دراسات

القدِّيسون المُحارِبون

1588 2021-01-04

 

حازم أحمد فضالة||

 

·        قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس..التصادُم الإستراتيجي بين نور الأنبياء وظلمات الشيطان

 

    الإمام الخميني -رضوان الله عليه- هو القبس الذي أتانا من الإمام الحسين -عليه السلام-، إذ ألقَتْ ثورتُهُ الإسلامية المُباركة بمراسيها في بحار وخلجان جنوب غرب آسيا، وثُبِّتَت أرسانُها على عرانين يابستها منذ العام (1979).

    ومِن ذلك القبس شَبَا القبسان: قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وفُتِحَت مصاريع الحرب الضارية ضد الثورة الإسلامية، واندلعَتْ معاركها المظلمة؛ في محاولة لَجُوجَة مِنْ قِوى الشيطان لِأنْ يخبو ذلك القبس القادم من نور الأنبياء.

 

    النبي إبراهيم -عليه السلام- كان مِنَ الأنبياء المُحاربين، فقد خُلِقَت في عصره مفهومات جديدة، منها مفهوم (الحرام)؛ وبسببه أسِّسَت معاركَ جدلية مُعَقَّدَة كان النبي إبراهيم يقودها ممثلًا عن الله سبحانه: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، وكانت قِوى الظلام: (... لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) تعمل على محاصرة النبي إبراهيم؛ بسحب أدوات مشروعه من خلال إغواء الناس من حوله ليظل وحيدًا.

    يتعاظم إيمان النبي إبراهيم واثقًا بالله، فيقوم بحركته المبنية على نظريته المعرفية: ﴿فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ(93)﴾.

   

    إنَّ هذه الحادثة كانت (معركة) بأدوات النبي، وحسب أدوات المقطع الزمني، ومفهوم المواجهة، وأحد أهم أهداف النبي في هذه المعركة كان إثبات عدم قدرة الآلهة المزيفة على إنقاذ الإنسان.

    والنبي إبراهيم كان استَثنى من الأصنام: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾، فلمّا ساءلوا النبي قال: ﴿... بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾.

    وبعد الهزيمة الفكرية والإيمانية لم يكن لديهم سوى لغة السلاح: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾، هنا انتصرت حجة النبي إبراهيم -عليه السلام- التي بنى عليها من خلال إشارته لكبير الأصنام، إذ لم يكن النبي إبراهيم يستعمل مبدأ تقية أو غير ذلك، بل كان قاصدًا التحدي؛ حيث إنَّ كبير آلهتكم إذا لم يستطِع إنقاذ (مجموعته الخاصة) فهو بالضرورة غير قادر على إنقاذكم، فكيف تتخذونه وليًا؟!

    أمّا أنا فالله سبحانه هو وليي سوف ينقذني، وهو إلهي الحقيقي: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾! فهذا كان جانب من فلسفة النبي إبراهيم المبني على معرفته الإلهية.

 

    لم يكن الأنبياء محارِبين كلهم، كان إبراهيم وموسى وداود... -عليهم السلام، وعلى رأسهم (مَنْزِلَةً) النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله) الذي كان يرأس الجيوش الإسلامية قائدًا روحيًا ومعنويًا ووحيانيًا، يحافظ على بداية المشروع الإلهي الذي يغطي زمن الوجود الحالي إلى قيام الساعة.

    مِنْ هنا برزت عظمة الشهيدين القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، حياةً إيمانية، مملوءة بالزهد والعِفَّة والكرم، ليس كل المحاربين على هذه الشاكلة، ولا كل المؤمنين عليها، هذا النور ظل يتنزَّل من إبراهيم الخليل عليه السلام، إلى النبي الأكرم محمد ووصيِّه الأعظم علي بن أبي طالب ومِنْ ثَمَّ ذرِّيته -عليهم السلام أجمعين-.

    الشاعر ابن أبي الحديد يخاطب أمير المؤمنين بقصيدة فَذَّة يقول في بيت:

زهدُ المسيحِ وفتكةُ الدَّهرِ التي

أودى بها كسرى وفوَّزَ تُبَّعُ

    هكذا القوة والتكامل والانسجام والتناغم في الجمع بين (الزهد وفتكة الدهر)، تتجسد هذه القيم العُليا في شخصيتَي سليماني والمهندس أيّما تجسيد، هما مصداق للآية المباركة: ﴿... أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ... ﴾

 

    أميركا التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية.... وقفت بعد انتصار الجمهورية الإسلامية -وتعاظم قوة محور المقاومة- تشاهد مشروعها للهيمنة يُدَكُّ تحت أقدام قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس دكًّا، أميركا التي تتمتع بميزانية لوزارة الدفاع (البنتاغون) أكثر من سبعمئة مليار دولارٍ سنويًا لدعم مشاريعها الإستراتيجية في العالم... واجهها هذان القبسان الممتدان من نور محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله)، كانت المواجهة تمثل التصادم الإستراتيجي بين نور الأنبياء الذي يقف إلى جانب المستضعفين ودول الاستقلال والتحرر وبين قِوى الشيطان الظلامية.

