رياض البغدادي||
ان إقتطاع أرض فلسطين البقعة المقدسة الطاهرة، من بقاع العالم الإسلامي الكبير، وإقامة الكيان الصهيوني عليها، من دون مراعات لحقائق التأريخ والجغرافية لهذه الارض المقدسة، نعتبرها حالة طارئة ...
نعم ، الكيان الصهيوني حالة طارئة في هذه الارض .. ولكنها الحالة المعقدة أيضا .. فهي طارئة لانها لا تمت بأي صلة الى هذه الارض، بل تبقى تلك الاكذوبة وذلك الزيف الذي لا يقدر على الرسوخ ابدا مادامت تتناقض مع ارادة الأمة وحقانيتها في هذه الارض المباركة. إن قوى الاستعمار حينما أوجدت هذه الغدة السرطانية في جسم الأمة، أوجدت معها مقومات بقائها لفترة من الزمن .. ولا أدل على ذلك من بقاء هذه الحالة طوال هذه العقود من السنين بل وازدياد تعقيدها عبر هذه العقود ..
ولقد تكوّن وازداد مع تقادم بقاء الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، طبقات من الساسة والحكام أرتبط بقاؤهم مع بقاء هذا الاحتلال، ومع بقاء الوجود العسكري الامريكي في البلاد الاسلامية والعربية بشكل خاص او محيط العالم الاسلامي بدأ من افغانستان الى العراق والسعودية وقطر وغيرها من البلدان التي ترزح تحت الاحتلال الامريكي.
وان نظرة في منتهى التبسيط الى وضع الوجود الصهيوني في فلسطين منذ قيامه عام 1948 حتى الآن ، والى وضع الأنظمة العربية ، بل والعديد من الحركات السياسية العربية التي تدعي الثورية، هذه النظرة تقضي بنا إلى تصور مروع في حقيقته، هو أن هذه الأنظمة وتلك الحركات، صارت تتعامل مع الواقع الشاذ المتناقض مع مصلحة الأمة وارادتها ومستقبلها، على أنه أمر واقع لا محيد عنه، ولا مفر من التعامل معه !!
قبل اكثر من ثلاثين سنة وبالرغم من الوضع المتخاذل للسياسة العربية في ذلك الوقت، کان مجرد الحديث عن قبول التعامل مع العدو الصهيوني بأية صيغة من الصيغ من أجل حل القضية الفلسطينية يعتبر كفراً تنقطع له الالسنة ، وتنتفض له شوارع الأمة كلها حتى تغص بالأيدي التي تلوح وتتوعد بالويل والثبور كل من يتحدث عن ذلك التعامل ..
واليوم يبتدع الحكام والحركات السياسية العربية بشكل خاص الأقاويل والافاعيل التي تضع قيم الاستقلال والتحرر والثورة والرجولة والغيرة على الارض والعرض في أحط درك من التعامل الاعلامي المباشر بل وصل الحال ان يكون الوقوف في وجه الكيان الاسرائيلي اللقيط من شأنه ان يحفز علماء الدين في اكثر الدول العربية الى اصدار الفتاوي التي تدعو الى تكفير المجاهدين وتمنع مساندتهم بل ترفض حتى الدعاء لهم بالنصر ، وتجد الكثير من المثقفين من يتأمل الاحتلال تأملا تجريديا ويجد لها المبررات ، بل ويتهم من يقف بوجهه بالتطرف والعاطفية والرومانسية والابتعاد عن العقل، ونظرة خاطفة في وسائل التواصل الاجتماعي ستكون صادمة لكل شريف غيور يؤمن بابسط مفاهيم العدل والانصاف وحقوق الانسان، لما يجده من اسفاف ودونية وهبوط في مؤشر الشرف والشجاعة والفروسية وانتشار الجهل وتعمد ثقافة التجهيل !!
