د. علي المؤمن ||
يشتمل المجتمع الشيعي الهندي على شيعة بلدان شبه القارة الهندية وأقاليمها، وهي: الهند وباكستان وبنغلادش وإقليم كشمير، ويشكل الشيعة فيها شبه وحدة اجتماعية وانثروبولوجية؛ لأنهم من أصول قومية مشتركة، وعاشوا تاريخياً سياسياً مشتركاً، ووحدة إدارية سياسية واحدة حتى العام 1948. وهذه المشتركات تشبه ــ الى حد كبير ـــ الوحدة الاجتماعية والانثروبولوحية لشيعة الخليج والجزيرة العربية.
وشيعة شبه القارة الهندية هم خزين بشري هائل، فهم أكبر كتلة سكانية شيعية في العالم، إذ يبلغ عددهم أكثر من (100) مليون نسمة، غالبيتهم من الشيعة الإثنا عشرية ( أكثر من 90 مليون نسمة تقريباً)، والباقون من المذاهب والمدارس الشيعية الأخرى، ولاسيما الإسماعيلية، فضلاً عن وجود مجتمعات شيعية مصغرة متماسكة ومميزة داخل المجتمع الشيعي الهندي الكبير، مثل مجتمع "الخوجة الإثنا عشرية" وبعض المجتمعات الشيعية الصوفية المغلقة.
بيد أن تأثير الكتلة السكانية الشيعية الهندية، العملاقة عدداً، في مسارات النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، هو تأثير محدود، رغم ما تحظى به من كم كبير من علماء الدين والأكاديميين والمثقفين والسياسيين، وبينهم رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء معاصرين، حكموا الهند وباكستان، والسبب يعود الى البعد الجغرافي للمجتمع الشيعي الهندي عن بؤر الفعل والانفعال الإسلامية السياسية الأساسية، وتحديداً منطقة غرب آسيا والمشرق العربي، وهم بذلك يشبهون شيعة تركيا والمغرب العربي وأفريقيا من ناحية التأثير الميداني، بينما نجد أن عدد شيعة لبنان - مثلاً - يبلغ تقريباً إثنان بالمائة فقط من عدد شيعة الهند، لكن تأثيرهم السياسي الإقليمي وحضورهم الإعلامي العالمي يفوق تأثير شيعة شبه القارة الهندية.
ولاشك أن طبيعة الاجتماع الديني في شبه القارة الهندية، والذي يتميز بالحرية الدينية والمذهبية المفتوحة، والاحتكاك العقدي السلبي بين الأديان والمذاهب؛ تجعل اهتمامات المجتمع الشيعي فيها، مذهبية وطقسية وخيرية غالباً، وبصورة أقل سياسية، على العكس من المجتمعات الشيعية في غرب آسيا والمشرق العربي، وخاصة العراقية والإيرانية واللبنانية. أي أن الهم الأساس لشيعة الهند هو الحفاظ على الكيانية المذهبية الاجتماعية لهم، وهم يعيشون في بحرٍ عظيمٍ من الأديان والمذاهب السماوية والأرضية، واللغات واللهجات والعادات والتقاليد والثقافات.
ورغم هذا الانكماش السياسي المعاصر؛ فإن شيعة الهند، كانوا تاريخياً الأنشط سياسياً وحكومياً، بعد شيعة إيران؛ فبدءاً من القرن الخامس عشر الميلادي، تأسس كثير من الدول والممالك والإمارات والنوابات الشيعية القوية المستقلة في شبه القارة الهندية، والتي استمر بعضها حتى الاحتلال الإنجليزي للهند في القرن التاسع عشر الميلادي، كالدولة البهمنية والدولة العادل شاهية والدولة القطب شاهية والدولة النظام شاهية ومملكة أودة، وكانت صلوات الجمعة والجماعة في بعضها تدعو للشاه الصفوي، بوصفه إمام المسلمين، أي أن الشاه الصفوي كان بالنسبة للدول الشيعية في الهند، يشبه السلطان العثماني بالنسبة للولايات السنية العربية. كما كان بعض الأمراء والملوك المغول الذي حكموا الهند، من الشيعة أيضاً. إلّا أن الاحتلال البريطاني للهند، ثم هيمنة الهندوس على حكمها هيمنة مطلقة بعد استقلالها، وما أعقبه من انفصال باكستان ثم بنغلادش، وهيمنة السنة على المشهد السياسي فيهما، كانت من أسباب انكفاء شيعة الهند سياسياً.
ولعل نشاط الجماعات الوهابية التكفيرية هو من أيرز التحديات التي تواجه شيعة شبه القارة الهندية، وخاصة في باكستان؛ فإذا كانت الهند قد لجمت هذه الجماعات الى حد كبير؛ فإن وجودها في باكستان ونشاطاتها الإعلامية وتحالفاتها السياسية في إطار الإئتلافات الحكومية ونفوذها في الأجهزة الأمنية، والدعم المالي والتدريبي المفتوح الذي تتلقاه من السعودية وغيرها من البلدان الخليجية، جعلها تتحرك بسهولة وحرية ضد المجتمع الشيعي الباكستاني، وتهدد حياة أبنائه باستمرار، من خلال العمليات الإرهابية المسلحة التي تستهدف المساجد ومراسيم العزاء والأسواق واغتيال الشخصيات الشيعية.
https://telegram.me/buratha