رياض البغدادي ||
· مغالطة الشفقة
اول من دوّن بحثاً في هذه المغالطة البروفسور ميشيل جلبرت، وعدها من المغالطات التي تندرج في قسم مغالطات المشاعر .
ولتوضيح هذه المغالطة اورد هذا المثال :
طالبة جامعية تبكي في مكتب الأستاذ ، کي تبثه قلقها للأهمية التي يوليها الأستاذ لحصول الطالبة على درجة النجاح في مادة معينة .
بوسعنا أن نقول ان هذا المثال يندرج في القیاس المضمر وتقديره مقدمتان ونتيجة :
المقدمة الأولى : إنه لمن أشد دواعي البؤس والجزع ألا تحصل الطالبة على درجة النجاح .
المقدمة الثانية : إن عليك يا أُستاذ أن لا تتسبب في ان تُرمى الطالبة فی حضيض البؤس والجزع .
· النتيجة : على الاستاذ ان يمنح الطالبة درجة نجاح لكي لا يتركها للبؤس والحرمان ..
· مناقشة
لا يخفى على القارئ اللبيب أن المقدمة الثانية فيها نظر ؛
فالأستاذ ، يعمل في التعليم العالي وليس في الشؤون الاجتماعية ، نعم ، عليه أن يعين الطالبة ويدعمها بأن يقرب إليها مادته العلمية ويذلل صعوبات فهمها ، وليس منحها درجة نجاح لإنقاذها من البؤس .
وواضح ان الحجة ( النتيجة ) تندرج في مغالطة الإحتكام إلى الشفقة Misericordia .
الآن أعطيكم مثالين لهذه المغالطة :
المثال الأول - حصل مع السيدة ميركل رئيسة الحكومة الالمانية .. وانتبهوا رجاءاً! .. كيف تصرفت السيدة ميركل مع هذه المغالطة ولم تستسلم لها ...
( في احتفال تكريم الطلبة المتفوقين في المانيا ، كانت هناك طالبة من الجالية اللبنانية ،حين عانقتها السيدة ميركل ، بكت البنت ، وطبيعي تأثرت السيدة ميركل من بكاء الفتاة ، فسألتها عن سبب بكائها قالت :
اني وعائلتي ليس لدينا إقامة رسمية ، وقد حصلنا على قرار ، رُفض بموجبه لجوؤنا في المانيا .
السيدة ميركل وهي متأثرة جداً بسبب هذه المشكلة ، ربتت على كتفيّ الفتاة وقالت لها :
«حالوا ان توكلوا محامياً كفوءاً يستطيع ان يقنع القاضي باستحقاقكم للإقامة في المانيا ».
لم تستسلم السيدة ميركل لهذه المغالطة المنطقية ، فالسيدة ميركل رئيسة حكومة وترعى تطبيق القوانين ، وليست قاضي لجوء لكي تقرر منح البنت إقامة .
المثال الثاني - تعرض طفل عراقي الى تجاوز كبير من قبل أفراد غير منضبطين ، في إحدى الأجهزة الأمنية ، و أقصد هنا الطفل ( محمد ) ، والذي انتشر فيلم فديو يصور أحداث التجاوز عليه ، وعلى عائلته ، وعُرفت قضيته بقضية ( الكتر )..
وللأسف سقط رئيس الحكومة العراقية في مغالطة الشفقة ، فأمر بإخراج الطفل من السجن ، مع إنه محكوم عليه بسبب إرتكابه لجريمة السرقة ، والتي ثبتت عليه وصدر بها حكم قضائي...
لقد خالف رئيس الحكومة العراقية القانون ، وبعدة إعتبارات :
اولاً . أخرج السارق من السجن ، مع إن العفو عن السجين يحتاج الى إجراءات قانونية ، منها ، إصدار تشريع في مجلس النواب بالعفو ، ومن ثم مصادقة رئيس الجمهورية وهي قضية قانونية ذات إجراءات طويلة .
ثانياً . لم يهتم رئيس الحكومة الى حقوق مواطن آخر الذي سُرقت دراجته وهو الأولى بضمان حقوقه القانونية .
ثالثاً . هناك حق عام ليس من حق رئيس الحكومة التنازل عنه بل ليس من صلاحياته أصلاً .
رابعاً . رئيس الحكومة ليس وزيراً للعدل لكي يتكفل إجراءات من هذا النوع ، نعم ، يمكنه متابعتها ولكن ليس التصدي لها شخصياً .
خامساً . هناك آلاف من الأحداث والأطفال الذين تتشابه قضاياهم مع قضية ( محمد ) فلماذا لم تشملهم الإجراءات نفسها التي شملت ( محمد ) ؟ ومنهم من تعرض للإغتصاب من قبل متظاهرين ( مندسين ) في ساحة التحرير.. فأين العطف ( الحكومي ) منهم ؟
هذه المغالطة المنطقية يتكرر ذكرها وتوظَّف كثيراً في الإعلام العراقي ( البعثي المغرض ) وبها يتم توجيه العقول الساذجة والجاهلة ضد المرجعية مثلاً ، او ضد التشيع ، فيظهرون افلاماً وصوراً عن فقراء ومعوزين في احياء بغداد ، ويوجهون النقد الى المرجعية المباركة ، وكأن المرجعية مديرية الحماية الاجتماعية ، أو انها تجني واردات النفط العراقي وعليها ان توزع رواتب على فقراء العراق جميعاً !، مع إن المرجعية تقوم بهذا العمل ولديها مشاريع جبارة في هذا الميدان ، لكن بالتأكيد ليست لديها الإمكانات التي تملكها الدولة ، لكي تغطي مشاريعها كل فقراء العراق .
فليس هناك أي مبرر لتوجيه النقد لها ، الا اذا كانت هناك اغراض خبيثة يعرفها كل عراقي واعٍ فطن .
وقطعاً لدى كل واحد من القراء الكرام أمثلة شاهدها في حياته اليومية لمغالطة الشفقة ، ولذلك ارجو من كل انسان واعٍ ان يتنبه الى هذه المغالطة المنطقية .
وانتو بعد بكيفكم
https://telegram.me/buratha