ألم تعلن الامارات والسعودية وقطر والبحرين عودة علاقاتها السياسية مع الكيان الصهوني الغاصب ؟! فما الذي حدث للأمة ؟! حتى لم يتحرك منها غيور يرفض هذا الاستسلام والخضوع غير اصوات الشرفاء من جبهة المقاومة وانصارها .. لقد قال الامام الخميني (رض) عن الحكام العرب عندما اعتبروا انور السادات خائنا لانه انفرد بالحل حيث قال : " يا للتضليل !! وكأنه بذلك ، وبما فعله لم يخن الإسلام وقيم الرجولة والشرف والعدل والانصاف ، بل هو خان ذلك التواطؤ الذي اتفق عليه مع البعض في كيفية الحل الأكثر هدوءاً والأقل ضجةً وانحطاطاً، واستعجل التفاهم مع العدو وفق منطق القبول بالامر الواقع ، مخالفا بذلك الاخرين من قادة الهزيمة وزعماء مسيرة الاستسلام ! ".
أنه لأمر مروع حقا اذا علمنا أن ثمة عددا من أدعياء الفكر، اعتبروا اسرائيل أمراً واقعاً بل اكثر من ذلك اصبح الحديث عن الاحتلال الامريكي للعراق ترفاً فكرياً، وبعضهم اعتبر العمليات الجهادية لجبهة المقاومة ضد قوات الاحتلال الامريكي عمليات عدوانية ويجب وقفها ومنهم من طالب بمحاكمة المجاهدين في فصائل المقاومة !
آن لنا أن نتصور الالسنة التي تمط ، والاوجه التي تشيح استخفافاً بمن يتحدث عن السيادة والشرف وصيانة الاعراض والمقدسات من دنس الاحتلال ، اصبحت هذه الأمور ( عتيقة وبالية ) في نظرهم وعفا عليها الزمان وسحقتها الاتفاقات والمعاهدات والمصالح والموازنات الدولية .
إن قضية فلسطين التي بدت وكأنها لن تحل الا بالخيانة وحدها .. ألم يكن الأمر كذلك فعلا حتى قبيل ان تبدأ صولات المجاهدين ضد هذا الكيان في لبنان والداخل الفلسطيني ؟ .. بلی .. لقد كان الامر كذلك وحين نقول ذلك فاننا لا نقصد انفسنا نحن الاسلاميين ولا نقصد المناضلين العرب ممن تحالف مع جبهم المقاومة في أيما بقعة من بقاع العالم الاسلامي ، ولكننا نقصد أولئك الذين لوثتهم ألاعيب سياسة الصفقات خلف الكواليس بعيدا عن أعين الأمة ، وأولئك أنفسهم هم الذين ارعبتهم انتصارات جبهة المقاومة في كل جبهاتها .. ولم لا ترعبهم ؟ !! ولم لا يقفون بوجهها ويتحدثون عنها بلغة التخوين والتبعية ؟!! ألم تكشف الأيام تواطئهم وخيانتهم ؟؟!!.
حتى في الحالة العراقية قال بعضهم كان على قادة جبهة المقاومة أن يستشيرونا قبل ان يعلنوا الجهاد ضد الاستعمار الامريكي لعراقنا الحبيب، وكأنهم سيكونون جزءاً من هذه المقاومة وهذا الجهاد لو استشارهم المجاهدون في جبهة المقاومة!! ..
وكأن المجاهد المسلم بحاجة لإن يأخذ أذناً لتحرير أرضه وعرضه ومقدساته ، ولان ابناء جبهة المقاومة في العراق لم يشاوروهم في معركة الشرف والرجولة هذه ، ولانه لم يؤخر معارك الجهاد ، فقد عبروا عن وجهة نظرهم بأن وقفوا إلى جانب امريكا واسرائيل، سیاسیا واعلاميا وعسكريا وبشتى الوسائل لكي لا تخسر امريكا الحرب ضد جبهة المقاومة في العراق ۰۰۰ لأن هزيمة امريكا واسرائيل هي بالحقيقة هزيمة لهم ..
