واقعي بكل المقاييس .
صحيح أن جبهة المقاومة لاتحرص الأن وفي ظل هيمنة نظام عدواني في البيت الابيض .. نقول لاتحرص على بقاء الوجود الامريكي العسكري في المنطقة، والمقاومة تدعم الحقوق المشروعة لجميع شعوب دول المنطقة في التخلص من الوجود الأمريكي، ولكن ذلك لايعني أنه يخوض مع أمريكا حربا مصيرية لا تحسم إلا بتدمير أحد الأطراف، ومن هنا نفهم معنى التأكيد الدائم الذي نسمعه من قادة جبهة المقاومة، في أن جبهة المقاومة لاتريد عداء مستمرا مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي من الضروري أن تكون لنا معها علاقات متوازنة، إن تخلت عن عدوانيتها وإصرارها على فرض إرادتها الإستعمارية على شعوب المنطقة.
إذن فالحرب بين جبهة المقاومة والولايات المتحدة الامريكية هي تعبير عن صراع سيادة، ولن تحسم هذه الحرب الا بإقرار الحقوق العادلة والمشروعة، التي أكدها الشعب العراقي وصرح بها قادة جبهة المقاومة، منذ الأيام الأولى لدخول القوات الامريكية للعراق، إبان الغزو الذي تعرض له العراق من تنظيم الدولة (داعش) .
وإذا كانت جبهة المقاومة قد إختارت مضطرة، دخول الحرب ردا على الإحتلال، وسياسة تكريس مظاهر الثقافة الغربية، بنشر التفسخ الأخلاقي، كالمثلية الجنسية والإلحاد، وإصرارها على الحاق الأذى بالمجتمع العراقي المحافظ، فأن المقاومة تنطلق من موقف واضح أساسه تلك الحقوق العادلة والمشروعة، والرغبة الصادقة والبناءة في إنهاء كل المشاكل العالقة، وإرساء صيغ مادية وقانونية واضحة للعلاقة مع أمريكا، بما يمنع تجدد القتال والحرب في المستقبل، ومن هنا ندرك معنى حرص قيادة جبهة المقاومة، على إعطاء المفاوضات الجارية بين العراق وامريكا الفرصة الكاملة، للوصول الى حل شامل، الجزء الأهم فيه، إنسحاب كامل ونهائي غير مشروط من الأراضي العراقية .
واذا كانت جبهة المقاومة قد اختارت - مضطرة - خيار الحرب، ردا على الإحتلال الأمريكي، فأنها كانت ولما تزل تدرك بعمق أنها ليست في نزهة، بل ستخوض حربا ضارية، من أجل فرض وجودها وإرادتها أمام قوة عسكرية هي الأولى في العالم، وفي ظل معادلة جغرافية وبشرية معروفة، فلقد أعمت الروح العدوانية لحكام البيت الأبيض، ودفعتهم الى الإستهانة بالشعب العراقي وحقوقه وأمنه الوطني، وركب الغرور هؤلاء الحكام .
واذا كان الشعب العراقي قد دخل الحرب دفاعا عن سيادته وأمنه وحقوقه، وواصل الحرب على هذا الأساس، ومستعد لإيقافها اذا اعترفت أمريكا بحقوقه المشروعة .. واذا أصرت أمريكا على عدم الإنسحاب من الأرض العراقية، فهي بذلك تريد مواصلة الحرب وعدم الرضوخ لمنطق الحكمة والعقل ؟
عندها يجب أن يدرك حكام البيت الأبيض جيدا، أن الشعب العراقي حينما أختار مضطرا قرار الحرب، فقد وفر كل مستلزمات هذه الحرب، وحسب لكل شيئ حسابه، وعلى كل المستويات بما سيفاجئ العالم بأسره ..
ذلك هو حساب العراق وجبهة المقاومة للحرب، ومستلزمات إستمرارها بإقتدار ونجاح، وهناك ايضا عند الشعب العراقي حسابات للسلام، وهو أمر تحرص عليه جبهة المقاومة أكثر من حرصها على إستمرار القتال، اذا ما فتحت فرصة المفاوضات الجارية، السلام العادل، سنكون أكثر سعادة، ليس ضعفا وليس إحساسا بالقلق، وإنما تعبير عن المسؤولية تجاه شعبنا المثخن بالجراح ....
https://telegram.me/buratha