علياء الانصاري*||
· رؤية مبتكرة ورائدة لتعزيز السياسات المستجيبة للنوع الإجتماعي في أوقات الازمات
تُعرف السياسات العامة بأنها النشاطات الحكومية أو القرارات اللازمة لتنفيذ البرامج التي تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية، اقتصادية واجتماعية، وتوضع السياسات الحكومية عادة باسم الجمهور، وتبادر بها الحكومات، ويحاول كل من القطاعين الخاص والعام فهمها، وتشير إلى ما تنوي الحكومة فعله أو الامتناع عن فعله.
وعادة ما تُترجم السياسات بعد دخولها حيز التنفيذ الى إجراءات أو تدابير أو تعليمات ولوائح لأجل تنفيذها بما يخدم مصالح وحقوق المواطنين بدون تحيز وتمييز.
وما يُلاحظ على غالبية السياسات العامة في العراق – كما غيره من البلدان العربية – عدم قدرتها وكفاءتها على الاستجابة للنوع الإجتماعي، مما خلق ضعف في منظومة الحقوق، وتهميش لأدوارها، وتفاقم فجوة المساواة والعدالة الجندرية في كافة المجالات، وتجلى ذلك بشكل كبير في أوقات الأزمات، كأزمة النزوح وأزمة كوفيد 19، فلم تسعف السياسات العامة النافذة النساء والفتيات في الاستجابة لاحتياجاتهن وتلبيتها، كما لم توفر لهن البيئة الحامية والآمنة.
لذلك من الضروري وضع سياسات حامية وآمنة ومنصفة ومستجيبة للنوع الاجتماعي، وتعزيزها لتكون أكثر شمولاً للجنسين. فالسياسات التي يتم الاستجابة لها خلال الأزمات هي فرصة ينبغي اغتنامها للقضاء على الأعراف والقوانين التمييزية المتعلقة بالمشاركة المتساوية للنساء، لأننا نعتقد أن أحد أهم عوامل عدم وجود سياسات مستجيبة للنوع الإجتماعي هو الاعراف والتقاليد المعززة للسلطة الذكورية والتي تسيطر على مفاصل صنع القرار في الدولة العراقية.
ففي العراق، على الرغم من أن العديد من النساء يلعبن أدوارًا حاسمة في المجالات الاجتماعية والسياسية والتعليمية والاقتصادية بالإضافة إلى أدوارهن المؤثرة في القطاعات الأخرى، فأن نسبة مشاركة النساء أقل في صنع القرار وبالتالي لم تتم تلبية احتياجاتهن إلى حد كبير، كما حدث في الأزمات السابقة.
ومنها أزمة كوفيد 19 التي رافقت انتشار الفايروس وارتفاع نسب الأصابة في عموم البلاد مؤخرا، فالتدابير الاجرائية التي أُتخذت لم تضع في الاعتبار الاحتياجات المختلفة للنساء والرجال والفتيات والفتيان .
بشكل عام، لم تكن معظم السياسات المعتمدة مستجيبة للنوع الاجتماعي بل كانت ومازالت تتجاهل بقصد أو دون قصد أي تدابير لحماية النساء والفتيات بالإضافة إلى التمثيل الضعيف للمرأة في مواقع صنع القرار، مما أنعكس بشكل واضح في خطط الاستجابة لهذا الوباء بما ف ذلك الحملات الاعلامية والتدابير الاجرائية فضلا عن عدم تحريك ساكن اتجاه الارتفاع المقلق والمخيف في نسب العنف ضد النساء والفتيات وخاصة والنساء من ذوات الاعاقة والفقيرات المهمشات.
واذ لطالما دأبت منظمات المجتمع المدني على حث صناع القرار لإدماج النساء واشراكهن – دون جدوى - لذلك كانت الحاجة ضرورية وملحة لإتخاذ خطوة مهمة وعاجلة، بادرت إليها مستشارة النوع الاجتماعي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لتعزيز المسار الوطني نحو المساواة وبهدف سد الفجوات، حيث عُقدت سلسلة من الحوارات والمناقشات كجزء من جهود برنامج الامم المتحدة الإنمائي مع مجموعة من الناشطات على المستوى الوطني لإنشاء (غرفة أزمات) شبه رسمية مستجيبة لقضايا النوع الإجتماعي.
تشكلت الغرفة من عشر سيدات قياديات وناشطات في مجال العمل المدني، بالأضافة الى عضوات في دائرة تمكين المرأة التابع للأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهذه التشكيلة ركن أساسي ومهم في ريادة هذه الفكرة، حيث تجمع هذه الغرفة الجانب الحكومي الرسمي المتمثل بدائرة تمكين المرأة والجانب غير الرسمي المتمثل بالمجتمع المدني، والجمع بين هذين الجانبين سيحقق أهداف متعددة إيجابية وفعّالة في الإستفادة من إمكانيات وخبرات المجتمع المدني في هذا المجال وقدرات الجانب الحكومي في صناعة القرار.
تم أُطلاق هذه الغرفة رسميا في 15 تشرين الأول من عام 2020 وبحضور ما يقارب (150) شخصية في حفل إفتراضي أكدت فيه الدكتورة سندس عباس مستشارة النوع الاجتماعي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على: (من الضروري الاعتراف بدور المرأة في تصميم الاستجابات الفورية والبعيدة الامد لان النساء في العراق جزء اساسي من الحل، الامر الذي يدعو إلى كسر الصورة النمطية التي تعتبر النساء فقط ضحايا لا يمكن أن تكون محركًا للحلول).
غرفة الأزمات مبادرة رائدة على الصعيد الوطني، وخطوة مهمة لتغيير الرؤية في تقييم الاحتياجات والتخطيط والتنظيم لإجراءات تنفيذية حقيقية مستجيبة لإحتياجات النساء والفتيات والرجال والفتيان في جميع الأوقات (العادية والأزمات)، وشحنة إيجابية عظيمة للتفاؤل بقادم سيكون أفضل على مستوى المشاركة والحماية والوقاية والتعافي، بما يخدم واقع الناس بكل أطيافها وإنتمائاتها وأنواعها.
ستباشر غرفة الأزمات بعملها في الأيام القليلة القادمة، بجملة من التدابير المحلية المبتكرة لتقييم الاحتياجات ورصد مكامن الوجع في جسد الأزمات، لوضع أفضل التدابير المتاحة لتقديم الخدمات وتلبية الإحتياجات.
*كاتبة والمديرة التنفيذية لمنظمة بنت الرافدين
https://telegram.me/buratha