فيا للوقاحة والدجل والمناورة الكلامية التي سيذكرها التأريخ بصفحات سود ، فالتأريخ لا ينسى شيئا أبدا .. ولن ينسى وهو يسجل في ذاكرة الأجيال هذه المعركة المقدسة ، أن أولئك الخونة والجواسيس انما فعلوا ذلك ، لسبب واحد وهو أن جبهة المقاومة، وضعتهم عبر هذه المعركة في مواجهة الأمة التي تقول لهم تشفيا بهزيمتهم ( این أصبح مفهوم الأمر الواقع ؟ !)، إن عمليات جبهة المقاومة في العراق وسورية ولبنان مزقت مفهوم الامر الواقع ورمته تحت الاقدام .. بل تحت اقدام المجاهدين الظافرين، الذين قدموا اروع صور الجهاد ضد الاستعمار الامريكي - والصهيوني .
اذا كان اولئك المتاجرون بالسياسة يعتبرون أن الكيان الصهيوني أصبح أمرا واقعا ، وعليهم أن يحلوا ( المشكلة الفلسطينية ) من خلال ایجاد صيغ ( مقبولة ) للتعامل ، فأن أعمال جبهة المقاومة دللت على ان ليس هناك أمرا واقعا في السياسة ، وفي التكوين السياسي الجغرافي للعالم ، الا في العقل التقليدي المنافي لحقائق الايمان بالحق والعدل .. ألم يبدو الاحتلال الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣ أمرا واقعا .. ؟
نعم لقد بدا ذلك للعقل التقليدي .. ولكنه بدا اكذوبة قابلة للزوال بالنسبة للعقل الاسلامي الجهادي .. وهذا ليس أمرا جديدا فمنذ عام 1947 صدرت فتاوي وبيانات القيادات الدينية للامة الاسلامية ، كلها كانت تؤكد على عدم الاعتراف بالأمر الواقع لكل الأراضي الاسلامية التي اغتصبت من قبل أية قوة في الأرض ، وظلت هذه المسألة تشغل ضمير الإسلاميين وعقولهم .. ولم يكن الواقع السياسي ولا الجغرافي السياسي في المنطقة حقيقة نهائية بالنسبة لهم أبدا .. فما أن تحصل متغيرات هنا أو هناك ، حتى تضع هذا الواقع أمام التغير هو الاخر . ولقد حصلت في السنوات العشرين الاخيرة متغيرات ادت الى تغيير حاد في الواقع الجغرافي السياسي .. فأنتصار الحشد الشعبي في معركته التأريخية ضد تنظيم الدولة وانهيار داعش بهذا الشكل ، كان ( مستحيلا ) في نظر السياسة التقليدية والعقلية الانهزامية المتخاذلة ، التي تسعى وسائل التواصل الاجتماعي اليوم الى نشرها ، وتوسيع رقعتها بين الشباب في العراق وغيرها من الدول .
وها هي المعارك تسجل كل يوم ظفرا جديدا لجيش الحق ، وانهيارا جديدا لقوى الباطل وجيشها .. وغدا يكون هناك ( امرا واقعا ) جديدا حقيقيا يثبت اركانه مجاهدي جبهة المقاومة...
أفيحق لاحد بعد أن يعتبر الكيان الصهيوني واقعا نهائيا ؟ ..
انها مغالطة كبيرة دون شك .. مغالطة حولها تجار السياسة الى شيء يشبه الحقيقة في أذهان بعض الشباب المتخاذل ، امام اضواء الثقافة الغربية المبنية على التفسخ والفساد ، وإشاعة التخنث والمثلية التي ظهرت وكشفت عن حالها اخيرا ، وصارت تدعو اليها اوساط واقلام ومنابر سياسية في العراق بشكل خاص ...
ان فلسطين في أذهان شباب المقاومة وعقيدتهم الراسخة ، هي الحقيقة النهائية ، ولن يستبدلها امر واقع مبني على الزيف والاغتصاب والقهر والدماء ، وستبقى وتترسخ عقيدتنا بحتمية النصر ، الذي تحققه جبهة المقاومة الإسلامية كل يوم ..
https://telegram.me/buratha