 

لِمَن الهَيبة اليوم؟

١- أميركا تتخلى عن عنوان مشروعها الإستراتيجي (الشرق الأوسط الجديد)، بسبب جهود الشهيدين القبسين النورين.

 

٢- أميركا تتلقى صفعة تأديبية لقاعدة عين الأسد بالصواريخ الباليستية الإيرانية، ولم تجرؤ أميركا أنْ ترد على إيران من أي قاعدة من قواعدها العسكرية في العالم التي وصل عددها (ألف قاعدة)!

 

٣- الأساطيل الإيرانية (التجارية) تهزم الأساطيل (العسكرية الإستراتيجية الأميركية) في العالم، وتتجه إلى فنزويلا المُحاصَرَة أميركيًا؛ للتبادل التجاري وكسر الحصار الأميركي.

 

٤- أميركا تفشل أمام إيران في مجلس الأمن الدولي للتصويت على مشروع قرار أميركي بشأن تجديد الحظر العسكري المفروض على إيران، وكانت خسارة أميركا مريرة ومخزية؛ لأنه من أصل خمس عشرَةَ دولة لم تقف مع أميركا غير جمهورية الدومينيكان!.

 

٥- أميركا تفشل مجددًا بفرض عقوبات اقتصادية ضد الشعب الإيراني، ولم يصوِّت بالموافقة مع أميركا غير (عشر دولٍ) من أصل (مئة واثنين وخمسين دولة)!

 

٦- أميركا تُلَملِم عظامها للرحيل خاسئة من غرب آسيا، وإيران والعراق باقيان مع محور المقاومة حتى قيام الساعة.

 

٧- إسرائيل اليوم باتت محاصرة بأكثر من مئة وسبعين ألف (صاروخ دقيق).

 

٨- في حرب تموز 2006 كان حزب الله يحتاج إلى عشرين صاروخًا لإصابة هدفٍ واحد في إسرائل، لكن الآن حزب الله يحتاج صاروخًا واحدًا لتدمير عشرينَ هدفًا في إسرائيل دفعة واحدة.

 

٩- الديون الداخلية على أميركا أكثر من ثلاثة وسبعين تريليون دولارًا، الديون الخارجية على أميركا أكثر من ثلاثة وعشرين تريليون دولارًا!، وانظر إلى الجمهورية الإسلامية ليست مديونة.

 

١٠- في الوقت الذي كانت أميركا تُقَرصِن الكمامات والمساعدات والشُّحنات المُرسَلة من الصين إلى أوروبا وكندا؛ كانت إيران -المحاصَرَة أميركيًا- تُرسل بالمساعدات الطبية إلى الشعب الأميركي.

 

١١- خسرت أميركا ومحورها المعارك الأخلاقية والدبلوماسية قبل العسكرية، انتصر محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية وتفوَّقَ بالمعارك الأخلاقية والدبلوماسية قبل العسكرية، وهذا يبعث الفخر والإيمان والاعتزاز بالإسلام ومحور المقاومة، ببركات قادة المحور.

 

١٢- اليوم يوافق الذكرى الأولى لاستشهاد قادة النصر بعملية اغتيال غادرة جبانة على يد أميركا، حضر ملايين العراقيين إلى بغداد لإحياء الذكرى؛ بتظاهرة مليونية مُشرِّفة، وها هم يملؤون العاصمة بغداد.

    والشعوب الكريمة من اليمن والبحرين وسورية ولبنان وفلسطين وغيرها تُرسِل إلينا الفيديوهات؛ يعبِّرون من خلالها عن مشاعرهم الملتهبة حبًا ووفاءً وعِرفانًا لقادة النصر الأبطال.

    في الجمهورية الإسلامية كذلك خرجت الملايين لإحياء ذكرى الاستشهاد، فأين أميركا ومحورها من هذه المشاعر والحضور والتلاحم بين دول وشعوب المقاومة والممانعة في العالم!.

إنَّ أميركا ومحورها الذين أوقدوا النار هُم من (الأخسرين) حتمًا، وانظُر من الذي سُحِبَتْ منه أدواتُهُ، ومَن الذي التفَّتْ ووقفت معه الدول والملايين من الناس، فسبحان الله ربّ إبراهيم ومحمد!.

 

ختامًا:

    كانت النار التي أوقدوها للنبي إبراهيم -عليه السلام- قد تغيرت كينونتها (بردًا وسلامًا)؛ لأنَّ مفهوم الشهادة لم يكن كائنًا بعد حتى يُفهَم، وكانت البشرية بحاجة إلى ذلك البرد والسلام حتى تنضج مرحليًا، لكن النار نفسها التي أوقدها الظلاميون كانت شهادةً لسليماني وأبو مهدي ورفاقهما، ومنها سينبثق (البرد والسلام) المتمثل برحيل أميركا ذليلة صاغرة.

    أميركا هي التي تُمَثل اليوم (كبيرًا لهم) لمحور الشر: إسرائيل، وبعض دول الخليج؛ ولأجل ذلك فإنَّ (كبيرهم) لا ينفعهم، فهو لم يستطِع حماية (مجموعته الخاصة المتمثلة بقاعدة عين الأسد وقاعدة أربيل الأميركيتين) فكيف يحمي هذا المحور المهزوز المتآكل؟!

 

والحمد لله رَبِّ العالمين

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك